الاثنين، 16 مايو 2011

النفيسي:- هل تنتهي مشكلتنا مع الغرب بتأمين مصالحه في منطقتنا ؟

دعوى هذه الورقة: -   أدَعي في هذه الورقة أن عدوانات الغرب على أمتنا الإسلامية عبر القرون لم يكن منطلقها يتوقف عند حدود السيطرة على المواد الخام التي تزخر بها جغرافية العالم الإسلامي (نفط، أخشاب، مطاط، ذهب، نحاس، مايكا، يورانيوم، معادن نفيسة) ولا السيطرة على الممرات والمضائق المائية الإستراتيجية (قناة السويس، باب المندب، مضيق هرمز)

 وأزعم بأن عدوانات الغرب على أمتنا الإسلامية سبق التكالب على النفط وسبق ظهور النفط وسبق انتعاش التجارة الدولية عاملان يساعدان على تفسير الظاهرة العدوانية التاريخية ضد أمتنا الإسلامية التي طبعت سلوك الغرب الأمريكي والأوروبي في تعاطيه للعلاقات مع العالم الإسلامي.

 إذًا: -   هذا محور مهم في الموضوع إذ لو كان العدوان الغربي على أمتنا منطلقه النهائي يتوقف عند حدود المصالح المادية للغرب في منطقتنا لكان علينا لزامًا – لوقف العدوان – أن نفكر ونبتكر أساليب عملية التأمين مصالحه في منطقتنا لرفع العدوان عن أمتنا وإعطائها ومنحها فرصة تاريخية لاستعادة أنفاسها والخطى نحو المستقبل والتنمية الراشدة. لكن الأمر – في رأينا – ليس كذلك، لا بل نزيد فنقول بأنه حتى لو ضمن الغرب مصالحه المادية في العالم الإسلامي فمشواره معنا لا يتوقف عند هذا الحد. 

 إذ نرى – من خلال قراءة سريعة لملف العلاقات بيننا والغرب أن الأخير يروم الهيمنة الكاملة والشاملة علينا بما فيها الهيمنة الروحية والدينية مما يتطلب – من جانبه – التوغل في إعادة صياغتها التاريخية وإلغاء نظام "القيم" لدينا ونسخ نظام "المفاهيم" المرتبطة بمقرراتنا العقائدية والشرعية.

وإذ كان الأمر كذلك – وهذا ما سنثبته إن شاء الله تعالى في هذه الورقة – فهذا يستدعي من جانبنا التمعن في هذا الأمر وابتكار قراءات جديدة للوضع الإقليمي والدولي والتوصل إلى استراتيجيات مضادة تكون مهمتها ضد الهيمنة ومقاومتها والمحافظة على المبادرة الإسلامية في الفعل الدولي.

 ونقولها بكل صراحة بأنه على الحركة الإسلامية – بشتى راياتها ومسمياتها – أن تعي بأن الغرب يستهدفها جميعًا: تلك التي تركب مراكب العنف والقوة المادية وتلك التي تلوح ليلاً ونهارًا بأغصان الزيتون، إذ أن المستهدف هو الإسلام: كتابه ورسوله وشريعته ولغته وحركته وتجمعه البشري ومقدراته المادية والأدبية.

إن تتبع ما يحصل في دوائر صناعة القرار الغربي الأمريكي والأوروبي – وبعد 11 سبتمبر خصوصًا – يقودنا إلى هذه القناعة مصداقًا لقوله تعالى: {ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم، قل إن هدى الله هو الهدى ولأنِ اتبعت أهواءهم بعد الذي جاءك من العلم ما لك من الله من ولي ولا نصير} البقرة 120.

 الغرب السياسي: لابد أن نلاحظ أن الغرب ذو وجهين: وجه سياسي وهو الظاهر للحضارة الغربية والوجه الآخر فكري يمثل القاعدة العلمية للحضارة الغربية وموقفها الفعلي من الإسلام والمسلمين. والغرب السياسي كان عبر التاريخ ولا يزال في تعامله مع العالم الإسلامي يروم الهيمنة والسيطرة على المقدرات المادية للمسلمين. ونظرًا لأن النظام الدولي الحالي له قلب (Center  ) يمثل الولايات المتحدة وأوروبا الغربية وله أطراف (Periphery  ) حيث تقع بلاد المسلمين بشتى ألوانهم وعناصرهم ألسنتهم ومواقعهم في جغرافيا العالم فإن القلب يتحكم بالأطراف عبر أربعة أضلاع:

 1 – احتكار ثقافة السلاح وتجارته (التقليدي والنووي).
 2 – احتكار النفط والخامات الأخرى (بالذات الإستراتيجية).
 3 – احتكار الشرعية الدولية (عبر الأمم المتحدة ومجلس الأمن).
 4 – احتكار التجارة العالمية والثقافة والإعلام (العولمة).

 الغرب الفكري: -   أما الغرب الفكري والذي يتمثل في منهج الخطاب المعرفي الغربي في رؤيته وفهمه للإسلام فهو يرتكز إلى أربعة مفاصل:
 1 – الموقف من الوحي.
 2 – الموقف من النبوة وشخص النبي محمد صلى الله عليه وسلم.
3 – الموقف من الإنجازات الحضارية للمسلمين (في ميدان الطب والفلك والرياضيات والجغرافيا وغيره).
4 – الموقف من مسألة تخلف المسلمين الحالي وسببه. (انظر تفاصيل ذلك في كتاب مفيد للدكتور سمير سليمان موسوم بالإسلام والغرب – بيروت 1995).

سنلاحظ من خلال الاستعراض التاريخي لتأويلات الغرب وتفسيراته لهذه المواضيع الأربعة متمثلة بكتابات دوزيه (Doze  ) ولامانس (Lamans  ) وسورديل (Sordell  ) ووات (Watt  ) ورودنسون وحاليًا جيري فالويل (Falwell  ) وبات روبرتسون (Rebertson. P  ) وبيل غراهام (Graham Bill  ) الأب الروحي والديني للرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش) وبات بوكنان (Buchanan. P  ) وغيرهم كثير في عواصم ومدن الغرب سنلاحظ أن هؤلاء جميعًا أنكروا الوحي وأنكروا النبوة وتطاولوا إلى سب النبي صلى الله عليه وسلم وأنكروا دور المسلمين في الإنجازات الحضارية وأكدوا أن سبب تخلف المسلمين هو الإسلام ذاته ومعظم كتاباتهم في حقيقتها اتجهت نحو محاولة تقويض أساس العقيدة الإسلامية المتمثل بالكتاب والسنة الشريفة.

 وهذا الموقع التاريخي للغرب (سياسيًا وفكريًا) من الصعب شطبه من ذاكرة الأمة الإسلامية ونخبها ومفكريها ولذلك على الغرب مسؤولية أدبية كبيرة إزاء الأمة الإسلامية إذا أراد أن يحافظ على مكانته الأدبية بين المسلمين. ومثلما يطالبنا الغرب بتحسين صورتنا لديه فهو مطالب في ذات الوقت – وربما أكثر منا بتحسين صورته لدينا خاصة ونحن نرقب منذ خمسين عامًا وحتى الآن تأييده المريب إزاء العربدة الإسرائيلية في المنطقة. الحركة الإسلامية وقادتها: -   يسوق الغرب علينا – إعلاميًا – بأن قيادات الحركة الإسلامية وكوادرها لا يفهمون الغرب. فالإنسان عدو ما يجعل وسبب جهل الحركة الإسلامية قادة كوادر للغرب

 هو تشبعهم بالثقافة الشرعية الإسلامية الذي يعيق بدوره أي تلاقح فكري ومعرفي مع الثقافة الغربية وأنه لا سبيل – يقول الغرب – لكي تتخلص الحركة الإسلامية من صدمة الثقافة هذه (Cultural Shock  ) إلا من خلال إعادة صياغتها منهجيًا ومعرفيًا وفق المناهج المعرفية الغربية. لذلك يطرح الغرب فكرة إعادة النظر في المناهج التعليمية الدينية المعمول بها في العالم الإسلامي والتي – حسب المقولة الغربية سالفة الذكر – هي السبب في هذا (الفصام النكد) بين الحركة الإسلامية والغرب.

 -   وهذه فكرة غير صحيحة وغير دقيقة ودوائر الغرب السياسية وأجهزة القرار الغربي تعرف ذلك تمامًا.

 لا نشك بأن معظم قيادات الحركة الإسلامية في العالم يفهمون الغرب جيدًا ذلك لأن معظمهم قد درس في الغرب وتلقى تعليمه وتدريبه العلمي في جامعات ومعاهد ومختبرات وحتى مصانع الغرب للحديد والصلب والصناعات الثقيلة.

 فالدكتور حسن الترابي – على سبيل المثال – يتكلم الإنجليزية والفرنسية وتلقى دراساته العليا في السوربون في فرنسا ودرس القانون هناك وأصبح فيما بعد عميدًا لكلية الحقوق في الخرطوم. ود.نجم الدين أربكان مهندس يتقن اللغة الألمانية لأنه تلقى تعليمه في ألمانيا وتخصص في مكائن الديزل وكان كذلك وزيرًا للصناعة في بلدة تركيا.

وراشد الغنوشي يتقن الفرنسية لأنه درس في فرنسا الفلسفة الغربية وأكمل بعد ذلك تعليمه في جامعة دمشق أيضًا في موضوع الفلسفة. وسيد قطب رحمه الله حصل على الماجستير في الإدارة التربوية من جامعة أمريكية ويتكلم الإنجليزية ويقرأها ويكتبها.

 وعباسي مدني (الجزائر) من قيادات الحركة الإسلامية في الجزائر يتحدث ويكتب بالفرنسية. وأنور إبراهيم (ماليزيا) الناشط الإسلامي في ماليزيا تلقى تعليمه في الولايات المتحدة وكان زميلنا في الاتحاد العالمي للطلبة المسلمين وكان من خلال محاضراته وتدخلاته الفكرية منذ كان طالبًا عميق الفهم للغرب ومنظوماته الفكرية وآلياته السياسية.

 لذلك يخطئ من يظن بأن قيادات التنظيمات الإسلامية في العالم هم من طلبة العلوم الشرعية أو الذين يعانون من صدمة ثقافية في تعاملهم مع الغرب ولذا يعادونه ويحرضون عليه في المساجد والمنتديات فهذا غير صحيح. بل نزيد فنقول بأن معظم قيادات التنظيمات الإسلامية لم يتلقوا تعليمًا (شرعيًا) وأن معظمهم تلقوا تعليمًا (علمانيًا) وفي الغرب نفسه وهو تعليم بعيد تمامًا عن الدين وأجوائه، لا بل إن تعمق بعضهم في القراءات الفلسفية كاد يورد بعضهم في مرحلة من المراحل إلى الشك والإلحاد. نقول ذلك لكي نبرهن أن قيادات التنظيمات الإسلامية في العالم وخاصة في الأقطار المركزية (مصر، الجزائر، السودان، تركيا، اندونيسيا، ماليزيا، باكستان) قد احتكوا احتكاكًا جيدًا بلغات وعلوم الغرب وثقافاته ومعاهده وجامعاته ولذا فمن السطحية اتهام البعض لهم بأنهم (لا يفهمون الغرب) بل هم يفهمون الغرب ويتكلمون بلسانه (الإنجليزي والفرنسي والألماني) ويدركون الأبعاد الجيوسياسية لاستراتيجياته في العالم الإسلامي وما يترتب عليها ويتفرع عنها من أوضاع، ولأن قيادات هذه التنظيمات ترى بأن المشروع الغربي (الأمريكي والأوروبي) في منطقتنا هو مشروع هيمنة شاملة علينا لذا سنلاحظ هذه المعارضة البارزة للتنظيمات الإسلامية إزاء المشروع الغربي.

 تحريض غربي ضد الإسلاميين: -   تقول هيلين دانكوس Helene d’Encause   الباحثة الفرنسية عندما كانت تحلل الأزمة الأفغانية بأن الاستراتيجيات الأمريكية والأوروبية ينبغي أن يعاد تصميمها من جديد لمواجهة ظاهرة الصحوة الإسلامية التي ظهرت كقوة على الأرض من الممكن أن تؤثر على ما تسميه دانكوس بالمجال النفطي الإسلامي (I’espace Islamo-pétrolier  ) ويشمل هذا المجال – حسب تعريفها إقليم الخليج والجزيرة العربية.

 لقد حذرت دانكوس من ظهور الإسلاميين في هذا المجال النفطي الإسلامي الذي يشكل إقليم الخليج والجزيرة العربية (قلبه) حيث مكة والبيت العتيق وقبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كمصدر روحي لاستقطاب هذا العالم الإسلامي مترامي الأطراف ما بين نواكشوط وجاكرتا.

 تقول دانكوس ذلك وتحذر الغرب منه وتذكر الغرب بأن وصول الإسلاميين للسلطة في إيران والسودان وأفغانستان والبوسنة وأدائهم القتالي اللافت في الشيشان ومواجهتهم مع جيش روسيا الاتحادية لفترة طالت واستطالت دليل على (موجه استراتيجية Wave Strategic  ) من المحتمل أن تؤثر على موازين القوى وبالتالي قد تمتد لمناطق أخرى كثيرة تربك تدفق النفط من المجال النفطي الإسلامي نحو الأسواق الغربية الاستراتيجية.

 -   عبّر الرئيس الأمريكي الأسبق ريتشارد نيكسون عن قلقه من الإسلام والمسلمين من خلال كتابين نشرهما. أولهما عنوانه (نصر بلا حرب Victory without war  ) وثانيهما عنوانه: (انتهزوا الفرصة Seize the moment  ) يقول نيكسون في هذين الكتابين أنه بعد سقوط الاتحاد السوفيتي 1992م سيواجه الغرب والولايات المتحدة خصوصًا (ماردًا آخر) هو الإسلام فينبغي على الولايات المتحدة أن تعمل وبسرعة على الإمساك بما أسماه بِـ(الريادة الروحية Spiritual Leadership  ) في العالم قبل أن "يفيق المارد الأخضر من نومه" حسب تعبيره.

 -   ويرى ستيفن بيلليتيير (Stephen Pelletiere  ) وهو بروفيسور يعمل خبيرًا ومستشارًا في كلية الحرب التابعة لرئاسة الأركان في الجيش الأمريكي American Army War College  ) أن العقبة الكأداء أمام الإسلام في الشرق الأوسط لا تتمثل بالحكومات العربية ولا بالشعوب العربية إنما تتمثل بحركة حماس الإسلامية في فلسطين وبحزب الله في لبنان وكلاهما يقول بيلليتيير (أحزاب إسلامية) انظر دراسة بيلليتيير: (حزب الله وحماس: تحديات للسلام Hezballah & Hamas-Challenges to peace:  ).

 -   مارتن كريمر Martin Kramer   مدير مركزز موشى دايان في جامعة تل أبيب سابقًا وأحد أخطر المفكرين الاستراتيجيين الصهاينة الأمريكان وحاصل على جنسية مزدوجة أمريكية وإسرائيلية وكثير الحضور في الأوساط الجامعية الأمريكية.

 يؤكد كريمر بأن على الولايات المتحدة أن تعمل على استئصال الحركة الإسلامية بكل أطيافها من الوجود حتى لو وصلت إلى الحكم عن طريق الاقتراع السري والمنهج الديموقراطي كما حصل في الجزائر وفي تركيا أيضًا.

 ويقول كريمر في ورقة نشرها معهد أسبن The Institute Aspen   في واشنطن 1998م بأنه يتوجب على الإدارة الأمريكية والبيت الأبيض عدم إضاعة الوقت في فتح حوار مع الحركات الإسلامية بل يحث الإدارة الأمريكية على دعم الأنظمة العربية بكل الوسائل الضرورية لقمع واستئصال تلك الحركات.

 ويقول كريمر إنه لا يجد صعوبة كبيرة في (تفهم) الإدارات الأمريكية الجمهورية والديموقراطية لذلك. هذه أمثلة فقط وعينات عن التصورات الغربية للإسلام والمسلمين. هل ثمة نفط في القدس؟

-   إن أهم انتصار عسكري حققته الحملة الصليبية الأولى (وهي حملة غربية/ أوروبية/ مسيحية) هو استيلاؤها في 1099م على مدينة القدس. لقد ارتكب الصليبيون The Crusaders   بحق سكان القدس المسلمين في ذلك العام أسوأ مجازر التاريخ لم يقفوا عند هذا الحد بل جمعوا أعضاء الجالية اليهودية (وقد كانت جالية صغيرة) في كنيستهم وأضرموا النار فماتوا حرقًا وأصبحت القدس منذ ذلك العام عاصمة الدولة الصليبية التي عرفت باسم مملكة القدس الصليبية.

 (انظر تفاصيل ذلك في كتاب د.سمير سليمان مشار إليه سابقًا).

-   لقد كان واضحًا (البعد المسيحي) من احتلال القدس. فليس في القدس نفط ولا معادن ثمينة ولا حبوب الشرق الإسلامي وبهاراته وتوابله ولا هي تقع على ممر بحري للتجارة الدولية وليس فيها شيء يذكر سوى أهميتها الروحية للمسلمين فكان من المهم بالنسبة للصليبيين تجريد المسلمين من هذه الرمزية الروحية التي تعنيها لهم القدس. وفي هذا دليل تاريخي بأن الغرب ينظر للإسلام على أنه يمثل خطرًا جيو-استراتيجيًا كما أن فيه دليلاً على أن الغرب ليس علمانيًا بالمعنى الذي يحاول أن يشيعه بيننا وأن ثمة بعدًا دينيًا حادًا لسياساته وحملاته العسكرية.

هذا التقاطب التاريخي بين المسلمين والغرب القادم من أوروبا على موضوع القدس دليل مادي على توجس الغرب من الإسلام ومراكزه الروحية. كما أن الموقع الغربي الحالي من استيلاء الصهاينة على القدس وتهويدها والتحالف الاستراتيجي القائم حاليًا بين الغرب والصهاينة (وهو تحالف استمر أكثر من خمسين عامًا ولا زال قائمًا) دليل آخر في هذا السياق.

ألا يفصح ذلك عن بعد ديني لدى الغرب المسيحي في سياساته تجاه موضوع فلسطين والقدس خاصة؟. لم ينقذوا المسلمين في البوسنة والهرسك: -   وفي محور مواز سنلاحظ أيضًا أن هناك نشاطًا غربيًا بارزًا لإبعاد الإسلام تمامًا من منطقة (القلب) في النظام الدولي وخاصة في أوروبا لذا فالتدخل الأطلسي الناشط في البوسنة والهرسك وكوسوفا واتفاقية دايتون Dayton   (نوفمبر 1995م) جاءت جميعها في توقيتها ومضمونها مستهدفة إبعاد المسلمين من هناك عن مركز القرار في البلقان.

لقد أعطى حلف شمال الأطلسي الصرب كل الوقت لذبح المسلمين وجَز رؤوسهم وأعناقهم وبقر بطون حوامل النساء فيهم بينما وبقرار دولي حظر السلاح على المسلمين في البوسنة والهرسك وكوسوفا، ومنع تدخل منظمة المؤتمر الإسلامي في الموضوع بأي شكل من الأشكال، وعندما أثخن الصرب بالمسلمين هناك وافتضح الأمر تمامًا لمن كان له قلب تدخل حلف شمال الأطلسي وكانت إتفاقية دايتون (ورقة التين)، تلك الاتفاقية التي قال عنها الأستاذ المجاهد علي عزت بيغوفيتش: (سلام ظالم خير من حرب عادلة).

 أما تدخلهم الفاضح في تيمور الشرقية وتهديدهم العسكري لإندونسيا وتشجيعهم إقامة كيان مسيحي كاثوليكي مرتبط بالفاتيكان مباشرة وسط الأرخبيل الأندونيسي المسلم فيرد على حجتهم باستمالة قيام كيان إسلامي في البوسنة والهرسك وكوسوفا. لماذا حلال في تيمور الشرقية لهم وحرام علينا في البوسنة والهرسك وكوسوفا؟.

 يجب أن نعيد النظر بأولوياتنا: حيث أن الأمر بلغ هذا المدى فعلينا نحن المسلمين أن نعيد النظر بسلم أولياتنا، لابد:
 أولاً: أن ندرس المشهد العالمي واتجاهات الغرب الإستراتيجية الذي يروم الهيمنة الشاملة والكاملة على العالم الإسلامي.

 ثانيًا: نحصر دائرة الصراع ونقطة التركيز وبؤرة الفعل فيما سبق، ولا نبدد الطاقة والوقت والمقدرات في معارك ثانوية لا جدوى منها.

 ثالثًا: بل أن نجتهد في موضوع الحوار الإسلامي المسيحي ينبغي أن نجتهد في موضوع الحوار الإسلامي الإسلامي وكما نطير إلى روما وبروكسيل ولندن للتباحث مع المطارنة والكرادلة والقسس في كيفيات التعاون الإسلامي المسيحي حري بنا أن نطير إلى المدينة المنورة والقاهرة وطهران وجاكرتا وكوالالمبور ودمشق وغيرها من عواصم الإسلام للتوصل إلى صيغة وفاق وتفعيل لمنظماتنا العالمية الضخمة.

 رابعًا: الاشتغال فورًا في بلورة إستراتيجية شاملة تستهدف المقاومة والصد لرياح الهيمنة الغربية على كل صعيد. ليس هذا طلبًا للمواجهة غير المتكافئة، فليس إلى هذا ندعو الآن، لكن لابد من المقاومة والصد. إن مقاومة الهيمنة – بالذات الأمريكية كما تتبدى في العراق وأفغانستان – فريضة شرعية وهي كذلك ضرورة إستراتيجية للأمة.

 خامسًا: لأن الولايات المتحدة الأمريكية تمثل (مركز الثقل) بالنسبة للغرب. وهي الوريث لمشروع للهيمنة الأوروبي وبالذات البريطاني وهو الذي يمد المشروع الصهيوني بأسباب البقاء والتفوق العسكري فلا يمكن تحقيق النقلة النوعية للأمة الإسلامية من هذه المرحلة الغثائية (كما وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم) إلا من خلال التركيز على مقاومة (مركز ثقل) الغرب الذي تمثله الولايات المتحدة.

 وينبغي التوضيح دائمًا أننا لا نقاوم إلا لحماية أنفسنا من عدوان الإدارات الأمريكية. هدف إستراتيجية المقاومة – كما يرسمها العقل الإستراتيجي المسلم د.حامد عبدالماجد قويسي – هو "إحداث خلخلة في النظام الدولي الآسر للأمة الإسلامية بالتصدي والمقاومة لمركز الثقل الغربي الذي تمثله الولايات المتحدة".

لابد من ابتكار الوسائل الجديدة لمقاومة الهيمنة الأمريكية وصد رياح السيطرة الغربية وعدم الاستسلام لها في هذه المرحلة. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين


الكاتب :- الدكتور عبدالله النفيسي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق