الأحد، 28 أغسطس 2011

بقاء بشار شأن استراتيجي إيراني

جريدة الجزيرة السعودية 28-رمضان-1432هـ / 28-أغسطس-2011م

كلُّ المؤشرات الداخلية والخارجية تقول إنّ نظام بشار الأسد في طريقه للسقوط، والخلاف على قضيتين: أولاهما متى؛ وثانيهما كم هو الثمن الذي يجب أن يدفعه السوريون كي يتخلّصوا من هذا الجاثوم البارك على صدورهم منذ ما يقرب من خمسة عقود. لكن ماذا لو حدث العكس، واستطاع نظام الأسد أن يتجاوز المحنة، ويلتقط أنفاسه، ويُخمد الانتفاضة، ويُعيد القبضة الحديدية إلى ما كانت عليه الأوضاع إبان عهد الأب المقبور وما مضى من عهد الابن؟

أعرف بدءاً أنّ هذا الاحتمال ضعيف، غير أنه وارد، ولا يمكن إلغاؤه تماماً؛ وفي مقالي هذا سأحاول أن أستشرف الوضع فيما لو تحقق هذا الاحتمال.

لو حدث ذلك، فإنّ الذي سيحكم دمشق ستكون طهران؛ وسوف تتحوّل سوريا إلى دولة تابعة للإمبراطورية الإيرانية، مثلها مثل عراق المالكي، فهي ستخرج من الانتفاضة منهكة ضعيفة واهنة، معزولة على الصعيد الخارجي، علاقاتها متوترة ليس فقط مع أمريكا ودول الاتحاد الأوربي، وإنما مع أغلب الدول العربية؛ هذا إضافة إلى أنّ أوضاعها الاقتصادية الداخلية ستكون في غاية السوء بل ومهترئة، وفي الوقت ذاته هناك استحقاقات ومتطلّبات تحتاجها مرحلة ما بعد إخماد الانتفاضة إذا تمكّن من إخمادها لن يكون في مقدورها توفيرها، الأمر الذي سيجعلها حتماً تلجأ إلى إيران وترتمي في أحضانها، وإعطائها مقود العربة لتتحكّم في مساراتها وسياساتها وتوجُّهاتها؛ وهذا غاية ما تطمح له إيران.

نجاة النظام السوري من السقوط، وارتمائه في الأحضان الإيرانية، يعني أنّ أغلب منطقة الشمال العربية (العراق، سوريا، لبنان) سيصبح منطقة نفوذ فارسية، تتحكّم فيها إيران وتوجّه قرارات مؤسساتها السياسية، أي أنّ كل ما خطط له الملالي تحقق تماماً مثل ما يطمحون إليه.

هنا لا يمكن أن نغفل البُعد الطائفي من الموضوع؛ فالذي جعل الأسد الابن ينزع نفسه وبلاده من محيطها وخياراتها العربية ويتجه بها نحو إيران ليرتمي في أحضانها كان بعداً طائفياً محضاً. الأسد الأب كانت الورقة الطائفية في لعبته السياسية في الداخل والخارج مجرّد ورقة ضمن أوراق، يعرف بدهائه كيف يلعبها ويوظفها في مصلحة نظامه؛ بينما أنّ رعونة الابن (الوارث)، وقلّة خبرته على ما يبدو، جعلته يتحوّل من ماسك لورقة يوظفها في خدمة مصالحه، إلى (ورقة) يلعب بها الآخرون؛ ولا يمكن لأي مراقب يقرأ الانتفاضة والغضب السوري الداخلي والإقليمي دون أن يلحظ أنّ هناك عوامل عدة أوصلت سوريا بشار إلى ما وصلت إليه، كان الاندفاع نحو الخيار الإيراني والتحالف معه، أحد أهم بواعثها، إلى درجة جعلته يبدو وكأنه يدار من طهران بالريموت كنترول.

لذلك فإنّ دعم إيران مالياً وعسكرياً ولوجستياً لنظام بشار أمام انتفاضة السوريين، مبرر على المستوى الاستراتيجي بالنسبة لإيران، فبقاؤه ضعيفاً منهكاً محاصراً معزولاً عن العالم، وعن محيطه العربي، ومنبوذاً من أغلبية مواطنيه، يصب في التحليل الأخير في مصلحة إيران، ويجعله يرتمي أكثر في الأحضان الإيرانية، ليتحوّل إلى دمية في يد صانع القرار الإيراني، تماماً كما هو مالكي العراق، ونصر الله وخيال مآتته نجيب ميقاتي في لبنان.


الكاتب :- محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

سوريا وحزب الله .. المصالح فوق "المبادئ"

موقع الإسلام اليوم (أخبار البشير) 22 من رمضان 1432هـ / 22 من أغسطس 2011م

لم يكن هناك من يراهن على موقف مختلف لحزب الله اللبناني تجاه الأحداث الجارية في سوريا، فالعلاقة الوثيقة بين الحزب ونظام بشار الأسد تجعل مساحة المناورة أمامه معدودة، حيث شكلت دمشق –دومًا- ممرًّا لعبور أسلحة وتجهيزات الحزب القادمة من إيران، كما أن الدعم السياسي الذي يوفِّره نظام الأسد، الأب ثم الابن، يعد ركيزة أساسيَّة لنفوذ "حزب الله" على الساحة اللبنانيَّة، حيث ما زال السوريون اللاعب الأبرز هناك، رغم انسحاب قواتهم عقب اغتيال الحريري.

لكن كل ذلك لا يخفف من وطأة "المأزق الأخلاقي" الذي سقط فيه الحزب، فبعدما حشد كافة أسلحته السياسيَّة والإعلاميَّة لدعم المتظاهرين الشيعة في البحرين، ووزع الاتهامات شمالا ويمينًا على كل من اعتبره صامتًا أو متواطئًا تجاه القمع الأمني للمظاهرات، اضطرَّ إلى "ابتلاع لسانه" عندما هبت رياح الربيع العربي على سوريا، ولجأ نظام الأسد لقمع المتظاهرين بوحشيَّة، مسقطًا أكثر من ألفي قتيل، ولم يحاول الحزب الاختباء وراء "جدار الصمت"، حتى لا يضطرَّ إلى مناقضة نفسه، بل ذهب إلى تبنِّي رواية نظام الأسد كاملة، واعتبر الاحتجاجات "مؤامرة أمريكيَّة صهيونيَّة" ضد "نظام الأسد المقاوم"، متحدثًا عن مسلحين يهاجمون أجهزة الأمن ويروعون الآمنين، كما يزعم إعلام الأسد.

ومن اللافت أن حركة "حماس"، وهي أيضًا حليف وثيق لسوريا، حاولت أن تنأى بنفسها تمامًا عن تفاصيل ما يحدث، مكتفيةً بالتأكيد على موقف مبدئي وهو "الوقوف مع الشعب السوري وقيادته"، معتبرة ما يحدث "شأنًا داخليًّا يخص الأخوة في سوريا"، أي أنها تجنبت الانحياز إلى أي جانب، وكذلك تجنبت الخوض في تفسير ما يحدث، وهل هو "ثورة" أم "مؤامرة"، ولعل ذلك الموقف هو أضعف الإيمان من حركة يوفر نظام الأسد ملجأً ودعمًا سياسيًّا وعسكريًّا لقادتها وكوادرها، لكنها في ذات الوقت تدرك أن الشعب السوري هو حاضنتها الأهم والأمتن، وأنه لا مصلحة لها في تلويث يدها بدماء السوريين.

معادلة مختلفة

لكن على الجانب المقابل فإن حجم الروابط بين حزب الله ونظام الأسد أضعاف ما بين الأسد وحماس، فالأخيرة تدرك أنه في جميع الأحوال ومهما كانت تركيبة النظام الذي يحكم سوريا، فإن القضية الفلسطينيَّة ستبقى في قلوب السوريين، حيث أن الجانبين يتقاسمان وطأة الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهما، وهناك استحالة في وجود نظام "صديق لإسرائيل" في دمشق، طالما أن هضبة الجولان ما زالت محتلة، كذلك فإنه يمكن لحماس أن تراهن على التواجد القوي للإسلاميين، خاصة حركة الإخوان المسلمين السوريَّة، في حال تمكن المتظاهرون من الإطاحة بالنظام أو حتى تغيير تركيبته.

أما بالنسبة لحزب الله فإن تحالفه مع سوريا لا يقتصر فقط على المواجهة مع إسرائيل، فالحزب هو أحد الأذرع الرئيسيَّة التي يدير من خلالها نظام الأسد اللعبة السياسيَّة في لبنان، كما أن "حزب الله" هو أحد أضلاع التحالف الاستراتيجي بين سوريا وإيران، وهناك نوع من تقاسم النفوذ بين الدولتين تجاه الحزب، ففي الوقت الذي يملك نظام الأسد التأثير الأبرز على أجندة الحزب السياسيَّة فيما يتعلق بالشأن اللبناني، فإن طهران هي صاحبة القرار فيما يتعلق بمواقف الحزب الإقليميَّة والدوليَّة، والأهم من ذلك امتلاكها ما يشبه "الفيتو" على نشاط الحزب العسكري، فهي المورد الرئيسي للسلاح، ولا يتوقع أن يقدم الحزب على أي قرار عسكري "مهم" دون التشاور معها، وأخذ الضوء الأخضر بذلك.

ماذا لو سقط "الأسد"؟

وهكذا فإن التحدي الأبرز الذي يواجه "حزب الله" هو احتمال انهيار التحالف الاستراتيجي ما بين (دمشق- طهران) إذا ما حدث تغير جوهري في النظام السوري، ويعزِّز من ذلك الاحتمال أن البعض في سوريا ينظر لهذا التحالف من "منظور طائفي"، ملمحًا إلى تغلغل النفوذ الإيراني في مختلف أوجه الحياة في سوريا، وما يرتبط بذلك من تقارير عن عمليات تشييع واسعة تستهدف المناطق السنية، وانهيار هذا التحالف يعني فقدان الحزب لعمقه الاستراتيجي متمثلا في سوريا، وعبرها إلى إيران، وهو العمق الذي مكَّن الحزب من مواصلة القتال في مواجهة إسرائيل لأكثر من 30 يومًا خلال حرب عام 2006، حيث استمرَّ تدفق الإمدادات العسكريَّة للحزب عبر الأراضي السوريَّة لتعويض خسائره، وتعزيز ترسانته الصاروخيَّة.

كذلك فإن غياب نظام الأسد قد يؤثر على حجم النفوذ السياسي لحزب الله في الداخل اللبناني، فكثير من تحالفات الحزب السياسيَّة قائمة أساسًا على الدعم والضغط السوري، فهناك كثير من التناقضات اللبنانيَّة التي لا يجمعها سوى "التحالف مع سوريا"، ومن ذلك تحالف حزب الله مع وليد جنبلاط وحزبه، وكذلك علاقة الحزب الوثيقة مع طلال أرسلان "القيادي الدرزي" وسليمان فرنجية " القيادي الماروني"، لكن ذلك لن يمس الهيمنة الكاملة للحزب على الشارع الشيعي في لبنان أو تحالفه مع حركة أمل، فذلك يرتبط بشكلٍ مباشر بالدعم الإيراني للحزب.

كما أنه من المستبعد تأثر تحالف الحزب مع ميشال عون "الزعيم الماروني"، لأن الأمر يتعلق من جهة بطموحات وصراعات عون مع منافسيه في الشارع المسيحي، وتنافر "الكيمياء السياسيَّة" بينه وبين سعد الحريري، ومن جهة أخرى فإن حزب الله بحاجة إلى حليف قوي في الشارع المسيحي، وهو الأمر الذي يحققه ميشال عون، رغم مناكفاته الحادة مع حلفاء الحزب الآخرين.

تورط مستبعد

ورغم التقارير المتعددة عن استعانة نظام الأسد بعناصر من حزب الله للمشاركة في قمع المتظاهرين، إلا أنه لا توجد روايات موثقة تؤكِّد ذلك، كما أنه لا يوجد مبرِّر منطقي لذلك، فآلة القمع السوريَّة ما زالت تعمل بكامل طاقتها، ولم تحدثْ حتى الآن انشقاقات مؤثِّرة في الجيش أو الأجهزة الأمنيَّة، كما أن الحساسيات الطائفيَّة والاجتماعيَّة المرتبطة بمثل هذه الخطوة، وما قد ينتج عنها من تداعيات على الساحتين اللبنانيَّة والسوريَّة، تجعل منها أمرًا بالغ الخطورة، إذ أنها تهدِّد بتحويل الصراع من "ثورة سلميَّة" إلى "حرب طائفيَّة" مدمرة، وهو أمر يفوق ضرره على "حزب الله" ضرر سقوط نظام الأسد بأكمله.

ولعلَّ أهم ما يشغل قادة حزب الله في هذه الأيام هو وضع السيناريوهات المتوقعة لتطورات الأحداث في سوريا، وتأثير كل منها على وجود ومستقبل الحزب، والطريقة الأمثل للتعامل مع تطورات كل سيناريو، فالأوضاع في سوريا بالغة التعقيد، ففي البداية كان هناك رهان لدى البعض على وجود توجهات إصلاحية لدى الرئيس الأسد، لكنه فشل، كما أن رهان الأسد على الحل الأمني، فشل هو الآخر، وهنا يخشى البعض من السيناريو الكابوس، والمتمثل في سقوط البلاد في الفوضى والتناحر الطائفي، ولعلَّ ذلك هو السيناريو الأسوأ لحزب الله، في حين أن انقلاب الأسد على شقيقه ماهر والحاشية المحيطة به، وتقديمهم كـ "قربان" لمصالحة الشعب وبدء صفحة جديدة، يشكل أفضل السيناريوهات لحزب الله، ولكافة حلفاء الأسد.


الكاتب :- مصطفى عياط

الربيع العربي والجموح الإيراني

الملف نت 21 من رمضان 1432هـ / 21 من أغسطس 2011م

لدى شعوب المنطقة ما يكفي لتبرير ريبتها من السياسات والمواقف الأمريكية تجاه القضايا المثيرة للجدل.

فهناك تراكم من شواهد الانحيازات التي لا تتفق مع القيم الأمريكية والمعايير المزدوجة التي تمليها المصالح الضيقة على القطب الكوني الوحيد.

ولا يخلو الأمر في بعض الأحيان من مغامرات غير محسوبة النتائج وذات كلفة عالية.

إرث السياسة الأمريكية كان حاضرًا بظله الثقيل في تعامل واشنطن مع رياح التغيير التي تهب على المنطقة وإن ظهر بشكل مختلف بعض الشيء.

أبرز أوجه الاختلاف تمثل في البعد التجريبي الذي أخذه التعاطي الأمريكي مع الثورات العربية التي أطاحت بنظامين وتوشك على الإطاحة بثلاثة أنظمة أخرى.

محاولة الاستجابة لمطالب الشارع المصري مثلاً أملت على صانع السياسة الأمريكي السرعة في مطالبة الرئيس السابق حسني مبارك بالرحيل عن السلطة رغم طبيعة العلاقة التي تربط الطرفين.

ولا شك في أن واشنطن كانت مأخوذة بقوة دفع الثورة التونسية حينما اتخذت قرار دعوة الرئيس مبارك للرحيل.

إلا أن الأمر كان مختلفًا بالنسبة للثورة السورية حيث انتظر الرئيس باراك أوباما وإدارته ستة أشهر سقط خلالها آلاف الشهداء والجرحى لإعلان موقف حاسم من بقاء الرئيس السوري بشار الأسد أو رحيله عن السلطة.

وكان واضحًا أن دور نظام الأسد في حماية الأمن الإسرائيلي يطغى على حسابات الموقف الأمريكي.

بشكل أو بآخر تنسحب الحسابات الأمريكية حول سوريا على الموقف من النظام الإيراني الذي سعى إلى توفير الغطاء السياسي لقمع أحرار الانتفاضة السورية.

فقد غطت مناورات الملالي وشعاراتهم المتطرفة وحروب الوكالة التي أداروها على تطرف اليمين الإسرائيلي وهروبه من استحقاقات عملية السلام.

ولم تحل العقوبات الغربية على طهران دون إبقاء الولايات المتحدة الأمريكية على خط رجعة مع الملالي مما يبقي الفضاء السياسي مفتوحًا على جميع الاحتمالات.

بعض مظاهر خط الرجعة إبقاء "مجاهدي خلق" حركة المعارضة الرئيسية في إيران على قائمة الإرهاب رغم إزالتها عن القائمة الأوروبية الأمر الذي وجدت فيه الحكومة العراقية المرتبطة بطهران غطاء لشن هجمات وفرض حصار على مخيم اللاجئين الإيرانيين.

وحين يتعلق الأمر بإيران تتجاوز القراءة العربية نقد "المعايير المزدوجة" و"حسابات المصالح " التي تحكم السياسة الأمريكية.

فهناك القلق من صفقات ثنائية بين واشنطن وطهران يدفع العرب فاتورتها من أمنهم واستقرارهم.

وبانتفاضاتها المتلاحقة، تتيح الشعوب العربية للولايات المتحدة، فرصة ذهبية للتعامل بذهنية مختلفة، مع قضايا المنطقة، والخروج من دائرة خدمة التطرف والتطرف المضاد.

الاستفادة من هذه الفرصة، تتطلب بالدرجة الأولى، تجاوز إملاءات اليمين الإسرائيلي، وتجذير الموقف تجاه جموح سياسة الهيمنة والإلحاق الإيرانية في المنطقة، بالسعي الحقيقي للتجاوب مع طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وفتح آفاق التغيير أمام الشعب الإيراني التواق للحرية والانعتاق مثله مثل بقية شعوب المنطقة.


الكاتب :- جهاد الرنتيسي