الاثنين، 2 مايو 2011

العالم في عام 2025... كما يراه مجلس وكالات الاستخبارات الأميركي


يتزامن تغير النظام الدولي مع تعاظم التحديات الجيو-سياسية، ما يوسع هامش احتمال صدامات ومفاجآت وانعطفات كبيرة. ومن العسير التكهن بنتائج هذه التغيرات. فقد يفقد النموذج الغربي الاقتصادي الليبرالي والديموقراطي، والزمني والعلماني، بريقه. وقد ينجز العلماء تقنيات جديدة توفر طاقة بديلة عن النفط، أو تسمح بتجاوز مشكلات شح المياه ونقص الغذاء. وأغلب الظن أن يشهد العقدان المقبلان انعطافاً تاريخياً كبيراً.

ويسهم بروز قوى جديدة، منها الهند والصين، على الساحة الدولية في إنقاذ ملايين البشر من الفقر المدقع. ولكن الثروات لا تنتقل من الغرب الى الشرق فحسب، بل هي تنتقل إلى أيدي الدول وأنظمة رقابتها. وغداة الأزمة المالية الشاملة في 2008، قد يستسيغ عدد من الدول ترجيح كفة دور الدولة في الاقتصاد. وتنتقل الثروات إلى دول غير ديموقراطية، على غرار الصين وروسيا وبعض دول الشرق الأوسط. والحدود ملتبسة في اقتصادات هذه الدول بين القطاع الخاص والقطاع العام، وتنتهج نظام «رأسمالية الدولة» غير الغربي. وعلى رغم أن دولاً مثل كوريا الجنوبية وتايوان وسنغافورة سبق لها أن التزمت رأسمالية الدولة، قد يخلف انتهاج روسيا والصين هذا النظام أثراً كبيراً في العالم.

ومن اليوم الى 2025، لن تنكفئ موجات الهجرة من الدول الفقيرة الى الدول الثرية، أو موجات النزوح من الريف الى المدينة. ومن المتوقع ألا تكون أوروبا مصب هجرة الشباب الوحيد من أفريقيا والدول الآسيوية. وقد تستقطب المراكز الصناعية الناشئة في الصين وجنوب الهند، وربما في تركيا وإيران، يداً عاملة أجنبية، غداة تقلص معدل النمو السكاني وارتفاع قيمة الرواتب في الدول الأوروبية. وأغلب الظن أن تتباطأ عجلة الهجرة الى الولايات المتحدة، مع نمو قوة المكسيك الصناعية وشيخوخة السكان، وميل معدلات الخصوبة الى الانخفاض، في التسعينات والثمانينات. وإذا تواصلت النزعات الحالية، من المتوقع أن يعيش 57 في المئة من سكان العالم في المدن، في 2025. ومن المتوقع أن تنضم 8 مدن كبرى الى لائحة المدن الكبرى البالغ عددها، اليوم، 19 مدينة. وتقع 7 من هذه المدن الكبرى «الجديدة» في آسيا وجنوب الصحراء الافريقية.

وعلى رغم انخفاض معدلات الولادة في الجماعات الاثنية - الدينية، قد يفضي تغير نسبة الجماعات الاثنية من الجماعات الاخرى الى تغيرات سياسية، خصوصاً في البلدان الصناعية المتدنية الخصوبة. فاختلاف نسبة النمو في اسرائيل بين الجماعات الاثنية قد يغير التوازنات السياسية في الكنيست. ففي 2025، من المتوقع ان يشكل العرب الاسرائيلون، وهم اليوم خمس السكان، ربع السكان في اسرائيل المتوقع أن يبلغ عددهم 9 ملايين نسمة، في حين أن عدد اليهود الأرثوذكس المتشددين سيتضاعف، ويبلغ اكثر من 10 في المئة من السكان.

ومن المتوقع أن يرتفع عدد سكان الضفة الغربية، وعددهم نحو 2،6 مليون نسمة، 40 في المئة، وأن يرتفع عدد سكان غزة، وعددهم اليوم نحو مليون ونصف مليون نسمة، 60 في المئة. ويترتب على الزيادة السكانية تحديات كبيرة، مثل تأمين الخدمات العامة، وتوفير فرص عمل، ومياه الشفة، وإرساء الاستقرار السياسي.

ويؤثر تغير أحوال الاثنيات في عدد من المناطق على الموازين الاقليمية. فعلى سبيل المثال، يكرس ارتفاع عدد الاميركيين الاصليين في عدد من دول أميركا الوسطى ميل حكومات هذه الدول الى انتهاج سياسات شعبوية. وفي لبنان، من المتوقع أن يتواصل انخفاض معدلات الخصوبة في أوساط الشيعة، وقيمة مداخيلهم أدنى من نظيرها في بقية الجماعات اللبنانية، وأن يتوازن توزيع شطور الفئات العمرية في هذه الجماعة، ما ييسر اندماجها في الحياة السياسية والاقتصادية اللبنانية.
وفي 2025، لن تكون الولايات المتحدة قوة منفردة على الساحة الدولية، والأرجح أن يشاركها عدد من الدول مسؤولية النظام الدولي. ولكن الولايات المتحدة ستبقى الأقوى بين القوى الجديدة. والحق ان ظهور النظم الدولية المتعددة الاقطاب لطالما ترافق، تاريخياً، مع اضطرابات.

 فمثل هذه النظم تفتقر الى استقرار النظم الدولية الثنائية أو الاحادية. فتنوع القوى، وارتفاع عددها، يقوضان تماسك النظام الدولي ويقلصان فاعليته.

والصين هي أكثر الدول حظوظاً في بسط نفوذها في العقدين المقبلين. وإذا هي حافظت على وتيرة النمو الحالية، ارتقى الاقتصاد الصيني الى مرتبة ثاني أكبر الاقتصادات العالمية. وقد تتراجع وتيرة النمو الصيني الاقتصادي، على رغم انتهاج الحكومة سياسة اصلاحية تعالج المشكلات الاجتماعية المترتبة على توسع هوة التفاوت في الدخل، وتداعي شبكة التضامن الاجتماعي، وضعف أنظمة ادارة الاعمال، والحاجة الى الطاقة الاجنبية، والفساد، والدمار البيئي.

ولن يكون في وسع الحكومة الصينية المحافظة على نسبة نمو اقتصادي مرتفعة، ولو أفلحت في تذليل هذه المشكلات. فالقطاعات الاساسية في الاقتصاد الصيني ترتبط بالاسواق الخارجية، وبموارد هذه الاسواق، وبالتكنولوجيا الاجنبية، وبشبكة المنتجات المعولمة. فأداء الاقتصاد الصيني و «صحته» مرتبطان بوضع بقية الاقتصادات، وخصوصاً الاقتصاد الاميركي.

 وحريّ بالقيادة الصينية الموازنة بين الانفتاح على الخارج، وهو مصلحة للنمو الاقتصادي، وبين القيود الضرورية لاحتكار الحزب الشيوعي السلطة. وأغلب الظن أن يتغير دور هذا الحزب. ولا يبدو أن النظام الصيني يميل الى رفع القيود عن حرية التعبير والرأي، والى انتهاج نظام الاقتراع الديموقراطي. ومن المستبعد أن ترسى أسس نظام ديموقراطي بالصين، في وقت تنتفى فيه المؤشرات الى حركة شعبية تدعو الى الديموقراطية. وقد يفلح قادة الصين في ادارة التوترات الاجتماعية من دون الاضطرار الى انهاء احتكار الحزب الشيوعي السلطة.

وفي العقدين المقبلين، ينتظر أن يسعى قادة الهند الى ارساء اسس نظام عالمي متعدد الاقطاب تكون فيه الهند قطباً سياسياً، وجسراً ثقافياً بين الولايات المتحدة والصين. ولن يتراجع النمو الاقتصادي الهندي، على رغم ضعف البنية التحتية الهندية، والافتقار الى يد عاملة متخصصة. ومن شأن توسع الطبقة الوسطى الهندية، وفتوة المجتمع الهندي، وتقلص حصة القطاع الزراعي من الاقتصاد، وارتفاع معدلات الادخار المنزلي ومعدلات الاستثمار، تحفيز النمو الاقتصادي. ولن تتهدد النزاعات الاثنية وحركات التمرد المحلية وحدة الهند. وفي مستطاع الهند أن تعالج موجات عنف تترتب على تعاظم قوة الحركة الماوية.

ولا شك في أن ثمة عقبات كثيرة تحول دون ازدهار الاقتصاد الروسي، ودون تبوّء روسيا مكانة عالية في الاقتصاد. فالاستثمارات في قطاع الطاقة قليلة. والبنية التحتية تتقهقر، شأن القطاع التعليمي. ومستوى الخدمات الصحية العامة يتراجع. والقطاع المصرفي غير متطور. والفساد منتشر، شأن الجريمة. وفي 2017، يبلغ عدد الذكور الروس في الـ18 من العمر، 650 الف شاب. ومن المفترض أن يكون قسم من هؤلاء الشباب قوام الجيش الروسي، وعدد مجنديه اليوم 750 ألف مجند. وقد يفضي انخفاض عدد السكان الى نقص في اليد العاملة، في حال لم تستعن روسيا بالمهاجرين.

والحق ان رصيد حال روسيا المستقبلية عسير. فهي متنازعة بين قوى مختلفة، الاولى ليبرالية تدعو الى اقتصاد السوق، والثانية تميل الى فرض قيود على الحياة السياسية والنشاط الاقتصادي. وهذا التنازع قد يفضي الى نشوء نظام قومي روسي، أو دولة نفطية مستبدة، او نظام ديكتاتوري. وفرص نشوء نظام ديموقراطي منفتح في روسيا ضعيفة.

وفي الشرق الاوسط، يبعث سعي ايران الى حيازة سلاح نووي القلق في دول الجوار العربية. ويخشى أن تسهم المساعي الايرانية في اندلاع سباق تسلح نووي. وأبدت تركيا والامارات العربية المتحدة، والبحرين، والمملكة العربية السعودية، ومصر، وليبيا، اهتماماً ببناء مفاعلات طاقة نووية.

الكاتب :-  «غلوبال تراندس 2025»، موقع «ناشنل انتليجنس كاونسيل» الاميركي، 11/2008

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق