الأحد، 19 يونيو 2011

بلطجية المالكي مؤشر على بدء العد التنازلي

هيئة علماء المسلمين العراقية 14-يونيو-2011م

بعد ان مرت ثماني سنوات عجاف من عمر العراق تحت الاحتلال، وتحت سلطة انشأها الاحتلال، ثماني سنوات راهن خلالها كل العملاء والمأجورين وراهن معهم كل من لا يعرف قدر الشعوب ولا يعرف حقائق التاريخ على ان الشعب العراقي قد وصل إلى حالة التدجين وان روح الثورة على الباطل فيه قد ماتت بفعل ما عمله الاحتلال وأعوانه وخدمة وبسبب الويلات والظلم الذي جرعوه لهذا الشعب وبسبب الجراح التي اثخنوه بها وبسبب حالة القهر والعوز والجوع والجهل وانتهاك الكرامة التي زرعوها بين جنبات مدنه وقراه وحاراته، وحسبوا ان نبتة الكرامة والحرية والشرف والوطنية والتضحية قد ماتت هي الاخرى ولم يبق لها من بذور في صدور ابناء هذا الشعب وكان اعداء الشعب يحسبون واهمين انه كلما طال الزمن كلما تراكم رصيد سطوتهم وقهرهم لهذا الشعب وتراكمت معه حالة اليأس والقنوط من التخلص من عار الاحتلال وخزي اعوانه واندرست معه حالة الامل واختفى حتى الحلم في يوم مشرق لا ذل فيه ولا هوان ولا تسلط ولا قهر للعباد ولا بيع ولا نهب للبلاد ولا رهن ولا سمسرة على مستقبل الاجيال القادمة، لكن رهان هؤلاء كان رهاناً خاسراً فاشلاً فقد فاجأهم الشعب بانتفاضته التي كانت المقاومة بذرتها التي لا تموت وكانت المقاومة غرسها الذي لا ييبس، فاجأهم الشعب بوحدته بعد ان حسبوا ان وحدته أصبحت في خبر كان وان الفرقة والتناحر الذي غرسوه بأمر الاحتلال واجندة نظام الملالي في طهران قد آتى اكله وأصبح واقعاً لا مفر منه، فاجأهم الشعب بوحدته فكانت الصدمة المروعة لهؤلاء القتلة الأراذل الفاشلين في كل المقاييس والساقطين في كل الموازيين.

كانت التظاهرات في بغداد وباقي المحافظات جرس الإنذار الأولي وكانت ردود فعل سلطة الاحتلال في استخدام أقصى ما يمكن من أدوات القمع والإرهاب لوأد الانتفاضة في مهدها، لكن الفشل كان حليف القمع بل انه زاد من إصرار المتظاهرين على مواصلة درب الانتفاضة، وجاءت الجمع متتابعة لتؤشر ان لا بديل عن الاستمرار في مقارعة الظلم ولا بديل عن التغيير، ومع استمرار القمع والقتل والاعتقال والتنكيل بالمتظاهرين تشكلت حركة شبابية مصممة على بلوغ اهداف الانتفاضة وأصبحت أكثر تنظيماً وفاعلية مما زاد خوف الحكومة وعصاباتها واضطرابهم، ومع ان الاهتمام من قبل الاعلام الخارجي كان شحيحاً بسبب الضغط الأمريكي والإيراني بقصد إفشال حركة الجماهير العراقية الا ان الحقائق كانت اقوى واسطع من كذب ودجل ارباب العملية السياسية والناطقين باسمها، وكانت مناورة المالكي لتمييع الموقف وسحب البساط من تحت اقدام الثائرين فكان اعلان المائة يوم الذي ظنه المالكي مخلصاً لكن ارادة الله شاءت ان يصبح وبالاً وقيداً على المالكي وعصابته وما ان انتهت المائة يوم حتى اسقط في يد المالكي واضطر الى الخروج بمسرحية الجلسات العلنية لمجلس وزرائه الامر الذي أثار سخرية واستهجان الشعب وزاد من تصميمه على انهاء هذه المرحلة المظلمة البائسة من تاريخ العراق.

لم تكن هناك حاجة لان يستعرض المالكي منجزات حكومته الناقصة خلال المائة يوم لأنها مكشوفة لأبناء الشعب الذين يتنعمون في هذا الصيف بأكثر من ساعة كهرباء يومياً ناهيك عن ماء الشرب الملوث والفساد والرشوة في كل دوائر الدولة، اما فساد النهب للموارد والثروات واما المفسدون فقد استفادوا من مهلة المائة يوم لتعزيز مواقعهم بعد ان اطمأنوا إلى أن هذه المناورة في صالحهم وان حمايتهم من الحساب في هذه المرحلة مضمونة ومكفولة من قبل المالكي وعصابته لان محاسبتهم وإنزال العقاب بهم يعني سقوط الحكومة وكل قياداتها، ومع انتهاء مهلة المائة يوم كان على المالكي وعصابته ان يتهيأ للفعل الشعبي القادم والمصمم على انهاء هذه المهزلة ويبدو ان رئيس حكومة الاحتلال قد استفاد من تجارب الانظمة العربية الاخرى خلال مواجهتها للثورات الشعبية في بلدانها فكان من منجزات فترة المائة يوم ان تمخضت عن ابتكار اختراع جديد للتصدي للانتفاضة الشعبية وإجهاضها.

اسلوب البلطجة هذا المصطلح السياسي الجديد الذي دخل قاموس المصطلحات السياسية خلال الثورة المصرية فاستنفر المالكي بلطجية حزب الدعوة مثلما استنفر حزب مبارك بلطجية الحزب الوطني مع فارق بسيط وهو ان المالكي لم يتمكن من زج الجمال والحمير في معركته مع متظاهري ساحة التحرير فحشد بعض قواته الامنية باللباس المدني واجبر بعض شيوخ العشائر او من ألبسهم لباس شيوخ العشائر ودفعهم الى ساحة التحرير رافعين شعارات الثأر الطائفية ولافتات تطالب باعدام مجرمين لا يعرف مدى صحة ما ألصق بهم من تهم وما علق على شماعتهم من جرائم يعلم الشعب ان معظمها قد ارتكبت من قبل عصابات السلطة المرتبطة بالمخابرات الايرانية، لقد استخدم بلطجية المالكي مختلف الاسلحة الجارحة والهراوات في ضرب المتظاهرين وطعنهم اضافة الى حمل معظمهم للمسدسات مما يدل على طبيعة كونهم من قوات الحكومة وكان السلاح الجديد الذي ادخله المالكي الى ساحة الصراع مع متظاهري الشعب استخدام جلاوزته العقال العربي رمز الكرامة العربية في ضرب المتظاهرين بدلاً عن (الكيبلات) التي تدربت عليها جيداً قواته الامنية خلال عمليات تعذيب المعتقلين.

وقد تزامنت هذه الأحداث مع إشادة ممثل الأمم المتحدة في العراق (اد ملكرت) بحكومة الاحتلال وانجازاتها ووصفه حالة حقوق الإنسان في العراق بأنها الأولى في المنطقة ولا ندري باي مقياس يقيس ممثل الامم المتحدة وهو يرى مئات الالوف من المعتقلين يعذبون وتنتهك حرماتهم وتغتصب أعراضهم وكانت الصفعة القوية التي وجهتها ناشطة حقوق الانسان (هناء ادورد) الى رئيس الحكومة في مؤتمر حقوق الإنسان ورميها صور الانتهاكات في وجه المالكي الذي بدا في موقف لا يحسد عليه حتى ان زبانيته فقدت القدرة على التصرف تجاه هذه المرأة الجريئة امام عدسات التصوير وكاميرات الفضائيات العالمية فأصبح رئيس الحكومة كما يقول العراقيون (كيس).

فما الذي ألجأ المالكي إلى استخدام أسلوب البلطجة هذا؟! هل كان المالكي محتاجاً لسلوك هذا المسلك مع معرفته مسبقاً بفشل تجربة البلطجة في مصر؟! ان التحليل المنطقي لهذا السلوك يدل دلالة قاطعة على انه لم يعد للمالكي من أوراق يستخدمها في مواجهة الانتفاضة الشعبية بعد اتساعها وتمكنها من التخلص من خطر التفرق الطائفي والعرقي والجهوي وظهورها عراقية ناصعة لا تدين بأي ولاء او تبعية لأية أجندة أجنبية إضافة إلى مشروعية مطالبها وأحقيتها.

ان ما حدث الجمعة مؤشر على ان مرحلة العد التنازلي لسقوط المالكي وعصابته قد بدأ فعلياً، ومن هذا المنطلق يحاول المالكي نقل المعركة بينه وبين جماهير الشعب الى معركة بينه وبين قوى سياسية أخرى مشتركة معه في العملية السياسية البائسة امثال احمد الجلبي وإياد علاوي في محاولة لتشكيل رأي عام جديد ربما على أساس طائفي جديد او على أساس حزبي مبتكر وصرف الانظار عن القضية الاساسية وهي الصراع بين الاحتلال واذنابه وبين الشعب ومطالبه المشروعة في التخلص من الاحتلال وفضلاته واوساخه التي تراكمت طيلة ما يقارب التسع سنوات، وهنا يجدر الإشارة الى ان المهل والتمديدات التي يعرضها المالكي ويهبها لنفسه لا يمكن ان تنسي الشعب خمسة اعوام من حكم فاشل ومدمر ومفرق للشعب قاده المالكي وحزبه وعصاباته لا يحتاج المرء الى مزيد عناء في استخلاص محصلتها ونتائجها الكارثية، الاحتلال الأمريكي لا يترك فرصة ضعف لعملائه الا ويستخدمها في مزيد من النهب وفرض الإتاوات، فها هو في خضم ازمة المالكي مع شركائه وأزمته وشركائه مع الشعب يطرق ورقة جديدة بالمطالبة بالتعويضات عن خسائره المادية والمعنوية خلال حربه في العراق. وبينما تفرط الحكومة الحالية بكل حقوق العراق والعراقيين المادية والمعنوية وفي مقدمتها حقوق اكثر من مليون شهيد سقط بفعل الاحتلال وعصابات إيران التي سمح لها الاحتلال بالعمل في العراق.

وبينما تحاول بعض منظمات الدفاع عن حقوق العراقيين بدأ مشروع التحضير للمطالبة بحقوق العراق والعراقيين تستبق إدارة الاحتلال الأمور لتثبيت مطالبتها بالتعويضات عن جرائمها في العراق ومكافأة قواتها ومرتزقتها على احتلال العراق وتدمير دولته وقتل شعبه لتسد الطريق عن المطالب المشروعة لأحرار العراق او جعلها جزءاً يسيراً من المبالغ الضخمة التي سيفرضها الاحتلال على العراق سيما وان أموال العراق وواردات نفطه سوف تبقى على الأغلب مرهونة للاحتلال ولن تخرج عن نطاق سيطرة الفصل السابع، منجز جديد يضاف الى منجزات المالكي في نهاية المائة يوم!!


الكاتب :- كامل العبيدي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق