الأربعاء، 18 مايو 2011

أميركا وتركيا وإيران... الشرق الأوسط القادم !

بلدان مسلمان في الشرق الأوسط مؤهلان لنسج علاقة متميزة مع الولايات المتحدة في إطار مثلث استراتيجي يحقق الأهداف الأميركية من جهة ويطلق إمكانات البلدين للانفتاح على العالم ويشحذ قدراتهما الذاتية في بيئة جديدة تتسم بنبذ أحقاد الماضي ومشاكله والتركيز على المصالح، من جهة ثانية.

 وبالطبع لن يتم هذا حسب الكاتب الأميركي ومراسل "نيويورك تايمز" السابق في الشرق الأوسط، "ستيفين كينزر"، إلا بتخلي أميركا عن سياستها الحالية التي تطغى عليها الانفعالية، والتحلي بمزيد من الواقعية والعقلانية، ليس لاكتساب الأصدقاء، بل لخدمة مصالحها على نحو أفضل. أما البلدان فيذكرهما في عنوان كتابه الذي نعرضه هنا: "إعادة الضبط... إيران وتركيا ومستقبل أميركا".

والكتاب على امتداد صفحاته، دفاع عن فكرة أساسية مفادها أن الوقت حان بالنسبة للولايات المتحدة للتعامل مع المعطيات الجديدة في الشرق الأوسط، ليس على أنها تهديدات ومخاطر، بل فرص جديدة لخدمة المصالح الأميركية وضمان الاستقرار في منطقة تتهددها الكثير من التوترات والاضطرابات، إلى درجة أن الكاتب لا يرى مستقبل أميركا في المنطقة إلا من منظور المثلث الذي تتقاسم أضلاعه الولايات المتحدة وتركيا وإيران، باعتبارها القوى الأقدر على حفظ الاستقرار في الشرق الأوسط.


 لكن ذلك يتطلب من واشنطن أولا ملء الفراغ الاستراتيجي القائم في المنطقة، وتبني رؤية واضحة تبدد حالة الغموض السائدة حالياً، بتغيير سياستها وإعادة النظر في تحالفاتها التقليدية القائمة على إسرائيل وبعض الأنظمة المعتدلة، من أجل أفق جديد من العلاقات ينهي الأحقاد التاريخية مع إيران ويعزز مسيرة طويلة من العلاقات المتطورة مع تركيا، سعياً لبناء نظام جديد في المنطقة يساهم في تسوية نزاعاتها المستمرة، بدءاً بالصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وليس انتهاء بضمان استقرار لبنان، وتأمين العراق وأفغانستان.

يبدأ الكاتب بتركيا باعتبارها الأقرب إلى أميركا، فهي حليفة سياسية وعسكرية للولايات المتحدة لأكثر من نصف قرن، هذا التحالف الذي وصل أوجه خلال الحرب الباردة عندما كانت تركيا على خط المواجهة مع الاتحاد السوفييتي، لكن تركيا وقتها، يقول الكاتب، ظلت على الهامش، لم تتجاوز أطراف الشرق الأوسط والبلقان والقوقاز وشمال إفريقيا والعالم السلافي، دون أن تكون جزءاً من هذه العوالم، كما أن أنقرة لم تكن تسعى وقتها للعب أي دور في المنطقة، أو حتى في محيطها القريب، بل إن نظرة جيرانها إليها لم تكن إيجابية لارتباطها بالسياسات الأميركية.


 أما في العالم الإسلامي فتم التعامل معها على أنها بلد تخلى عن الدين وابتعد عن قيمه.

هذه النظرة ستتغير مع مطلع القرن الحادي والعشرين، بعد استرجاع تركيا دورها المركزي مدعومة في ذلك بموقعها الاستراتيجي الذي يمتد بين آسيا وأوروبا، وتاريخها العثماني العريق في المنطقة، فضلا عن نجاحها في الجمع بين الإسلام والديمقراطية.

وقد زاد من هذه القوة الصاعدة التي باتت تمثلها تركيا حالياً دبلوماسيتها النشطة ذات الرؤية الواضحة التي تغلب المصالح عن طريق حل المشاكل العالقة في المنطقة، وهو ما عكسه وزير الخارجية التركي، أحمد داود أغلو، في عبارة "العمق الاستراتيجي" الذي يرى من خلاله تركيا كعنصر نشط في المنطقة ووسيطاً موثوقاً لتحقيق السلام، فكانت المهمة الأولى هي حل الخلافات الإقليمية، وهو ما رحبت به سائر دول الشرق الأوسط، سواء تعلق الأمر بإسرائيل التي لجأت لتركيا عندما أرادت الحديث إلى سوريا، أو فيما يخص تدخلها الإيجابي في العراق بإقناعها السنة الذين قاطعوا الانتخابات البرلمانية الأولى بالمشاركة في العملية السياسية.

 وهي في كل هذه التطلعات تستند الى قدرات ذاتية معتبرة يأتي في مقدمتها العامل الاقتصادي بعد أن أصبحت أكبر اقتصاد في الشرق الأوسط بعدد سكان يصل سبعين مليون نسمة، وبموروث تاريخي وحضاري عريق، هذا بالإضافة إلى ما تمثله من نموذج للحرية في المنطقة.

بعد ذلك ينتقل الكاتب إلى إيران التي يمثل وضعها الحالي عقبة أصعب بالنسبة للمثلث الاستراتيجي الذي يستشرف من خلاله مستقبلا محتملا للشرق الأوسط.


 فالعديد من الأميركيين ينظرون إلى إيران باعتبارها العدو الذي يجب إخضاعه، وهي نظرة عاطفية تحركها بعض الحوادث التي كرست العداوة؛ مثل احتجاز الرهائن الأميركيين في طهران، والتدخل الإيراني في لبنان وغيره، وهي نظرة يشببها الكاتب بتلك التي كانت سائدة تجاه ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية، ليبقى السؤال الذي يتعين على أميركا الإجابة عنه، وهو:-

 هل ينبغي عليها خلال صياغة سياستها الخارجية الاستناد إلى المشاعر والعاطفة أم إلى حساب المصلحة ؟

إيران، شاءت أميركا أم أبت، أصبحت أحد اللاعبين في المنطقة، وقوة إقليمية خلال السنوات الأولى من القرن الحادي والعشرين... وذلك لسببين رئيسيين؛ أولهما سقوط عدوها اللدود في العراق، صدام حسين، وانهيار نظام "طالبان" في أفغانستان.


 ولن تستفيد أميركا من الاستمرار في سياسية العزلة والعقوبات التي تبين أنها غير فعالة. فما تسعى إليه إيران، وهو الاعتراف بها كقوة إقليمية والإقرار بانشغالاتها الأمنية، يمكن للولايات المتحدة توفيره مقابل الحصول على امتيازات يذكر منها الكاتب تهدئة العراق وأفغانستان، وضبط الجماعات المسلحة الأخرى، سواء "حزب الله" أو "حماس"، ومن ثم الحفاظ على أمن إسرائيل.

تاريخ نشر المقال :- 2010-7-17الكاتب :- زهير الكساب
الناشر: تايمز

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق