الجمعة، 6 مايو 2011

إيران.. والتقية السياسية !

الشرق الأوسط اللندنية 2 من جمادى الآخرة 1432هـ / 5 من مايو 2011م

الحنين إلى المجد الصفوي، كان خلال العقود الثلاثة الماضية، ولا يزال إلى اليوم، يدفع الحكم الصفوي في طهران نحو استعادة ذلك المجد البائد. ولم تتورع إيران عن استغلال الإسلام، خصوصا الجانب العاطفي لدى المسلمين، الذين يعانون وطأة الاحتلال الصهيوني لأراضيهم المقدسة. ونعترف بأنها كانت محاولة ذكية من إيران لتكوين رأي (إسلامي - عربي) يساندها بطريق غير مباشر، في تحقيق الحلم الإيراني الصفوي، حسبما رسمه مؤسس دولتهم آية الله الخميني، الذي قال بعد وصوله طهران قادما من منفاه في فرنسا، في عام 1979: «إن دور الفرس قد حان ليقودوا العالم الإسلامي، بعد أن قاده العرب والأكراد والأتراك، فترات متعاقبة».

تصريح الخميني يعكس رؤية إيران ومنطلقاتها في سياساتها الخارجية، ويفسر بجلاء النظرة الإيرانية لأحداث العالم العربي عموما، والخليج العربي على وجه الخصوص. فتبريرات التدخل الإيراني في الشأن العربي، مباشرة، أو من خلال أجنحته في كل من العراق ولبنان واليمن، أصبحت مكشوفة أمام الرأي العام العربي. وأصبح واقع «التقية السياسية» ينضح ويفضح النيات الحقيقية لملالي طهران. ثورات الشعوب العربية اليوم، لم تكتف بإسقاط بعض الأنظمة فقط، ولا بالمطالبة بإسقاط أخرى، بل تجاوزت تلك الثورات الشأن الداخلي في بلدانها إلى الشأن الخارجي المؤثر فيها. فقد أسقطت تلك الثورات، الأقنعة السياسية، التي كان نظام طهران يرتديها في تعامله مع قضاياها المصيرية، خاصة قضية القدس وفلسطين المحتلة وادعاءاته بنصرة المستضعفين.

لم يعد بإمكان الأدعياء في طهران أن يسوقوا حججهم، أو يقنعوا بها أحدا من الشعوب العربية، سوى الإمَّعَات الذين يتبنون تلك الحجج ويُرَوِّجُون لها، كحزب الله في لبنان ومن هم على شاكلته في العراق. انتهى ذلك الزمان الذي كان باستطاعة الأبواق الإعلامية الإيرانية الموجهة، ومن يدور في فلكها، أن تدلس على الشعوب العربية. كان ذلك في زمن مضى. اليوم تعرت المزاعم الباطلة والدعاوى الكاذبة والشعارات الجوفاء (شكرا لشبكات التواصل الاجتماعي)، التي اقتاتت وما زالت تحاول أن تقتات، على عواطف المسلمين والعرب، باسم المقاومة والصمود والممانعة وتحرير القدس ونصرة المستضعفين.

لقد وضعت ثورات الشعوب العربية صناع القرار السياسي الخارجي في طهران أمام امتحان صعب وعسير، حيث كشفت تلك الأحداث عن الوجه الحقيقي للسياسة الخارجية لما يسمى بالثورة الإسلامية في إيران. لقد اتضحت تلك المعايير المزدوجة والعنصرية المقيتة التي تتعامل بها إيران مع الشعوب العربية المستضعفة في ثوراتها ضد الظلم والاستبداد، فهي تسهم مساهمة عملية في قمع وقتل تلك الشعوب في العراق وسوريا واليمن، في حين أنها، ومنذ قيامها، لم تطلق رصاصة واحدة تجاه إسرائيل أو تضحي بجندي واحد لتحرير القدس أو تنصر مستضعفا عربيا، شيعيا كان أم سنيا، ما لم يكن صفوي الهوى!

إذن ما أوجه الشبه والاختلاف بين إسرائيل الصهيونية وإيران الصفوية؟ أوجه الشبه: الصهاينة يحتلون أراضي عربية، كذلك إيران تحتل أراضي عربية «الجزر الإماراتية الثلاث»، و«الأحواز العربية»، وتسيطر أيضا على العراق ولبنان. إسرائيل تقتل العرب في فلسطين، وكذلك إيران تقتل العرب السنة والشيعة في الأحواز منذ عقود، واليوم تقتلهم في العراق وسوريا، وقبلها في لبنان واليمن. إسرائيل تدعي أن إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل وإيران تدعي أن دول الخليج العربي ملك لها. وجه الاختلاف بينهما: أن الصهيوني يصرح بعداوته للمسلمين والعرب، أما الصفوي فيوهم الشعوب العربية والمسلمة، المستضعفة منها، أنه متعاطف مع قضاياها، وأنه نصيرها. كلاهما في النهاية له نفس الغاية، السيطرة على المنطقة وأهلها.

أما دعوات إيران لمد جسور التعاون للتقارب ونبذ الخلافات مع بعض الدول العربية، التي حققت ثورات شعوبها انتصارا على الظلم والفساد، كمصر، فإنه لا يخرج عن كونه نموذجا وصورة جديدة من صور «التقية السياسية» التي مارسها وما زال يمارسها نظام طهران. فهل نسي أو يتناسى من يروج بيننا نحن العرب لهذا التقارب، حقيقة الخطر الذي تمثله إيران على الأمن القومي العربي عامة والخليج العربي على وجه الخصوص؟! وهل يعي صناع القرار في تلك الدول العربية تلك «التقية السياسية» الإيرانية وأبعادها؟


الكاتب :- عبد الملك بن أحمد آل الشيخ

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق