الاثنين، 2 مايو 2011

دول الخليج تعيد النظر في استراتيجيتها الأمنية

تاريخ المقال -12-2007


تسربت من قمة الدوحة لدول مجلس التعاون الخليجي التي عقدت أواخر الشهر الماضي بعض المؤشرات الدالة على أن موضوع الأمن الإقليمي لهذه الدول كان على رأس المواضيع التي تناولتها محادثات القادة هناك. المؤشرات التي رشحت من ذلك الاجتماع (انظر مقالة الأسبوع قبل الماضي) تؤكد أن رؤية القيادة الخليجية لموضوع الأمن الإقليمي لمنطقة الخليج العربي تخضع لعملية مراجعة
جادة، وأن تغيراً مهماً في هذه الرؤية قد تتضح معالمه في وقت ليس ببعيد.

تقوم هذه الرؤية (للاختصار نسميها بالرؤية التقليدية) على ثلاثة عناصر:

الاكتفاء بقدرات عسكرية محدودة، والاحتماء بمظلة أمنية أميركية، وترك مسألة توازن القوة الإقليمي لكل من العراق وإيران والولايات المتحدة الأميركية.
ما توحي به مؤشرات قمة الدوحة يتناقض مع تلك العناصر الثلاثة.

حيث يبدو أن دول الخليج العربي تتجه إلى استبدال، أو على الأقل تعديل، عناصر استراتيجية أمنها الإقليمي بحيث تصبح على النحو التالي:

تعزيز القدرات الأمنية والدفاعية الذاتية لهذه الدول، وإدراك خطورة اختلال التوازن العسكري والسياسي القائم في المنطقة، وأخيراً التخفيف من الاعتماد على الدول الكبرى في تحقيق هذا التوازن. تشكل هذه العناصر مع بعضها بعضاً رؤية مغايرة للرؤية التقليدية. والعنصر الأهم في هذه الرؤية هو "تخفيف الاعتماد على الدول الكبرى" في تحقيق التوازن الإقليمي المطلوب. استخدام كلمة "التخفيف" هنا يعني أن الاعتماد على الدول الكبرى سوف يستمر، لكن ليس بالصيغة التي كان عليها في الرؤية التقليدية. في إطار الرؤية التقليدية تعتمد دول الخليج في حماية أمنها الوطني على المظلة الأمنية الأميركية بشكل يكاد يكون كاملاً (من الناحية العسكرية) من دون أن تكون طرفاً أساسياً، مشاركة وفعلاً، في هذه المظلة، وبالتالي في الأمن الإقليمي للمنطقة. هذه الصيغة من الاعتماد هي نتيجة طبيعية لتبني سياسة القدرات العسكرية المحدودة من قبل دول الخليج العربي طوال العقود الماضية. التفكير الآن بتغيير ذلك من خلال تعزيز القدرات العسكرية والأمنية لهذه الدول، والتخفيف من الاعتماد على الدول الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة، يعني أن عصر القدرات العسكرية المحدودة لدول الخليج العربي قد يكون يقترب من نهايته. وهذا، إذا ما تحقق، سوف يؤدي بالضرورة إلى تطورين مهمين:

الأول أن اعتماد هذه الدول في حماية أمنها الوطني سيكون أولاً وبشكل أساسي على قدراتها العسكرية. لن تخرج هذه الدول تماماً من مظلة الأمن الأميركي للمنطقة، لكن يتطلب هذا التغير منها أن تكون طرفاً وشريكاً فاعلاً في هذه المظلة.

ثانياً أن تعزيز القدرات العسكرية والأمنية لدول الخليج العربي سوف يسمح لها بأن تكون أيضاً طرفاً فاعلاً وذي وزن في معادلة توازنات القوة في المنطقة.

هذه باختصار الرؤية الخليجية المتوقعة، وهي رؤية يبدو أن دول مجلس التعاون تعمل على بلورتها وصياغتها. لا نعرف كيف ستكون هذه الصياغة، ولا كيف سيتم تطبيق هذه الرؤية، وتحويلها إلى استراتيجية أمنية قائمة لدول المجلس. كذلك لا نعرف على وجه الدقة مدى اختلاف الصيغة الأمنية الجديدة لهذه الرؤية عن صيغة الرؤية التقليدية. لكن يبدو أن دول المجلس أصبحت مقتنعة بأن الرؤية التقليدية قد أدت غرضها، ولم تعد صالحة بحكم التطورات، والتغيرات الإقليمية والدولية التي حدثت، منذ الغزو العراقي للكويت، والاحتلال الأميركي للعراق. أبرز وأخطر النتائج التي ترتبت على ذلك: انهيار معادلة الأمن الإقليمي، وبالتالي اختلال توازن القوة في المنطقة بشكل حاد لصالح إيران، ثم بروز الدور الإيراني، مشفوعاً بطموحات نووية إيرانية. من هنا أصبحت معادلة توازن القوة في المنطقة، بسبب انهيار العراق تحت الاحتلال، محصورة بين إيران والولايات المتحدة. وفي هذه الحالة تجد دول مجلس التعاون نفسها تحت رحمة طرفي هذه المعادلة. والأرجح أن هذا هو العامل الأساسي الذي دفع بهذه الدول لمراجعة استراتيجيتها الأمنية التقليدية.

إذا كانت الرؤية الخليجية الجديدة ليست واضحة، هناك رؤية أميركية أيضاً جديدة، لكنها معلنة وأكثر وضوحاً، وتتناقض مع الرؤية الخليجية. يقدم هذه الرؤية سياسي أميركي سابق، لكنه ناشط سياسياً وفكرياً. أعني بذلك مارتن إنديك، وهو مساعد وزير خارجية سابق، وسفير أميركي سابق لدى إسرائيل، وحالياً رئيس مركز "سابان" في معهد "بروكنجز" في واشنطن دي سي. قدم إنديك رؤيته الأميركية للأمن الإقليمي لمنطقة الخليج في مقالة مطولة منشورة في كتاب "المصالح الدولية في منطقة الخليج"، والصادر في طبعته الأولى عام 2006 عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية. يبدأ إنديك مقالته بالتأكيد على أن الاستراتيجية الأميركية في الخليج ترتكز على ضمان تدفق النفط من حقول هذه المنطقة إلى أسواق العالم من دون أية معوقات، وبأسعار معقولة. يتطلب تحقيق هذا الهدف الاستراتيجي بيئة أمنية إقليمية مواتية تضمن أمن واستقلال الدول المنتجة للنفط في المنطقة، وخاصة السعودية باعتبارها المنتج المرجح. وتمشياً مع ذلك عدم السماح بهيمنة أية دولة من دول المنطقة على الدول الأخرى. حسب هذه الرؤية الولايات المتحدة هي القوة المهيمنة حالياً في المنطقة، ويجب أن تبقى كذلك. يعود هذا، حسب إنديك، إلى أن الولايات المتحدة هي "القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى في العالم"، وبالتالي تتولى المسؤولية الرئيسية لـ"حماية المصالح الغربية في منطقة الخليج منذ خمسينيات القرن العشرين". ولأن الدول الخليجية صغيرة وضعيفة عسكرياً (يتحدث هنا بمعزل عن السعودية) فإنها لا تستطيع الدفاع عن نفسها أمام العراق وإيران. الأمر الذي فرض إيجاد توازنات في المنطقة، واحتواء تهديدات الكبار للصغار.

قبل سقوط شاه إيران اعتمدت الولايات المتحدة على نظرية التوازنات الإقليمية: إيران في مواجهة العراق، والقوة الأميركية في الأفق تضمن أمن الدول الخليجية. بعد سقوط الشاه انهارت نظرية التوازنات، وحلت محلها نظرية الاحتواء المزدوج لإيران والعراق. جاءت الحرب العراقية- الإيرانية لتنهك الاثنين وتفرض توازناً بينهما، وتسهل عملية احتوائهما معاً. لكن الغزو العراقي للكويت قلب المشهد، وكشف فشل نظرية الاحتواء. عندها تهيأت الفرصة لنقل الوجود العسكري الأميركي من نقطة الأفق إلى مياه وأرض الخليج. وعندها أيضاً، وحسب إنديك، اتخذت واشنطن قرارها بتغيير النظام في بغداد. كما أشير، بعد انهيار العراق وخروجه من التوازنات أضحت المعادلة الأمنية محصورة بين واشنطن وطهران. تتخوف واشنطن الآن من تحديين اثنين: الطموح النووي الإيراني، وانتشار عدوى عدم الاستقرار من العراق إلى بقية دول الخليج. لمواجهة ذلك تبنت الولايات المتحدة سياسة تشجيع الإصلاحات في دول المنطقة لتفادي ما يسمى بـ"معضلة الشاه". لكن بعد إنهيار نظريتي الاحتواء والتوازنات لا تملك واشنطن حالياً استراتيجية أمنية واضحة للمنطقة.يقترح إنديك استراتيجية جديدة تنطلق من الاتفاقيات الدفاعية الثنائية بين واشنطن ودول الخليج العربية لتشكيل حلف دفاعي على نمط حلف "الناتو". إذا اقتضى الأمر يمكن أن يتضمن هذا الحلف مظلة نووية (أميركية) لمواجهة احتمال تملك إيران قدرات نووية.

ومن الممكن أيضاً أن تدخل العراق في هذا الحلف. ولتفادي استعادة فكرة "حلف بغداد" ومقارنته بالحلف الجديد، يمكن وضع الحلف في إطار أمني إقليمي موسع يشمل كل دول المنطقة، بما يشبه "إقامة منتدى إقليمي على نمط نظام هلسنكي". ينطلق مقترح إنديك من فرضية مضمرة، وهي أن الهيمنة الأميركية، وبقاء دول الخليج ضعيفة عسكرياً وأمنياً، هو السبيل الوحيد لحماية المصالح الأميركية. لذلك فهو مقترح متناقض من الداخل. يعترف إنديك بأن الضعف العسكري لدول الخليج هو السبب الرئيس لعدم الاستقرار في المنطقة. ما هو الحل؟ إضعاف الدول الكبيرة في المنطقة من خلال الاعتماد على الدول الصغيرة، والإبقاء على القوة الأميركية مهيمنة على الجميع. هذا يبقي على اختلال التوازن في المنطقة، وبالتالي يبقي على مصدر عدم استقرارها. فضلاً عن أنه مقترح يتناقض مع ما يبدو أنه رؤية محلية في طور التبلور ترى تخفيف الاعتماد على الدول الكبرى



دول الخليج تعيد النظر في استراتيجيتها الأمنية

د. خالد الدخيل

كان إعلان السوق الاقتصادية المشتركة، وحضور الرئيس الإيراني أحمدي نجاد، أبرز أحداث قمة الدوحة لدول مجلس التعاون الأسبوع الماضي. أهمية اتفاق دول الخليج العربي على إقامة سوق مشتركة واضحة لأنها تحقق مفهوم المواطنة الاقتصادية لدول المجلس على أرض الواقع. كذلك أهمية حضور رئيس إيراني لأول مرة ومخاطبته للقمة في جلستها الافتتاحية.

هذا ما أعلن أنه حصل في القمة. لكن ربما أن ما حصل ولم يُعلن عنه كان أكثر أهمية، أو في أسوأ الأحوال لا يقل أهمية. فحسب بعض المصادر تناولت محادثات القمة المغلقة موضوعاً لا تنقصه الإثارة لو قدر له أن يخرج إلى العلن في شكل بيان، أو فقرة في بيان. الأكيد أنه موضوع أكثر أهمية من حضور الرئيس الإيراني للجلسة الافتتاحية للقمة.

أعني بذلك القدرات العسكرية لدول المجلس، وعلاقة ذلك بالأمن الإقليمي لهذه الدول. ومع أنه كان من أبرز ما تم بحثه في الجلسات المغلقة، إلا أن بيان القمة الختامي لم يتطرق إليه، على الأقل ليس بشكل مباشر.

كل ما ورد في البيان عن ذلك لم يتجاوز القول بأن المجلس "صادق على قرارات الاجتماع الدوري السادس لمجلس الدفاع المشترك". ماذا كانت قرارات مجلس الدفاع المشترك؟ لم يشر البيان إلى ذلك. تجاهل البيان للموضوع لا يعني بالضرورة أن المفاوضات بين القادة لم تتطرق إليه، أو أنه لم يتم التوصل إلى شيء من التفاهمات حوله.

ما هو متوفر من معلومات عما جرى داخل الجلسة المغلقة لقمة الدوحة حول القدرات الدفاعية لدول المجلس لا يعطي صورة تفصيلية عن الكيفية التي تم بها تداول هذا الموضوع، ولا عن التصورات المتوقعة لما ينبغي أن تكون عليه القدرات العسكرية لدول المجلس، أو إذا ما كان هناك من خطط مطلوبة تمت المفاضلة بينها كخيارات مطروحة. في الوقت نفسه هناك ما يشير إلى أن هذا الموضوع كان حاضراً ليس فقط في قمة الدوحة، بل في قمم أخرى.

نحن نعرف مثلاً أن الهاجس الأمني كان الدافع الأول لإنشاء مجلس التعاون، وبالتالي لابد وأن هذا الهاجس حاضر في كل اجتماعات المجلس على المستوى الوزاري، أو مستوى القمة. ونعرف أيضاً بأن الكويت تقدمت في قمة الرياض العام الماضي بورقة عن الاستراتيجية الأمنية، وأنها كلفت آنذاك بإعداد ما تراه من خيارات أو أفكار حول سبل معالجة اختلال توازن القوة في المنطقة أمنياً وسياسياً. أما قمة الدوحة، فيبدو أنها ذهبت أبعد من ذلك.

حيث ذكرت مصادر شاركت في القمة لصحيفة "الحياة" بأن القادة الستة تداولوا في جلسة العمل الأولى "حول موضوع التوازن الإقليمي المطلوب للحد من تهديدات المخاطر الأمنية على ضوء الأفكار والتصورات الأولية التي توصل إليها وزراء الخارجية والدفاع ورؤساء أجهزة الأمن الوطني بعد اجتماعهم خلال الستة شهور الماضية." وأضافت الصحيفة أنه "كان هناك اتفاق على ضرورة تعزيز القدرات العسكرية الذاتية والمشتركة لدول مجلس التعاون، وتطوير أسلوب عمل قوات درع الجزيرة وفق الاقتراحات التي سبق أن قدمتها السعودية،... وهذا في إطار العمل وفق استراتيجية جديدة للأمن الإقليمي تركز على تعزيز القدرات الأمنية والدفاعية الذاتية، والتخفيف من الاعتماد على دور القوى الكبرى في تحقيق التوازن العسكري والسياسي في المنطقة." تجدر الإشارة إلى أن صحيفة "الحياة" وضعت هذا التصريح بين مزدوجتين، مما يعني أنه نقل حرفي لما قاله المصدر المشارك في القمة.

هنا لابد من ملاحظة أن تصريح المصدر الخليجي تضمن ثلاثة تعبيرات جديدة، لم تكن يوماً من مفردات خطاب المجلس. وإذا افترضنا دقة ما نقلته صحيفة "الحياة"، ودقة ما ذكره المصدر لها عما دار في جلسات القمة حول هذا الموضوع، نكون أمام مؤشرات على تغير متوقع في الاستراتيجية الأمنية لدول مجلس التعاون.

وبالعودة إلى فكرة التعبيرات الثلاثة الجديدة والمهمة نجد أن التعبير الأول كان اعتراف مجلس التعاون بوجود "خلل في توازن القوة في المنطقة"، وهو اعتراف جديد، لم يكن يتم التطرق له من قبل. ليس واضحاً ما هو المعنى الذي أعطي لهذا التعبير في المداولات المغلقة التي تمت حوله. لكن المعروف أن المصدر الأساسي لاختلال توازن القوة في منطقة الخليج العربي كان ولا يزال أن دول مجلس التعاون، وتحديدا السعودية بإعتبارها الأكبر والأقوى، اختارت أن لا تملك القدرات العسكرية والأمنية التي تسمح لها بموازنة إيران والعراق.

وقد استعاضت عن ذلك بمظلة الأمن الأميركي كعامل توازن مع العراق وإيران. كان ذلك حتى قبل الغزو العراقي للكويت عام 1990م. للوهلة الأولى قلب احتلال العراق للكويت موازين القوة في المنطقة بشكل حاد لصالح النظام العراقي، وعلى حساب دول مجلس التعاون وإيران، بل والولايات المتحدة نفسها. لكن سرعان ما انقلب الوضع نتيجة لحرب "عاصفة الصحراء" بقيادة واشنطن، وهي الحرب التي حررت الكويت من الاحتلال. عندها أصبحت أميركا القوة المهيمنة في المنطقة، من خلال تواجدها العسكري المكثف في الخليج لأول مرة في التاريخ.

ثم جاء الاحتلال الأميركي للعراق بعد ذلك ليخرج هذا البلد العربي من معادلة توازن القوة في المنطقة جملة وتفصيلاً. وبما أن دول الخليج بقيت ضعيفة عسكرياً وخارج توازنات القوة الإقليمية، أصبحت هذه المعادلة بعد خروج العراق محصورة حالياً بين إيران والولايات المتحدة. بعبارة أخرى، أصبح الطرف العربي في الخليج خارج لعبة توازنات القوة في المنطقة. وهذا يمثل خللاً واضحا يحمل معه مصدر تهديد لأمن واستقرار دول المجلس.

وبسبب هذا الخلل تجد هذه الدول نفسها تحت رحمة تطورات الصراع بين إيران والولايات المتحدة. هل هذه هي الصورة التي يشير إليها المصدر في حديثه عن اختلال توازنات القوة في المنطقة؟ إذا كان هذا هو المقصود، وأنه كان موضوعاً لما تم التداول حوله في القمة وقبلها، نكون أمام مؤشر مهم يبرر توقع تغير قادم في رؤية دول مجلس التعاون لمسألة أمنها الإقليمي.

التعبير الجديد الثاني في تصريح المصدر هو ما ذكره عن ضرورة "تعزيز القدرات العسكرية الذاتية والمشتركة لدول مجلس التعاون". ليس واضحاً على وجه التحديد المعنى المقصود بـ"تعزيز القدرات العسكرية" هنا. هل المقصود زيادة المخزون من العتاد وأنظمة التسليح؟ أم أن المقصود يتجاوز ذلك إلى زيادة حجم القوات المسلحة، بما يتناسب مع حجم دول المجلس وأهميتها، وحجم احتياجاتها الأمنية، وحجم الخلل الذي تعاني منه معادلة توازن القوة في المنطقة؟ هذه وغيرها أسئلة تبقى من دون إجابة واضحة. لكن أن تبدأ دول المجلس بالتفكير والحديث عن حاجتها لتعزيز قدراتها العسكرية في إطار الاعتراف بخلل في توازنات القوة في منطقة الخليج يعتبر شيئاً جديداً، ومؤشرا على تغير في الرؤية، وربما في السياسات أيضاً.

التعبير الجديد الثالث هو قول المصدر في التصريح المذكور وفي سياق حديثه عن أهمية "التخفيف من الاعتماد على دور القوى الكبرى في تحقيق التوازن العسكري والسياسي في المنطقة". يمكن القول بأن هذا التعبير تحديداً هو من أكثر التعابير الثلاثة التي وردت في التصريح جدة وحداثة، بل وأكثرها أهمية. يشير هذا التعبير من ناحية إلى شعور بأن مظلة الأمن الأميركي لم توفر الاستقرار الإقليمي المنشود، بل ربما أصبحت مصدراً لعدم الاستقرار.

ففي ضوء خروج العراق من المعادلة الأمنية، والضعف العسكري لدول الخليج، وإصرار إيران على تعزيز ترسانتها العسكرية، بما في ذلك احتمال توجهها نحو امتلاك سلاح نووي، تجد دول المجلس نفسها أمام نتيجة مزدوجة: أولاً أن مظلة الأمن الأميركي عامل أساسي فيما آلت إليه صورة توازنات القوة في المنطقة. ثانياً، أن الضعف العسكري لدول الخليج، واعتمادها المطلق على هذه المظلة، عامل أساسي آخر، وربما ساعد أكثر من غيره، في أن تأخذ التطورات السياسية والأمنية في المنطقة المنحى الذي انتهت إليه.

انطلاقاً من ذلك قد يشير هذا التعبير الثالث إلى أن دول مجلس التعاون بصدد مراجعة جادة لهذا العنصر الأساسي من استراتيجيتها الأمنية. وإذا ما حصل هذا، وانتهى إلى تغير ملموس، فإنه يمثل انقلاباً استراتيجياً. السير في هذا الاتجاه يتطلب أموراً كثيرة، أبرزها أن تغير هذه الدول من نظرتها للمؤسسة العسكرية فيها، وللحاجة في الظروف الراهنة إلى تطوير هذه المؤسسة، وتعزيز دورها في الاستراتيجية الأمنية الإقليمية. هل هذا ممكن؟ وما هي مردوداته على دول المجلس؟

الكاتب : د. خالد الدخيل



المقالة السابقة التي نوًه اليها الكاتب بمقالته المنشورة أعلاه

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق