الأربعاء، 18 مايو 2011

خطاب أوباما... قراءة استباقية

قبل بضعة أيام أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" بأن أوباما يعتزم إلقاء خطاب آخر مهم يروم "إعادة إطلاق" علاقات أميركا مع العالم العربي مجدداً. ولكنني وجدتُ هذا المقال مثيراً للقلق.

وحسب "مسؤولين أميركيين "لم يُكشف عن أسمائهم" أشار إليهم المقال، "فإن أوباما ينكبّ حاليّاً على بحث طرق لربط الأحداث التي يشهدها الشرق الأوسط الآن بعضها ببعض" (أي ما بات يسمى "الربيع العربي" ومقتل أسامة بن لادن)، و"المخطط الحالي يهدف إلى مواصلة الرئيس تركيزه على التغيرات الكبيرة التي تحدث في العالم العربي، وليس تقديم مخطط جديد محدد لإعادة إحياء محادثات السلام (الإسرائيلية- الفلسطينية)". وعليه، فإن كل ما أستطيع قوله، في ضوء ما ذكر، هو أنني آمل حقاً أن تكون "نيويورك تايمز" قد أساءت فهم الخبر.

والحال أنني أعتقد أن معظم العرب لا يتوقعون من الولايات المتحدة أن "تبارك" الربيع العربي (ما عدا الليبيين الذين يمثلون الاستثناء الوحيد)، مثلما أن معظمهم لا يحتاجون للمساعدة من أجل فهم أهمية هذه اللحظة في التاريخ وعواقبها.


 كما أن العرب لا يتوقعون من الرئيس الأميركي تحليل ظروفهم.

وإذا كانت الأشياء التي يريدونها من أميركا قد تختلف من حيث بعض التفاصيل من بلد إلى بلد، فإن أحد الاهتمامات الرئيسية التي يتقاسمها معظم العرب هو رغبتهم الراسخة في أن تُظهر أميركا زعامة حقيقية في حل المشكلة الفلسطينية.

واستشرافاً لخطاب أوباما المتوقع، سألتُ طيفاً واسعاً من الأصدقاء والمعارف العرب، من ثوريين إلى مثقفين إلى مسؤولين حكوميين، حول ما يريدون سماعه من الرئيس الأميركي، فأخبروني بقائمة متنوعة من المواضيع (الليبيون يريدون السلاح، والمصريون والتونسيون يريدون المساعدة الاقتصادية والاستثمارات من أجل خلق الوظائف اللازمة.. إلخ)، ولكن من بين كل هذه المواضيع تبرز نقطتان تحظيان بالإجماع بخصوص المواضيع التي يأملون أن يتناولها أوباما في خطابه.

فمن جهة، أوضح هؤلاء العرب الذين حاورتهم أن الولايات المتحدة ما زالت تدفع ثمن سياسات عهد بوش، وأن أوباما ما زال يعاني من خيبة أمل "مرحلة ما بعد خطاب القاهرة".


 وهو الخطاب الذي أحيا التوقعات التي لم تتحقق، مما هز الثقة في زعامة الولايات المتحدة. ولذلك، فإنهم يحذرون من "خطاب كبير" آخر يعد بالكثير ولا يحقق إلا القليل. ولأن العنوان الذي سبق خطاب جامعة القاهرة 2009 وعلق في أذهان الناس بعده هو التزام الرئيس الأميركي بحل النزاع لإسرائيلي- الفلسطيني، فإن الفشل في تناول هذا الموضوع الآن، أو تناوله بشكل عام فضفاض فقط أو مع وعود أكثر غموضاً "من أجل الدفع بعملية السلام إلى الأمام"، لن يؤدي إلا إلى تعميق مشاعر انعدام الثقة والارتياب أو حتى ربما إثارة الازدراء أو الغضب.

واللافت هنا أن أهمية الموضوع الفلسطيني ازدادت بشكل خاص خلال الأيام الأخيرة مع استقالة السيناتور السابق جورج ميتشل وما يتوقع أن يكون استقبالًا حارّاً لنتنياهو في الكونجرس الأميركي. ولئن كان تعيين ميتشل مبعوثاً خاصّاً قد أحيا الآمال لدى البعض في الشرق الأوسط، فإن الفترة التي قضاها في هذا المنصب كانت مخيبة للآمال. ولذلك، ينظر البعض إلى رحيله حاليّاً باعتباره اعترافاً بانهيار العملية التي استثمر فيها مع الرئيس قدراً كبيراً من رأس المال السياسي.


 وبالنظر إلى توافق نتنياهو والكونجرس بشأن مساعي عرقلة اتفاق المصالحة الفلسطينية الذي تم التوصل إليه مؤخراً، وجهود القيادة الفلسطينية التي تسعى وراء اعتراف الأمم المتحدة بدولتها في سبتمبر المقبل، فإن فشل أوباما في تناول موضوع فلسطين في أي خطاب حول الشرق الأوسط قد يلقيه سيُنظر إليه على أنه إغفال فاضح وغياب لنية جدية.

والأكيد أن ثمة أصواتاً هنا في الولايات المتحدة تقول إن الربيع العربي قد غطى على الموضوع الفلسطيني وحجبه وإن لدى العرب اليوم موضوعات أكبر وأهم عليهم معالجتها؛ وتجادل بأن الموضوع الفلسطيني كان دائماً مجرد وسيلة يستعملها بعض الحكام العرب لصرف انتباه رعاياهم -إعادة تحويل غضبهم من الداخل إلى إسرائيل والولايات المتحدة. ففي ظل قيام ثورات في أجزاء عديدة من الشرق الأوسط اليوم، والتخلص من بن لادن، يرى هؤلاء المحللون أن هذه المواضيع، وليس فلسطين، هي التي ينبغي أن تكون الموضوع المهيمن على خطاب أوباما.

وبالطبع، فإن أي خطاب رئاسي حول العالم العربي اليوم سيتعين عليه أن يجيب على التغيرات الحالية، ومقتل بن لادن، والتخوفات الإقليمية من التطرف؛ غير أن أيّاً من هذه المواضيع لا يمكن أن يبرر تجاهل الموضوع الفلسطيني. واستطلاعات الرأي التي نجريها بشكل مستمر عبر العالم العربي تُظهر أهمية فلسطين بالنسبة للعرب من المغرب إلى دول الخليج العربي.


 ثم إن أوباما نفسه يعرف أن جهود التقليل من الطابع المركزي للموضوع الفلسطيني خاطئة، لأنه يدرك أهمية حل النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني في خلق شرق أوسط أكثر أمناً واستقراراً، وفي تحسين مكانة الولايات المتحدة في العالم العربي. ولهذا، فإنه استثمر كثيراً في الجهود الرامية إلى معالجة هذه المشكلة؛ وأوضح مراراً وتكراراً الأهمية التي تكتسيها هذه المسألة بالنسبة لمصالح الأمن القومي الأميركي في المنطقة.

من الواضح أن جهود أوباما الرامية إلى تحقيق السلام عُرقلت بظروف خارجة عن سيطرته وهذا أمر مؤسف، ما في ذلك شك، ولكن نُصحه بالاستسلام لهذه الظروف في هذه اللحظة بالذات سيمثل خطأ مأساويّاً. وبالطبع، فإنه لا يستطيع أن يحقق السلام بمفرده. وعليه أن يكون دائماً منتبهاً إلى العواقب السياسية الداخلية لأي عمل يقدم عليه، إلا أنه حتى في ظل هذه القيود والإكراهات هناك أشياء يستطيع القيام بها في خطابه لإظهار الزعامة الأميركية في هذه اللحظة الدقيقة من تاريخ المنطقة والعالم.

الكاتب :- جيمس زغبي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق