السبت، 7 مايو 2011

الخطاب السياسي الإيراني المتذبذب والمنافق

السياسة الكويتية 2-جمادى الآخرة-1432هـ / 5-مايو-2011م

لم يعرف التاريخ الدبلوماسي للعالم المعاصر خطابا منافقا وملتبسا ومزايدا وكاذبا أكثر من الخطاب السياسي والإعلامي لدولة الولي الإيراني الفقيه ، فجمهورية إيران الإسلامية غالبا ما يحرص قادتها وممثلوها على الظهور بمظهر متواضع ومتقشف يعبر عن بساطة ظاهرية قد تخدع بعض السذج لبعض الوقت ولكنها دعايات تزويقية لا تصمد أبدا أمام الممارسات الحقيقية والفعلية لقادة ذلك النظام العنصري المتغطرس الذي لا يكتفي قادته بالتصريحات العدوانية والعنصرية المعبرة عن روح عنصرية حاقدة مليئة بالكراهية ومعبأة بمشاعر العدوان ، بل ان مخططات العدوان وتنفيذها من خلال التعبئة والحشد التبشيري وتكوين شبكات التجسس والخلايا السرية وبناء الأحزاب العقائدية الهادفة إلى قلب أنظمة الحكم في المنطقة، وبما يوافق الآيديولوجية المعتمدة في إيران هي من أهم سمات التحرك الرسمي الإيراني ، فتصريحات وزير خارجية إيران السيد صالحي، وهو العراقي الأصل، ضد أمن الخليج العربي وضد المملكة العربية السعودية تحديدا واضحة وصريحة بشأن الملف البحريني.

فالتهديد بالتداعيات المزعومة إن لم تنسحب قوات درع الجزيرة من البحرين تعني في علم السياسة تصرفا شبيها بإعلان الحرب لأنها صيغة تجاوزت الأنذار إلى التهديد الصريح، وصالحي يعرف العربية كأهلها ولا يمكن لتصريحاته أن تفسر على نحو آخر وبما يتوافق مع أسلوب "التقية" المعتمد إيرانيا ، وأعتقد أن تصريحات القائم بالأعمال الإيراني في دولة الكويت السيد شهابي بشأن عدم دقة نقل تهديدات رئيس الأركان الإيراني حسن فيروزآبادي لدول الخليج العربي هي نموذج للبهلوانية الدبلوماسية وللعب على العواطف وللابتعاد عن الموضوعية من أجل تبييض صفحة الممارسات العنصرية لمسؤولي النظام الإيراني ، فالجنرال الإيراني وهو يوزع تهديداته كان يتمنطق بمنطق متعجرف مستهين بدول الخليج العربي، ويلوك خطابا تهديديا مستهلكا لا ينفع ماكياج القائم بالأعمال الإيراني في تجميله أبد، وحيث يؤكد ذلك الدبلوماسي الإيراني بأن النظام الإيراني لم يتدخل في شؤون دول الخليج الداخلية! وهو تأكيد مثير للسخرية ولا أدري ماذا يسمي التحريض الإيراني في البحرين، أو حملات التفجير في دول الخليج العربي، أو التهديدات المستمرة للسعودية أو ما يقوم به قاسم سليماني في بغداد، وحيث للاحتلال الإيراني هناك دور واي دور في معادلات السلطة العراقية التائه.

أما حديثه حول المستمسكات القانونية والتاريخية وهيمنة إيران على دول الخليج العربي كما يقول فهو مجرد إدعاء محض، فالدولة الإيرانية لم تمارس منذ سقوط الأكاسرة على يد الفتح العربي الإسلامي، وإسقاط الدولة الإخمينية الفارسية أي دور في الخليج العربي، بل أن أبناء القبائل العربية كانوا هم سادة الملاحة في الخليج، وهم الذين اشتبكوا مع الغزوات البرتغالية والهولندية ، وهم من هيمنوا على ضفتي الخليج الشرقية والغربية، ثم جاء العثمانيون ليسيطروا على المنطقة وجاءت الأساطيل الإنكليزية لتتحكم في الموقف، ولم نعرف أي سيطرة بحرية فارسية مزعومة.

واستنادًا إلى أحداث التاريخ ووثائقه فإن إيران بأسرها كانت ومنذ خمسة عشر قرنا تحت الحكم العربي الإسلامي منذ دولة الخلافة الراشدة أيام الخليفة الثاني الفاروق عمر بن الخطاب "رض" وظلت كذلك طيلة العصر الأموي ولفترات متأخرة من العصر العباسي قبل أن تتبلور الروح القومية الفارسية، وتنشأ الدول الفارسية، كالطاهرية والسامانية والغزنوية، وحيث اتخذ التاريخ الإيراني منحى مختلفا بعد ذلك من دون أن تكون للدولة الفارسية أي هيمنة على مياه الخليج العربي، أو على ضفته الغربية حتى جاء الاحتلال الفارسي للأحواز العام 1925 وإسقاط إمارة عربستان العربية الخليجية قلبا وروحا ليتمدد الاحتلال الاستيطاني الفارسي ، فإيران الراهنة صنيعة نظام الشاه البائد والعمائم التي ترفع عقيرتها بالنواح والصراخ والعويل والتهديد اليوم تعلم أنها تسيطر على أراض مغتصبة من أهلها لا تجوز الصلاة فيها أصلا!

أليس كذلك ؟ الثقافة الإيرانية واللغة الفارسية كلتاهما تدينان اليوم للغة العربية ، فسبعون في المئة من اللغة الفارسية الحديثة ذات أصول عربية والتأثير العربي واضح وكبير، ومع ذلك فإن العداء للعرب وثقافتهم ولغتهم في الدولة الإسلامية الإيرانية لا حدود له.

ألا يبدو ذلك غريبا ؟ ولكن لا توجد غرابة في دولة يمارس قادتها كل فنون الكذب الصريح والدجل الفاضح في تعاملهم مع دول الجوار وتمارس دبلوماسيتها أسلوب المخاتلة ، فالنظام الإيراني وهو نظام شمولي لا يعترف أبدا بالدبلوماسية المتخصصة بل ان السفارات هي بمثابة أوكار استخبارية مثلما كان يحدث مع سفارات نظام البعث العراقي البائد أو سفارات نظام البعث السوري أو السفارات الليبية ، وحيث أن السفارات هي "عين المقر"! وهي التي تزود الوكلاء والأنصار والخلايا السرية بالأسلحة والإمدادات وكل وسائل التواصل التبشيري ، عموما الكذب والدجل في السياسة الإيرانية هي عقيدة محكمة وسنة متبعة ، ومن يسفك دماء شعبه المنتفض في شوارع طهران لا يتورع أبدا عن تهديد الجوار ،ولكن النظام الإيراني يتوهم كثيرا إن تصور بأن شعب الخليج العربي سينحني لتهديداتهم المضحكة، جربوا فقط وستجدون ما يروق لكم وبما سيغير المعادلة الإقليمية بالكامل... ولا عزاء للدجالين والكذابين وأهل "الثلاث ورقات" من النصابين.

الكاتب :- داود البصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق