الجمعة، 23 سبتمبر 2011

هل تنجح تركيا حيث فشلت إيران ؟

جريدة الشرق الأوسط اللندنية 24 من شوال 1432هـ / 22 من سبتمبر 2011م

زعماء المنطقة غير العرب يريدون كسب الشارع العربي، يعتبرونه مأخوذا بمواقفهم، يلعبون على عواطفه وخيباته. والشارع العربي يجمّل صورتهم في الخارج، يساعدهم على استمداد القوة.

على خطى الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يسير رئيس الوزراء التركي طيب رجب أردوغان. الأول حاول «اقتناص» الشارع العربي قبل «الثورات العربية» ولما وقعت الثورات، ظن أنه بسبب تأثير الثورة الإسلامية الإيرانية. أردوغان أراد «قطف» حماسة الشارع العربي وهي في عز ربيعها ولا تعرف ماذا يحمل لها شتاء الثورات.

الشارع العربي يمنح قوة لهؤلاء الزعماء، وهم يدغدغون أحلامه، يحدثونه عن مستقبل زاهر. لكن الشارع العربي مثل الزئبق لا يهدأ بيد زعيم، ثم إنه شارع ملول، وكما يعشق بسرعة يدير ظهره بسرعة، وهكذا القوة التي يمنحها لهؤلاء. أين صارت القوة التي ظن أحمدي نجاد أن الشارع العربي منحه إياها؟ بتلك القوة قمع المظاهرات التي خرجت تندد بتزويره الانتخابات الرئاسية. فإذا به يخسر الشارع الإيراني، فيما الشارع العربي أدار له ظهره.

القوة التي تنفسها أردوغان من جولته الأخيرة دفعته إلى تهديد قبرص اليونانية التي لم تبال، وقررت المضي قدما في التنقيب عن الغاز قبالة الساحل الجنوبي. استمر أردوغان في التهديد وفي الوقت نفسه أبلغ الأمم المتحدة وقادة قبرص أن بلاده لم تعد مستعدة لقبول التنازلات التي وافقت عليها للمساعدة في إعادة توحيد قبرص حسب خطة الأمم المتحدة لعام 2004، فالجانب التركي لن يرضى بقبول أي شيء أقل من الاعتراف بحل الدولتين في الجزيرة. أيضا حذرت تركيا الاتحاد الأوروبي، بأنها لن توافق على تسلم قبرص رئاسة الاتحاد مع بدء السنة المقبلة.

في منتصف شهر مارس (آذار) الماضي وفي منتدى «الجزيرة»، شدد وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو على أنه «تجب حماية سلامة أراضي بلادنا والمنطقة». لم يشر إلى قبرص أو الأكراد.

يريد أردوغان الآن وضع تركيا باعتبارها طليعة المؤيدين للقضية الفلسطينية، كما يريد من «الربيع العربي» اعتبار تركيا مؤيدة ونموذجا ملهما، مشددا على وحدة تركية - عربية صلبة، فهو يخطط لمجلس تعاون استراتيجي بين مصر وتركيا.

التمهيد لهذا التعاون لوحظ من خلال حجم الوفد الذي رافق أردوغان: ستة وزراء ونحو 200 من رجال الأعمال الأتراك، فتركيا عازمة على الاستثمار بكثافة في المنطقة. عام 2010 بلغ حجم التجارة التركية مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ما يفوق 30 مليار دولار، أي ما يمثل 27% من الصادرات التركية، وقد استثمرت أكثر من 250 شركة تركية في مصر بمبلغ 1.5 مليار دولار.

يجب الاعتراف، أنه رغم محاولات أحمدي نجاد كسب الشارع المصري بشن حربه على نظام مبارك، فقد عجز عن إغراء هذا الشارع بالنظام الإيراني رغم العلاقات التي بناها مع «الإخوان المسلمين» و«شارع خالد الإسلامبولي». أما أردوغان، وإلى حين موعد زيارته، فقد كان النموذج التركي يحظى بشعبية هائلة في مصر: حزب إسلامي (حزب العدالة والتنمية) في السلطة، دستور علماني، أما الجيش، وإن كان قويا، فقد أعيد إلى الثكنات، وازدهار اقتصادي.

لكن المشكلة مع أردوغان، أن سياساته الخارجية غير ثابتة. ومراجعة لسياساته القريبة، والتي تغيرت بسرعة، تبعث على الشك في ثبات هذه السياسة والتزاماتها.

حذر أردوغان من محاولة غزو ليبيا. وأصر على أنه إذا كان هناك أي تغيير للنظام في ليبيا فيجب أن يأتي من الداخل وليس من خلال التدخل الأجنبي. كان لتركيا استثمارات بمليارات الدولارات في ليبيا ناهيك عن أكثر من 20 ألف عامل تركي تم إجلاؤهم في غضون أيام. ورغم أنها في الأطلسي فقد أدانت بقوة القرار الدولي 1973. ثم حصلت الإطاحة بالنظام، فانتقلت قافلة أردوغان لتحية الثوار.

يمكن لتركيا أن تقول إنها حسب سياسة داود أوغلو: «صفر مشكلات»، فإن الاقتصاد والتجارة يأخذان الأولوية. لكن هذه السياسة انهارت وأدت إلى ضغينة مع إسرائيل، والثورات العربية دفعت أنقرة إلى إدخال بعض التعديلات عليها. هذا الأسلوب (إدخال تعديلات)، قد يتكرر مع السياسة «المنفتحة» الجديدة.

لكن إدخال التعديلات لم ينجح مع سوريا. فقد انكسرت العلاقات عندما تجاهلت سوريا دعوة تركيا لوقف حملتها العسكرية على المتظاهرين المدنيين. وأفقدتها بذلك «القوة» التي يتمتع بها أحيانا الوسيط. وبذلك تكون سوريا الثانية بعد إسرائيل التي نزعت صفة الوسيط عن تركيا.

في إطار سياسة «صفر مشكلات» مع الدول المجاورة عززت أنقرة علاقاتها السياسية والتجارية مع سوريا. ارتبط أردوغان بصداقة مع الرئيس السوري بشار الأسد وبنى علاقات سياسية واقتصادية مع دولة مجاورة، كانت معادية، وعادت معادية الآن عندما فقد صبره لامتناع الأسد عن الأخذ بنصيحته عدم قتل المحتجين وإجراء إصلاحات. قد لا يكون الحق على أردوغان في فشل سياسة «صفر مشكلات» مع سوريا، إذ إن الالتزام بالوعود ليس من صفات الرئيس السوري، فهو عندما وافق على قانون تعدد الأحزاب الذي طالبت به المعارضة، لم يوقع عليه إلا بعدما شطب عبارة: «المشاركة في السلطة والحكم».

داود أوغلو، يوم الأحد الماضي وفي حديث إلى «سي إن إن» قال إن سياسة «صفر مشكلات» لم تسقط إلا في سوريا. هذا يعني أن العلاقة مع إيران جيدة.

في كتابه: «العمق الاستراتيجي: وضع تركيا الدولي»، يقول أوغلو إن تركيا الآن لاعب رئيسي في الشرق الأوسط «هذا هو وطننا». ولوضع هذه العبارة في منظور مفهوم، جاء أوغلو بمعادلة: العثمانية الجديدة زائد القومية التركية زائد الإسلام، تساوي: تركيا الكبرى.

العثمانية الجديدة تصل بتركيا إلى الأراضي العربية والبلقان. الروابط القومية التركية تصل بها إلى آسيا الوسطى، أما ديار الإسلام فإنها من المغرب إلى إندونيسيا. لهذا، وهو الأهم بالنسبة إلى أوغلو، فإنه يعتبر الشراكة بين تركيا وإيران تعادل تلك القائمة بين فرنسا وألمانيا. وفي ظل مفهوم أوغلو هذا، يمكن فهم العلاقة بين تركيا والبرازيل وموقفهما العام الماضي في مجلس الأمن، ضد واشنطن ولندن وباريس بالنسبة إلى البرنامج النووي الإيراني.

سوريا على علاقة وثيقة بإيران، شكلت لتركيا حالة حرجة وقد يكون هذا السبب الذي جعل أردوغان يفقد صبره مع الأسد. فتركيا ترى إيران الباب الذهبي إلى آسيا الوسطى وربما أيضا إلى الخليج، وإلى تحقيق معادلة أوغلو.

هل أن الطموح التركي البعيد سيتعرض لما يتعرض له الطموح الإيراني البعيد؟ تركيا الآن تستخدم المشاعر المعادية لإسرائيل في المنطقة لكسب مصداقية (لم يقطع أردوغان العلاقات الدبلوماسية)، لكنها تريد أن تستمر أزمتها مع إسرائيل لنفوذ أقوى في الشرق الأوسط، اعتقادا منها بأن الحاجة الأميركية لها ستزداد للمساعدة في إدارة الصراعات في الشرق الأوسط من سوريا إلى مصر إلى إيران. ثم إن تركيا بعد ضعف النظام في سوريا تريد أن تلعب دورا في العراق وربما كوسيط بين واشنطن وطهران. هي «سلّفت» الولايات المتحدة في الرابع من سبتمبر (أيلول) عندما وافقت رسميا على تركيب رادار لمنظومة الصواريخ الدفاعية الاستراتيجية التي تديرها الولايات المتحدة. هذه الموافقة قد تعقّد العلاقات التركية - الروسية، لكنها في الوقت نفسه إشارة تركية إلى أميركا على أن أنقرة ضرورية لواشنطن، وإشارة إلى طهران على استعداد أنقرة للعب دور الوسيط بينها وبين واشنطن، وإشارة إلى إسرائيل، ليس معروفا تفسيرها، فإيران رأت الموافقة على الرادار، بمثابة دفاع عن إسرائيل.

هل هذه خطوة تركية صائبة؟ حتى الآن خسر أردوغان انتصارين. الأول مع سوريا التي رفضت الاستماع لنصائحه، والثاني مع إسرائيل التي رفضت تقديم اعتذار له.

وهناك في تركيا من بدأ يحذر إذ إن الآذريين فيها أكثر عددا من أذربيجان، والأرمن أكثر من أرمينيا، وفيها ألبانيون أكثر مما في ألبانيا وكوسوفو، وبوسنيون أكثر من البوسنة، والأكراد فيها أكثر عددا من كردستان العراق وهذه كلها براميل بارود محتملة.


الكاتبة :- هدى الحسيني

خامنئي والبحرين .. الوعد الكاذب !

العربية نت 21 شوال 1432هـ - 19 سبتمبر 2011م

قد يشكل الولي الفقيه ومرشد الثورة الإيرانية آية الله علي خامنئي مرجعية سياسية للعديد من الشيعة في العالم، وبالتالي فإن المواقف السياسية التي يتخذها تكون مواقف هامة لتأثيرها على مواقف مختلف التيارات الشيعية، وسلوكهم السياسي لاحقاً. وسبب ذلك تقاطع المصالح بين مصالح الجمهورية الإسلامية من جهة، ومصالح التيارات الشيعية.

في البحرين منذ اندلاع الأزمة السياسية الراهنة في 14 فبراير الماضي، كان لافتاً حجم التدخل الإيراني في الحراك السياسي الدائر أثناء الأزمة، وهو تدخل ليس بجديد إذ تتمتع طهران بتاريخ حافل من التدخلات السياسية والأمنية في الشأن البحريني منذ حكم الشاه الأخير.

ولكن التطورات الأخيرة التي شهدتها البحرين كشفت نظرة أكثر راديكالية من القيادة السياسية الإيرانية تجاه المنامة. فإذا كانت طهران تواجه المنامة بشكل غير مباشر عبر سلسلة من التصريحات لفعاليات رئيسة في النظام الإيراني وغالباً ما تكون فعاليات غير رسمية، فإنها بعد الأزمة البحرينية أصبحت تمارس نشاطها بشكل علني وأكثر صراحة ووضوحاً.

هذا هو الوضع الراهن، ولكن بمتابعة تطور الموقف الإيراني تجاه الأزمة البحرينية يمكن الخروج بعدة حقائق أبرزها، محدودية تصريحات المرشد الإيراني مقارنة بتصريحات المسؤولين الحكوميين في طهران. فخلال الفترة من فبراير إلى أغسطس 2011 لم يصدر عن الولي الفقيه سوى 4 تصريحات بشأن البحرين. وهو ما يكشف توزيع الأدوار داخل النظام الإيراني، وضمان وجود خط رجعة من قبل قمة الهرم السياسي تجاه المواقف السياسية السابقة في حالة تطور الأزمة البحرينية بما يتعارض ومصالح طهران.

بالإضافة إلى ذلك فإن جميع تصريحات المرشد الإيراني بشأن البحرين تزامنت مع مناسبات قومية عامة في إيران أو حتى للشيعة عموماً، وتشمل عيد السنة الفارسية، والذكرى السنوية لرحيل الإمام الخميني، ويوم البعثة النبوية حسب التقويم الشيعي، بالإضافة إلى عيد الفطر. ومثل هذا التوجه يشير إلى أن سبب اختيار المرشد لمثل هذه المناسبات هو تكوين تضامن شيعي ـ شيعي تجاه القضايا التي يثيرها. وبالتالي فإن تركيزه في مثل هذه المناسبات على الأوضاع السياسية في البحرين من شأنه أن يثير تعاطف الشيعة في العالم مع ظروف شيعة البحرين، ومن ثم يساعد طهران في زيادة الضغط على البحرين لدعم أنصار ولاية الفقيه من الطائفة الشيعية.

ركزت تصريحات المرشد الإيراني على تكريس مجموعة من المفاهيم في خطابه السياسي بشأن الأوضاع في البحرين؛ وتشمل: "الشعب المظلوم، ثورة مطالب، المطالبة بالحقوق، التدخل السعودي، الاضطهاد، عدم الوفاء بالعهود للشعب". كما حرص خطاب المرشد على نفي الطائفية عن الاحتجاجات التي شهدتها البحرين.

اعتمد المرشد في خطابه الديني ـ السياسي حول الأزمة البحرينية على تقديم الوعود بالنصر الإلهي، واهتمت بتحفيز شيعة البحرين على الثبات ومواصلة الاحتجاجات في مواجهة الدولة من خلال تبريرات دينية مستقاة من المذهب الشيعي.

في أوقات عديدة اتسمت تصريحات المرشد بالتناقض، ومن أمثلة ذلك تبريره وتأكيده مشروعية الاحتجاجات التي قام بها شيعة البحرين، وتحريمه ورفضه لتلك الاحتجاجات التي قام بها المواطنون في سوريا أو حتى العراق. بالمقابل تضمن خطاب المرشد الإيراني مطالب متطرفة، وهي لا تعكس حقيقة أو واقع، وتتراوح بين وقف التدخل السعودي لقمع شعب البحرين مروراً بوقف الظلم عن شعب البحرين، وضرورة مواصلة الاحتجاجات المشروعة لمواجهة الدولة.

الازدواجية المذهبية

التصريح الأول لمرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي كان بمناسبة عيد السنة الفارسية الجديدة خلال مارس 2011، حيث وجه انتقادات حادة للسعودية، وأكد نفيه دعمه للاحتجاجات في البحرين لأسباب مذهبية مبرراً موقفه بأن طهران تدعم كافة المسلمين ومن أمثلة ذلك دعمها للفلسطينيين وقضيتهم.

اللافت في هذا التصريح أنه ركز على ما أسماه بـ "التدخل السعودي" رغم أنه في الحقيقة مشاركة سعودية في قوات درع الجزيرة الخليجية. وكان اتهام خامنئي للرياض أنها تتدخل عسكرياً في البحرين تحت غطاء قوات درع الجزيرة.

ومن الواضح أن خامنئي كان يسعى لتحقيق عدة أهداف عبر تصريحه الأول بشأن البحرين في مناسبة إيرانية هامة (عيد السنة الفارسية الجديدة)، حيث سعى لربط ربط المواجهة في البحرين بين إيران والسعودية، وليس إيران ودول مجلس التعاون الخليجي التي شاركت ضمن قوات درع الجزيرة. أيضاً قام بالتأكيد على عدم طائفية الاحتجاجات السياسية التي تشهدها البحرين، وأنها تمثل مطالب الشعب البحريني.

بالإضافة إلى ذلك ربط المرشد الإيراني الاحتجاجات السياسية في البحرين بالاحتجاجات التي كانت تشهدها آنذاك تونس ومصر. وقد يكون الهدف من وراء ذلك تكوين رأي عام شيعي بأن احتجاجات البحرين تسعى لتحقيق مطالب شعب البحرين لإبعاد أي محاولات من قبل المسؤولين الإيرانيين تتعلق بالمطالبة بإقامة دولة إسلامية في البحرين.

تصنيف إيراني للثورات

أما التصريح الثاني لمرشد الثورة الإيرانية فكان في نهاية يونيو 2011 تزامناً مع الاحتفال بيوم البعثة النبوية حسب التقويم الشيعي، وأكد فيه أن "الاحتجاجات في البحرين تعد النضال الحقيقي المماثل لحركة الشعب المصري والتونسي واليمني". وأن "الاحتجاجات في العالم العربي تمثل الصحوة الإسلامية التي تسير على الطريق الذي رسمه الرسول".

وأشار خامنئي في تصريحه إلى واشنطن وتل أبيب قائلاً: "لن تسمح للأمريكيين والصهاينة بركوب الموجة وحرق هذه الحركة العظيمة عبر بث الخلافات والتحايل عليها".

كما ابتكر تصنيفاً خاصاً بالثورات يقوم على تصنيفها إلى قسمين؛ ثورات مزيفة وثورات حقيقية، حيث قال: "الثورة السورية نسخة مزيفة عن الثورات في مصر وتونس واليمن وليبيا". متهماً الولايات المتحدة الأمريكية بصنع الثورة السورية لإيجاد خلل فيما أسماها بـ "جبهة الممانعة".

ويلاحظ تكرار ربط خطاب المرشد الإيراني للأحداث في البحرين بأنها امتداد طبيعي للثورات التي تشهدها البلدان العربية الأخرى. وكذلك تبريره للاحتجاجات وفق أسس دينية عندما وصفها بأنها "تمثل الصحوة الإسلامية التي تسير على الطريق الذي رسمه الرسول".

إلا أن التطور المهم في هذا الخطاب، هو التناقض الكبير في الوصف، حيث قسّم المرشد الاحتجاجات التي تشهدها البلدان العربية إلى احتجاجات حقيقية، كما هو الحال في البحرين. واحتجاجات مزيفة، كما هو الحال في سوريا.

ابتكار المواجهة

بمناسبة الذكرى السنوية الثانية والعشرين لرحيل الإمام الخميني في بداية يونيو 2011 أطلق مرشد الجمهورية الإسلامية تصريحه الثالث بشأن البحرين، وتضمن التركيز على مفاهيم أخرى، حيث قال: "الشعب البحريني مظلوم ظلامة مطلقة وأمريكا تعاملت مع ثورته بمكاييل ضد شعاراتها الديمقراطية وحقوق الإنسان والسعودية لا يمكن أن تقمع الشعب البحريني دون ضوء أخضر من أمريكا".

وأضاف: "الشعب البحريني ثورته ثورة مطلبية وهو يريد حقوق مشروعة وليست ثورة طائفية بين سنة وشيعة على الرغم من غالبية شيعية في البحرين... نحن ندعم ونقف مع كل الثورات التي هي ضد أمريكا والصهيونية والثورات التي تأتمر بأمريكا نحن لا ندعمها لأن أمريكا والصهاينة هم ضد شعوب المنطقة... النصر حليف الثورات حتى وإن تأخر النصر إلا أن النصر حليفها إذا تمسكت بالله والقرآن والوعي والاستمرار".

في هذا التصريح يلاحظ حرص مرشد الثورة الإيرانية على تبرير إخفاق طهران في دعم شيعة البحرين خلال احتجاجاتهم، وهو ما برّره بالدعم الأمريكي للسعودية لقمع ثورة البحرين. كما استمر في تأكيده على أن الاحتجاجات في البحرين تعد ثورة مطلبية، وليست ثورة طائفية رغم وجود ما أسماه "أغلبية شيعية".

أيضاً عمل خامنئي على تحفيز شيعة إيران والشيعة بشكل عام على مواجهة واشنطن وتل أبيب، وهو أسلوب يهدف إلى تشتيت اتجاهات الرأي العام الشيعي عن الأزمة الحقيقية التي تسببت فيها طهران في البحرين، وفشلها في تحقيق أهدافها الرامية لإسقاط النظام السياسي الحاكم. كما قدم المرشد الإيراني إطاراً زمنياً جديداً للثورة الشيعية في البحرين، مع تقديم تأكيدات بأن هناك ضمانات للنصر تتمثل في التمسك بالدين والقرآن، وهو استغلال صريح للدين في الخطاب السياسي.

الوعد الكاذب

تمثل التصريح الرابع في خطبة عيد الفطر التي ألقاها مرشد الثورة الإيرانية نهاية أغسطس 2011، وخصص جزءاً منها للحديث حول الأوضاع السياسية في البحرين، وذكر فيها أن "الشعب البحريني شعب مظلوم؛ وإنه يتعرض للظلم والاضطهاد. إننا قلقون جدّاً تجاه الوضع في البحرين، لأن هناك ظلم يرتكب بحق شعب البحرين، ويقدّم له الوعود لكن لا يوفى بها... إن أيّ تحرّك وإقدام كان من أجل الله، متى ما رافقه العزم والإرادة، فإنه منتصر لا محالة، وهذا ما يصدق في أي مكان، وفي قضية البحرين أيضاً... إن النصر سيكون حليف الشعوب، وفشل مؤامرات الأعداء ضد الثورة الإسلامية في إيران".

في خطابه الأخير اهتم خطاب المرشد الإيراني بالتأكيد على مفاهيم المظلومية والاضطهاد لدى الشيعة في البحرين. والتلويح برفض أية وعود تقدمها الدولة أو حتى الحكم لشيعة البحرين، لأن هناك حالة من عدم الوفاء حسبما يراه المرشد.

مشدداً على النصر المستقبلي وفق مفاهيم دينية. والتركيز على احتمال تعرّض فكر ولاية الفقيه والنظام الديني الحاكم في طهران لهجمات من بعض الأطراف بسبب تدخلات إيران الإقليمية، والتحذير منها.

النتيجة الختامية لتحليل الخطاب السياسي للولي الفقيه الإيراني تجاه الأزمة البحرينية، أنه يقدم وعوداً بانتصار تيار ولاية الفقيه في المنامة، وأن أي محاولات لمواجهة هذا الانتصار ستنتهي بالفشل، مقدماً تبريرات دينية ـ سياسية لإخفاق طهران في الأزمة البحرينية بعد أن حظت المنامة بدعم خليجي كبير.


الكاتب :- يوسف البنخليل


الأحد، 28 أغسطس 2011

بقاء بشار شأن استراتيجي إيراني

جريدة الجزيرة السعودية 28-رمضان-1432هـ / 28-أغسطس-2011م

كلُّ المؤشرات الداخلية والخارجية تقول إنّ نظام بشار الأسد في طريقه للسقوط، والخلاف على قضيتين: أولاهما متى؛ وثانيهما كم هو الثمن الذي يجب أن يدفعه السوريون كي يتخلّصوا من هذا الجاثوم البارك على صدورهم منذ ما يقرب من خمسة عقود. لكن ماذا لو حدث العكس، واستطاع نظام الأسد أن يتجاوز المحنة، ويلتقط أنفاسه، ويُخمد الانتفاضة، ويُعيد القبضة الحديدية إلى ما كانت عليه الأوضاع إبان عهد الأب المقبور وما مضى من عهد الابن؟

أعرف بدءاً أنّ هذا الاحتمال ضعيف، غير أنه وارد، ولا يمكن إلغاؤه تماماً؛ وفي مقالي هذا سأحاول أن أستشرف الوضع فيما لو تحقق هذا الاحتمال.

لو حدث ذلك، فإنّ الذي سيحكم دمشق ستكون طهران؛ وسوف تتحوّل سوريا إلى دولة تابعة للإمبراطورية الإيرانية، مثلها مثل عراق المالكي، فهي ستخرج من الانتفاضة منهكة ضعيفة واهنة، معزولة على الصعيد الخارجي، علاقاتها متوترة ليس فقط مع أمريكا ودول الاتحاد الأوربي، وإنما مع أغلب الدول العربية؛ هذا إضافة إلى أنّ أوضاعها الاقتصادية الداخلية ستكون في غاية السوء بل ومهترئة، وفي الوقت ذاته هناك استحقاقات ومتطلّبات تحتاجها مرحلة ما بعد إخماد الانتفاضة إذا تمكّن من إخمادها لن يكون في مقدورها توفيرها، الأمر الذي سيجعلها حتماً تلجأ إلى إيران وترتمي في أحضانها، وإعطائها مقود العربة لتتحكّم في مساراتها وسياساتها وتوجُّهاتها؛ وهذا غاية ما تطمح له إيران.

نجاة النظام السوري من السقوط، وارتمائه في الأحضان الإيرانية، يعني أنّ أغلب منطقة الشمال العربية (العراق، سوريا، لبنان) سيصبح منطقة نفوذ فارسية، تتحكّم فيها إيران وتوجّه قرارات مؤسساتها السياسية، أي أنّ كل ما خطط له الملالي تحقق تماماً مثل ما يطمحون إليه.

هنا لا يمكن أن نغفل البُعد الطائفي من الموضوع؛ فالذي جعل الأسد الابن ينزع نفسه وبلاده من محيطها وخياراتها العربية ويتجه بها نحو إيران ليرتمي في أحضانها كان بعداً طائفياً محضاً. الأسد الأب كانت الورقة الطائفية في لعبته السياسية في الداخل والخارج مجرّد ورقة ضمن أوراق، يعرف بدهائه كيف يلعبها ويوظفها في مصلحة نظامه؛ بينما أنّ رعونة الابن (الوارث)، وقلّة خبرته على ما يبدو، جعلته يتحوّل من ماسك لورقة يوظفها في خدمة مصالحه، إلى (ورقة) يلعب بها الآخرون؛ ولا يمكن لأي مراقب يقرأ الانتفاضة والغضب السوري الداخلي والإقليمي دون أن يلحظ أنّ هناك عوامل عدة أوصلت سوريا بشار إلى ما وصلت إليه، كان الاندفاع نحو الخيار الإيراني والتحالف معه، أحد أهم بواعثها، إلى درجة جعلته يبدو وكأنه يدار من طهران بالريموت كنترول.

لذلك فإنّ دعم إيران مالياً وعسكرياً ولوجستياً لنظام بشار أمام انتفاضة السوريين، مبرر على المستوى الاستراتيجي بالنسبة لإيران، فبقاؤه ضعيفاً منهكاً محاصراً معزولاً عن العالم، وعن محيطه العربي، ومنبوذاً من أغلبية مواطنيه، يصب في التحليل الأخير في مصلحة إيران، ويجعله يرتمي أكثر في الأحضان الإيرانية، ليتحوّل إلى دمية في يد صانع القرار الإيراني، تماماً كما هو مالكي العراق، ونصر الله وخيال مآتته نجيب ميقاتي في لبنان.


الكاتب :- محمد بن عبد اللطيف آل الشيخ

سوريا وحزب الله .. المصالح فوق "المبادئ"

موقع الإسلام اليوم (أخبار البشير) 22 من رمضان 1432هـ / 22 من أغسطس 2011م

لم يكن هناك من يراهن على موقف مختلف لحزب الله اللبناني تجاه الأحداث الجارية في سوريا، فالعلاقة الوثيقة بين الحزب ونظام بشار الأسد تجعل مساحة المناورة أمامه معدودة، حيث شكلت دمشق –دومًا- ممرًّا لعبور أسلحة وتجهيزات الحزب القادمة من إيران، كما أن الدعم السياسي الذي يوفِّره نظام الأسد، الأب ثم الابن، يعد ركيزة أساسيَّة لنفوذ "حزب الله" على الساحة اللبنانيَّة، حيث ما زال السوريون اللاعب الأبرز هناك، رغم انسحاب قواتهم عقب اغتيال الحريري.

لكن كل ذلك لا يخفف من وطأة "المأزق الأخلاقي" الذي سقط فيه الحزب، فبعدما حشد كافة أسلحته السياسيَّة والإعلاميَّة لدعم المتظاهرين الشيعة في البحرين، ووزع الاتهامات شمالا ويمينًا على كل من اعتبره صامتًا أو متواطئًا تجاه القمع الأمني للمظاهرات، اضطرَّ إلى "ابتلاع لسانه" عندما هبت رياح الربيع العربي على سوريا، ولجأ نظام الأسد لقمع المتظاهرين بوحشيَّة، مسقطًا أكثر من ألفي قتيل، ولم يحاول الحزب الاختباء وراء "جدار الصمت"، حتى لا يضطرَّ إلى مناقضة نفسه، بل ذهب إلى تبنِّي رواية نظام الأسد كاملة، واعتبر الاحتجاجات "مؤامرة أمريكيَّة صهيونيَّة" ضد "نظام الأسد المقاوم"، متحدثًا عن مسلحين يهاجمون أجهزة الأمن ويروعون الآمنين، كما يزعم إعلام الأسد.

ومن اللافت أن حركة "حماس"، وهي أيضًا حليف وثيق لسوريا، حاولت أن تنأى بنفسها تمامًا عن تفاصيل ما يحدث، مكتفيةً بالتأكيد على موقف مبدئي وهو "الوقوف مع الشعب السوري وقيادته"، معتبرة ما يحدث "شأنًا داخليًّا يخص الأخوة في سوريا"، أي أنها تجنبت الانحياز إلى أي جانب، وكذلك تجنبت الخوض في تفسير ما يحدث، وهل هو "ثورة" أم "مؤامرة"، ولعل ذلك الموقف هو أضعف الإيمان من حركة يوفر نظام الأسد ملجأً ودعمًا سياسيًّا وعسكريًّا لقادتها وكوادرها، لكنها في ذات الوقت تدرك أن الشعب السوري هو حاضنتها الأهم والأمتن، وأنه لا مصلحة لها في تلويث يدها بدماء السوريين.

معادلة مختلفة

لكن على الجانب المقابل فإن حجم الروابط بين حزب الله ونظام الأسد أضعاف ما بين الأسد وحماس، فالأخيرة تدرك أنه في جميع الأحوال ومهما كانت تركيبة النظام الذي يحكم سوريا، فإن القضية الفلسطينيَّة ستبقى في قلوب السوريين، حيث أن الجانبين يتقاسمان وطأة الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهما، وهناك استحالة في وجود نظام "صديق لإسرائيل" في دمشق، طالما أن هضبة الجولان ما زالت محتلة، كذلك فإنه يمكن لحماس أن تراهن على التواجد القوي للإسلاميين، خاصة حركة الإخوان المسلمين السوريَّة، في حال تمكن المتظاهرون من الإطاحة بالنظام أو حتى تغيير تركيبته.

أما بالنسبة لحزب الله فإن تحالفه مع سوريا لا يقتصر فقط على المواجهة مع إسرائيل، فالحزب هو أحد الأذرع الرئيسيَّة التي يدير من خلالها نظام الأسد اللعبة السياسيَّة في لبنان، كما أن "حزب الله" هو أحد أضلاع التحالف الاستراتيجي بين سوريا وإيران، وهناك نوع من تقاسم النفوذ بين الدولتين تجاه الحزب، ففي الوقت الذي يملك نظام الأسد التأثير الأبرز على أجندة الحزب السياسيَّة فيما يتعلق بالشأن اللبناني، فإن طهران هي صاحبة القرار فيما يتعلق بمواقف الحزب الإقليميَّة والدوليَّة، والأهم من ذلك امتلاكها ما يشبه "الفيتو" على نشاط الحزب العسكري، فهي المورد الرئيسي للسلاح، ولا يتوقع أن يقدم الحزب على أي قرار عسكري "مهم" دون التشاور معها، وأخذ الضوء الأخضر بذلك.

ماذا لو سقط "الأسد"؟

وهكذا فإن التحدي الأبرز الذي يواجه "حزب الله" هو احتمال انهيار التحالف الاستراتيجي ما بين (دمشق- طهران) إذا ما حدث تغير جوهري في النظام السوري، ويعزِّز من ذلك الاحتمال أن البعض في سوريا ينظر لهذا التحالف من "منظور طائفي"، ملمحًا إلى تغلغل النفوذ الإيراني في مختلف أوجه الحياة في سوريا، وما يرتبط بذلك من تقارير عن عمليات تشييع واسعة تستهدف المناطق السنية، وانهيار هذا التحالف يعني فقدان الحزب لعمقه الاستراتيجي متمثلا في سوريا، وعبرها إلى إيران، وهو العمق الذي مكَّن الحزب من مواصلة القتال في مواجهة إسرائيل لأكثر من 30 يومًا خلال حرب عام 2006، حيث استمرَّ تدفق الإمدادات العسكريَّة للحزب عبر الأراضي السوريَّة لتعويض خسائره، وتعزيز ترسانته الصاروخيَّة.

كذلك فإن غياب نظام الأسد قد يؤثر على حجم النفوذ السياسي لحزب الله في الداخل اللبناني، فكثير من تحالفات الحزب السياسيَّة قائمة أساسًا على الدعم والضغط السوري، فهناك كثير من التناقضات اللبنانيَّة التي لا يجمعها سوى "التحالف مع سوريا"، ومن ذلك تحالف حزب الله مع وليد جنبلاط وحزبه، وكذلك علاقة الحزب الوثيقة مع طلال أرسلان "القيادي الدرزي" وسليمان فرنجية " القيادي الماروني"، لكن ذلك لن يمس الهيمنة الكاملة للحزب على الشارع الشيعي في لبنان أو تحالفه مع حركة أمل، فذلك يرتبط بشكلٍ مباشر بالدعم الإيراني للحزب.

كما أنه من المستبعد تأثر تحالف الحزب مع ميشال عون "الزعيم الماروني"، لأن الأمر يتعلق من جهة بطموحات وصراعات عون مع منافسيه في الشارع المسيحي، وتنافر "الكيمياء السياسيَّة" بينه وبين سعد الحريري، ومن جهة أخرى فإن حزب الله بحاجة إلى حليف قوي في الشارع المسيحي، وهو الأمر الذي يحققه ميشال عون، رغم مناكفاته الحادة مع حلفاء الحزب الآخرين.

تورط مستبعد

ورغم التقارير المتعددة عن استعانة نظام الأسد بعناصر من حزب الله للمشاركة في قمع المتظاهرين، إلا أنه لا توجد روايات موثقة تؤكِّد ذلك، كما أنه لا يوجد مبرِّر منطقي لذلك، فآلة القمع السوريَّة ما زالت تعمل بكامل طاقتها، ولم تحدثْ حتى الآن انشقاقات مؤثِّرة في الجيش أو الأجهزة الأمنيَّة، كما أن الحساسيات الطائفيَّة والاجتماعيَّة المرتبطة بمثل هذه الخطوة، وما قد ينتج عنها من تداعيات على الساحتين اللبنانيَّة والسوريَّة، تجعل منها أمرًا بالغ الخطورة، إذ أنها تهدِّد بتحويل الصراع من "ثورة سلميَّة" إلى "حرب طائفيَّة" مدمرة، وهو أمر يفوق ضرره على "حزب الله" ضرر سقوط نظام الأسد بأكمله.

ولعلَّ أهم ما يشغل قادة حزب الله في هذه الأيام هو وضع السيناريوهات المتوقعة لتطورات الأحداث في سوريا، وتأثير كل منها على وجود ومستقبل الحزب، والطريقة الأمثل للتعامل مع تطورات كل سيناريو، فالأوضاع في سوريا بالغة التعقيد، ففي البداية كان هناك رهان لدى البعض على وجود توجهات إصلاحية لدى الرئيس الأسد، لكنه فشل، كما أن رهان الأسد على الحل الأمني، فشل هو الآخر، وهنا يخشى البعض من السيناريو الكابوس، والمتمثل في سقوط البلاد في الفوضى والتناحر الطائفي، ولعلَّ ذلك هو السيناريو الأسوأ لحزب الله، في حين أن انقلاب الأسد على شقيقه ماهر والحاشية المحيطة به، وتقديمهم كـ "قربان" لمصالحة الشعب وبدء صفحة جديدة، يشكل أفضل السيناريوهات لحزب الله، ولكافة حلفاء الأسد.


الكاتب :- مصطفى عياط

الربيع العربي والجموح الإيراني

الملف نت 21 من رمضان 1432هـ / 21 من أغسطس 2011م

لدى شعوب المنطقة ما يكفي لتبرير ريبتها من السياسات والمواقف الأمريكية تجاه القضايا المثيرة للجدل.

فهناك تراكم من شواهد الانحيازات التي لا تتفق مع القيم الأمريكية والمعايير المزدوجة التي تمليها المصالح الضيقة على القطب الكوني الوحيد.

ولا يخلو الأمر في بعض الأحيان من مغامرات غير محسوبة النتائج وذات كلفة عالية.

إرث السياسة الأمريكية كان حاضرًا بظله الثقيل في تعامل واشنطن مع رياح التغيير التي تهب على المنطقة وإن ظهر بشكل مختلف بعض الشيء.

أبرز أوجه الاختلاف تمثل في البعد التجريبي الذي أخذه التعاطي الأمريكي مع الثورات العربية التي أطاحت بنظامين وتوشك على الإطاحة بثلاثة أنظمة أخرى.

محاولة الاستجابة لمطالب الشارع المصري مثلاً أملت على صانع السياسة الأمريكي السرعة في مطالبة الرئيس السابق حسني مبارك بالرحيل عن السلطة رغم طبيعة العلاقة التي تربط الطرفين.

ولا شك في أن واشنطن كانت مأخوذة بقوة دفع الثورة التونسية حينما اتخذت قرار دعوة الرئيس مبارك للرحيل.

إلا أن الأمر كان مختلفًا بالنسبة للثورة السورية حيث انتظر الرئيس باراك أوباما وإدارته ستة أشهر سقط خلالها آلاف الشهداء والجرحى لإعلان موقف حاسم من بقاء الرئيس السوري بشار الأسد أو رحيله عن السلطة.

وكان واضحًا أن دور نظام الأسد في حماية الأمن الإسرائيلي يطغى على حسابات الموقف الأمريكي.

بشكل أو بآخر تنسحب الحسابات الأمريكية حول سوريا على الموقف من النظام الإيراني الذي سعى إلى توفير الغطاء السياسي لقمع أحرار الانتفاضة السورية.

فقد غطت مناورات الملالي وشعاراتهم المتطرفة وحروب الوكالة التي أداروها على تطرف اليمين الإسرائيلي وهروبه من استحقاقات عملية السلام.

ولم تحل العقوبات الغربية على طهران دون إبقاء الولايات المتحدة الأمريكية على خط رجعة مع الملالي مما يبقي الفضاء السياسي مفتوحًا على جميع الاحتمالات.

بعض مظاهر خط الرجعة إبقاء "مجاهدي خلق" حركة المعارضة الرئيسية في إيران على قائمة الإرهاب رغم إزالتها عن القائمة الأوروبية الأمر الذي وجدت فيه الحكومة العراقية المرتبطة بطهران غطاء لشن هجمات وفرض حصار على مخيم اللاجئين الإيرانيين.

وحين يتعلق الأمر بإيران تتجاوز القراءة العربية نقد "المعايير المزدوجة" و"حسابات المصالح " التي تحكم السياسة الأمريكية.

فهناك القلق من صفقات ثنائية بين واشنطن وطهران يدفع العرب فاتورتها من أمنهم واستقرارهم.

وبانتفاضاتها المتلاحقة، تتيح الشعوب العربية للولايات المتحدة، فرصة ذهبية للتعامل بذهنية مختلفة، مع قضايا المنطقة، والخروج من دائرة خدمة التطرف والتطرف المضاد.

الاستفادة من هذه الفرصة، تتطلب بالدرجة الأولى، تجاوز إملاءات اليمين الإسرائيلي، وتجذير الموقف تجاه جموح سياسة الهيمنة والإلحاق الإيرانية في المنطقة، بالسعي الحقيقي للتجاوب مع طموحات الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة، وفتح آفاق التغيير أمام الشعب الإيراني التواق للحرية والانعتاق مثله مثل بقية شعوب المنطقة.


الكاتب :- جهاد الرنتيسي

الخميس، 18 أغسطس 2011

إيران تريد خنق انتفاضة السوريين

جريدة الشرق الأوسط اللندنية 15 من رمضان 1432هـ / 15 من أغسطس 2011م

من هو الرئيس العربي الوحيد، عدا العقيد معمر القذافي، الذي انتقد الانتفاضة السورية؟ ليس إلا نوري المالكي، رئيس وزراء العراق، الذي سماها فوضى وتخريبا!

سبب الانقلاب في الموقف يشرحه التصريح الذي أدلى به قيادي بارز في كتلة دولة القانون، التي ينتمي إليها حزب المالكي، لـ«الشرق الأوسط»، قال: «إن إيران ضغطت على حلفائها في بغداد من أجل دعم السلطات السورية بمبلغ 10 مليارات دولار»، وقال: «إن المؤكد أن المالكي رضخ للضغط الإيراني وقام بدعم الرئيس السوري بشار الأسد». أستبعد أن يكون الرقم صحيحا لأنه غير معقول، لكن الأرجح أن إنقاذ الأسد أصبح سياسة مستعجلة لإيران، ولهذا السبب قام المالكي باستقبال وفد حكومي من سوريا، وإيران تقدم الدعم النفطي والمالي والأسلحة لسوريا وتمدها بميليشيات وخبرات أمنية وعسكرية للقضاء على الانتفاضة.

وإذا كنا لا نستطيع أن نلوم إيران على دعم صديقتها سوريا، وإلا فما قيمة الصداقة؟ إلا أن الذي نخشاه ما يتردد من إشاعات أن إيران تحاول المساومة من أجل إنقاذ النظام في دمشق. من ذلك أن إيران تهدد واشنطن بأنها ستمنع القوى الحزبية العراقية من التمديد للقوات الأميركية التي ينتهي عقدها في نهاية هذا العام. كما شهدت الساحة العراقية سلسلة أعمال تفجيرية وكل الدلائل تدل أن إيران خلفها. ولا نستبعد أن تذهب إيران، التي هي في خوف شديد مما تراه يحدث في سوريا، إلى أبعد من ذلك بتقديم عروض مغرية لإقناع الأميركيين من أجل خنق الانتفاضة السورية.

وستكون قراءة خاطئة من الحكومات الغربية إن ظنت أولا أن إيران في موقف فعلا يعطي ويمنع، فنظامها في حالة اضطراب ومهما قدمت من وعود فإن شهرة النظام الإيراني أنه أكثر أنظمة العالم تراجعا عن وعوده. والخطأ الآخر أن الغرب ليس في موقف يسمح له بالمساومة على مطلب الشعب السوري، لأنه لا يملك سلطة عليه، ولا يد له في الانتفاضة، بخلاف ما حدث في العراق. فلولا التدخل الأميركي ربما كان المالكي يقيم اليوم في نفس شقته في حي السيدة زينب منفيا في العاصمة السورية، وصدام حسين يتبختر في قصره، وأجهزته الأمنية تقمع العراقيين صباح مساء. السوريون، بأنفسهم وعبر تضحيات مروعة، يقررون اليوم مستقبلهم، ومصير علاقتهم بالنظام، إن شاءوا أصلحوه وتعايشوا معه، وإن شاءوا قاوموه وخلعوه.

الكاتب :- عبدالرحمن الراشد

هل اقتنعت إيران بنهاية الأسد ؟

جريدة الشرق الأوسط اللندنية 14 من رمضان 1432هـ / 14 من أغسطس 2011م

كتبت هنا، ونقلا عن مسؤول مطلع، أن إيران باتت تراهن على أن يكون العراق هو البديل لسوريا في حال سقط نظام بشار الأسد. واليوم المعلومات الجديدة تقول إن إيران تتحرك مع الحوثيين أيضا، مما يدعم فكرة أن طهران باتت مقتنعة بأنه لا أمل في الحليف البعثي بدمشق.

المعلومات تقول إن الحوثيين، وبمساعدة طهران، باتوا يرتبون صفوفهم اليوم استعدادا لمرحلة ما بعد علي عبد الله صالح، حيث تقول المصادر إن الحوثيين، وبأعداد لا يستهان بها، يقومون بتدريبات عسكرية مكثفة على عمليات إطلاق صواريخ، والقيام بعمليات عسكرية. وكل ذلك يتم من أجل أن يكون الحوثيون مستعدين لمشاغلة السعودية في المرحلة المقبلة.

وقد يقول قائل: ما علاقة هذا بإيران، وسوريا، والعراق؟ الإجابة واضحة؛ فطهران تشعر بأنها تلقت ضربة عنيفة بتدخل قوات «درع الجزيرة» الخليجية، في البحرين، مما أفسد المخطط الإيراني لتطويق السعودية من خلال حدودها الشرقية. كما أن إيران تشعر بأنها مهددة اليوم بخطر حقيقي في لبنان، وتحديدا في حال سقط الأسد، حيث سيتم تمزيق الحزام الطائفي الذي ضربته إيران على المنطقة من خلال محور إيران - سوريا - لبنان، ومؤخرا العراق، بعد سقوط صدام حسين، وهو ما حذر منه العاهل الأردني ذات يوم حين تحدث عن خطورة الهلال الشيعي.

اليوم وبعد أن تعرض نظام الأسد لضربة غير مسبوقة عبر الانتفاضة الشعبية السورية، فإن إيران تخشى من أن تصبح المجموعات المحسوبة عليها في منطقتنا محاصرة من جهة سوريا ما بعد الأسد. وهنا تبرز الحالة اللبنانية ممثلة في حزب الله، ناهيك عن الصفعة الموجعة التي تلقتها طهران في البحرين، مما يشعر إيران بأن السعودية تنتفض اليوم دبلوماسيا لتكون محررة من قيود محيطة تهدد أمنها القومي لتتصدى للتمدد الإيراني في المنطقة. ولذلك فإن إيران باتت تحاول اليوم التحرك في مناطق قد تكون مناسبة لها، من حيث الجغرافيا المحيطة بالسعودية، والتي من الممكن أن توفر عملاء لإيران فيها.

ومن هنا تبرز أهمية العراق، حيث إن كل المؤشرات الأخيرة القادمة من هناك تشير إلى زيادة التحرك الإيراني في المناطق العراقية، وليس عبر حكومة المالكي وحسب، بل عبر ميليشيات شيعية موالية لطهران في بغداد والمناطق الأخرى.

أما بالنسبة إلى اليمن، وفي ظل عدم اتضاح الرؤية حول ما إذا كان الرئيس صالح ينوي التنحي، ومتى، وكيف، ومن سينوب عنه، وكيف سيكون شكل اليمن الجديد، فإن الحالة السياسية هناك اليوم تشير إلى أن كل ذلك يمثل فرصة مواتية لتقوم طهران بترتيب أوضاع حليفها الحوثي في اليمن استعدادا لقادم الأيام، ومن أجل تدعيم موقف الحوثيين في العملية السياسية القادمة في اليمن، وكذلك تعزيز مواقعهم العسكرية على الحدود الجنوبية السعودية.

ما تفعله طهران اليوم، في العراق واليمن، يعني أن إيران باتت أكثر قناعة بأن نظام بشار الأسد إلى زوال في سوريا، كما يعني أن إيران تعد العدة من أجل إعادة الالتفاف على السعودية من ناحية اليمن، كما العراق، على طريقة لعبة الشطرنج، فهل تنجح طهران في ذلك، أم يتنبه المستهدفون لخطورة هذا الأمر؟ هنا السؤال.

الكاتب :- طارق الحميد