السبت، 21 مايو 2011

نجاح الثورة بأيدي السوريِّين أنفسهم

موقع الإسلام اليوم 16 من جمادى الآخرة 1432هـ / 19 من مايو 2011م

دَخلَت الثورة السوريَّة مرحلة حرجة وحاسمة من عمرها بعد أن اجتازت مراحل كثيرة صعبة ودقيقة، كانت المرحلة الأهمّ في عمر هذه الثورة المباركة هي المرحلة الأولى؛ حيث كسر السوريون حاجز الخوف، وقد كان حاجزًا مخيفًا أقامه نظام أمني قمعي من أشرس الأنظمة العربيَّة على الإطلاق.

اجتاز السوريون هذا الحاجز، وساعدهم على ذلك قوة الدفع المكتسبة من الثورات العربيَّة المنتشرة في كل مكان، وخرجوا للشارع يدعون إلى الحرية التي حُرموا منها طيلة عقود طويلة.

اجتازت الثورة السوريَّة المرحلة الأولى بنجاح ودخلت المرحلة الثانية وهي الارتفاع بسقفها؛ ففي المرحلة الأولى لم تطالب الثورة بتغيير النظام، أما في المرحلة الثانية فطالبت بإسقاطه وليس تغييره فقط، ورفعت شعار "الشعب يريد إسقاط النظام"، وكان هذا يعني أن زخم الثورة يتزايد وأن مطالبها تتصاعد.

واجتازت الثورة السوريَّة أيضًا المرحلة الثالثة بنجاح، وهي الاستمرار والتقدم للأمام وعدم التراجع، وهذه خطوة شديدة الأهميَّة، وتعتبر من أهمّ مراحل الثورات وأخطرها، وحينما تجتازها الثورة يكون ذلك أول مؤشر على نجاحها.

وقد انتشرت الثورة في معظم المدن السوريَّة، وإن كان دور مدينتي دمشق وحلب لم يصل إلى المستوى المطلوب بعد، وإن شاء الله سيكون له دور حاسم في نجاح الثورة بسبب الثقل السكاني والتاريخي الكبير لهاتين المدينتين.

وكانت المرحلة الرابعة هي دفع الفاتورة والثمن غاليًا وتحمله الثوار عن طيب خاطر، وقد دفعته الثورة من دماء أبنائها وجراحاتهم حيث سقط حتى الآن أكثر من ثمانمائة وخمسين شهيدًا وأضعافهم من الجرحى، وهذا الثمن هو الوقود لكل الثورات، وهو يدفعها دفعًا إلى الأمام، فكلما سقط شهيد كلما مد ذلك في عمر الثورة وكلما دفع الناس للمطالبة بالقصاص للشهداء الأبرياء، وكلما أراد البعض التراجع ذكرّه الجميع بدماء الشهداء فيعود إليه عزمه من جديد.

واجتازت الثورة السوريَّة المرحلة الخامسة، وهي مواجهة الآلة العسكريَّة التي دخلت المدن وحاصرتها وعاثت في الأرض فسادًا وأغلقت المساجد واعتقلت الناس وقتلت العشرات والمئات وأخافت عباد الله وأرعبتهم، تحمَّل السوريون كل ذلك وصبروا ولم يُنهوا ثورتهم، بل زادوا إصرارًا وتصميمًا على مواجهة هذا الطغيان والاستبداد.

والمرحلة السادسة التي تعيشها الثورة السوريَّة الآن هي الاستفادة من أخطاء النظام الحاكم ومن جرائمه، ومجمل هذه الأخطاء سيصبُّ في النهاية في صالح الثورة وفي اكتسابها المزيد من الانتشار الداخلي والدعم الخارجي والتأييد الدولي.

من أمثلة جرائم النظام البعثي العثور على مقبرة جماعيَّة قرب مدينة درعا، التي دخلها الجيش لسحق المظاهرات، حيث قال أهل المدينة: إنهم أخرجوا 13 جثة من مقبرة واحدة، اكتشفت في أرض زراعيَّة على مشارف المدينة، وبين الجثث التي عُثر عليها جثث رجل عمره 62 عامًا وأربعة من أبنائه، إضافة إلى جثتي امرأة وطفل.

مثل هذه الجريمة البشعة جعلت منظمات حقوق الإنسان المحليَّة والعربيَّة والدوليَّة تجتمع على إدانة هذا الإرهاب الرسمي، كما تناقلت وسائل الإعلام أخبار هذه المجازر، وأصبحت ممارسات النظام السوري مكشوفة ومفضوحة ومدانة على مستوى كبير.

وإذا كانت وسائل الإعلام والهيئات الإعلاميَّة الدوليَّة ممنوعة من دخول سوريا، حتى يستطيع النظام القمعي أن يُخفي جرائمه، فإنه في عصر الفضائيات والإنترنت والموبايل، أصبحت هذه الممارسات بالية، فرغم كل هذا التضييق استطاع شباب الثورة السوريَّة توصيل صوتهم إلى جميع أنحاء العالم، ونقلوا صور المظاهرات، كما نقلوا صور الشهداء رجالًا ونساءً، ونقلوا جرائم قوات الأمن وتعذيبهم للمتظاهرين، ونقلوا صور إطلاق الرصاص الحي على المشاركين في المظاهرات.

وإذا كان النظام السوري يعتمد في خطابه الإعلامي على الأكاذيب ويلقي باللوم في الجزء الأكبر من العنف على جماعات مسلَّحة مدعومة من إسلاميين وقوى خارجية، يقول إنها قتلت أكثر من 120 فردًا من قوات الأمن، وأن الجيش دخل درعا لاستعادة الأمن والنظام بعد مناشدات من السكان، فإنه أصبح معروفًا على نطاق واسع داخل سوريا وخارجها أن هذه مجرد أكاذيب نظام قمعي يواجه ثورة شعبيَّة لها مطالبها المشروعة.

ومن نماذج الدعم الذي بدأت تلقاه الثورة السوريَّة من المحيط العربي ما طالب به عدد من أعضاء مجلس الأمة الكويتي، بطرد السفير السوري من الكويت، بعد أن رفضت السفارة السوريَّة في الكويت انطلاق قافلة مساعدات إنسانيَّة كويتيَّة إلى مدينة درعا، محتجة بأن القافلة لا علاقة لها بأي أوضاع إنسانيَّة، وإنما تتعلَّق بأغراض سياسية، وأن القافلة لا مبرِّر لها لأن المواد الغذائيَّة وغيرها متوفِّرة لجميع المواطنين السوريين بمن فيهم سكان محافظة درعا.

ولأن القافلة لا تحمل غير المساعدات الإنسانيَّة الغذائيَّة والطبيَّة لفكّ الحصار عن درعا التي تعيش أوضاعًا مأساويَّة، فإن الكويتيين يرون أنه كان من الحريِّ بالسفارة السوريَّة الترحيب بالقافلة الإنسانيَّة الكويتيَّة وليس رفضها.

أما على المستوى الدولي فقد بدأ الخناق يضيق على نظام بشار، فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكيَّة هيلاري كلينتون أن "إجراءات إضافيَّة" ستتخذ في الأيام المقبلة ضدّ النظام السوري.

أما وزيرة خارجيَّة الاتحاد الأوروبي كاثرين أشتون فقد وصفت الوضع في سوريا بأنه "يثير قلقًا كبيرًا"، وأن الاتحاد الأوروبي يبحث ما يمكنه القيام به، وأنه من الملحّ للغاية أن تتحرك الحكومة السورية تحت طائلة أن يقوم المجتمع الدولي بالنظر في كل الخيارات.

ومن جانبه فقد أعلن وزير الخارجية الفرنسي آلان جوبيه أن هناك غالبيَّة أصوات "بصدَد التشكل" في الأمم المتحدة لإدانة سورية، والعائق هو التهديد باستخدام الفيتو من قبل روسيا أو الصين.

وعلى المستوى السوري الداخلي فالأمور تتطور لدرجة أن يدعو ناشطون إلى إضراب عام، وهي دعوة تعبر عن تنامي الثورة وتطورها، وقد انطلقت الدعوة للإضراب دعمًا للمدن المحاصرة وتضامنًا مع شهداء ثورة الشباب السوري في كل مكان، وأيضًا حتى يتمَّ ترسيخ مبدأ السلميَّة والنضال المدني في تحركات الثورة ضدّ رواية المسلحين السلفيين التي يروِّج لها إعلام النظام.

وعلى خلفيَّة هروب بعض الجنود السوريين إلى لبنان، ظهرت دعوة من داخل سوريا لحماية أي منشق عن النظام، وحماية جميع من عصا أوامر النظام في قتل أبناء الشعب السوري، ليس لأنهم شهود فقط بل لأنه في هذه الحالة سيزيد عدد من لديهم ضمائر، وآنذاك سيتم التخفيف عن المأمورين من النظام بالقتل لأنهم سيشاهدون أن لهم من يلجؤون إليه، وناشد عدد من المثقفين السوريين الحكومة اللبنانية ألا تسلم الجنود لأنهم لم يفروا من محاربة العدو بل هم تلقَّوا أوامر بقتل إخوتهم وأبنائهم السوريين، ورفضوا الامتثال لهذه الأوامر لأن الجيش لم يشكّل لمحاربة أبناء في الوطن، فهذا الجندي أو الضابط عندما أقسم اليمين لم يكن الهدف حماية السلطة أو النظام بل حماية الوطن وحدوده.

ومن النجاحات التي بدأت تحصدها الثورة السوريَّة أنه على المستوى السوري والعربي بدأ الكثيرون يفيقون ويعرفون إلى أي حدٍّ يوظف النظام السوري ملف الجولان المحتلة توظيفًا في غير محله، وبدأ الكثيرون يدركون أن السلطات السوريَّة كانت وراء المواجهات التي جرت على جبهة الجولان التي بقيت هادئة قرابة أربعة عقود، وأن النظام قد استفاد منها لكي يصرف الأنظار عن الانتفاضة السوريَّة، وهي الحدث الرئيسي، خاصة وأن الفلسطينيين لا يستطيعون أن يتحركوا من تلقاء أنفسهم في سوريا، لأن أجهزة الأمن تراقب وتحدِّد وتوجِّه، ولو أن النظام السوري في حال مختلفة لما كان سمح لهم بالدخول إلى الجولان.

لقد تَمَّ كسر حالة الهدوء التي سادت على طول الحدود بين سوريا وإسرائيل، عندما اقتحمَ المئات من الفلسطينيين والسوريين السياج الذي يفصل بين البلدين في مرتفعات الجولان وقيام الجيش الإسرائيلي بقتل أربعة أشخاص، وفي وقت اندلعت فيه تلك الاشتباكات عن طريق الفلسطينيين الحريصين على إحياء ذكرى النكبة، فإن النظام السوري كان وراءها لكي تكون له اليد العليا في مواجهة الثورة المشتعلة.

وفي النهاية، فإن نجاح الثورة السوريَّة مرهون بقوة إرادة السوريين أنفسهم وطول نفسهم وصبرهم، ومرهون أيضًا باشتراك القطاعات التي لم تشتركْ في الثورة حتى الآن؛ فالمعارضة السورية ما زالت لم تنخرطْ بالشكل المطلوب في الثورة، والتنسيق بينها غير موجود، وما زالت قطاعات من المثقفين والنخبة خائفة ومرتعشة، ولن تنجح الثورة إلا إذا وصلت إلى الكتلة الحرجة وهي اشتراك نسبة لا تقلُّ عن 20% من السوريين بشكلٍ كامل في الثورة، وهو الدرس المستخلص من الثورة المصريَّة.

إن علماء الدين والدعاة وخاصة في دمشق وحلب لم يشاركوا في الثورة حتى الآن، وهو موقف غير مقبول منهم، أما الأكاديميون والمثقفون والفنانون فلا يصح أن تتضامن الشعوب الأخرى مع الثورة السوريَّة في حين يتقاعسون هم عن دور وطني مفروض عليهم أن يقوموا به قبل الآخرين. الثورة السوريَّة اجتازت أصعب المراحل وأخطرها، وفي حال استمرارها فإنها لن تكون هي الطرف الذي يتعرَّض للضغوط، فنظام بشار هو الذي سيتعرض لضغوط متزايدة يومًا بعد يوم، عربيًّا وإقليميًّا ودوليًّا.

استمرار الثورة السوريَّة سيجعل الجميع ينصرفون من حول نظام بشار القمعي بالتدريج، وقد بدأت ملامح ذلك في فتور وتوتر العلاقات القويَّة مع تركيا.

وبمرور الوقت مع استمرار زخم الثورة سيتساقط جميع المستفيدين من النظام البعثي الحاكم، وعندها سيكون الإعلان عن نجاح الثورة السوريَّة.


الكاتب :-السيد أبو داود

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق