الجمعة، 23 سبتمبر 2011

خامنئي والبحرين .. الوعد الكاذب !

العربية نت 21 شوال 1432هـ - 19 سبتمبر 2011م

قد يشكل الولي الفقيه ومرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي مرجعية سياسية للعديد من الشيعة في العالم، وبالتالي فإن المواقف السياسية التي يتخذها تكون مواقف هامة لتأثيرها على مواقف مختلف التيارات الشيعية، وسلوكهم السياسي لاحقاً. وسبب ذلك تقاطع المصالح بين مصالح الجمهورية الإسلامية من جهة، ومصالح التيارات الشيعية.

في البحرين منذ اندلاع الأزمة السياسية الراهنة في 14 فبراير الماضي، كان لافتاً حجم التدخل الإيراني في الحراك السياسي الدائر أثناء الأزمة، وهو تدخل ليس بجديد إذ تتمتع طهران بتاريخ حافل من التدخلات السياسية والأمنية في الشأن البحريني منذ حكم الشاه الأخير.

ولكن التطورات الأخيرة التي شهدتها البحرين كشفت نظرة أكثر راديكالية من القيادة السياسية الإيرانية تجاه المنامة. فإذا كانت طهران تواجه المنامة بشكل غير مباشر عبر سلسلة من التصريحات لفعاليات رئيسة في النظام الإيراني وغالباً ما تكون فعاليات غير رسمية، فإنها بعد الأزمة البحرينية أصبحت تمارس نشاطها بشكل علني وأكثر صراحة ووضوحاً.

هذا هو الوضع الراهن، ولكن بمتابعة تطور الموقف الإيراني تجاه الأزمة البحرينية يمكن الخروج بعدة حقائق أبرزها، محدودية تصريحات المرشد الإيراني مقارنة بتصريحات المسؤولين الحكوميين في طهران. فخلال الفترة من فبراير إلى أغسطس 2011 لم يصدر عن الولي الفقيه سوى 4 تصريحات بشأن البحرين. وهو ما يكشف توزيع الأدوار داخل النظام الإيراني، وضمان وجود خط رجعة من قبل قمة الهرم السياسي تجاه المواقف السياسية السابقة في حالة تطور الأزمة البحرينية بما يتعارض ومصالح طهران.

بالإضافة إلى ذلك فإن جميع تصريحات المرشد الإيراني بشأن البحرين تزامنت مع مناسبات قومية عامة في إيران أو حتى للشيعة عموماً، وتشمل عيد السنة الفارسية، والذكرى السنوية لرحيل الإمام الخميني، ويوم البعثة النبوية حسب التقويم الشيعي، بالإضافة إلى عيد الفطر. ومثل هذا التوجه يشير إلى أن سبب اختيار المرشد لمثل هذه المناسبات هو تكوين تضامن شيعي ـ شيعي تجاه القضايا التي يثيرها. وبالتالي فإن تركيزه في مثل هذه المناسبات على الأوضاع السياسية في البحرين من شأنه أن يثير تعاطف الشيعة في العالم مع ظروف شيعة البحرين، ومن ثم يساعد طهران في زيادة الضغط على البحرين لدعم أنصار ولاية الفقيه من الطائفة الشيعية.

ركزت تصريحات المرشد الإيراني على تكريس مجموعة من المفاهيم في خطابه السياسي بشأن الأوضاع في البحرين؛ وتشمل: "الشعب المظلوم، ثورة مطالب، المطالبة بالحقوق، التدخل السعودي، الاضطهاد، عدم الوفاء بالعهود للشعب". كما حرص خطاب المرشد على نفي الطائفية عن الاحتجاجات التي شهدتها البحرين.

اعتمد المرشد في خطابه الديني ـ السياسي حول الأزمة البحرينية على تقديم الوعود بالنصر الإلهي، واهتمت بتحفيز شيعة البحرين على الثبات ومواصلة الاحتجاجات في مواجهة الدولة من خلال تبريرات دينية مستقاة من المذهب الشيعي.

في أوقات عديدة اتسمت تصريحات المرشد بالتناقض، ومن أمثلة ذلك تبريره وتأكيده مشروعية الاحتجاجات التي قام بها شيعة البحرين، وتحريمه ورفضه لتلك الاحتجاجات التي قام بها المواطنون في سوريا أو حتى العراق. بالمقابل تضمن خطاب المرشد الإيراني مطالب متطرفة، وهي لا تعكس حقيقة أو واقع، وتتراوح بين وقف التدخل السعودي لقمع شعب البحرين مروراً بوقف الظلم عن شعب البحرين، وضرورة مواصلة الاحتجاجات المشروعة لمواجهة الدولة.

الازدواجية المذهبية

التصريح الأول لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي كان بمناسبة عيد السنة الفارسية الجديدة خلال مارس 2011، حيث وجه انتقادات حادة للسعودية، وأكد نفيه دعمه للاحتجاجات في البحرين لأسباب مذهبية مبرراً موقفه بأن طهران تدعم كافة المسلمين ومن أمثلة ذلك دعمها للفلسطينيين وقضيتهم.

اللافت في هذا التصريح أنه ركز على ما أسماه بـ "التدخل السعودي" رغم أنه في الحقيقة مشاركة سعودية في قوات درع الجزيرة الخليجية. وكان اتهام خامنئي للرياض أنها تتدخل عسكرياً في البحرين تحت غطاء قوات درع الجزيرة.

ومن الواضح أن خامنئي كان يسعى لتحقيق عدة أهداف عبر تصريحه الأول بشأن البحرين في مناسبة إيرانية هامة (عيد السنة الفارسية الجديدة)، حيث سعى لربط ربط المواجهة في البحرين بين إيران والسعودية، وليس إيران ودول مجلس التعاون الخليجي التي شاركت ضمن قوات درع الجزيرة. أيضاً قام بالتأكيد على عدم طائفية الاحتجاجات السياسية التي تشهدها البحرين، وأنها تمثل مطالب الشعب البحريني.

بالإضافة إلى ذلك ربط المرشد الإيراني الاحتجاجات السياسية في البحرين بالاحتجاجات التي كانت تشهدها آنذاك تونس ومصر. وقد يكون الهدف من وراء ذلك تكوين رأي عام شيعي بأن احتجاجات البحرين تسعى لتحقيق مطالب شعب البحرين لإبعاد أي محاولات من قبل المسؤولين الإيرانيين تتعلق بالمطالبة بإقامة دولة إسلامية في البحرين.

تصنيف إيراني للثورات

أما التصريح الثاني لمرشد الثورة الإيرانية فكان في نهاية يونيو 2011 تزامناً مع الاحتفال بيوم البعثة النبوية حسب التقويم الشيعي، وأكد فيه أن "الاحتجاجات في البحرين تعد النضال الحقيقي المماثل لحركة الشعب المصري والتونسي واليمني". وأن "الاحتجاجات في العالم العربي تمثل الصحوة الإسلامية التي تسير على الطريق الذي رسمه الرسول".

وأشار خامنئي في تصريحه إلى واشنطن وتل أبيب قائلاً: "لن تسمح للأمريكيين والصهاينة بركوب الموجة وحرق هذه الحركة العظيمة عبر بث الخلافات والتحايل عليها".

كما ابتكر تصنيفاً خاصاً بالثورات يقوم على تصنيفها إلى قسمين؛ ثورات مزيفة وثورات حقيقية، حيث قال: "الثورة السورية نسخة مزيفة عن الثورات في مصر وتونس واليمن وليبيا". متهماً الولايات المتحدة الأمريكية بصنع الثورة السورية لإيجاد خلل فيما أسماها بـ "جبهة الممانعة".

ويلاحظ تكرار ربط خطاب المرشد الإيراني للأحداث في البحرين بأنها امتداد طبيعي للثورات التي تشهدها البلدان العربية الأخرى. وكذلك تبريره للاحتجاجات وفق أسس دينية عندما وصفها بأنها "تمثل الصحوة الإسلامية التي تسير على الطريق الذي رسمه الرسول".

إلا أن التطور المهم في هذا الخطاب، هو التناقض الكبير في الوصف، حيث قسّم المرشد الاحتجاجات التي تشهدها البلدان العربية إلى احتجاجات حقيقية، كما هو الحال في البحرين. واحتجاجات مزيفة، كما هو الحال في سوريا.

ابتكار المواجهة

بمناسبة الذكرى السنوية الثانية والعشرين لرحيل الإمام الخميني في بداية يونيو 2011 أطلق مرشد الجمهورية الإسلامية تصريحه الثالث بشأن البحرين، وتضمن التركيز على مفاهيم أخرى، حيث قال: "الشعب البحريني مظلوم ظلامة مطلقة وأمريكا تعاملت مع ثورته بمكاييل ضد شعاراتها الديمقراطية وحقوق الإنسان والسعودية لا يمكن أن تقمع الشعب البحريني دون ضوء أخضر من أمريكا".

وأضاف: "الشعب البحريني ثورته ثورة مطلبية وهو يريد حقوق مشروعة وليست ثورة طائفية بين سنة وشيعة على الرغم من غالبية شيعية في البحرين... نحن ندعم ونقف مع كل الثورات التي هي ضد أمريكا والصهيونية والثورات التي تأتمر بأمريكا نحن لا ندعمها لأن أمريكا والصهاينة هم ضد شعوب المنطقة... النصر حليف الثورات حتى وإن تأخر النصر إلا أن النصر حليفها إذا تمسكت بالله والقرآن والوعي والاستمرار".

في هذا التصريح يلاحظ حرص مرشد الثورة الإيرانية على تبرير إخفاق طهران في دعم شيعة البحرين خلال احتجاجاتهم، وهو ما برّره بالدعم الأمريكي للسعودية لقمع ثورة البحرين. كما استمر في تأكيده على أن الاحتجاجات في البحرين تعد ثورة مطلبية، وليست ثورة طائفية رغم وجود ما أسماه "أغلبية شيعية".

أيضاً عمل خامنئي على تحفيز شيعة إيران والشيعة بشكل عام على مواجهة واشنطن وتل أبيب، وهو أسلوب يهدف إلى تشتيت اتجاهات الرأي العام الشيعي عن الأزمة الحقيقية التي تسببت فيها طهران في البحرين، وفشلها في تحقيق أهدافها الرامية لإسقاط النظام السياسي الحاكم. كما قدم المرشد الإيراني إطاراً زمنياً جديداً للثورة الشيعية في البحرين، مع تقديم تأكيدات بأن هناك ضمانات للنصر تتمثل في التمسك بالدين والقرآن، وهو استغلال صريح للدين في الخطاب السياسي.

الوعد الكاذب

تمثل التصريح الرابع في خطبة عيد الفطر التي ألقاها مرشد الثورة الإيرانية نهاية أغسطس 2011، وخصص جزءاً منها للحديث حول الأوضاع السياسية في البحرين، وذكر فيها أن "الشعب البحريني شعب مظلوم؛ وإنه يتعرض للظلم والاضطهاد. إننا قلقون جدّاً تجاه الوضع في البحرين، لأن هناك ظلم يرتكب بحق شعب البحرين، ويقدّم له الوعود لكن لا يوفى بها... إن أيّ تحرّك وإقدام كان من أجل الله، متى ما رافقه العزم والإرادة، فإنه منتصر لا محالة، وهذا ما يصدق في أي مكان، وفي قضية البحرين أيضاً... إن النصر سيكون حليف الشعوب، وفشل مؤامرات الأعداء ضد الثورة الإسلامية في إيران".

في خطابه الأخير اهتم خطاب المرشد الإيراني بالتأكيد على مفاهيم المظلومية والاضطهاد لدى الشيعة في البحرين. والتلويح برفض أية وعود تقدمها الدولة أو حتى الحكم لشيعة البحرين، لأن هناك حالة من عدم الوفاء حسبما يراه المرشد.

مشدداً على النصر المستقبلي وفق مفاهيم دينية. والتركيز على احتمال تعرّض فكر ولاية الفقيه والنظام الديني الحاكم في طهران لهجمات من بعض الأطراف بسبب تدخلات إيران الإقليمية، والتحذير منها.

النتيجة الختامية لتحليل الخطاب السياسي للولي الفقيه الإيراني تجاه الأزمة البحرينية، أنه يقدم وعوداً بانتصار تيار ولاية الفقيه في المنامة، وأن أي محاولات لمواجهة هذا الانتصار ستنتهي بالفشل، مقدماً تبريرات دينية ـ سياسية لإخفاق طهران في الأزمة البحرينية بعد أن حظت المنامة بدعم خليجي كبير.


الكاتب :- يوسف البنخليل


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق