الثلاثاء، 28 يونيو 2011

حزب الله.. ماذا الآن ؟

جريدة الشرق الأوسط اللندنية 25 من رجب 1432هـ / 27 من يونيو 2011م
«لا، هذا ليس إنكارًا، بل انتقائية في التقبل» (بيل واترسون)

أطل السيد حسن نصر الله مجددا قبل نهاية الأسبوع، ليخاطب جمهور حزبه، واستطرادا عموم اللبنانيين والعرب ومن يهمهم الأمر، حول أحدث ما يشغل قيادة «الحزب».

لكثيرين لم يحمل كلام السيد نصر الله جديدا، بل إنه جاء قليل الانفعال نسبيا على الرغم من الفترة الحرجة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، وبالأخص سوريا ولبنان. غير أنه كان لافتا إعلانه اعتزازه بالحكومة اللبنانية الجديدة، التي تبناها -كما هو متوقع- وحثه معارضيها على الابتعاد عن التحريض «الخارجي» عليها. وكذلك في تعامله مع الاختراقات الأمنية التي سجلت في الفترة الأخيرة، والتي رأى بعض المتابعين أنها في أفضل الأحوال محرجة لحزب الله وفي أسوئها تثبت أن «الحزب» معرض مثله مثل أي تنظيم آخر لاختراقات استخباراتية معادية.

حقيقة الأمر أن تطورات الأشهر القليلة الأخيرة في المنطقة العربية، ما كان من الممكن إلا أن تؤثر في وضع حزب الله، وهذا، مع الأخذ في الاعتبار الدور المتنامي الذي بات يلعبه داخل لبنان وخارجه. وهنا، بالذات عند نقطة «الداخل والخارج»، لدى حزب الله مشكلة جدية مع خطابه السياسي، ومع أولئك الذين يخصهم بهذا الخطاب. فعند نقطة «الداخل والخارج» تضعف حجة «الحزب» كثيرا، أسباب يفترض أنها بديهية، غير أن قيادة «الحزب» -على ما يبدو- لا تكترث بهذا الواقع، بل تحاول الالتفاف عليه.

بداية، حزب الله لا يعترف بأن المرجعية الإيرانية في قم «خارجية»، بما أنه يؤمن بـ«ولاية الفقيه»، و«الولي الفقيه»، كما نعلم موجود خارج حدود لبنان، بل خارج حدود العالم العربي. ووفق هذا المنطق لا يجوز لـ«الحزب» أن يغضب إذا ما اعتبر الماروني والكاثوليكي حاضرة الفاتيكان من «أهل البيت»، ونظر الأرثوذكسي إلى الروس على أنهم مرجعيتهم وحاميتهم السياسية، كما فعل في الزمن غير البعيد الصرب والبلغار في مواجهة العثمانيين والنمساويين. ثم إنه سبق لأجداد لبنانيي اليوم أن عاشوا هذه «الولاءات» المصطنعة خلال القرن التاسع عشر الميلادي، عندما نصبت كل دولة أوروبية نفسها «حامية» و«راعية» لإحدى الطوائف.. تحت أنظار السلطان العثماني، خليفة المسلمين.

ثم عندما أطل «الربيع العربي»، اختار حزب الله أن يدلي بدلوه في الانتفاضات العربية. ولكن تبين في ما بعد أن قراءته للتغيير جاءت مجزوءة وانتقائية. واعتبار السيد نصر الله في خطابه الأخير أن المنتفضين على النظام السوري يخدمون المشروع الإسرائيلي-الأميركي قضية تستدعي وقفة تفكير. فما نعرفه أن النظام في دمشق مستمر منذ أكثر من 40 سنة على حدود صامتة ساكنة مع إسرائيل. ونعرف أن قادة إسرائيل أعربوا في غير مناسبة عن «قلقهم» من أي تغيير يمكن أن يحدث على حدودهم الشمالية الشرقية. وكما يتذكر المتذكرون، كانت إسرائيل وراء دعوة واشنطن لسوريا إلى «قمة أنابوليس» (خريف 2007) إبان عهد الرئيس جورج بوش الابن، كما أنها اكتفت، حتى عندما كانت «تكتشف» نشاطات تسليحية أو تدريبية على الأراضي السورية، بتوجيه «رسائل» قصف.. لم تصل ولو مرة واحدة إلى التلويح بإسقاط النظام.

هذه حقائق. وإدراك القيادة الإسرائيلية مدى عمق العلاقة بين طهران ودمشق، وطبيعتها أيضا، من الحقائق المحسومة. لكن ما لم يرغب السيد نصر الله في التوقف عنده هو الحقيقة السياسية الأهم، وهي أن الأنظمة قابلة للتغيير والتبديل، وأن القوى الفاعلة قد تقرر أن تبقي على تفويضها لنظام ما، أو ترى من منطلقات مصلحية أن الوقت قد حان لسحبه. وهكذا، عندما تنتفض الشعوب بصدور عارية يصبح الإبقاء على أي نظام مسألة مكلفة سياسيا. وبالتالي، فإن أي مواطن سوري يخرج للتظاهر وفي حسابه احتمال أن يسقط قتيلا برصاص القناصة أو «الشبيحة».. لا يمكن أن يفعل ذلك تنفيذا لمشروع «خارجي». إنه يفعل نتيجة كبت وقهر «داخليين».

أما بالنسبة إلى حكومة لبنان الجديدة، التي قال عنها الأمين العام «فخر لنا أن تكون هذه الحكومة بما فيها من تيارات سياسية وتمثيل لغالبية شعبية أن تسمى بحكومة حزب الله، لكن الحقيقة أنها ليست كذلك»، فأغلب الظن أن اللبنانيين، على جانبي السياج السياسي الفاصل، يعرفون ماهيتها تماما. ويفهمون جيدا أن لحزب الله فيها أكثر بكثير من وزيرين.

أولا، من دون أي محاولة تحريض، اللبنانيون على بينة من هوية القوة المسلحة المسيطرة على الأرض في لبنان.. القوة التي «تحمي السلاح بالسلاح». وثانيا، هم على بينة من «التبرعات» الانتخابية التي ضمنت للنائب ميشال عون كتلته البرلمانية الحالية، وبأصوات مَن احتكر عون عمليًّا التمثيل المسيحي في الحكومة الجديدة. وثالثا، لا يخفى على أحد من متابعي الشأن اللبناني الحجم التمثيلي لرئيس الحكومة نفسه.

القول إنها حكومة «لبنانية مائة في المائة» يفتقر إلى المبرر المنطقي القابل للتصديق، ولا سيما في ظل تأخير تشكيلها قرابة خمسة أشهر بعد تكليف رئيسها. وفي الأساس، قلما شهد لبنان في تاريخه حكومة «لبنانية مائة في المائة».. وهذا قبل أن يخرج السلاح من أيدي السلطة الشرعية الجامعة للبنانيين. المسألة بكل بساطة، أن الجهات القابضة على مصير الحكومة وجدت نفسها مدفوعة تحت ضغط التداعيات الإقليمية إلى الإمساك بأي شكل من الأشكال بـ«الورقة اللبنانية» تمهيدا لاستخدامها كالعادة للمقايضة على تبدلات ما في أماكن «خارج» لبنان.

ونصل إلى مسألة الاختراق الأمني، وكلام السيد نصر الله عن دور للاستخبارات الأميركية في تجنيد عنصرين أو أكثر من عناصر حزب الله. وهنا أعتقد أن ثمة أسئلة تطرح نفسها..

ما هو دور السفارات الأجنبية في مختلف دول العالم؟ أليس في كل سفارة من سفارات الدول الكبرى «ضباط سياسيون» في صميم مهماتهم المفهومة الاستقصاء وجمع المعلومات وتحليلها وإرسالها إلى حكوماتها؟ وهل تُمْلَأ سفارات دول العالم بالممرضات أو المهندسين الزراعيين مثلا؟

ثم إن حزب الله قرر منذ وقت طويل أنه في «حرب» مع أميركا وإسرائيل، بل ولطالما أصر على أنه لا فارق بين أميركا وإسرائيل. فلماذا يفاجَأ اليوم إذن بأن التنسيق -كما قال السيد نصر الله بالأمس- حاصل بين «العدوين» المشتركين؟

وإذا كان «الحزب» مرتاحا ومطمئنا إلى أن «الاختراق» الإسرائيلي -المغطى أميركيًّا- محدود ولا يمس بنية المقاومة، فهل حسم «الحزب» براءة أحد أقرب المقربين من «حليفه» عون من أي علاقة مع إسرائيل؟ وهل كان رهان «الحزب» في محله على أحد وزراء الغفلة السابقين، الذي يمضي وقته هذه الأيام خطيبا في محافل مختلفة من سوريا، بعدما اكتشفت أجهزة حزب الله الأمنية أن مرافقه الأمني ضالع بالتجسس لإسرائيل؟

المطلوب أكبر بكثير من الكلام الإنكاري. المطلوب إعادة «الحزب» ترتيب سياساته للتصالح مع غالبية الشعب اللبناني، وخاصة بعدما ظهرت خطورة عجز حليفه نظام دمشق عن التصالح مع غالبية الشعب السوري.


الكاتب :- إياد أبو شقرا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق