الجمعة، 12 أغسطس 2011

أمريكا وإيران .. ولعبة الشطرنج

مفكرة الاسلام: نشرت صحيفة 'آسيا تايمز' تصورًا عن الأزمة الإيرانية الماثلة الآن على المجتمع الدولي معتبرة أن الولايات المتحدة الأمريكية تتوقّع أن إيران ستقبل حزمة الحوافز والتنازلات المقدمة لها مقابل التخلي عن نشاطات تخصيب اليورانيوم.

وذكرت الصحيفة أن سبب هذه القناعة لدى الولايات المتحدة هو اعتقاد المحللين الأمريكيين أن إيران قادرة على تحقيق وإنجاز أهدافها الاستراتيجية الهامة بدون أن تكون لديها أسلحة نووية، ففي العراق، يمتلك الإيرانيون الولاء والدعم من قبل الميليشيات الشيعية وهو ما يخل بميزان القوى هناك، وفي فلسطين تستطيع طهران دس أنفها من خلال الإعانات المالية الإيرانية إلى حكومة حماس، وفي لبنان تسيطر إيران على مقاتلي جماعة حزب الله.

ويعتبر إحسان أهراري كاتب صحيفة 'آسيا تايمز' أنه إذا تصورنا الشرق الأوسط بمثابة رقعة الشطرنج، فالمتوقع أن إيران ستقبل عرض واشنطن مقابل المطالب المقدمة لها، وذلك لأنها ستحصل على ضمانات أمنية وستواصل مشروع خط أنابيب النفط الإيراني الباكستاني الهندي.

ويقول إحسان: إن التوقع الأكثر عقلانية هو أن إيران ستفضل قبول عرض الولايات المتحدة والحوافز المقدمة من قبل الاتحاد الأوروبي ثم تنتظر الرئيس الذي سيخلف الرئيس الأمريكي القادم في يناير عام 2009، على أمل أن تكون الإدارة الأمريكية القادمة تميل بصورة أقل لاستعمال القوة العسكرية كآلية في منع إيران من امتلاك الأسلحة النووية.

ويضيف إحسان: 'ومع كل هذا، فمن المحتمل أن تندلع حرب، وأن تضرب واشنطن المنشآت النووية الإيرانية قبل نهاية 2006 ، ولو حدث ذلك فسيكون بسبب ما رجحه المحلّلون الغربيون من أن الرّئيس محمود أحمدي نجاد يراه العالم الغربي مجنونًا وأن الأمل سيتمثل في أن يبرهن الزعيم الأعلى في إيران علي خامنئي على أنه يتبنى سلوكًا أكثر عقلانية'

وتستعرض صحيفة آسيا تايمز سيناريو متوقع للأحداث كالتالي:

في واشنطن، تحصل وزارة الخارجية الأمريكية على تفويض بالتحرك لإقناع الإيرانيين بترك طموحاتهم النووية مقابل تنازلات اقتصادية.

وفي طهران، يحصل وزير الخارجية منوشهر متقي على تفويض حكومته بإقناع الأمريكيين بالاعتراف بأن إيران تتمتع بموقع السيطرة والهيمنة في منطقة الخليج.

ويعتقد كل من وزير الخارجية الإيراني ونظيرته الأمريكية كوندوليزا رايس أن أسلوب المساومة سيكون في مصلحة البلدين، ولديهما أمل في التوصل إلى تسوية، وعلى الرغم من كل ذلك سيفشل الطرفان في إحراز أي تقدم مثلما فشل الدبلوماسيون في أوروبا في منع اندلاع الحرب العالمية عام 1914 على الرغم من الاعتقاد الدولي الذي كان سائدًا في ذلك الوقت بأن الحرب يجب تفاديها مهما كان الثمن.

فيما يتعلق بالجانبين السكاني والاقتصادي يتوقع أن تصل إيران مستقبلاً إلى حافة انهيار، على اعتبار أن منابع النفط الإيرانية ستنضب بمرور الوقت، كما سيعاني اقتصادها من هزات عنيفة متفاقمة مع وجود جيل كامل من الإيرانيين في حالة تقاعد وبطالة.

بناء على ما سبق يتوقع أن تؤجل طهران مرحليًا خطتها لتطوير الأسلحة النووية للفوز بالحوافز الغربية، وتبقى تهديدات الرئيس الإيراني نجاد لـ'إسرائيل' بمحوها من الخريطة مجرد مشاعر أكثر منها سياسة عملية قابلة للتحقق، وتسود حالة من التهديدات المتبادلة يمكنها أن تقيم مناخًا من السلام الحذر مشابه لذلك السلام الذي ساد في فترة الحرب الباردة بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على مدار أربعين عامًا.

وتقول الصحيفة: إن هدف إيران الاستراتيجي الرئيس هو العراق وأذربيجان وفي النهاية حقول النفط في السعودية، لكن طرقها المفضّلة والأكثر نجاحًا لتحقيق مآربها تتمثل في تسريب الفتنة وإشعال القلاقل من خلال الأقليات الشيعية التي تسكن في الدول الغنية بالنفط على حدودها، أما الأهداف العرضية غير الأساسية لإيران فمن ضمنها أن تبقي الضغط على إسرائيل من خلال حزب الله في لبنان، والذي يتمتع بصواريخ كافية لتدمير مصافي حيفا وأهداف إسرائيلية مهمة أخرى.

وتضيف الصحيفة: الأسلحة النووية في المرحلة الراهنة ليست لها قيمة هجومية كبيرة بالنسبة إيران، لكن طهران عندما تريد أن تضمن إحراز طموحاتها بعيدة المدى فإنها تدرك أنها ستحتاج إلى القدرات النووية في مرحلة من المراحل، فمثلاً عندما تقرر الولايات المتحدة وحلفاؤها حتمية المواجهة مع إيران لمنعها من السيطرة على النفط الإقليمي ستكون إيران في حاجة ماسة لاستخدام الأسلحة النووية إما كوسيلة مباشرة للهجوم أو كأداة للقيام بعمليات إرهابية.

وتتابع صحيفة آسيا تايمز: إيران ستقبل التخلي عن مواصلة تخصيب اليورانيوم للمستوى الذي يمكنها من امتلاك أسلحة نووية على الأقل في الوقت الحاضر لو تم منحها عدة أمور:

1ـ  إعانات مالية للتقنية النووية المدنية.

2ـ  قدرة على البحث عن وسائل تمكنها من إبقاء الخيار النووي مطروحًا في المستقبل.

3ـ  حرية التصرف في شئون الشيعة في البلدان المجاورة.

4ـ  المصادقة على مشروع خطّ أنابيب النفط إلى كل من باكستان والهند.

5ـ  ضمانات أمنية من الولايات المتحدة مباشرة.

ورغم أن أوروبا ستكون أكثر من سعيدة بتقديم مثل هذا العرض لإيران على اعتبار أنه في الوقت الحاضر لا يريد الأوربيون شيئًا أكثر من عدم الدخول في حرب جديدة، لكن الولايات المتحدة ستنقض التنازلات التي يمكن أن تقدمها أوروبا لإيران ما لم تترك تلك الأخيرة عن مواصلة نفوذها مع الشيعة في الدول المجاورة مثل العراق ولبنان والأماكن الأخرى.

ويرجح محللو الاستخبارات أن الولايات المتحدة تهتم بعدم منح طهران القدرة على مواصلة مد نفوذها من خلال الأقليات الشيعية في الدول الأخرى على اعتبار أن الرئيس نجاد كان قد تبجح بقدرة إيران على إيذاء البلدان الغربية إذا تعرضت بلاده لهجوم.

ويقول محللو الاستخبارات: إن تأثير إيران بين المنظمات الإرهابية يشكّل سلاحًا انتقاميًا ضدّ الدول الغربية، والولايات المتحدة سوف لن تقبل اتفاقية تترك سكينًا إيرانيًا على حنجرتها.

وتشير الصحيفة إلى أنه من الصعب جدًا على إيران أن تساوم بعيدًا عن طموحاتها النووية ولو على المدى البعيد، على اعتبار أنه طالما تفتقد إيران للأسلحة النووية، ستظل القوى الغربية ـ بالإضافة إلى إسرائيل ـ قادرة على كبت طموحات طهران في أي وقت، وبدون القدرات النووية ترى إيران أنها ستظل دومًا تحت التهديد وستكون غير قادرة على الدفاع عن نفسها، وإذا أضيف إلى ذلك مراعاة حقيقة أن جيل الإيرانيين الذي يمثله الرئيس أحمدي نجاد قد بلغ سن الرشد مع انطلاق صورة الخميني عام 1979 ونزف دمه خلال الحرب العراقية الإيرانية في الثمانينات فإنه يمكن تصور أن ذلك الجيل لن يقبل أبدًا بعدم تحقيق حلم تفوق إيران.


المصدر :-مفكرة الاسلام: نقلاً عن صحيفة 'آسيا تايمز'

إعداد: أحمد أبو عطاء

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق