الأربعاء، 18 مايو 2011

ملابسات الأزمة الروسية - الإيرانية حول مفاعل بوشهر النووي

اثارت أزمة مفاعل بوشهر النووي في أواخر فبراير الماضي زوبعة في علاقات روسيا مع ايران جراء اعلان الأولى تخفيف وتيرة العمل في مفاعل بوشهر النووي مع امكانية وقف العمل به نهائيا بسبب فشل ايران في تسديد المستحقات المالية المرتبة عليها وفق العقد المنصوص عليه بين الطرفين.

الطريقة التي تم طرح الموضوع فيها تشير الى ان المشكلة مالية, لكن ابعاد اعلانها وتوقيتها والمناخ الاقليمي والدولي المتوتر والذي طرحت المسألة اثناءه يفتح المجال امام تساؤلات كثيرة ومتشعبة.

الاعلان الروسي عن امكانية ايقاف العمل بمفاعل بوشهر النووي جاء متزامنا مع انتهاء المهلة التي منحها مجلس الأمن لايران من أجل ايقاف تخصيب اليورانيوم. وفقا للمتحدث باسم وكالة الطاقة الروسية, فان ايران قد تأخرت كثيرا في تسديد المستحقات المالية العائدة للمشروع قائلا "لقد استلمنا في شهر ديسمبر 5.1 مليون دولار فقط من أصل الدفعة البالغة 25 مليون دولار والتي كان من المفترض ان تسددها ايران لنا, اما في شهر فبراير فلم نستلم شيئا" ولا بد ان من شأن ذلك ان يؤثر على موعد تسليم "الوقود النووي" الخاص بالمنشأة وبالتالي يؤخر العمل بها.

الاتفاق الذي توصل اليه الطرفان الروسي والايراني سابقا بخصوص مفاعل بوشهر, كان يقتضي ان تسلم روسيا الوقود النووي المخصص للمنشأة النووية الايرانية في مارس من العام 2007 على أن يتم تشغيلها رسميا في سبتمبر وتوليد الطاقة الكهربائية منها في نوفمبر من العام 2007 وبسبب الخلاف الحاصل حاليا فان العمل قد يتأخر في مفاعل بوشهر الى منتصف العام 2008.

اثار الإعلان الروسي هذا ردة فعل ساخطة في الأوساط الرسمية الإيرانية التي طالبت باكمال المفاعل في وقته محذرة من ان التقاعس في هذا المجال كي يترك تداعيات سلبية في اطار العلاقة بين الدولتين.

يعتقد عدد من الخبراء ان تأخير الدفاعات الايرانية سينعكس سلبا عليها , اذ ان روسيا ستسغل هذه الفرصة لاعادة فتح النقاش حول العقد الموقع بينها وبين ايران فيما يخص مفاعل بوشهر. اذ ان قيمة العقد الموقع في العام 1995 تبلغ حوالي 1.3 بليون دولار, وهومبلغ لم يعد مربحا تجاريا مقارنة باسعار اليوم. وبما ان بوشهر قد شارف على الانتهاء تقريبا, فان أي نزاع حول العقد او سياسة ايران سيكون في صالح روسيا سياسيا واقتصاديا, فهي قد تستغل ذلك اما في اعادة التفاوض حول قيمة العقد او في الحصول على عقود بناء مفاعلات جديدة.

في المقابل, فان عددا من المتابعين يرى ان للأزمة الروسية-الايرانية بعدا سياسيا اقليميا ودوليا, اذ ان روسيا التي لطالما قاومت الضغوط الدولية ولاسيما الاميركية ازاء دورها في دعم ايران نوويا لم يعد باستطاعتها المضي بعيدا في دعم الموقف الايراني الذي اصبح يناور استنادا الى اعتقاده ان روسيا والصين معه الى النهاية ما يتيح له التلاعب بالمجتمع الدولي ويماطل قدر الامكان حتى تحقيق اهدافه المكشوفة اوالخفية.

وقد تكون أزمة بوشهر هي القشة التي قصمت ظهر البعير في دفع الموقع الروسي من المنحاز كليا الى ايران الى منطقة الوسط تمهيدا لخطوات اخرى قد تصل الى مرحلة التخلي عنه وان كان ذلك بشكل غير مكشوف عبر اتاحة الوقت الذي تحتاجه امريكا في الضغط على ايران.

اذ ان عامل الوقت في هذه المعادلة يلعب دورا مهما, فمن المعلوم ان أي هجوم اميركي وشيك على المفاعلات والمنشآت النووية الايرانية لا بد أن يتم قبل بدء تشغيل المفاعل والا فان الهجوم قد يؤدي الى تسرب الاشعاعات النووية وهذا من شانه ان يشكل خطرا جسيما ليس على ايران فقط بل على الدول المجاورة ايضا وفي هذا مقامرة كبيرة قد تدفع الاميركيين الى اعتماد اسلوب آخر, لكن بما ان الاسلوب العسكري هوالأكثر قوة وتأثيرا فان الولايات المتحدة قد تكون بحاجة الى مزيد من الوقت تعمل من خلاله على استنفاد كافة الوسائل الديبلوماسية والسياسية عبر المفاوضات او عبر قرارات مجلس الأمن قبل ان تلجأ الى الخيار الاخير وهو الخيار العسكري.

وفي هذا الاطار هناك من يعتقد ان مسألة كسب مزيد من الوقت لم تعد اختصاصا ايرانيا, اذ صحيح أن الإيرانيين لطالما تفننوا في كسب المزيد من الوقت لانهاء اكبر قدر ممكن من مشاريعهم النووية مستغلين انشغال العالم في ألازمات الدولية العديد في كوريا الشمالية, أفغانستان, العراق وغيرها, الا ان هذه المسالة وفي هذا التوقيت بالذات لم تعد حكرا عليهم.

 واذا ما ربطنا زيارة بوتين التاريخية مؤخرا إلى المملكة العربية السعودية بما يجري من أحداث متعلقة بالأزمة النووية, فهناك من يعتقد ان المملكة قد تكفلت بشراء الوقت اللازم من روسيا لمعالجة الأزمة النووية الإيرانية قبل قيام أميركا بتنفيذ خيارها العسكري.

ومن الممكن أن تكون روسيا قد شعرت بجدية الضغوط الأميركية باتجاه تنفيذ عمل عسكري ضد ايران, وهي تريد عبر خطوتها هذه "أي تأخير تسليم مفاعل بوشهر" ان تكسب الموقف الاميركي من دون ان يمس هذا بمصالح روسيا الحيوية في ايران. اذ ان الاميركي سيرى في هذه الخطوة تجاوبا روسيا ممتازا مع التحركات الدولية وتوفيرا للوقت اللازم الذي تحتاجه الولايات المتحدة لاعداد القوات اللازمة لتوجيه ضربة عسكرية لايران.

 اذ كان من المفترض فيما لوتم تنفيذ العقد الثنائي الروسي-الايراني بشكل طبيعي ان يكون لدى الولايات المتحدة فسحة زمنية يبلغ سقفها الأقصى شهر سبتمبر من العام 2007 (شهر مارس تاريخ تسليم الوقود النووي وشهر سبتمبر تاريخ تفعيل العمل بمفاعل بوشهر) لتنفيذ أي عمل عسكري دون ان يؤدي الى تسرب اشعاعي خطير, اما الآن فالولايات المتحدة وبفضل الأزمة الروسية-الايرانية الحالية قد تحصل على ما لا يقل عن 9 اشهر اضافية.

اما روسيا فقد تكون تبحث مسألة الحصول على مزيد من المكتسبات المالية الخاصة وبهذا تكون حققت اهدافا عديدة بضربة واحدة من دون ان يبدو التناقض ظاهرا فيها ومن اهمها توجيه رسالة الى الايرانيين بانه يجب عليهم اظهار موقفهم الحقيقي وعدم اللعب ضمن المساحة الرمادية التي تتيحها لايران المواقف الصينية والروسية غالبا .

الكاتب :- علي حسين باكير في 30 آذار 2007

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق