الخميس، 30 يونيو 2011

إيران تستنجد بطموحات إقليمية لتجنب «انتفاضة مدنية»

جريدة الشرق الأوسط اللندنية 28 من رجب 1432هـ / 30 من يونيو 2011م

الأسبوع الماضي تسلم المرشد الأعلى للثورة الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي تقريرا داخليا جاء فيه أن كل النقاط التي ذكرت في تقرير المنتصف من شهر أبريل (نيسان) الماضي تبقى صالحة مع استثناء واحد هو الاضطرابات السورية، التي لم يقيمها بهذه الخطورة واضعو التقرير السابق، لذلك كان التشديد الجديد أنه على إيران «أن تبذل قصارى جهدها لمنع تغيير النظام هناك». وأضيفت ملاحظة أن الوضع في مصر وأسعار النفط ما زالا يعملان لصالح إيران، وبالتالي: «إنه وقت مشرق لإيران، لكنه ليس مشرقا بالقدر الذي اعتقدناه في المرة السابقة». وكانت عناصر من الأجهزة الأمنية حذرت من أن عدم حل الخلافات بين المرشد والرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يعرض النظام للخطر، خصوصا في ظل ما يجري في الشرق الأوسط. وكان قادة كبار في الأجهزة الأمنية الإيرانية عملوا على إجراء مصالحة بين الطرفين، وحذروا من أن استمرارهما في الخلافات العلنية قد يزرع بذور الثورة في إيران، التي نجحوا حتى الآن في قمعها وإخفائها.

وحسب معلومات تلقتها الأجهزة الأمنية الإيرانية، فإن انتفاضة مدنية في إيران باتت وشيكة، وعلى النظام بالتالي توحيد قواه للتعامل مع هذا التهديد غير العادي، الذي من شأنه أن يكون أكثر فعالية من المظاهرات والأحداث التي وقعت إثر الانتخابات الرئاسية.

وفي التقرير الذي أعد بطلب من المرشد الأعلى في منتصف شهر أبريل، إثر الخلافات التي ظهرت على العلن بينه وبين أحمدي نجاد، راجع مسؤولون أمنيون القضايا المحلية واتفقوا على أنه من الأهمية العليا لقادة النظام أن يقدموا صورة للشعب الإيراني على أنهم جبهة موحدة.

الأوضاع الداخلية الأخرى التي أشاروا إليها في التقرير، أن هناك احتمالات متزايدة عن خطر مظاهرات للاحتجاج على ارتفاع أسعار الغذاء، كما أشاروا إلى المنع المستمر للمظاهرات بسبب مخاوف حول تفشي احتجاجات المتظاهرين التي يمكن أن تخرج عن نطاق السيطرة على الشعب، كذلك المخاوف من التمرد والعصيان في مؤسستي الجيش والحرس الثوري (في ضوء الأحداث التي وقعت في سوريا ومصر). وأشار التقرير، الذي قدم إلى خامنئي، إلى التخوف من انتفاضات الأقليات والقلق من استغلال ضعف إيران من قبل المعارضة، في مواجهة الأزمة العميقة بين المرشد والرئيس بعد محاولة الرئيس إقالة وزير الاستخبارات مصلحي، إذ يثير هذا الأمر الشعور بأن القيادة تفتقد السيطرة.

وذكر التقرير بصورة قاطعة، أن مظاهرات حاشدة في طهران، قد تزعزع جديا النظام، «لأنه في الحقيقة لا يزال عرضة للضرر من الداخل» وبالنظر إلى خطورة أن تمتد الأحداث في الشرق الأوسط إلى إيران.

ووفقا للتقرير، فإن التعاون والتنسيق بين السلطات يسمحان لها باتخاذ خطوات لا تحظى بشعبية، لأن الناس يظنون بأن النظام موحد. وأكد التقرير على أن زعماء إيران أن يتعلموا من دروس الماضي، ويتأكدوا أنه بضغط من «القائد» (المرشد)، تتوحد السلطات الثلاث في البلاد لتعزيز السياسات المحلية، ومنع أي انتفاضة خلال هذه الفترة الحساسة.

وأشار التقرير إلى مثل إيجابي عن هذا النوع من التعاون بين السلطات في الماضي، ما حدث في شهر نوفمبر (تشرين الثاني) من العام 2010، في التنفيذ التدريجي لخطة خفض الدعم في أعقاب سلسلة من التأخير، وقد دعم «القائد» هذه الخطوة «لأنها كانت نقطة ضعف ويمكن أن تسبب مشاكل» في مواجهة الحاجة إلى المضي قدما في تنفيذ التخفيضات، على الرغم من أن النتائج المترتبة عليها كانت ضارة للغاية لجزء من الشعب.

لفت التقرير إلى نقطة مثيرة للقلق: مخاوف بشأن العصيان من قبل عناصر النظام مثل الجيش والحرس الثوري والأمن الداخلي والباسيج، وذلك بسبب تسلل أفكار عن الأحداث التي تقع في أماكن أخرى في الشرق الأوسط، وأيضا بسبب المشكلة الأساسية في افتقاد حكومة أحمدي نجاد إلى الشرعية.

والمسألة التي أثارها التقرير تعلقت في كيف ستكون ردة فعل النظام في حال «انضمام أعضاء من النظام إلى المتظاهرين».

وبالنسبة إلى الحرس الثوري، قال التقرير، من دون الخوض في التفاصيل، إن فرق الحرس الثوري مستعدة لمواجهة هذا التحدي، ورسمت لنفسها عدة دوائر يمكن أن يأتي الخطر منها. واستنتجت أساليب يمكن من خلالها التعامل مع التمرد. لكن التقرير أشار إلى أن فرق الحرس قلقة لأن الإجراءات التي استعدت لاتخاذها قد لا تنجح، إذا انضمت الجماهير الغفيرة إلى المظاهرات، ولاحظ الحدود الضيقة التي يستطيع النظام التحرك فيها، بسبب الضغوط الداخلية والخارجية وبسبب التساؤلات المتعلقة بشرعيته.

وفي إجابة عن أسئلة محددة حول الخطر الذي تشكله «المعارضة الداخلية على النظام»، قال ضباط الاستخبارات، إنه في الوقت الراهن تم إضعاف المعارضة، ولا تعتبر التهديد الحقيقي للنظام، «إنما، كما الحال في الدول العربية، حيث اللاتوقعات أسفرت عن إسقاط وزعزعة أنظمة، فإن إيران يجب أن تفكر أكثر وأعمق بطرق أوسع، لإبعاد شبح اللاتوقعات عن تهديد نظامها».

هذا ما دفع إيران إلى تصعيد نشاطها السياسي والدبلوماسي حول المشكلة الأفغانية والوضع الإقليمي، لأسباب كثيرة أخرى لها علاقة بالمد السعودي. قدرت إيران أن علاقات الولايات المتحدة مع الحكومتين الأفغانية والباكستانية قد تعرضت لانتكاسة، وأن أي تعاف سريع أمر مستبعد، التركيز الإيراني المباشر يهدف إلى نسف خطط أميركا في إقامة قواعد عسكرية في أفغانستان والتوسع في منطقة حيوية من الناحية الاستراتيجية في آسيا الوسطى، وأيضًا الالتفاف على إيران من الشرق. فأكثر ما يقلق إيران هو أن القواعد العسكرية المزمع إقامتها تشمل «هيرات» و«شنداد» في غرب أفغانستان على الحدود مع إيران.

بعد النكسة التي منيت بها في البحرين، تسعى طهران إلى بعثرة طوق التحالف القائم بين أميركا ودول الخليج في أعقاب الاضطرابات في الشرق الأوسط. ولوحظ أن خامنئي حذر آصف زرداري الرئيس الباكستاني من أن «واشنطن تسعى إلى زرع بذور الشقاق في باكستان لتحقيق أهدافها غير المشروعة».

ترى إيران، أن باكستان هي دولة سنية كبيرة، وتكمن مصلحة إيران في أن لا تصبح باكستان جزءًا من التحالف الذي تقوده السعودية ضد إيران في الشرق الأوسط. هي تريد استغلال «صداقتها» مع باكستان لدحض الحملات التي تحذر من انقسام بين الشيعة والسنة في الشرق الأوسط، بسبب تدخلها في الشؤون الداخلية للدول العربية.

أما أفغانستان، فإنها بعد كل شيء، أصبحت جزءًا من الشرق الأوسط الكبير، وتعترف إيران بأن باكستان حليف منذ فترة طويلة للولايات المتحدة والسعودية، لذلك فهي تعتقد بأنها إذا نجحت في استمالة أفغانستان وباكستان إلى معسكرها، في وقت يتعرض فيه معسكرها في الشرق الأوسط: سوريا، حزب الله و«حماس» إلى تهديد جدي، تصبح الدول الثلاث (إيران، أفغانستان وباكستان)، مركزًا استراتيجيًّا ذا أهمية كبرى على الجغرافيا السياسية لمنطقة شاسعة تمتد من بلاد الشام حتى وادي فرغانة في أوزبكستان.

إيران تستنجد بطموحاتها الإقليمية لتجنب المواجهة الحتمية في الداخل، لكن هذه الطموحات الإقليمية المتفرعة سيعرقلها الركود الاقتصادي الذي تعاني منه، وتزايد التناحر السياسي الذي يمكن أن يكلف أحمدي نجاد وظيفته.

لا يمكن التسرع في الحكم على الاستنتاج بأن إسلام آباد وكابل تنسقان معارضتهما للولايات المتحدة. أحمدي نجاد كان يحث على «التعاون الوثيق بين دول المنطقة حول قضايا السلام والأمن في الشرق الأوسط». يفكر «كبيرًا»، كي يتجاوز أزمة طموحاته الداخلية. «الاستغلال» كان متبادلاً، كرزاي وزرداري قاما بزيارة طهران مع الوعي الكامل بأنها «فعل تحد استراتيجي للولايات المتحدة»، والأهم من ذلك، كانا يعلمان بأن واشنطن ستتلقى الرسالة. هذا يعني، أن «عنصر إيران» سيعطيهما مجالاً للمناورة مع أميركا.

باختصار الثلاثة، كرزاي وزرداري وأحمدي نجاد يريدون جذب انتباه واشنطن، كل لهدف يختلف عن الآخر، رغم أن الهدف المشترك البعيد، هو «حماية أنظمتهم».


الكاتب :- هدى الحسيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق