الخميس، 24 مارس 2011

المكاسب الإيرانية من الانتفاضة المصرية

مفكرة الإسلام 30-صفر-1432هـ / 3-فبراير-2011م
انطلقت شرار انتفاضة الشباب في كافة ربوع الدولة المصرية وسط ذهول الأجهزة المخابراتية العالمية والمراكز البحثية الدولية التي عجزت تقديراتها وسنياريوهاتها التنبؤ حتى ولو بالقدر القليل من تطورات تلك الانتفاضة، التي تحولت وبفعل فاعل إلى حمام من الدماء غير مسبوق لم تشهده أرض الكنانة من قبل.
حقاً نجحت انتفاضة الشباب المصري التي انطلقت شعلتها الأولى يوم 25 يناير 2011 في إعادة ضخ الدماء للعروق التي كادت أن يصيبها الضمور من شدة السكون والصمت، وبثت روح الوجود والأمل، ليس فقط في أجساد المصريين، بل في كامل الجسد العربي والإسلامي بأن التغيير حلم قابل للتحقيق، وأنه لم يعد بعيد المنال، تفصله عنا حواجز فولاذية، وأسوار أسمنتية، تم بنائها على مدار سنوات طويلة متعاقبة من الخوف والترهيب، صوّرت لنا بأنه لا يمكن هدمها وإسقاطها، لكن ثورة الشباب المصري، كسرت كل التوقعات، وتجاوزت كافة التقديرات، لتكون مناراً يُشع نور الأمل في التخلص من أغلال الظلم والاستبداد.
لكن ما لبث أن تحولت الانتفاضة الشبابية المصرية المباركة إلى فريسة سمينة انقض عليها المتسلطون والمنتفعون وأصحاب الأجندات والمصالح الخارجية، لينقضوا عليها ويختلسوا مكاسبها، ويحولوها من ثورة سلمية لتغيير صورة الحياة في مصر بعد سنوات طويلة من الاستبداد والاستعباد، إلى فوضى غوغائية يختلط بها الحابل بالنابل، كما هو سائد حالياً على ألسنة مصريون كثيرون.
تدريجياً وكما هو غير متوقع تحولت تلك الانتفاضة المباركة إلى نموذج آخر، وصورة كاربونية مصغرة من صور الفوضى الخلاَّقة التي ابتدعها الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش لتحقيق أقصى حد من المكاسب، السياسية، الاقتصادية والعسكرية. وتثير الفوضى الخلاَّقة الحالية التي تشهدها أماكن متفرقة من مصر كثير من التساؤلات وعلامات التعجب المريبة حول التطور السريع غير المسبوق لثورة الشباب المصرية، التي باتت قنبلة متفجرة في كل وقت لا يدفع ثمنها سوى المصريون البسطاء.
أجندات خاصة:
بالفعل تعددت التحليلات والتعليقات السياسية التي رصدت التطور السريع للأحداث في مصر منذ 25 يناير، وتباينت المواقف حول الجهات والعناصر المحركة لتلك الثورة الشبابية التي لم تفرز حتى كتابة تلك السطور قيادة واحدة تتحدث باسمها وتعلن قائمة مطالبها، وهو ما يؤكد على شعبيتها وعدم ارتباطها بحزب أو حركة سياسية بعينها، لكن من الثابت والمؤكد وجود أجندات ومخططات سابقة التجهيز تُنسب لعناصر داخلية وخارجية على حد سواء، اجتمعت كلها في وقت واحد، وشرع كل عنصر من العناصر لتطبيقها في التوقيت الحالي، الذي بات نموذجياً، مستغلين حالة الصحوة الشبابية، وما أعقبها من حالة فوضى مستحكمة، ليشرع في تطبيقها بما يحقق له من مكاسب على المستويين الداخلي والإقليمي. على ضوء ذلك يمكننا تحديد تلك العناصر المستفيدة من سقوط مصر في بئر الفوضى، والذي لا قدر الله قد ينزلق على غير المتوقع لحرب أهلية لا يحمد عقباها، ولعل أحداث تصادم معسكري المولاة والمعارضة بميدان التحرير في يوم 2 فبراير 2011 لخير دليل على ذلك؛ بناءً عليه لا يمكننا استبعاد تورط عناصر من الحرس الثوري الإيراني، والموساد والـسي آي إيه، إلى جانب عناصر من جماعة الإخوان المسلمين وعناصر أخرى تابعة للنظام المصري الحاكم في خلق هذه الفوضى التي تشهدها مصر حالياً، بدلاً من أن تسير على مسارها الصحيح كثورة قومية.
الغريب أن كل هذه الأطراف قد التقت أهدافهم البغيضة، وغاياتهم المغرضة الدنيئة لتطبق في وقت واحد على الساحة المصرية، وهو ما تسبب في الفوضى الدامية التي تغرق فيها مصر حالياً. وعلى ضوء ما سبق يمكننا تحديد هوية أكبر الرابحون من السقوط المصري في هاوية الفوضى، لنضع أيدينا على أبعاد المخطط الحقيقي الذي تتعرض له مصر وشعبها الأبي الذي أصبح يخاف اليوم على أمنه وأمانه أكثر مما يخاف على قوت يومه ورغيف خبزه.
الرابح الأكبر:
على الرغم من أن الرابحين من حالة الفوضى الحالية التي تعيشها مصر هم كُثر، لكن تبدو إيران من خلال استقراء الأوضاع الحالية في مصر هي أكبر الرابحون من تدهورها وتراجعها. ولا يخفى على أحد الاستفزازات التي مارستها إيران ضد مصر في الآونة الأخيرة، وسعيها تحتها للتضييق عليها في عدد من الدول سواء على المستوى العربي أو الأفريقي. فالأجندة الإيرانية المستهدفة لمصر ممتدة من لبنان وغزة شرقاً، حتى السودان وإريتريا جنوباً، فإيران تواصل مطاردة مصر والتضييق عليها في كثير من الملفات الإقليمية والعربية، سواء بنفسها، أو من خلال العناصر التابعة لها التي تقوم على تنفيذ مخططاتها، ففي لبنان نجد إيران تستخدم حزب الله للعمل ضد مصر – ومعها المملكة العربية السعودية- في مساندة المعسكر السني. وفى القضية الفلسطينية تعمل إيران على تخريب الجهود المصرية لتحقيق المصالحة بين المتناحرين الفلسطينيين من خلال تحريض عناصر خارجية تابعة لحركة حماس، أو من خلال دفع التدخل القطري في الملف الفلسطيني، وفى الجنوب تلاعب إيران القاهرة بعدة أوراق في القارة الأفريقية.
على ضوء ذلك فإن زعزعة الاستقرار المصري يحقق لإيران أجندتها لفرض هيمنتها الإقليمية، فالأرباح الإيرانية كما يتصور البعض بأنها تكمن فقط في سقوط نظام الرئيس حسني مبارك، الذي كان بمثابة الشوكة في حلق قيادات الملالي، بعيداً عن استخدام مفاهيم الاستبداد والطغيان، لأنه لا يوجد أدنى فرق بين كلا النظامين في تلك النقطة، بل يمكن اعتبارها عامل مشترك وعنصر تقارب بينهما.
تطلعات إيرانية:
لكن وفي حقيقة الأمر شكَّل بالفعل نظام مبارك مع سابقه صدام حسين في العراق، متراس قوي ظل قائماً لسنوات طويلة أمام نشر التشيع الإيراني للعديد من الدول السنية والعربية، وتصدير الثورة الإيرانية ومبادئها لها. ومن المؤكد أن زعزعة الأوضاع بمصر في كافة المجالات يجعل وبدون شك إيران أكبر وأقوى دولة إسلامية في المنطقة العربية، الأمر الذي سيفسح لها المجال من جهة لممارسة عدوانيتها وبلطجتها على عدد من الدول العربية، كدولة الإمارات العربية المتحدة ومملكة البحرين، واستكمال بسط سيطرتها على دول أخرى مثل لبنان والسودان، وذلك دون أن يكون أمامها رادع وقوة كبرى مثلما كانت تمثله مصر حتى وقت قريب. ولعل تصريحات وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي، بأن الانتفاضة في مصر ستساعد في إقامة شرق أوسط إسلامي، تؤكد على تطلع إيران لقيادة هذا النظام الشرق أوسطي الجديد بمفردها طبقاً لعقيدتها وتوجهاتها. ومما يكشف ضلوع إيران في إثارة الفوضى التي تشهدها مصر حالياً ومساهمتها في تحويل مسار الثورة الشبابية المصرية، تأكيدات صالحي بأن إيران ستعرض على المتظاهرين المساعدة، وأن طهران ستظل إلى جانبهم حتى تحقيق الحرية.
ولعل تلك التصريحات قد تحل بعض الألغاز والتساؤلات التي شابت حول اندساس عناصر مخربة ومثيرة للشغب وسط حركة الشباب من 25 يناير الذين أكدوا على مظاهراتهم السلمية، وتأكيد عدد من وسائل الإعلام على حصول البعض من معسكر المعارضين لنظام مبارك، على أموال طائلة شريطة مواصلة الاحتجاجات العنيفة لإثارة مزيد من القلاقل وأعمال الشغب.
هروب حمساوي:
ومن أكثر الأمور التي تثير التساؤلات والريبة في آن واحد حول إمكانية ضلوع الحرس الثوري الإيراني في إثارة أعمال الشغب والعنف في مصر، إلى جانب أجندات مصالح العناصر الإقليمية الأخرى، هو هروب عناصر تابعة لحركة حماس الفلسطينية - التي قادتها في خارج غزة على علاقات قوية بقيادات الملالي في طهران - من السجون المعتقلات المصرية، إلى جانب هروب عناصر موالية لإيران فيما يُعرفون باسم أعضاء خلية حزب الله في مصر ووصلوهم في وقت وجيز إلى قطاع غزة. على ضوء ذلك فمن غير المستبعد وجود مخطط إيراني محدد الملامح والأهداف لتنفيذ عمليات الهروب تلك بشكل منظم من المعتقلات والسجون المصرية. وعلى خلفية تدهور الأوضاع الداخلية في مصر، فمن المرشح أن تشهد الساحة اللبنانية أيضاً خلال الأيام القادمة حالة تصعيد غير مسبوقة من جانب حزب الله، الذي سيمارس المزيد من استعراض القوة على المعسكر السني في البلاد بدعم إيراني بعد أن أصبح موقفه على المحك بعد انهيار الأوضاع في مصر التي كانت أكبر داعم عربي سياسي له.
على أية حال فسقوط مصر في هاوية الفوضى بالشكل الذي نشاهده الآن سيمهد الطريق بلا شك أمام فرض السيطرة الإيرانية في لبنان والعراق والأراضي الفلسطينية والسودان، وسيزيد من سطوتها على منطقة الخليج العربي، لتصبح الحاكم الآمر بدون قوة رادعة. ختاماً نؤكد أن هناك أطراف كثيرة قد حققت بالفعل مكاسب غير مسبوقة من التطورات الحالية التي تشهدها مصر، في إلى جانب إيران، هناك بالطبع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية، اللذان يحملان أجندات خاصة لا تختلف عن الأجندة الإيرانية، وفى النهاية مصر هي الفريسة.

الكاتب / سامح عباس

البرادعي وعلاقته بالملالي من خلال زوجته الإيرانية

الملف نت غرة ربيع الآخر 1432هـ / 6 من مارس 2011م
عمل محمد البرادعي المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية على تفكيك التحالف الدولي تجاه إيران وتمكن من تفتيت هذا التحالف تحت ذرائع شتى في حين حكومة طهران تسابق الزمن على صنع قنبلة نووية.
وكشفت مصادر مؤخرًا إن البرادعي كان على اتصال بالإيرانيين من خلال زوجته إيرانية الأصل وأثارت الصحافة الدولية هذه القضية ألان البرادعي التزم الصمت نحو هذا الأمر.
وتبين المصادر إن البرادعي سرب معلومات مهمة الى إيران استغلتها لمواجهة الغرب بالمقابل يرى مراقبون أن البرادعي مهد لاحتلال العراق لأنه كان جزءاً من عملية التحشيد والإعداد لغزو العراق ووقف سداً منيعاً بوجه كل محاولات واشنطن لضرب البرنامج النووي الإيراني ما دفع المراقبين إلى النبش في ماضي الرجل للوصول الى ما يمكّنهم من فهم موقف البرادعي من إيران.
وبحسب الدكتور كاميران برينيه فان "البرادعي لا يمكن أن يكون محايدًا تجاه إيران" بسبب علاقة زوجته برجل الدين الإيراني محمد رضا مهدوي كاني الذي يرأس الجمعية الإيرانية المتشددة لرجال الدين (جمعية روحانيون مبارز) ورئيس جامعة الإمام الصادق التي تدرّب المسؤولين الإيرانيين لإدارة شؤون البلاد وهي واحدة من المجموعات السياسية الرئيسية والأكثر تشدداً في النظام الإيراني فضلاً عن انه احد ابرز المقربين من المجرم علي خامنئي وقبله من الخميني.
ويقول برينيه ان عايدة الكاشف زوجة البرادعي هي ابنة عم مهدوي كاني ولهذا اتسمت مواقفه تجاه محاولات واشنطن بالرفض التام.
ويستشهد المراقبون بجملة من التصريحات ادلى بها البرادعي في اوقات مختلفة لوسائل اعلام غربية منها ما قاله في مقابلة معه أجرتها قناة سي إن إن في آيار 2007 عندما شجب الإجراءات العسكرية كحل لما تراه دول أنه أزمة الملف النووي الإيراني اذ قال البرادعي ما مفاده "لا نريد أن تكون حجة إضافية لبعض "المجانين الجدد" الذين يريدون أن يقولوا هيا بنا نقصف إيران".
وقال في مقابلة مع الصحيفة الفرنسية لوموند في تشرين الاول 2007: "أريد أن أبعد الناس عن فكرة أن إيران ستصبح تهديدًا أو أننا تحت إلحاح تقرير ما إن كان ينبغي قصف إيران أو السماح لها بأن تحوز القنبلة النووية. لسنا في هذا الموقف. العراق مثل صارخ على أن استخدام القوة في حالات كثيرة، يضاعف المشكلة بدلاً من أن يحلها".
كما أنه قال في سنة 2008 "إذا وُجِّهت ضربة عسكرية إلى إيران الآن لن أتمكن من الاستمرار في عملي" أي أنه سيستقيل بحسب ما ذكر كما أنه أوضح بأن ضرب إيران سيحيل المنطقة ويحولها إلى كرة لهب".
ولا يكتفي أولئك المراقبون الذين يتهمهم مؤيدو البرادعي بالايغال في نظرية المؤامرة بهذه التصريحات، بل انهم يربطون بين تصريحات البرادعي في ميدان التحرير بالقاهرة وبين تصريح المجرم علي خامنئي بأن مصر سوف تحذو حذو إيران نحو جمهورية إسلامية تحت إرشاده وتصريحات نجاد بان الامام المهدي المنتظر يقود ثورة عالمية.
يذكر ان محمد البرادعي من مواليد الدقي في الجيزة 1942بدأ حياته العملية موظفًا في وزارة الخارجية المصرية في قسم إدارة الهيئات سنة 1964م حيث مثل بلاده في بعثتها الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك وفي جنيف. سافر إلى الولايات المتحدة للدراسة ونال سنة 1974 شهادة الدكتوراه في القانون الدولي من جامعة نيويورك. عاد إلى مصر في سنة 1974 حيث عمل مساعدا لوزير الخارجية إسماعيل فهمي ثم ترك الخدمة في الخارجية المصرية ليصبح مسؤولاً عن برنامج القانون الدولي في معهد الأمم المتحدة للتدريب والبحوث سنة 1980م كما كان أستاذا زائرا للقانون الدولي في مدرسة قانون جامعة نيويورك بين سنتي 1981 و 1987. واكتسب خلال عمله كأستاذ وموظف كبير في الأمم المتحدة خبرة بأعمال وصيرورات المنظمات الدولية خاصة في مجال حفظ السلام والتنمية الدولية، وحاضَرَ في مجال القانون الدولي والمنظمات الدولية والحد من التسلح والاستخدامات السلمية للطاقة النووية وألَّف مقالات وكتبا في تلك الموضوعات التحق بالوكالة الدولية للطاقة الذرية سنة 1984 حيث شغل مناصب رفيعة منها المستشار القانوني للوكالة ثم في سنة 1993 صار مديرًا عامًّا مساعدًا للعلاقات الخارجية، حتى عُيِّن رئيسا للوكالة الدولية للطاقة الذرية في عام 1997 خلفًا للسويدي هانز بليكس.

الكاتب/ نبيل الحداد

أمن الخليج وخطط امريكا لتغيير التوازن العسكري مع ايران

في مقابلة مع قناة الجزيرة في 7 أيلول الماضي قال وزير الدفاع الأمريكي روبرت غيتس "كلما استطاع اصدقاؤنا العرب وحلفاؤنا تقوية قدراتهم الأمنية، كلما أدى ذلك إلى زيادة قوة تعاونهم مع بعضهم ومعنا، وأنا اعتقد أن هذا يرسل إشارة إلى الإيرانيين بأن الطريق الذي يسيرون عليه لا يدعم الأمن في إيران ولكنه يضعفه في الواقع".
وكتب الباحث مايكل نايتس، زميل ليفر الدولي في معهد واشنطن ومتخصص في الشؤون العسكرية والأمنية المتعلقة بالعراق وإيران ودول الخليج مقالاً جاء فيه: تَعكس تعليقات وزير الدفاع غيتس، بزوغ فجر يُدرَك فيه تزايد الخطر النووي الإيراني بأن توازن عسكري تقليدي جديد يبرز ببطء في الخليج العربي.
ويبيّن الكاتب، هناك ثلاثة عوامل دفعت القدرات العسكرية المحسَّنة لدول مجلس التعاون الخليجي منذ منتصف التسعينيات من القرن الماضي. العامل الأول كان تطوير عمليات الشراء المحسنة، مع التركيز بصورة أكبر على النظم المناسبة التي تلبي بصورة أفضل احتياجات هذه الدول. إن دول مجلس التعاون الخليجي، التي هي من بين أكثر الدول إنفاقاً في الشؤون الدفاعية في الشرق الأوسط، قد وظفت نفقاتها الدفاعية وفقاً لعمليات التخطيط الشرائية القائمة على التهديد التي تتعرض له، وعلى المساومة الفعالة التي تضمن تلقيها أحدث التقنيات بأفضل الأسعار.
أما العامل الثاني فقد كان الاعتماد على نهج متوازن بصورة أكثر تجاه التنمية العسكرية التي ركزت على التعليم العسكري، والتدريب، وقدرات الصيانة. إن دولة الامارات العربية المتحدة (الإمارات) هي الرائدة في هذا الجهد، حيث تسعى لتطوير توافقية تقنية بين القوات العسكرية الأمريكية وأجيال المستقبل من الأفراد العسكريين في دولة الإمارات. فعلى سبيل المثال، يجب على المجندين العسكريين في دولة الإمارات، نيل "رخصة قيادة الحاسوب الدولية" قبل تجندهم؛ وتوفر "مدرسة القوات الجوية الإماراتية" و "كلية خليفة بن زايد الجوية" مجندين ذو تأهيل تعليمي عالي إلى "القوات الجوية الإماراتية" و "معهد الدفاع الجوي".
وهناك عامل ثالث كان قد شكل تغير كبير في طبيعة التهديدات التي تتعرض لها دول مجلس التعاون الخليجي. ففي وقت مبكر من التسعينيات من القرن الماضي، كان التركيز ينصب على إمكانية قيام غزو عراقي بري، وكان ذلك يعني بأن دول شمال الخليج (السعودية والكويت والبحرين) هي دول مواجهة، وأن القوات الحربية البرية (قوات مؤللة، ومروحيات مضادة للدبابات، ومدفعية) كانت تحظى بالأولوية. ولكن مع كسوف عراق صدام حسين كقوة عسكرية كبيرة، وإسقاط نظامه البعثي في وقت لاحق، تحول التركيز ثانية على إيران باعتبارها تشكل تهديداً رئيسياً على دول مجلس التعاون الخليجي. وقد وسع هذا النهج عدد دول المواجهة -- بحيث زاد من أهمية الإمارات وسلطنة عمان وقطر -- وحوّل تركيز المشتريات إلى الأسلحة المتعلقة بالدفاع الجوي والصاروخي والدوريات البحرية. وقد أصبحت مجموعة أوسع من دول مجلس التعاون الخليجي قادرة الآن على تركيز جهودها على نطاق ضيق من المهمات العسكرية.
المهمات العسكرية الرئيسية لدول مجلس التعاون الخليجي
ويفيد الكاتب بأن الباحث ديفيد كريست كان قد ذكرَ في دراسته التي صدرت من قبل معهد واشنطن باللغة الانكليزية (المرصد السياسي رقم 95 باللغة الانكليزية)، شهدت استراتيجية إيران العسكرية وتخطيطها العملي عدة تغييرات كبيرة منذ آخر مرة تبادلت فيها دول مجلس التعاون الخليجي وإيران الضربات -- أثناء حرب الناقلات في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي. وعلى هذا النحو، تحتاج دول مجلس التعاون الخليجي إلى الدفاع [عن نفسها] أو أن تردع إيران في مجالين رئيسيين:
"البنية التحتية في المياه الدولية والممرات البحرية الساحلية". في عامي 1986 و 1987، شنت إيران أو خططت للقيام بهجمات على منشآت النفط والغاز البحرية لدولة الإمارات والسعودية، فضلاً عن منشآت خفر السواحل السعودية. وفي أواخر التسعينيات من القرن الماضي، شرعت زوارق حربية إيرانية بإطلاق نار الرشاشات بصورة دورية على منصات الغاز غير المأهولة في "المناطق الاقتصادية الخالصة" في المياه البحرية التابعة لقطر.
"المجال الجوي لدول مجلس التعاون الخليجي". خلال الحرب العراقية الإيرانية، كانت المملكة العربية السعودية والكويت تخضع لغارات جوية وهجمات صاروخية، على التوالي، وفي عامي 1991 و 2003، هوجمت الدول الشمالية الثلاث في مجلس التعاون الخليجي (المملكة العربية السعودية والكويت والبحرين) من قبل صواريخ كروز وصواريخ باليستية عراقية. وقد أعلنت طهران منذ عام 2003، بأن القواعد العسكرية وموانئ دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن تكون عرضة لهجمات في حال وقوع مواجهة بين الولايات المتحدة وإيران.
التفوق الجوي فوق الخليج
ويشير الكاتب الى ان هناك بوادر مشجعة تشير إلى أن دول مجلس التعاون الخليجي سوف تكون قادرة على الحفاظ على تفوق جوي محلي على أراضيها الوطنية وعلى "المناطق الاقتصادية الخالصة" في غضون نصف عقد من الزمن، على الرغم من أن العديد من الصواريخ التكتيكية الإيرانية البعيدة المدى تمثل تحدياً أكثر صعوبة. وسوف تكون دولة الإمارات قادرة على بناء مظلة جوية قوية جداً، تتكون من ثمانين طائرة من نوع "إف 16 بلوك 60" من صناعة شركة لوكهيد مارتن، و "أنظمة باتريوت الصاروخية ذات القدرات المتطورة" (باك 3) التي هي صواريخ أرض جو بقيمة 3.3 مليار دولار، ويحتمل أيضاً "نظام «ثاد» للدفاع الصاروخي عن مسرح العمليات". ولدى القوات الجوية الملكية السعودية اثنين وسبعين طائرة من طراز "يوروفايتر تايفون"، في حين لدى سلطنة عمان اثنتي عشرة طائرة جديدة من نوع "F-16C/D بلوك 50/52".
إن وفرة الطائرات الضاربة بعيدة المدى تزيد أيضاً من قدرة دول مجلس التعاون الخليجي على التهديد بشن هجمات دقيقة على أهداف اقتصادية وسياسية إيرانية. وتستعد كل من المملكة العربية السعودية، ودولة الإمارات وسلطنة عمان لشراء أساطيل من الطائرات الضاربة بعيدة المدى لكي تضيفها إلى مخزونها الذي هو بالفعل مثير للإعجاب. إن دول مجلس التعاون الخليجي مصممة أيضاً على الاستثمار في أسلحة متطورة للهجوم البري، ونظم متقدمة للحماية الذاتية، وقدرات (جو-جو) دفاعية قوية.
القدرة البحرية
ويبيّن الكاتب، تقترب بعض دول الخليج العربية من مستوى رئيسي جديد في قدراتها البحرية. وإذا استمرت دولة الإمارات في مسارها الحالي، فسوف تقوم بنشر أقوى قوة بحرية من بين جميع دول الخليج بحلول منتصف العقد المقبل. وستكون "طرادات بينونة" الستة الفرنسية الصنع التي بحوزة الإمارات، فئة السفن الحربية الأكثر قدرة في الخليج، يدعمها أسطول مثير للإعجاب يتكون من أربعة وعشرين "سفينة هجومية برمائية" رئيسية وسبعين "مروحية هجوم ونقل" جديدة، والتي ستكون قادرة سوية على إنزال كتيبة معززة من المشاة المدرعة وقوات المشاة الخفيفة في الجزر والمناطق الساحلية. وبصورة مشابهة تستثمر سلطنة عمان فيما لا يقل عن ثلاث سفن في المياه الدولية، لكي تقوم بدوريات في المحيط الهندي والبحر الأحمر، والتي سوف تُدعم من قبل ستة وثلاثين "مروحية هجوم ونقل" بحرية. وفي أيار/مايو 2008، تولت البحرين قيادة "قوة المهام المشتركة 152" - الأسطول متعدد الجنسيات في منطقة الخليج - وستتسلم الإمارات قيادة هذه القوة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2009. وفي البحر الأحمر، تقود المملكة العربية السعودية اسطول بحري مكون من أحد عشر دولة عربية يضطلع بمهام مكافحة القرصنة.
ويؤكد الكاتب بأنه على الرغم من أنه من المرجح أن تكون هناك حاجة دائمية بأن تقوم البحرية الأمريكية بالدفاع ضد الجهود الإيرانية الرئيسية لإغلاق مضيق هرمز، بدأت دول مجلس التعاون الخليجي تستعد بصورة متزايدة للدفاع عن "مناطقها الاقتصادية الخالصة". [فمشروع] "درع الأمن القومي القطري" هو عبارة عن شبكة من أجهزة رادار وأنظمة مراقبة ساحلية ترتبط بأسطول متنام من قوات الرد التي تشمل طائرات مقاتلة، ومروحيات، وزوارق دورية وحواجز واقية على "منصات بحرية غير مأهولة". وسيقوم "جهاز حماية المنشآت الحيوية" الجديد في الإمارات بشراء أربع وثلاثين "سفينة اعتراضية" سريعة للدفاع عن البنية التحتية البحرية والموانئ. كما ستقوم الرياض بشراء زوارق لحرس السواحل، وطائرات استطلاع، ومروحيات، وطائرات بدون طيار وشبكة اتصالات سلكية ولاسلكية، بقيمة 8 مليارات دولار كجزء من نظام أمن الحدود السعودية.
الآثار المترتبة على سياسة الولايات المتحدة
ويتابع الكاتب مؤكداً بأن جيوش دول مجلس التعاون الخليجي تحرز، معززه بنظام "المساعدة على التخطيط الثنائي" من قبل الولايات المتحدة عبر حوار أمن الخليج، تقدماً سريعاً وربما قد تتفوق على القدرات الإيرانية في الخليج في غضون عشر سنوات. وبحلول عام 2015، على سبيل المثال، من المرجح أن تكون القوات المشتركة لجيش الإمارات قادرة على منع العمليات البحرية الإيرانية في المياه الإقليمية والمناطق الاقتصادية الخالصة التابعة لدولة الإمارات، وعلى استرداد الجزر التي تسيطر عليها إيران، واعتراض بعض الصواريخ والهجمات الجوية الإيرانية على الإمارات في حالة وقوع نزاع.
ويخلص كاتب المقال الى نتيجة مفادها، إذا كان لدى الإمارات العربية المتحدة أو غيرها من دول مجلس التعاون الخليجي النية أو العزم على مقاومة الضغوط الإيرانية فإن ذلك مسألة أخرى، بيد، أن بناء القدرة الدفاعية هو أداة مهمة في تعزيز الثقة بالنفس بين حلفاء واشنطن في المنطقة. وبالنسبة للولايات المتحدة، فإن العبرة هي أن تحافظ تركيزها على تنمية [القدرة] العسكرية لدول مجلس التعاون الخليجي وأن تضمن استمرار حصول "مبادرات المساعدة الأمنية المستدامة والميسورة" على التمويل والاهتمام الذي تستحقه.

الكاتب / شبكة النبأ

مستقبل الشيعة في الخليج

أدى سقوط النظام العراقي السابق في بغداد إلى جملة تغييرات وتطلعات في منطقة الشرق الأوسط عموماً ومنطقة الخليج خصوصاً. وفي حين أوجد هذا السقوط بعضاً من هذه التغييرات، سرّع في الوقت نفسه ظهور بعضها الآخر، والتي كانت حتى وقت قريب مختبئة، أو ظاهرة بشكل خجول.
ربما كان من الصعب إحصاء التغيرات التي يمكن أن تطرأ على المنطقة في الوقت الحالي أو المستقبلي، إلا أنه من الممكن أحياناً تحديد أكبرها حجماً أو أكثرها عمقاً.
وهذا ما يتضمن مسألة الشيعة في الخليج العربي وتطلعاتها إثر التغييرات في المنطقة.
الشيعة في الخليج العربي:
يعتبر أتباع الشيعة في دول الخليج العربي من الأقليات الدينية، حيث لا تتجاوز نسبهم في بعض الدول 10% باستثناء دولة البحرين التي يمثـل الشيعة فيها نسبة كبيرة، بينما تصــل إلى أقل من 5% في سلطنة عمان.
وعلى الرغم من أن عددهم قليل إلا أنهم يحاولون في هذه المرحلة إبراز أنفسهم كقوة شعبية تؤثر على السياسة العامة للدول الخليجية وإلى البروز بشكل اكبر مستفيدين من الأحداث الأخيرة التي حصلت في العراق والتي أدت إلى زيادة نفوذ الشيعة العراقيين من خلال عدة مسائل:
1- أن معظم المعارضين العراقيين وقواتهم المدعومين من قبل أمريكا هم من الشيعة العراقيين، أمثال أحمد الجلبي وتنظيم المؤتمر العراقي والجيش التابع له، وكذلك عبد المجيد الخوئي الذي قتل في مدينة النجف العراقية.
2- بعض رموز المعارضة ذات النفوذ القوي في العراق والمدعومين من قبل إيران (الدولة الشيعية الأولى في العالم) هم من المذهب الشيعي كمحمد باقر الحكيم الذي أمضى أكثر من 21 عاماً في إيران وجيشه المعروف باسم (فيلق بدر) وكذلك بعض الرموز العلمية كالسيستاني.
3- رموز المعارضة القوية الموجودة في العراق هم من الشيعة، ويأتي على رأسهم مرتضى الصدر الذي ورث من والده المرجعية العلمية والمكانة السياسية في العراق.
4- أن معظم الحزبيين والفئة الحاكمة التي كانت تساند الرئيس العراقي السابق هم من السنة، والذين انقلب معظم العراقيين عليهم بعد سقوط نظام صدام حسين، رغم أنهم كانوا يعانون كما يعاني الشيعة والأكراد.
تحركات الشيعة في الخليج:
إن الطائفة الشيعية في دول الخليج العربي بدأت بالفعل بالتحرك لأخذ مكانة أكبر وأهم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهي على ذلك تستفيد من كل ما يمكن أن يتاح لها. حيث استفادت من الوضع البحريني الجديد فيما سمي (بالإصلاحات) التي سمحت للشيعة فيها بأخذ مكانة أكبر في مجمل نواحي الحياة العامة. يقول أحد الزعماء الشيعيين في المنطقة خلال إجابته على سؤال حول أحسن الطرق لملئ فراغ الشباب الشيعة بأن هناك عدة أطر منها:
الإطار الأول: في إتاحة الفرصة لهؤلاء الشباب حتى يشتركوا في الواقع السياسي لهذه الأمة حتى يعبروا عن آرائهم ويشاركوا فيما يرتبط بالشأن السياسي وهذا يتم عن طريق فتح المجال لوجود مدارس وأحزاب وحركات سياسية والكلام على مستوى العالم الإسلامي ككل.
الإطار الثاني: الضروري للشباب هو وجود مجال للعمل الفكري والمعرفي ليس فقط على الصعيد الديني والنظري وإنما على الصعيد العملي وجود ورش عمل في مجالات الصناعة وفي مجالات التكنولوجيا ودفع الشباب لهذا الاتجاه هذا أمر مطلوب.
الإطار الثالث: هو الإطار الاجتماعي، نحتاج إلى وجود منظمات وأطر اجتماعية تستوعب هؤلاء الشباب وتوجههم للتطوع في خدمة مجتمعاتهم وأممهم بل والإنسانية جمعاء.
كما استفاد الشيعة في الكويت من حالة (الانفتاح السياسي) فأصبح لهم ممثلين في البرلمان الكويتي حيث يوجد خمس مقاعد في مجلس الأمة الكويتي للشيعة.
بالإضافة للعديد من القضايا التي بدأ الشيعة الاهتمام بها وربما من أقلها ظهوراً وأكثرها أهمية في نفس الوقت هي القضية الاقتصادية.
لا نريد أن نشبه الوضع باليهود الذين عرفوا كيف يحكمون العالم (على قلتهم وتفرقهم) من خلال الاستحواذ على كبريات الشركات الاقتصادية العملاقة في العالم، إلا أن الشيعة في منطقة الخليج حاولت لعب دور هام وغير معلن في الاستحواذ على مشاريع اقتصادية وتكنولوجية غاية في الأهمية داخل مجتمعاتها.
حيث يلاحظ وجود الكثير من النشاطات التجارية الهامة والقوية والتي يتحكم فيها الشيعة في منطقة الخليج العربي، بعضها معروف من قبل الناس، وأكثرها غير معروفة. بالإضافة إلى ذلك يلاحظ كثرة التوجه التحصيلي لدى شبابهم فيما يتعلق بالدراسة في الجامعات الخليجية، فبالإضافة إلى الأعداد الكبيرة من المدارس التعليمية في مناطق الشيعة، فإن الكثير منهم يتابعون دراساتهم وتحصيلهم العلمي في الجامعات والمعاهد، كما يلاحظ توجههم في دراسة التكنولوجيا الحديثة وتطبيقاتها، والفروع الخاصة بالبتروكيميا واستخراج النفط والمعاهد التقنية والتكنولوجيا.
كما يحتل تجار الشيعة مكانة كبيرة وهامة في تجارة بعض أنواع البضائع في المنطقة، منها الذهب والسمك.. ولا يقتصر الأمر على الاهتمام بالنواحي الاقتصادية، حيث يبدوا أن لهم سياسة اجتماعية تتمثل في محاولة زيادة أعدادهم عن طريق تشجيع الزواج والتناسل فيما بينهم، والدعوة الجادة لتكثير التناسل بينهم ، وللحث على الزواج المبكر ، وتعدد الزوجات ، ولذلك فإن من الملفت للنظر إقامتهم لمهرجانات الزواج الجماعية والتي يتزوج فيها بليلة واحدة العشرات منهم. كما أنهم يسعون إلى توزيع كتبهم الشيعية لعامة الناس، ونشر معتقداتهم وأفكارهم، والترويج لشيوخهم وأئمتهم، كما ويطالبون ببناء الأضرحة وإقامة الحوزات العلمية لهم، وما إلى ذلك من محاولات لتضخيم مكانة الشيعة في الخليج عموماً والحصول على مكاسب سياسية واجتماعية واقتصادية لهم.
مستقبل الطائفة الشيعية في المنطقة:
تتراوح تطلعات الشيعة في منطقة الخليج حسب الدولة التي ينتمون إليها، ففي حين بدأت تطالب في دولة خليجية بمطالب ومكتسبات قدمت لحكومة البلد، حصلت في بلد آخر على تمثيل برلماني ونيابي، وهم في جميع الأحوال يتطلعون إلى المستقبل القريب للاستفادة من الأوضاع التي خلفها سقوط العراق بيد الأمريكان.
وعلى الرغم من أن الشيعة في الخليج يحرصون على تقديم أشكال الولاء والطاعة لحكام الدول التي يقطنوها، إلا أن هذا لا ينفي تطلعهم نحو إقامة حكم ذاتي شيعي في مناطق تواجدهم كأغلبية، أو حتى قيام حكومة منفصلة شيعية على أبعد تقدير، ذلك أن من سياساتهم الدينية مبدأ (التقية)، حيث يعتبر اتقاء القوي ومجاراته مطلباً دينياً ومبدءاً أساسياً لهم .. يقول رئيس تحرير صحيفة خليحية يومية أنه: " مهما تواضعت مطالب الشيعة واندمجت اليوم في إطار المطالب الوطنية العامة، فلابد من الإقرار بأن شيئا ما قد تغير بالفعل بعد كل الهزات السياسية والأمنية والثقافية التي عاشتها منطقة الخليج. وليس أقل التغييرات أن يأخذ الشيعة ثقلا سياسيا جديدا، بعد أن كانت إيران تحتضنهم عن بعد".في حين أكد أحد رجالات الشيعة أنه "آن الأوان للقيام بمبادرة جريئة وحادة لمعالجة هذه القضية من منطلق الحرص على وحدة الوطن وأمنه بدلا من تركها تتفاقم وتتصاعد بصورة خطيرة وتتحول إلى مشكلة اجتماعية لا يمكن السيطرة عليها".
وعلى كل التقديرات فإن تحركات الشيعة قد بدأت بالفعل بعيد سقوط النظام العراقي السابق، وهي إن أتيح لها اليوم فرصة لاستغلال مكاسب سياسية واقتصادية ودينية، فإنه قد لا يتاح لها فرصة قريبة بها الحجم، لذلك فمن المنطقي جداً والواضح جزئياً أن الشيعة بدأت بالفعل اقتناص هذه الفرصة وعدم تفويتها أو تركها تمر دون استغلال جيد ومثمر.
أحداث العراق وأثرها في المرجعيات الشيعية لدى الشيعة الخليجيين:
يتعين على كل شيعي أن يتبع أحد كبار علماء الدين الذين بلغوا مرحلة الاجتهاد، ولا يستطيع أي عالم أن يبلغ هذه المرحلة إلا بعد دراسة معمقة في علوم الشريعة بكافة مجالاتها، وإذا كان هذا العالم نابغاً فقد يطوي المراحل الدراسية خلال عشرين عاماً، وبذلك يصبح مؤهلا لإصدار الفتاوى، ولا شك أنه لن يتمكن من إصدار الفتاوى من دون أن يكون لديه أتباع، ويسمى الشيعة عملية الإتباع هذه بالتقليد، وهي عملية أساسية في الفكر الشيعي. بالإضافة على ذلك تحتل المواقع الشيعية "المقدسة" مكانة كبيرة وهامة في قلوب الشيعة، حيث الأماكن التي يجب أن يرتادوها لإقامة شعائرهم وطقوسهم الدينية. وحتى وقت قريب كانت إيران بما تحتويه من حوز علمية ومراجع دينية ومواقع مقدسة (مدينة قم) تحتل مكانة كبيرة وخاصة في قلوب الشيعة الخليجيين. أما بعد أن زال الحكم العراقي السني، فقد بدأت المراكز العلمية والأماكن المقدسة العراقية تأخذ مكانتها مجدداً (حيث وصل عدد رواد مدينة النجف الشيعية العراقية إلى أكثر من مليوني شيعي في ذكرى أربعينية الحسين بن علي رضي الله عنهما هذا العام).
حيث تعتبر العراق مركزا دينيا هاما للشيعة، حيث توجد بجنوبه مناطق يؤمها كل عام ملايين الشيعة من إيران والعراق نفسه ومن لبنان ودول الخليج. هذه المناطق المعروفة في الثقافة الشيعية باسم "العتبات المقدسة" هي كربلاء والنجف حيث يتوجه إليها الشيعة لإحياء ذكرى أربعين الحسين بن علي بن أبي طالب، والذي يدعي الشيعة أنه ثالث أئمتهم. وهنا يبرز سؤالاً هاماً وهو: "هل سيؤدي قيام عراق بقيادة شيعية إلى سيطرة إيران على العراق بسبب المرجعية السياسية والدينية؟
ربما كانت الإجابة (بنعم) السبب الرئيسي وراء امتناع الولايات المتحدة عن دعم الانتفاضات الشعبية (الشيعية والكردية) التي وقعت في جنوب العراق وشماله العام 1991، كما انه كان أيضا أحد أسباب بقاء صدام حسين في السلطة بعيد طرده من الكويت. لكن يبدو الآن أن هذه الفرضية كانت غير واقعية وربما كان العكس هو الصحيح. فبدلاً من أن يكون شيعة العراق أداة في يد إيران، يمكن أن يكون مستقبل إيران في يد شيعة العراق الذين يمكن أن يمارسوا عليها، بدعم غربي، نفوذاً هائلاً.
يقول الكاتب الاميركي فرانك سميث بأن: " قيام حكومة موالية للغرب في بغداد يلعب فيها الشيعة أدوارا كبيرة، يمكن أن تتحّول إلى رافعة دعم للمثقفين ورجال الدين الشيعة المعتدلين في إيران الذين يعارضون سياسة السلطة الدينية المحافظة. وهذا يمكن أن يوّسع قاعدة الإصلاحيين الإيرانيين ويجذب نحوهم شخصيات دينية مهمة".
محمد عبدالجبار، الرئيس السابق لحزب "الدعوة"، يوافق تماماً على ما يقوله سميث، ويضيف إليه ما هو أهم: "إن حكومة جديدة في العراق ستحدث تغييرات في كل العالم الإسلامي وليس فقط في إيران. والشيعة العراقيون سيلعبون دوراً كبيراً في مثل هذه التغييرات".فمن المعروف أنه إذا كانت إيران قد أصبحت المعقل السياسي للشيعة في العالم بعد ثورة 1979 الإسلامية الشيعية، فإن العراق ما زال يعتبر العاصمة الروحية للإسلام الشيعي. وهو بهذه الصفة قادر على التأثير على كل مجريات الأمور في إيران وخارجها. وهذا ما تخشاه طهران المحافظة الآن. أي ظهور مرجعية شيعية أخرى تنافسها على الزعامة، وتستطيع خلق متاعب خطيرة لها في خضم صراعها مع الإصلاحيين الإيرانيين. وهذه المرجعية الجديدة ستكون مدعومة من طرفين قويين : الأول وجود قبر الإمام علي رضي الله عنه وباقي المقامات الشيعية في العراق، والثاني الخزائن المالية والديبلوماسية الأميركية الضخمة التي ستوضع في تصّرفها.
ففي أوائل هذا الشهر اعترف محمد باقر الحكيم، زعيم "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق"، أن "حكومة ما بعد صدام ستدور بلا شك في الفلك الغربي. ورجال الدين (العراقيون) سيكونون مثلهم مثل أي شخص آخر. إنها ستكون ديموقراطية بقيم إسلامية".ومعروف أن هذا الشعار الأخير (أي الديموقراطية بقيم إسلامية) هو أيضاً هدف الإصلاحيين الإيرانيين في بلادهم. وهم يتّهمون المسؤولين غير المنتخبين، بقيادة المرشد علي خامنئي، بسوء استخدام السلطة وإثارة الانقسامات والتمردات.
ويشير هاجر تيموريان، وهو معلق سياسي إيراني يقيم في لندن، إلى أن حدوث مشاركة كبيرة لشيعة العراق في السلطة، "سيكون بمثابة كارثة على النظام الإيراني، إذ سيتوافر للشيعة الإيرانيين حينذاك بديل واضح على بعد أمتار منهم".
فإذا كان تغيير النظام العراقي وإقامة حكومة شيعية أو على أقل تقدير حكومة شيعية محلية في مناطق عراقية، يمكن أن يحدث كل هذا الأثر في دولة إيران الشيعية القريبة من العراق بسبب قضية المرجعيات والحوزات العلمية والأماكن المقدسة، فكيف هو الأثر في نفوس الشيعة في دول الخليج، لابد أن الأثر كبير جداً وعميق جداً حيث أصبح بالإمكان الآن الاستناد إلى مرجعية عراقية شيعية غاية في الأهمية، وفوق كل ذلك مدعومة أمريكياً. لذلك فإن أي فتوة أو قضية تثيرها الحوزة العلمية العراقية القادمة ستكون دستوراً وقانوناً على سائر شيعة المنطقة، وستستطيع تحريك ملايين الشيعة في المنطقة بكل سهولة، كما ستعتبر مرجعاً دينياً وربما سياسياً لهم، ولابد أن هذه المرجعية المدعومة بديمقراطية أمريكا (...) ستعمل على إصدار فتاوى تتناسب مع ميول الولايات المتحدة في المنطقة ومع مصالحها.
أبرز المرجعيات الشيعية في المنطقة:
1- يعتبر مقتدى الصدر أعلى سلطة دينية لدى شيعة العراق، وهو نجل محمد محمد صادق الصدر الملقّب بـ"الصدر الثاني"، يبلغ من العمر 34 سنة ويقيم في العراق.
توّلى الإشراف على مرجعية والده ومؤسساته ومكاتبه قبل أربعة أعوام بعد اغتيال والده في شباط 1999 من قبل النظام العراقي.
وهو رابع أشقائه (مصطفى، مؤمل، مرتضى) حيث اغتيل مؤمل ومصطفى مع والدهما من قبل نظام صدام ويتولى مقتدى ومرتضى الإشراف على الحوزة الدينية في النجف. وهو واثنان من أشقائه متزوجون من بنات محمد باقر الصدر (الأب الروحي لحزب الدعوة). تشير مصادر عراقية مطلعة "إلى أن مقلّدي الإمام الصدر منتشرون في معظم المدن العراقية (بغداد، النجف، كربلاء، الناصرية، البصرة).
وتعتبر مرجعيته من المرجعيات الكبيرة في العراق، خصوصاً انه بقي في النجف بعد اغتيال والده محمد باقر الصدر ووفاة أبو القاسم الخوئي.
وكان ينظم النشاطات الدينية، واتهمه البعض بأنه على علاقة جيدة بالنظام العراقي، لكن عملية اغتيال والده أثبتت عدم صحة ذلك، وكشفت عن دوره الفاعل في العراق.
يتولّى مقتدى حالياً متابعة أوضاع الحوزة، وله الكثير من المؤيدين والأنصار.
2- يعتبر محمد باقر الحكيم من الأرقام الفاعلة اليوم في التشكيل المنتظر لحكم العراق , فهو يعد من أبرز الشخصيات ذات الشعبية في الأوساط الشيعية، ومع اندلاع الحرب العراقية الإيرانية في عام 1981، عمل الحكيم على إقناع الحكومية الإيرانية الثورية الناشئة على تبني المجلس وتشكيل جناحه العسكري - الذي تسمى فيما بعد بفيلق بدر- وبعد تدخلات إيرانية وجهود جبارة تكون "المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق" في أواخر عام 1982م ، وانتخب الحكيم ناطقاً رسمياً له , غير أنه كان المتنفذ الفعلي في مجريات المجلس ؛والمسؤول عن تمثيله في أي محفل , إلى أن جاء العام 86 وتولى الحكيم فعليا رئاسة المجلس إلى اليوم. وتمثل شخصية محمد باقر الحكيم دورا محوريا في تحديد مواقف الحزب ونشاطه السياسي. لذلك يلاحظ بعض المراقبين أن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق تنظيم باسم شخص أكثر مما هو حركة شعبية لها توجهها السياسي.
3- علي الحسيني السيستاني: من أبرز تلامذة أبو القاسم الخوئي الراحل، ومدرسته الدينية، ‏نقل بعض أساتذة النجف أنه بعد وفاة نصر الله المستنبط اقترح مجموعة من علماء الشيعة على الإمام الخوئي إعداد الأرضية لشخص يشار إليه بالبنان مؤهل للمحافظة على المرجعية والحوزة العلمية في النجف ، فكان اختيار علي السيستاني، وبعد وفاة أبو القاسم الخوئي كان من الستة المشيعين لجنازته ليلاً وهو الذي صلى على جثمانه، وقد تصدى بعدها للتقليد وشؤون المرجعية وزعامة الحوزة العلمية بإرسال الإجازات وتوزيع الحقوق والتدريس على منبر الإمام الخوئي في مسجد الخضراء، وبدأ ينتشر تقليده وبشكل سريع في العراق والخليج ومناطق أخرى كالهند وأفريقيا وغيرها وخصوصاً بين طلاب العلم الشيعي في الحوزات العلمية وبين الطبقات المثقفة والشابة بسبب أفكاره المواكبة للعصر الحديث ، وهو من القلة المعدودين من كبار علماء الشيعة الذين تدور حولهم المرجعية من أهل الخبرة وعلماء الحوزات في النجف العراقية وقم الإيرانية.، حتى أن أتباع أبوة القاسم الخوئي كانوا يفضلونه على ابن أبو القاسم الخوئي (عبد المجيد الخوئي) الذي ورث المنصب من والده. بالإضافة إلى عدد من المرجعيات الدينية العراقية من أمثال حسن إسماعيل الصدر ومحمد مهدي الخالصي ..إلخ.
الشيعة ورقة هامة بيد أمريك:
من المعروف أن الوضع الراهن في العراق أصبح يخدم المصالح الأمريكية بشكل أساسي، تماماً كما كان مرسوماً لها، حيث منابع النفط العراقية والوجود العسكري الواسع والضغط على بعض الدول المجاورة وتصدير الديمقراطية حتى لو كانت بالاحتلال، والكثير من الإيجابيات التي من الصعب تحديدها والإحاطة بكل جوانبها، لكن على الأقل فإن قضية الشيعة أصبحت منذ الاحتلال الأمريكي للعراق ورقة هامة بيد أمريكا للضغط على بعض الدول المجاورة كدول الخليج وإيران.
فمن ناحية دول الخليج فإن الازدواجية الأمريكية في معايير الديمقراطية (كازدواجية معايير الإرهاب والاحتلال وغيرها) باتت سلاحاً ذو حدين بيد أمريكا.
الديمقراطية التي تريدها الولايات المتحدة الآن في الخليج يمكن أن تتمثل في تصدير الديمقراطية المفترضة للعراق، حيث أعلن الرئيس الأمريكي جورج بوش أكثر من مرة بأنه يريد إقامة نظام ديموقراطي في العراق يكون مثالا يحتذى به لبقية دول الشرق الأوسط. وهي إشارة واضحة لمضمونها ولتكرارها بأن الديمقراطية التي تسمح للعراق بأن تحكمه جميع الطوائف الموجودة فيه من شيعة وأكراد وسنة، يجب أن تطبق في بقية دول الشرق الأوسط، ومنها دول الخليج.
وهذا الأمر يعني (في حال حصوله) أن الشيعة في الخليج ستطالب بدعم أمريكي من الحصول ليس فقط على مكتسبات اجتماعية واقتصادية وفكرية، بل وسياسية أيضاً من خلال حكم محلي مستقل يتمركز في السعودية مثلاً في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط، حالها حال شيعة العراق المتواجدة في أغنى مناطق النفط العراقية.
على الرغم من أن (ديمقراطية) أمريكا سمحت لها –كمثال بسيط- أن تقدم مساعدات مالية تقدر ب47 مليون دولار للفليبين للقضاء على المسلمين فيها، كما قدمت لها أسلحة ثقيلة وخفيفة بملايين الدولارات، ولم تفكر أبدأ بمسألة الحكم الذاتي أو الأقليات.
يقول حمزة الحسن المتحدث باسم "التحالف الوطني من اجل الديموقراطية" السعودي المعارض من لندن أن: " هذه الحرية المستعادة في العراق سيكون لها تأثير نفسي ومعنوي على الشيعة السعوديين الذين لهم نفس المرجعيات مثلهم مثل الشيعة العراقيين".
وليس بعيداً فإن المكانة الهامة للعراق بالنسبة للشيعة ستكون هي الأخرى عامل ضغط أمريكي على إيران.
فقد حافظت النجف العراقية، لفترة طويلة، على مكانتها كأكبر معقل علمي للمذهب الشيعي، وساعد على احتلالها هذه المكانة كونها إحدى «العتبات المقدسة» عند الشيعة، إذ تضم ضريح علي بن أبي طالب، رضي الله عنه، وهو الإمام الأول عندهم، وكونها أكبر «حوزة علمية»، تخرِّج علماء مجتهدين في المذهب الشيعي، ظهر منهم مراجع كبار. إلا أن إيران حاولت لوقت طويل أن تستفيد من الوضع العراقي الشيعي، فأقامت مدينة (قم) التي حولتها إلى مدينة (مقدسة) وجعلتها تخرج مرجعيات دينية شيعية للمنطقة، وبعودة ظهور شيعة العراق واستلامهم زمام الحكم، فإن ورقة هامة بيد إيران ستكون قد فقدت، وأصبحت في يد الولايات المتحدة، التي تتحكم بمصير العراق.
هذا بالإضافة إلى الاختلاف في مسألة (التقية ) وولاية الفقيه، وبعض الأمور الأخرى التي يمكن لشيعة العراق من خلالها جعل مدينة النجف معقلاً للمعارضة الإيرانية وللجناح المعتدل كما أسلفنا من قبل.

الكاتب / معمر فوزي

العام 2011 تداعيات ما قبله وتوقعات ما بعده

دخل العالم العام 2011 وسط عواصف وامطار وسيول وتغييرات في المناخ بدأت في الأيام الأخيرة من العام المنصرم ومازالت على أشدها، فهل يتمخض العام الجديد عن تغييرات في الاوضاع السياسية والجغرافية لبعض الدول والمناطق في عالم تلاطمت أمواج التداعيات فيه بعد أحداث الحادي عشر من أيلول لتفصح عن حقيقة المخطط الدفين لقوى الغرب الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية هذا المخطط الموسوم ببصمات القوى الصهيونية في العالم والمطعم برغبات وأطماع العديد من القوى الإقليمية التي تطابقت أو انسجمت أهدافها وأطماعها مع ما يتوقع لهذا المخطط من نتائج لاسيما في المنطقة العربية؟!
اطل العام 2011 برأسه وسط الف سؤال يطرح بحثاً عن اجابة لما سوف ينجم عن تداعيات الاحداث التي سبقته.
اطل العام 2011 برأسه فهل نجح المخطط الامريكي في العراق والشرق الاوسط؟!
وهل تمكن اوباما من تحقيق الاهداف التي كان رفع شعاراتها احد اسباب فوزه في انتخابات الرئاسة؟! وهل اوفى بوعوده لناخبيه ولاطراف كثيرة في هذا العالم بخاصة المسلمين منهم والعرب الذين طالما دغدغ مشاعرهم وعواطفهم بخطبه الرنانة؟!
اطل العام 2011 ومستقبل العراق الذي دمره الاحتلال الامريكي وعاونه في هذا التدمير التغلغل الايراني يبحث عن اجابة. ما هو مستقبل العراق في ظل وضع يتقاسم النفوذ فيه المحتل الامريكي والمحتل الايراني وبين النفوذين يتراقص الآلاف من الشياطين على معزوفات قوى تسمى اقليمية حتى وان صغر شأنها؟!
من هو الرابح الاكبر من عملية احتلال العراق وتدميره، الولايات المتحدة الامريكية، ايران، اسرائيل، دول اخرى؟!
ما هو الموقف الرسمي العربي من احتلال العراق والحالة المأساوية التي وصل اليها، وهل يعي الحكام العرب تداعيات الوضع المستقبلي للعراق على مستقبل القضايا العربية وعلى مستقبل انظمتهم نفسها؟!
وما هو موقف مجلس التعاون الخليجي مما يجري في العراق، وما هي معايير الربح والخسارة لدول الخليج بعد تدمير العراق؟! وما هو مستقبل دول الخليج بعد ان خسرت العراق الذي كان يمثل قوة التوازن الكبرى في المنطقة وهل تتفهم دول الخليج المخاطر المحدقة بها اذا ما استمر المخطط الايراني في العراق وتمكن من تحقيق اهدافه؟!
ما الذي تحقق فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية وما هي فرص الدور الامريكي فيها خلال ولاية اوباما، وهل بقي ثمة دور للموقف العربي؟!
وفي مطلع العام 2011 الى اين يتجه السودان؟! وما هي التداعيات المحتملة في الوطن العربي في حال نجاح المخطط الصهيوني الامريكي لتقسيم السودان؟!
وما هو دور الجامعة العربية وما حقيقة موقفها من القضايا العربية خاصة احتلال العراق؟!
وهل ثمة امل في بقائها على قيد الحياة؟!
ما هي حقيقة الموقف التركي؟! وهل تمكنت تركيا من فرض نفسها كلاعب اقليمي مؤثر وقوي؟!
وهل نجحت في لعب دور التوازن  بعد خروج العراق من معادلة القوى في المنطقة؟!
وهل يمكن ان تنجح تركيا في وقف التمدد الايراني بالتنسيق مع الدول العربية؟!
هل مازالت الامم المتحدة منظمة دولية؟! وهل ثمة مصداقية في كون مجلس الامن اميناً على السلم العالمي وراعياً لحقوق الانسان وحقوق الشعوب؟! وهل ان محاكم العدل الدولية ومحكمة الجزاء الدولية هيئات عادلة تطبيق القوانين والاعراف الدولية فيما يتعلق بحقوق الانسان وحقوق الدول بحيادية ونزاهة ومهنية؟! ام انها تابعة لاخطبوط التسلط الذي تقوده الولايات المتحدة؟!
تساؤلات كثيرة وتوقعات اكثر منها، والغريب ان العالم كله مشترك في التخطيط لما يراد للمنطقة العربية من تغيير نحو الاسوأ بالطبع، مشترك بالتخطيط بطريقة مباشرة او غير مباشرة والكل يبحث عن مصلحة او منفعة او حاجة من خلال دور يقوم به او مشاركة او تأييد لموقف او رأي ضاغط الخ من اوراق اللعب، الا العرب فانهم في غفوة لا يشعرون بما يدور من حولهم وكانهم غير معنيين بالموضوع، وربما كانوا مطمئنين الى عجزهم وتخاذلهم وعدم قدرتهم على استنفار امكاناتهم البشرية والمادية والتاريخية، العرب اليوم مستسلمون للامر الواقع، وواقع حالهم يقول ان كل ما يراد بهم وباوطانهم صائر لا محالة كانه القدر لا مفر منه ولا داعي للاحتياط له او مواجهته، العرب في مطلع العام 2011 هم بمجموعهم ونحن لا نقصد الشعب العربي انما نقصد الحكام، هم بمجموعهم لا يمكنهم ولا يملكون الارادة لتشكيل موقف نرى دولة صغيرة في اطراف هذا العالم قادرة على تحقيقه!!، ولا نعلم سر هذا الاستسلام والرضوخ، وربما كانوا مؤمنين وقانعين من منطلق (القناعة كنز لاينفى)!. او من منطلق (الايمان بالقدر خيره وشره!!).
وبإلقاء نظرة متفحصة على اجندة الاحتلال الامريكي في العراق واجندة رديفة في الخفاء وعدوة في العلن الاحتلال الايراني وتداعياتها خلال الاعوام الثمانية المنصرمة نجد ان مخطط تقسيم العراق بعد ان كان يجري بشكل ساخن تحول ليطبخ على نار هادئة بعد ان قللت الولايات المتحدة من مستوى عملياتها وسحبت الحجم الاكبر من قواتها لتبدأ دوراً سياسياً بينما تباشر ايران دوراً فعلياً بواسطة اذرعها على الارض لتعزيز انضاج هذا المخطط بهدوء وفق مبدأ تطبيع الاوضاع وتحول الشرائح حسب طوائفها من منطقة الى اخرى، وتستوعب الاحزاب الكردية بامتياز الدور المناط بها في هذا المشروع، وللحديث عن مشروع تقسيم العراق والموقف العربي منه لابد من العودة الى موضوع اجراء الاستفتاء في جنوب السودان والذي سيشكل المدخل القانوني لتقسيم السودان بدأ من انشاء دولة في الجنوب يجري بعدها تهدئة الوضع ليكون مقبولاً وفق منهج متفق عليه تثار بعده مرة اخرى المشاكل في الاقاليم الباقية من السودان بدأ (بدارفور) لاستكمال مشروع تقسيمه الى  خمس دويلات وربما اكثر من ذلك.
ويعتقد الكثير من المحللين والمستشرفين لمستقبل المنطقة السياسي ان العالم 2011 سيشهد لا محالة دولة الجنوب السوداني كما يتحرك خلاله الدور الكردي لانضاج فكرة الدولة الكردية خلال الاعوام 2011 و 2012 و 2013 يستحوذ خلالها على المزيد من الارض والمكاسب والثروات ويفتعل خلالها المزيد من المشاكل والازمات لاضعاف العراق وتأجيج فكرة الاقاليم حتى اذا ما جاء موعد الانتخابات القادمة رفع سقف مطالبه وتظلمه بما لا يعطي فرصة لاية حكومة لمجابهة اية مشاكل لعلمه يضعفها تسنده قوته العسكرية على الارض المدعومة من الكيان الصهيوني الذي يتدرب فيه طياروه وضباطه حالياً، يقدم بعدها على خطوته المباشرة في اعلان الدولة الكردية التي تكون مرتكزاتها على الارض قد تحققت ومدت جسورها الى العالم في وضع يكون العالم فيه قد اصبح جاهزاً ومستعداً لتقبل فكرة الدولة الكردية وربما الاعتراف بها على الفور مدعوماً بموقف الامم المتحدة الامريكية التي ستنبري للدفاع عن حق تقرير المصير للشعب الكردي تكون فيه تركيا الدولة المتضررة الاكبر من هذا المشروع غير قادرة على مواجهة القوى القائدة للعالم. ولقد بدا واضحاً ان الدول العربية تقودها الدولة العربية الكبرى مصر قد اقتنعت او رضخت لدورها المفروض امريكياً وصهيونياً في توجيه بوصلة الحكام العرب نحو قبول مشروع تقسيم السودان، كما نلاحظ رضوخها لقبول الدور المطلوب في مشروع الاحتلال في العراق والذي سينتهي بتقسيم العراق، ولا نظن احداً في هذا العالم يصعب عليه فهم الدور المصري وتحرك مصر السريع نحو العراق بعد تشكيل الحكومة الحالية. ان الادهى من ذلك ان قادة النظام المصري الحالي يدركون جيداً ان الدور في التقسيم في المراحل اللاحقة سيصل الى دولتهم.
اما الموقف في منطقة الخليج العربي فسوف يكون الاسوأ بحكم ضعف دولها وافتقارها الى القدرة على التصدي للموجة الايرانية بعد ان خسرت العراق الجدار الصلب في الجهة الشرقية من الوطن العربي، وهي تعلم جيداً رغم مشاركتها وتسهيلها للعدوان على العراق واحتلاله انها دمرت قاعدة التوازن الستراتيجي العسكري في المنطقة لصالح النظام الايراني وانها ستكون لقمة سائغة بين فكي ملالي طهران وان دول الغرب وامريكا لن تستمر في ضمان حمايتها في ظل متغيرات يستعد العالم لها قد تحول ايران الى صديق معلن للغرب عموماً والولايات المتحدة على وجه الخصوص ما يضمن المصالح الامريكية في المنطقة.
كما ان ايران لم تكن في يوم من الايام مهددة للمصالح الامريكية او الصهيونية في المنطقة.
ان تداعيات الوضع في العراق خلال ما مضى من سني الاحتلال سوف تلقي بضلالها السوداء على مجمل الاوضاع في المنطقة العربية ولعل اليمن اقرب الامثلة على هذا التصور.
والسؤال الملح في ضوء هذ الموقف، ما هو مستقبل المقاومة في العراق؟! هذه المقاومة اليتيمة الصابرة المضحية التي لا تلقى دعماً خارجياً بينما تقاتل في الداخل الاحتلال والنظام الطائفي الذي اسس له بكل قواه من جيش وشرطة وشركات امنية مدعومة من قوات الاحتلال وقدراته التسليحية. ان الواضح للجميع ان الاوامر قد  صدرت لكل دول الجوار العربي للعراق بمحاصرة المقاومة وقياداتها الوطنية الموجود معظمها في دولهم كسوريا ومصر والاردن ووضعها امام خيارين لا ثالث لها، فهي اما ان تتوقف عن القيام بدورها الوطني والشرعي في التصدي لمشروع الاحتلال واعوانه في العراق او ان ترحل من هذه البلدان علماً ان الضغط الامريكي لن يجعل من اية دولة خارج المحيط العربي قادرة على القبول باستضافة القيادات الوطنية العراقية او السماح بقيامها بأية انشطة سياسية وحتى السماح بتمويلها.
وعلى هذا الاساس لن يبقى للمقاومة الا الاستمرار بخيارها الوحيد وهو الاعتماد على قواها الذاتية في الداخل واستمرار مقارعة الاحتلال وعملائه رغم صعوبة الموقف وضعف الامكانات مقارنة بامكانات العدو، لكن احتمالات انتصار المقاو مة في نهاية المطاف على مشروع الاحتلال واعوانه قائمة رغم كل تعقيدات الوضع والبيئة الصعبة التي تقاتل فيها.
وعودة الى موقف الجامعة العربية الذي لا يختلف كثيراً عن موقف الانظمة العربية سواءً موقفها تجاه قضية العراق او موقفها من القضية الازلية قضية فلسطين، حيث يعتمد موظفو هذه الجامعة يقودهم (عمرو موسى) التصريحات الهامشية والعمومية التي حتى ان بدا منها ما يزعج احياناً عادوا الى لحسها وتغيير عباراتها بما ينسجم مع المطلوب امريكيا او ايرانياً او طائفياً عراقياً ولا تعدو هذه الجامعة الميتة فعلياً دائرة من دوائر الخارجية المصرية المسيرة من مخابرات الدولة الصهيونية.
وبإلقاء نظرة على التحرك التركي ومحاولات تركيا للظهور بمظهر المصلح في  المنطقة والباحث عن دور قيادي وريادي فيها ظاهره الحرص على دولها ومنع تصاعد الازمات فيها ومحاولة معادلة الدور الايراني الزاحف بقوة والبحث عن دور معوض لموقعها المتدهور نتيجة سحب الولايات المتحدة البساط من تحتها رغم كونها عضواً مهماً في حلف الناتو، فلا نجد لهذا التحرك اي صدى مسموع خاصة فيما يتعلق بالوضع في العراق او فلسطين رغم قوة تصريحات قادتها والدليل على ذلك ان تركيا المعروفة بدعمها لتركمان العراق قد فشلت في اقرار الحد الادنى من حقوقهم في المشاركة في العملية السياسية او الحكومة الحالية ووقفت عاجزة امام رغبة الاحزاب الكردية في تهميشهم وربما استلاب كركوك منهم.
وكما فشل اوباما او انه اراد التضليل بشعاراته التي طرحها على العالم فشل في تحقيق اي وعد او شعار طرحه خلال الانتخابات عدا مشروع سحب قواته من العراق وهذه كما هو معلوم حالة اضطرار فرضتها عليه المقاومة العراقية التي الحقت بها خسائر بشرية ومادية لا تتحملها الولايات المتحدة فهو لم يتمكن من اثبات ما طرحه فعلياً فيما يتعلق بحقوق المسلمين والعرب، كما فشل او انه عمل وفق ستراتيجية الدوائر الامريكية في التعامل مع قضية الشعب الفلسطيني كما ظهر ان الدور الامريكي لايجاد حل لقضية الشرق الاوسط اصبح اضعف كثيراً من اي وقت مضى وان التعنت الصهيوني اقوى بكثير من تأثير سيد البيت الابيض. وهذا ما ظهر  خلال مشروع اخراج العراق من طائلة الفصل السابع الذي برز فيه موقف الكويت اقوى من موقف الولايات المتحدة ما اخرج القرار الاممي فارغاً من مضمونه غير اننا لا نشك ان هذا الامر متفق عليه وانه للدعاية والاعلان فقط
وعلى صعيد دور الامم المتحدة فانها تبدو في مطلع 2011 قد خرجت تماماً عن كونها منظمة دولية واصبحت بشكل كامل احدى دوائر وزارة الخارجية الامريكية، ولم يعد احد في هذا العالم يشعر باي مستوى من المصداقية لهيئاتها او امانتها العامة، كما ان مجلس الامن الدولي قد تحول بشكل كامل من امين على السلم  الدولي وحقوق الشعوب والدول الى حارس ووصي ومشرعن لكل حماقات ومصالح وعدوانات الولايات المتحدة الامريكية على السلم العالمي وحقوق  الدول والشعوب وحقوق الانسان.
وفي مطلع العام 2011 نعود فنلخص مجمل التداعيات السياسية في العالم خلال ما سبقه فنقول: ان المستفيد الاكبر منها كان الولايات المتحدة والنظام الايراني والكيان الصهيوني وان الخاسر الاكبر كان العرب والمسلمون وان العراق والعراقيين كانوا ضحية المؤامرة الكبرى التي قادتها الولايات المتحدة الامريكية بتخطيط من الكيان الصهيوني وبمشاركة فعلية من قوى الغرب وايران وبتأييد اعمى من الكثير من الدول العربية.

الكاتب / كامل العبيدي

الثلاثاء، 22 مارس 2011

الفوضى الاقتصادية العالمية

في الوقت الذي تتفاقم فيه أوضاع الاقتصاد العالمي ، وتتزايد عناصر الفوضى وعدم التوازن ويتم فيه عولمة النشاط الاقتصادي بشكل متسارع ، الآمر الذي يحتاج إلى دور فاعل وقوي للمؤسسات الاقتصادية الدولية القائمة" صندوق النقد الدولي والبنك الدولي والمنظمة العالمية للتجارة- الجات-" فإن تلك المؤسسات قد فشلت في الاضطلاع بهذا الدور. بل ثبت أن تلك المؤسسات قد فشلت فشلا ذريعا في التنبؤ بالأزمات الاقتصادية العالمية، ومن ثم الاستعداد الكافي ، لها كما فشلت أيضا في تقديم سبل العلاج لها. وقد تسببت برامج التثبيت الاقتصادي والتكيف الهيكلي في حدوث الكساد وزيادة البطالة وتفاقم حدة الفقر والتفسخ الاجتماعي في البلاد النامية وفي البلاد التي كانت "اشتركية" بل وحتى في بلاد النمور الأسيوية" بعد أن ضربتها الأزمة أخيرا" حيث عوملت بنفس المعاملة التي عاملت بها منظمات بريتون وودز أفقر وأقل البلاد تقدما في إفريقيا. والأمر أكثر خطورة هو أنه حينما تفشل سياسات هذه المنظمات وتجر معها الكوارث الاقتصادية والاجتماعية وربما السياسية ، فإن تلك المنظمات، لا تكون محل مساءلة. والمصيبة هنا أنه بالرغم من الفشل الذي منيت به تلك المنظمات فإنه جرى، ويجري تعزيز أدوارها وأنشطتها بصورة هائلة في السنوات الأخيرة من قبل السبعة الكبار والشركات العملاقة دولية النشاط، في الوقت الذي يجري فيه إضعاف منظمات الأمم المتحدة. ويقول مارتن خور في هذا الصدد: "ما يحدث في هو في واقع الأمر تحويل للموارد والسلطة من الأمم المتحدة ووكالاتها ونقلها في نفس الوقت إلى البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية"

وبعد...

ماذا يمكن أن ترسم لنا عناصر الفوضى لصورة الاقتصاد العالمي حاليا ومستقبلا؟ من الجلي أن تلك الصورة مأزومة وقاتمة ، حيث تخيم على عالمنا ومنذ ربع قرن أجواء الأزمة والركود وتزداد فيه البطالة، وتتسع فيه الفجوة بين الأغنياء والفقراء في البلد الواحد، وبين البلدان المتقدمة والبلاد النامية ويعيش ما يقرب من مليار فرد في حالة فقر مدفع، وهناك ملايين من البشر المشردين واللاجئين في مختلف بقاع المعمورة. والصورة أشد قتامة وقسوة في البلاد النامية والبلاد التي كانت "اشتراكية" والأمر الراجح هو أنه إذا استمرت عناصر هذه الفوضى فإن صورة عالمنا ستزداد قتامة في المستقبل.

هل لايزال النفط سلاحاً بيد العرب؟


عقد من تفاقم الانفراط العربي وعقود من الخلافات المستمرة، هل أضاعت قيمة النفط كسلاح استراتيجي؟

عندما اندلعت حرب أكتوبر عام 1973 تمكن العرب، ولأول مرة في تاريخهم المعاصر من أن يستخدموا سلاح النفط بفاعلية عالية لخدمة مصالحهم القومية والاقتصادية.

فمنذ الأيام الأولى لاندلاع المعارك العسكرية بين مصر وسوريا والاردن من ناحية، والعدو الإسرائيلي من ناحية أخرى، اتخذت الدول العربية الاعضاء في منظمة الأوبك قرارات مهمة وجريئة، هزت، وبقوة شديدة مجموعة البلدان الصناعية المتقدمة المستوردة لهذه المادة الحيوية. كما أحدثت هذه القرارات تداعيات وآثارا مهمة في المنطقة العربية. وقد تمثلت هذه القرارات الجريئة في ثلاثة مجالات بالغة الخطورة.

أما عن المجال الأول، فهو زيادة سعر برميل النفط في 16 أكتوبر 1973 إلى خمسة دولارات بعد أن كان ثلاثة دولارات. ثم استمر هذا السعر في ارتفاعه إلى أن وصل إلى 15 دولارا في بداية عام 1974. وهذا ما عرف تحت مصطلح "الصدمة السعرية الأولى" التي تلتها "الصدمة السعرية الثانية" في عام 79 / 1980 عندما وصل سعر البرميل إلى حوالي 35 دولارا. وكانت النتيجة المباشرة لهذه الخطوة هي تحقيق إعادة توزيع للدخل على الصعيد العالمي لصالح البلاد المصدرة لهذه المادة بعد أن ظلت لفترة طويلة من الزمن تعاني من علاقات التبادل اللا متكافئ الجائرة لتلك المادة الحيوية التي تعد هي المصدر الرئيسي للدخول القومية فيها. ويكفي للدلالة على خطورة هذا القرار، أن نشير إلى أن قيمة تجارة الوقود في العالم ارتفعت من 29 مليار دولار في عام 1970 إلى حوالي 535 مليار دولار في عام 1980، وارتفعت، جراء ذلك، قيمة تجارة الوقود من 7% من إجمالي التجارة العالمية إلى حوالي 21% على التوالي بين هذين التاريخين. وكانت الدلالة التاريخية المهمة لقرارات الأوبك بالنسبة للبلدان الصناعية المتقدمة المستوردة لهذه المادة، هي انتهاء عصر الرخص الشديد للطاقة، وهو الرخص الذي شكل عاملاً أساسياً من عوامل نمو وتقدم هذه البلدان في عالم ما بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أثر ارتفاع السعر العالمي للنفط تأثيراً قوياً على جميع عمليات الإنتاج والاستهلاك والاستثمار والتوزيع في هذه البلدان، وهو التأثير الذي عرف في تلك الآونة تحت مصطلح "أزمة الطاقة". وقد لجأت البلدان الصناعية المستوردة للنفط إلى اتخاذ تدابير ثأرية، تمثلت في ذلك الارتفاع المصطنع الذي أحدثته في أسعار كثير من السلع الغذائية والوسيطة والاستثمارية التي تستوردها البلاد النامية. لكن تأثير تلك التدابير على البلاد النفطية كان تافها، لكنه كان تأثيرا عظيماً على البلاد النامية غيرالنفطية. كما زادت في هذه الفترة التدابير الحمائية ضد الصادرات المصنعة وغير المصنعة للبلاد النامية.

آثار حظر النفط

أما المجال الثاني الذي تجلى فيه استخدام العرب سلاح النفط في تلك الآونة فقد تمثل في حظر تصدير النفط إلى البلدان الغربية التي وقفت مع إسرائيل وانحازت لجانبها وقت اندلاع المعارك الحربية. وقد سبب هذا الحظر رعباً شديداً لهذه البلدان، نظراً لاعتمادها الشديد على بترول العرب باعتباره مصدراً رئيسياً للطاقة ومادة جوهرية تعتمد عليها الصناعات البتروكيماوية التي تستخدم كمدخلات وسيطة في آلاف الصناعات التحويلية. وكان استمرار هذا الحظر، وربطه بالصراع العربي الإسرائيلي وكأداة ضغط في المفاوضات الدولية لهذا الصراع يعني بشكل مباشر، حصاراً اقتصادياً خانقاً لمجموعة هذه البلدان. ولهذا سرعان ما اضطرت البلاد العربية النفطية إلى التخلي عن هذا الحظر بعد أقل من شهر واحد من انتهاء حرب أكتوبر، نظراً لما احتواه من مخاطر أمنية واستراتيجية على دول المنطقة.

وفيما يتعلق بالمجال الثالث الذي ظهر فيه استخدام النفط كسلاح بيد العرب آنذاك، فقد تمثل في استمرار تقديم الدعم المالي من البلاد العربية المصدرة للنفط إلى البلاد العربية التي تضررت من الحرب، وهو الدعم الذي كان قد تقرر في مؤتمر الخرطوم عقب هزيمة يونيو 1967 واستمر بعد حرب أكتوبر 1973. وقد تم هذا الدعم إما من خلال العلاقات الثنائية بين البلاد العربية النفطية والبلاد العربية التي احتلت أراضيها، أو من خلال تقديم القروض الميسرة من صناديق التمويل والتنمية العربية. وقد عكس هذا الدعم المالي درجة عالية من التضامن العربي في تلك الآونة.

وعلى الجانب الآخر، كان لثورة أسعار النفط التي نجح فيها سلاح التضامن العربي تداعيات مهمة في المنطقة العربية. فمن ناحية زادت الدخول القومية للبلاد العربية المصدرة للنفط زيادة هائلة، مكنتها من تنفيذ جرعات ضخمة من الاستثمار وبناء شبكة متقدمة من البنية التحتية وانشاء كثير من المدن الجديدة وبعض الصناعات التحويلية، وبالذات البتروكيماوية وصناعة مواد البناء والتشييد. كما زاد الانفاق العام الموجه للخدمات الاجتماعية، كالتعليم والصحة والاسكان ومشروعات الضمان الاجتماعي، وهو الأمر الذي أدى إلى إحداث قفزة هائلة في مستويات المعيشة. وفضلا عن ذلك، تبقت في هذه البلاد فوائض مالية ضخمة، راحت تبحث عن مجالات للتثمير المربح لها في الخارج وأصبحت تدر عوائد مالية ضخمة. ومنذ ذلك التاريخ اصبحت اقتصادات البلاد العربية النفطية تعتمد اعتمادا جوهريا على الريع النفطي. حيث أصبحت المؤشرات الاقتصادية ترتفع فيها بارتفاع هذا الريع، وتنخفض بانخفاضه. أما البلاد العربية غير النفطية، فقد تأثرت سلباً بارتفاع سعر النفط وارتفاع أسعار وارداتها الأخرى، مما أدى إلى زيادة عجز موازين مدفوعاتها زيادة كبيرة، مما اضطرها للاقتراض الخارجي. وجزء كبير من هذا الاقتراض كان مصدره الفوائض النفطية التي اعيد تدويرها للخارج . وقد تزايدت مديونية هذه البلاد زيادة كبيرة خلال عقد الثمانينيات وبالاضافة إلى الاقتراض الخارجي استطاعت البلاد العربية ذات العجز المالي ان تخفف من حدة الضغوط التي ولدها العجز بميزان المدفوعات من خلال إرسال شطر مهم من عمالتها الفنية وشبه الفنية والعادية للاشتغال بالبلاد النفطية، حيث لعبت تحويلات هؤلاء العاملين دوراً مهماً في زيادة موارد هذه البلاد من النقد الأجنبي. وهكذا، انقسمت البلاد العربية إلى بلاد ذات فائض ودائنية، وبلاد ذات عجز مالي ومديونية خارجية كبيرة.

ولا يجوز أن ننسى، أنه خلال عقد السبعينيات الذي اشتعلت فيه ثورة أسعار النفط، زاد الوعي بأهمية التعاون الاقتصادي العربي المشترك من أجل تحقيق التكامل الاقتصادي العربي واستكمال مقومات التحرر الاقتصادي وتحقيق التنمية، والعمل على تغيير بنية الانتاج المحلي المعتمد على إنتاج المواد الأولية. وقد تجسد هذا الوعي وبلغ ذروته في قمة عمان عام 1980 بصدور "استراتيجية العمل العربي المشترك" و"ميثاق العمل الاقتصادي القومي" الذي وقعه الملوك والرؤساء العرب. كذلك يشهد التاريخ أنه خلال عقد السبعينيات، زادت الموارد المالية المتاحة لصناديق التنمية والتمويل العربية، وزاد حجم نشاطها، وظهرت كثير من المشروعات الاقتصادية العربية المشتركة.

وفي ضوء ما تقدم، كان من الجلي، أن استخدام سلاح النفط في معارك العرب القومية والاقتصادية قد بدأ يؤتي ثماره، وأن ثمة وعوداً ضخمة وآمالا عريضة لاستثمار هذه الثمار لصنع مستقبل أفضل للعرب في ظل صعود عام لحركة التحرر الوطني العربية . على أن النجاح النسبي الذي سجله العرب في استخدامهم لسلاح النفط في تلك الآونة كان في الحقيقة مرتبطاً بالعوامل التالية:
1 ـ

وحدة الصف العربي.
2 ـ

الجرأة في اتخاذ القرارات الصعبة.
3 ـ

توافر الإرادة السياسية العربية.
4 ـ

الفاعلية النسبية للنظام العربي الإقليمي ومؤسساته المختلفة.

نزع سلاح النفط

كل ذلك، كان يوحي بأن المنطقة العربية أصبحت مؤهلة ـ بحكم موقعها ومساحتها وعدد سكانها ومواردها الاقتصادية والطبيعية والوعي العربي الجديد الصاعد فيها ـ مؤهلة لأن تكون منطقة خارج السيطرة والهيمنة الغربية، وأن تضع تنميتها ومستقبلها بما يتفق وأوضاعها الاقتصادية والاجتماعية والحضارية والأمنية. كما أن ذلك كان يوحي أيضا بإمكان استمرار صعود حركة التحرر الوطني العربية وصمودها أمام تحديات العدو الصهيوني.

على أن مجئ عقد الثمانينيات، وما حدث به من تطورات مذهلة، قد عجل بوضع نهاية لتلك الآمال، وتم نزع سلاح النفط من أيدي العرب، في ظل سياق تاريخي دولي وإقليمي معين، ولتدخل المنطقة بعد ذلك في حالة متردية من التفكك العربي وضعف التضامن بين البلاد العربية.

فعلى الصعيد العالمي، سرعان ما تنبهت البلدان الصناعية الرأسمالية لخطورة ترك سلاح النفط بيد العرب لاستخدامه في معاركهم القومية والاقتصادية. ولهذا حرصت على إجهاض ثورة أسعار النفط من خلال مجموعة من الإجراءات والسياسات المحسوبة بدقة، مثل ترشيد استخدام الطاقة، وزيادة استخدام بدائل النفط كالفحم والغاز والطاقة الشمسية والنووية، ومن خلال تكوين مخزونات نفطية هائلة تستخدم عند اللزوم للضغط على الاسعار في السوق النفطية، وزيادة انتاج النفط في دول أخرى غير أعضاء بالأوبك، والحرص على شق صفوف الدول الأعضاء بالاوبك وإذكاء الخلافات فيما بينها. وكل هذه الاجراءات والسياسات نجحت في النهاية في تحويل سوق النفط من سوق كان يسيطر عليها البائعون إلى سوق يسيطر عليها المشترون. ولهذا سرعان ما تدهورت أسعار النفط خلال عقدي الثمانينيات والتسعينيات تدهوراً بليغاً. وزاد من حدة هذا التدهور ان القوة الشرائية Purchasing Power لبرميل النفط قد تدهورت على نحو اكثر بسبب ارتفاع أسعار واردات البلاد المصدرة للنفط. كذلك نجحت مجموعة البلدان الصناعية الرأسمالية، يؤازرها في ذلك صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، في احتواء الفوائض النفطية العربية وإعادة ضخها عبر قنوات الاستثمار النقدي والمالي، في وقت ساد فيه التضخم، مما أدى إلى تآكل تلك الفوائض.

أما على الصعيد الإقليمي، فقد شهد عقد الثمانينيات سلسلة من الأحداث الكارثية في المنطقة العربية التي أدت في النهاية إلى إضعاف فاعلية سلاح النفط، بل ونزعه تماما من أيدي العرب. ويأتي في مقدمة ذلك، اندلاع الحرب الإيرانية العراقية لمدة ثماني سنوات وما بددته من ثروات مالية وبشرية هائلة وما أدت إليه من ضغوط لزيادة ضخ وتصدير النفط العربي لتمويل مشتريات السلاح، وانفجار الحروب الأهلية في بعض البلدان العربية "مثل الحرب الأهلية اللبنانية، والحرب الأهلية في جنوب السودان، والنزاع المغربي في جنوب الصحراء..." واشتعال الحروب مع بعض دول الجوار العربي، وتعميق الانكفاء على الذات ونمو النزعات القطرية بتزايد تكوين التجمعات العربية الإقليمية.

ثم جاءت الكارثة الكبرى باحتلال العراق للكويت في صيف عام 1990 وما سببته من شرخ عميق ومؤلم في الجدار العربي ومن تفكك شديد وضعف بين في النظام العربي الإقليمي.

وفي ضوء هذا الوضع العربي المتردي كان طبيعياً أن تصبح دول المنطقة من أكبر دول العالم استيراداً للسلاح وأن تتبدد أجزاء ضخمة من الفوائض النفطية والفوائض الاقتصادية العربية في هذا الاستيراد، وأن تتراجع معدلات التراكم والنمو والتوظف، ويتعرض مستوى المعيشة في كثير من البلاد العربية للتدهور. كذلك تزايدت المديونية الخارجية للبلاد العربية غير النفطية وذات العجز المالي وأصبحت قيداً ثقيلاً على حرية اتخاذ القرار فيها بعد الدخول في عمليات إعادة جدولة ديونها، وأن تفرض عليها عمليات التكيف الهيكلية والانفتاح والتحرير والعولمة والتخلص من القطاع العام كثمن لتأجيل دفع الديون، وإن كان ذلك قد تم تحت شعارات "الإصلاح الاقتصادي". ولاعجب، والحال هذه، أن تأخذ الحلول الفردية طريقها إلى دول المواجهة في صراعها مع العدو الصهيوني.

وإذا عدنا الآن، بعد ذلك كله، إلى طرح سؤالنا الجوهري، وهو: هل لا يزال النفط سلاحاً بيد العرب في الآونة الراهنة لاستخدامه في معاركهم القومية والاقتصادية.. فإننا لن نتردد بالرد على ذلك بالنفي. فمن الناحية الفعلية تم نزع سلاح النفط من أيدي العرب في ضوء التفاعلات القوية لتلك الاحداث سالفة الذكر التي حدثت على الصعيدين العالمي والإقليمي في الثمانينيات، واستمرت، بهذا القدر أو ذاك، بعد ذلك في عقد التسعينيات.

هل يعود السلاح لقوته؟

لكننا إذا طرحنا السؤال بصيغة الإمكان، وقلنا، هل من الممكن أن يعود النفط سلاحاً بيد العرب، مرة أخرى، لخدمة قضاياهم القومية والاقتصادية مستقبلا ? ، لقـلنا إنه على صعيد القضايا القومية، ليس من الوارد، لا حاليا ولا في المستقبل المنظور، أن يكون للنفط فاعلية تذكر في خدمة هذه القضايا، حيث خرج النفط تماما كسلاح من دائرة الصراع العربي الإسرائيلي بعد استشراء حالة التشرذم العربي والانكفاء على الذات وبعد تبني دول المواجهة الحلول الانفرادية وخيار السلام. كما أنه بسبب الحالة الراهنة للتفكك العربي وتبدل علاقات القوى والأمن بالمنطقة، ليس من الوارد أن يستخدم سلاح النفط في دعم المفاوض العربي مع العدو الإسرائيلي.

أما على صعيد القضايا الاقتصادية، ويأتي في مقدمتها بناء مشروع التنمية العربية والتكامل الاقتصادي الإنمائي العربي، فإن ثمة، امكانات كبيرة لاستخدام سلاح النفط لخدمة تلك القضايا. لكن ذلك يبقى رهنا بتوافر شروط معينة. وهذه الشروط يمكن تفريعها إلى خطين رئيسيين.

الخط الأول يتعلق بالسياسات والإجراءات الهادفة لأن يبقى للنفط سعر عالمي مجز. وقد توصلت الأوبك في اجتماعها في شهر مارس 2000 بمدينة فيينا إلى آلية معينة تأخذ بها لأول مرة في تاريخها. وتهدف هذه الآلية إلى الحفاظ على مستوى سعر البرميل فيما بين 22 و28 دولارا أمريكيا. فإذا انخفض السعر إلى أقل من 22 دولارا قامت الأوبك بتخفيض إنتاجها، وإذا تجاوز السعر 28 دولاراً، فإنها تقوم بزيادة إنتاجها.

ولا يخفى أن الحفاظ على هذه الآلية يتطلب من الدول العربية الأعضاء بالأوبك ـ وهي ذات وزن محترم فيما يتعلق بحجم الإنتاج والتصدير ـ أن تبذل جهداً مكثفا للحفاظ على وحدة الموقف بين الدول الأعضاء بالأوبك والتمسك بقرارات حصص الإنتاج واحترام تنفيذها. لكن المشكلة الأساسية التي تواجهها الأوبك في هذا الخصوص، هي أن حجم وطبيعة المشكلات التي تواجهها الدول الأعضاء، وتؤثر من ثم في قرارات الإنتاج، تختلف اختلافاً كبيراً فيما بينها. ففنزويلا ونيجيريا وأندونيسيا على سبيل المثال من الدول ذات المديونية الخارجية الثقيلة، وأن عبء هذه المديونية يسبب لها ارهاقاً مالياً شديداً، في حين أن المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات ذات فائض ودائنية خارجية. كما أن متوسط دخل الفرد في نيجيريا 280 دولاراً، في حين يبلغ هذا المتوسط 7150 دولاراً في المملكة العربية السعودية "طبقا لتقرير التنمية البشرية لعام 1999". وهذا الاختلاف الشاسع في الظروف الاقتصادية والاجتماعية بين الدول الأعضاء بالأوبك كثيراً ما يجعل هناك صعوبة في احترام حصص الإنتاج المقررة. لهذا يقترح كاتب هذه السطور ضرورة إنشاء صندوق طوارئ لبلدان الأوبك، تكون مهمته تقديم القروض الميسرة إلى البلد العضو الذي يواجه مآزق اقتصادية حتى لا يضطر إلى زيادة حجم إنتاجه من النفط فوق ما هو متفق عليه.

ولما كان السلوك الإنتاجي والتصديري للدول غير الأعضاء بالأوبك كثيراً ما يسبب المشكلات لاستقرار أسعار النفط، فإنه قد يكون من المفضل السعي إلى ضم بعض هذه الدول إلى عضوية الأوبك حتى ترتبط مصالحها بباقي مصالح الدول الأعضاء.

وفي جميع الأحوال يجب على الأوبك أن تتصدى لمحاولات الضغط عليها من قبل بعض البلدان الصناعية المتقدمة للتأثير على سياستها السعرية.

أما الخط الثاني في مقترحاتنا، فيتعلق بالسياسات والإجراءات الهادفة إلى استخدام النفط في بناء مشروع التنمية الاقتصادية العربية والتكامل الاقتصادي الإنمائي العربي. ويأتي في مقدمة هذه المقترحات، ضرورة تصنيع النفط وتحويله إلى منتجات بتروكيماوية حتى يمكن الحصول على مردود أعلى بدلا من تصديره كمادة خام. كذلك من المهم تعزيز ودعم الخدمات المكملة لتجارة النفط، مثل خدمات الشحن والنقل والتأمين.. إلى آخره.

وفيما يتعلق بإمكانات استخدام النفط في دعم جهود التكامل الاقتصادي الإنمائي العربي، فهي قضية معقدة ولن يتسع المجال للخوض فيها هنا. لكنا نكتفي هنا بالإشارة إلى أن الأمر يتطلب عودة التضامن العربي، وعودة الوعي بأهمية العمل الاقتصادي العربي المشترك، وتفعيل مؤسسات النظام العربي الإقليمي، في ضوء مبدأ النفع المتبادل، وعدم التدخل في الشئون الداخلية، واحترام السيادة القطرية، مع الاستفادة من خبرات الماضي بحلوها ومرها.

الفرصة باقية

وصفوة القول، لقد كان النفط، في فترة ما ـ ولمدة وجيزة ـ سلاحاً بيد العرب لخدمة قضاياهم القومية والاقتصادية، حينما كانت هناك وحدة في الصف العربي، وحينما كانت هناك ارادة سياسية قوية، وتعاون عربي وثيق. أما الآن فقد تم نزع هذا السلاح من أيدي العرب في ضوء عوامل الضعف والتفكك العربي التي تراكمت على الصعيدين العالمي والإقليمي، مع ذلك، يظل هذا السلاح ممكنا لاستخدامه في خدمة القضايا الاقتصادية العربية لو توافرت شروط معينة.