الأحد، 24 يوليو 2011

المؤيدون للرئيس اليمني.. والمسئوليَّة التاريخيَّة

موقع الإسلام اليوم 20 من شعبان 1432هـ / 21 من يوليو 2011م

كانت الذكرى الثالثة والثلاثون لتولي الرئيس اليمني علي عبد الله صالح مقاليد السلطة في البلاد، فرصة لكي تخرج المظاهرات الكبيرة في صنعاء ومختلف المدن اليمنية، ليعبّر جانب من هذه الجماهير عن تأييده للرئيس صالح، بينما يطالب الآخر بعدم عودته للبلاد.

المظاهرات التي خرجت مؤيدةً للسلطة، أكَّد المشاركون فيها وقوفهم إلى جانب الشرعيَّة، واعتبروا في شعاراتهم ولافتاتهم أن هذا اليوم هو يوم الإنجازات ويوم الديمقراطيَّة، كما أكَّدوا تمسكهم وولاءهم للرئيس اليمني، ورفض أي محاولات للانقلاب عليه ورفض المجلس الانتقالي الذي دعت إليه أحزاب المعارضة.

المظاهرات المؤيدة لعلي عبد الله صالح دعت أيضًا فئات الشعب اليمني إلى الالتفاف حول الشرعية الدستوريَّة وتغليب مصلحة الوطن وقيم الوحدة الوطنيَّة على غيرها من المصالح الشخصيَّة والحزبيَّة والمناطقيَّة، كما عبَّرت عن تأييدها للحوار الوطني بشأن حل الأزمة السياسيَّة الراهنة بالبلاد، وطالبوا تحالف أحزاب اللقاء المشترك المعارضة بوقف أعمال الفوضى والعنف والتخريب والاعتداءات على المصالح والممتلكات العامَّة والخاصَّة.

وفي الجانب الآخر، نظَّمت الجماهير اليمنيَّة المعارضة مسيرات احتجاجيَّة في العاصمة صنعاء والمدن اليمنية الأخرى اعتراضًا على ما وصلت إليه البلاد، ورفعوا الشعارات المناهضة للرئيس صالح، وطالب المتظاهرون بسرعة انتقال السلطة إلى نائب الرئيس عبد ربه منصور هادي تمهيدًا لمرحلة انتقالية يتمُّ خلالها إجراء الانتخابات الرئاسيَّة والتشريعيَّة والإصلاحات اللازمة في مختلف المجالات السياسيَّة الاقتصاديَّة والأمنيَّة.

وأكَّد المتظاهرون أنهم سيواصلون اعتصاماتهم الاحتجاجيَّة حتى تتحقق مطالبهم في إسقاط ما وصفوه ببقايا النظام الحاكم، وكذا محاكمة رموزه والفاسدين، كما رددوا الشعارات التي تؤكد أن الثورة مستمرة حتى النصر.

في المشهد السابق تكمن المشكلة الحقيقية في اليمن اليوم، فرغم أن الجماهير اليمنية الغفيرة خرجت إلى الشوارع في مشهد ثوري قارب على الشهور الستة، بشكل تصاعدي ومتواصل، ورغم ما دفعته هذه الجماهير من ثمن كبير من دماء الشهداء الذين يبلغون المئات حتى اليوم، ورغم حالة الجسارة والإصرار التي تثبتها الثورة الشعبية في اليمن، إلا أن انقسام الشارع اليمني على نفسه بين مؤيد لنظام علي عبد الله صالح ومعارض له هو المشكلة الحقيقية والعائق الأكبر في عدم نجاح الثورة.

الديكتاتور حينما يرى عشرات الآلاف يخرجون إلى الشوارع مؤيدين له، يجنّ جنونه ويزداد تمسكه بالسلطة ويدخل في أدوار من العناد، ودافعه من وراء ذلك أنه لا يوجد إجماع ضده وأن نصف اليمنيين، وربما أكثر، يؤيدونه.

في المشهد الثوري التونسي الذي انتهى بهروب الرئيس المخلوع بن علي، لم يجد زبانية النظام أي جماهير تخرج مؤيدةً للنظام، ولم يسعفْهم إلا عساكر الأمن والقناصة والسيارات المجهولة، ولذلك لم تكمل المظاهرات التونسيَّة يومها الثالث والعشرين إلا وقد حققت مطلبها الرئيس بإسقاط رأس النظام، لأن الشارع التونسي كان مجمعًا على ذلك ولم يكن منشقًّا على نفسه.

وفي المشهد الثوري المصري الذي انتهى بإسقاط أكبر ديكتاتور عربي، كان الإجماع الشعبي واضحًا على إسقاط النظام ورأسه، وكان ميدان التحرير يكتظّ في أيام المليونيات بأكثر من مليونين وثلاثة وأربعة، وحينما أراد النظام أن يخيِّل على الناس بأنه يملك الجماهير هو الآخر، لم يتمكنْ إلا من حشد ألفين أو ثلاثة في ميدان مصطفى محمود، من عمال المصالح الحكوميَّة وشركات القطاع العام ومن أتباع رجال الأعمال المرتبطين بالنظام.

التكوين القبلي في اليمن له علاقة بأن يكون لعلي عبد الله صالح جماهير من المؤيدين القبليين، أو المرتبطين بمصالح مع النظام والمستفيدين منه، أو الخائفين من أجهزة أمنه.

فقد التقيتُ في القاهرة بسيدتين يمنيتين تتلقيان العلاج في مصر، هما معلمتان فاضلتان، متدينتان ومثقفتان، وحينما قامت الثورة المصريَّة عادتا إلى اليمن ولم يرجعن إلى القاهرة لمواصلة العلاج إلا بعد شهور من انطلاق الثورة اليمنيَّة.

قابلتهما فور عودتهما وأنا واثقة أنهما مع الثوار في اليمن وفي أي بلد عربي من أجل التغيير للأفضل، لكنني فوجئت بأنهما مؤيدتان للنظام.

حكتا لي أنهما تعيشان في مربع سكني، كله من المؤيدين للنظام، وإذا خرج أحد عن هذا الإجماع فإن حياته في خطر، فقوات الأمن العلنيَّة والسريَّة جاهزة للقيام بمهمتها على أفضل وجه.

وهكذا، فإن المطلوب اليوم من الثورة اليمنيَّة هو المزيد من الجسارة واستشعار المصلحة العليا للبلاد، وللمؤيدين للرئيس علي عبد الله صالح نقول إن مصلحة اليمن اليوم هي في التضحية به وبنظامه وبسحب الثقة منهم، فحتى إذا كان الرئيس رمزًا تاريخيًّا لكن نصف شعبه رفضه، فينبغي أن يستشعر الرئيس مسئوليته وأن يستقيل ويترك للناس اختيار خلفٍ له، أما استمرار العناد فهو تضحية بمصالح اليمن في سبيل مصالح قلة قليلة من أبنائه.

الرئيس علي عبد الله صالح أصبح محروقًا ووضعه الصحي غير مناسب للقيام بمسئولياته، ونحن لا نخاطبه هو لكي يستجيب لمطالب اليمنيين، إنما نخاطب أولئك المؤيدين له أن يسحبوا تأييدهم له، فهو ليس نابغة عصره وعبقري زمانه، فإذا حاكمناه سياسيًّا ووطنيًّا سنجد له إنجازات وإخفاقات، لكن إخفاقاته وتقصيره وفساد نظامه أكبر كثيرًا من إنجازاته.

من مصلحة اليمنيين جميعًا أن تنجح الثورة لكي تقتلع النظام القائم المليء بالعيوب والثغرات والقائم على تزوير إرادة اليمنيين والسيطرة غصبًا على الثروة والسلطة، وإقامة نظام ديمقراطي على أنقاضه وإصدار دستور جديد يؤكد على حقوق الناس وحريتهم.

ونذكّر مؤيدي علي عبد الله صالح أن استمرار تأييدهم له سيجلب المشكلات الاقتصادية والمجاعة على اليمن، فقد كشفت دراسة ميدانيَّة صدرت حديثًا عن دخول عشرات الآلاف من الأُسر اليمنيَّة مرحلة الجوع وعدم قدرتها على الوفاء بمتطلبات الغذاء الأساسيَّة، وحذرت من كارثة غذائيَّة جراء انعدام المشتقات النفطيَّة وانقطاع الكهرباء وارتفاع أسعار السلع والخدمات بشكلٍ مخيف.

ووفقًا للدراسة التي أعدها مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي اليمني فإن أسعار القمح والدقيق والسكر واللبن والحليب ومشتقاته ارتفعت بنسب تتراوح بين 40% و60%، بينما زادت أسعار مياه الشرب النقية بنسبة 202% وأسعار النقل 60%، في حين قفزت أسعار البنزين والديزل والمازوت وغاز الطبخ بنسبة تتراوح بين 400% و900% متجاوزة الأسعار العالمية بكثير.
وقال المركز الذي أعد الدراسة إن هذه الارتفاعات السعرية خلقت صعوبات جمة لوصول الغذاء لملايين الفقراء.

وعقب نشر الدراسة توالت تحذيرات المراقبين الاقتصاديين الذين يعتقدون أن استمرار الضائقة الاقتصاديَّة قد يؤدي إلى مجاعة تفوق نظيرتها التي حدثت بالصومال في تسعينيات القرن الماضي.

على كل جماهير اليمن أن تعلن دعمها وتأييدها لما أعلنه مجلس شباب الثورة السلميَّة عن تشكيل مجلس انتقالي لإدارة شئون البلاد، والذي يتشكل من 17 شخصية يمنيَّة من مختلف الأطياف السياسيَّة والحزبيَّة في الداخل والخارج، بينها ممثلون عن الحراك الجنوبي ومعارضة الخارج وأحزاب اللقاء المشترك المعارض وغيرها من القوى السياسيَّة، إضافة إلى اختيار قائد أعلى للجيش ورئيس لمجلس القضاء.

من أجل نجاح الثورة اليمنيَّة، يجب على كل جماهير اليمن احترام قرارات شباب الثورة والاعتراف بمؤسسات الثورة وإنهاء كل أشكال التعاون مع بقايا نظام صالح لكونها لا تمثل البلاد.

الانشقاقات العسكريَّة التي كان الكثير من اليمنيين يعولون عليها، بلغت فقط 340 عسكريًّا، هم: 150 من الحرس الجمهوري، و130 من الأمن المركزي، و60 من قوات النجدة، وقد اتخذت إجراءات عديدة لردع أفراد وضباط الأمن المركزي والحرس الجمهوري عن الانضمام للثورة، من خلال التفتيش المستمرّ داخل المعسكرات عن منشورات تؤيد الثورة، وتحذير العسكريين من عواقب الانشقاق، بالإضافة لاستخدام سلاح الحوافز المالية.

حالة الانقسام في الشارع اليمني ووجود قطاع من اليمنيين يؤيّد الرئيس صالح، جعل المجتمع الدولي يستمرّ في منح الرئيس على عبد الله صالح العديد من صور الدعم المباشر وغير المباشر رغم تردِّي الوضع في اليمن إلى درجة يمكن وصفها بأنه مأساوي.

سرّ الدعم الأمريكي لصالح أنه فتح للمخابرات الأمريكيَّة فرعًا في اليمن بطريقة رسميَّة لها كامل الصلاحيات تعتقل من تشاء وتقتل من تشاء وتعاقب من تشاء وتضيق على من تشاء وتراقب من تشاء وترفع التقارير على كل من تشاء وتدرس الشخصيات كيفما تشاء، بل وتنفذ وتخطط وتعاقب دون إذن من أحد، وجعلها فوق الدستور والقانون وصدر لها قرار جمهوري بذلك.

وتتحدث تقارير عديدة عن توجه أمريكي خليجي بأن يكون نجل الرئيس علي عبد الله صالح مرشح الحزب الحاكم في اليمن لخوض الانتخابات الرئاسيَّة القادمة، حيث إن وصول نجل صالح إلى الحكم يعتبر الضمانة الوحيدة للحفاظ على مصالح واشنطن ودول الخليج في اليمن.

فما يقلق واشنطن والعواصم الخليجيَّة هو قوة الإسلاميين الكبيرة في الشارع اليمنى، وهو ما يعكس مخاوف من المرحلة القادمة من قوة نفوذ التيار الإسلامي في اليمن، أو الانقلاب على الاتفاقات المبرمة بين نظام صالح والولايات المتحدة الأمريكية، خاصة في الجوانب الأمنيَّة، وهو ما يحتم على هذه الدول -وهي الأكثر تأثيرًا في السياسة الداخليَّة والخارجية لليمن- أن تسعى إلى التعاون لفرض المشهد القادم لليمن، بعيدًا عن أي مشهد ثوري.


الكاتب :- د. ليلى بيومي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق