الأحد، 24 يوليو 2011

بين العراق والكويت فتّشْ عن إيران !

جريدة المدى العراقية 18-شعبان-1432هـ / 19-يوليو-2011م

الحرّ في بغداد تحوم درجته المئوية هذه الأيام حول الخمسين، لكن بالتأكيد ليس لهذا الأمر علاقة بارتفاع درجة الحرارة "الوطنية" لدى بعض السياسيين في العاصمة وخارجها في الأيام الأخيرة، فهذه الدرجة كما هو واضح مضبوطة بالريموت كونترول من خارج الحدود.

في بغداد، كما في البصرة والموصل وكركوك والرمادي وسواها، ألف قضية وقضية تستحق كل واحدة منها أن يرفع النواب والوزراء وقادة الأحزاب وأعضاء مجالس المحافظات نبرة أصواتهم إلى أعلى مستوى، فأزمة الكهرباء على حالها السيئة، والأزمة السياسية على حالها الموصدة الأبواب، والوضع الأمني على حاله المتردية، ومشكلة العطالة وبخاصة بين صفوف الخريجين على حالها المتفاقمة، وسوء الخدمات العامة (الصحة والنظافة والمجاري والتعليم والنقل والمرور) على حاله التعيسة، والفساد المالي والإداري على حاله المستشرية، وكذا الحال بالنسبة للصناعة المتدهورة والزراعة التالفة والأرض المتصحرة.

وفي بغداد كما في سائر المدن تتواصل وتشتدّ الحملة الحكومية للتضييق على الحريات العامة والحقوق المدنية، بل هي ترتفع إلى مستوى الذروة بالسعي لتشريع قوانين مقيّدة لهذه الحريات والحقوق وأخرى تحلّل شكلاً من أشكال الفساد، كقانون "حماية الصحفيين " وقانون "حرية التعبير" وقانون العفو عن مزوري الوثائق الشهادات الدراسية. هذا كله يمسّ الحياة اليومية لثلاثين مليون عراقي مسّاً مباشراً ويؤثّر في مصالحهم الحيوية، لكن سياسيينا من نواب ووزراء وزعماء أحزاب ومنظمات، يختارون، والحال هذه، أن يهربوا إلى الأمام فيفجّرون فقاعة اسمها ميناء مبارك الكويتي، ويتسابقون على قرع طبول التهديدات والنفخ في مزامير التهويل على نحو ما حدث منذ إحدى وعشرين سنة.

 وكما كانت عليه الحال قبل عقدين فان القرع والنفخ يجري هذه الأيام بالشعارات "الوطنية" نفسها التي نادى بها صدام تمهيداً وتبريراً لمغامرته التي لم تنته بعد فصول نتائجها الكارثية المهولة.

يحتاج المرء إلى أن يفقد كل قدراته العقلية لكي يتصور أن إثارة قضية الميناء الكويتي تتعلق بشعور وطني عال لمثيرها، فالمشاكل والأزمات والمعضلات التي يواجهها العراقيون على مدار الساعة هي أولى بأن يهتمّ بها الذين اخترعوا هذه القضية، ميناء مبارك لا يؤثر في حياة العراقيين على نحو ممض وقاتل كما الفساد المالي والإداري والبطالة وانعدام الخدمات والمحاصصة والاحتراب بين القوى الحكومية المتصارعة على السلطة والنفوذ والمال. هذه القضية صناعة إيرانية مئة في المئة، وهي صناعة متهالكة وفاسدة كما كل السلع الإيرانية التي أغرق أصحاب المصالح السوق العراقية بها، ابتداءً من الأغذية الفاسدة والمخدرات وانتهاءً بالسيارات الأسوأ بين سيارات العالم.

إيران فشلت في مساومة الكويت في قضية شبكة التجسس الإيرانية، وإيران منيت بهزيمة في محاولتها التدخل في الشؤون الداخلية البحرينية، فأطلقت إشارتها لأصدقائها وعناصرها في العراق لتفجير فقاعة ميناء مبارك، ومن لا يصدّق ليراجع أسماء الذي قرعوا الطبول ونفخوا في المزامير، ومن لا يصدق فليراقب المواقف الصامتة لهؤلاء حيال الاعتداءات الإيرانية المسلحة داخل الأراضي العراقية من الفكة إلى إقليم كردستان، وحيال التسليح الإيراني المتواصل للمليشيات، وحيال القطع الإيراني لمياه نهر الوند، وقبلها حيال مشكلة المياه الإيرانية المالحة المبزولة إلى داخل العراق.

المشاكل بين العراق والكويت، المتوارثة عن نظام صدام ومغامرته العدوانية، لم تنته تماماً، ولهذا ظلّ ملف العلاقات بين البلدين في أيدي مجلس الأمن إلى الآن .. والموقف الصحيح أن تلجأ الحكومة العراقية إلى هذا المجلس كلما نشأت مشكلة جديدة بين البلدين، لا أن يأخذ كل من هبّ ودبّ هذا الملف بين يديه ويتصرف به على النحو الذي تريده إيران أو أي دولة أخرى تحقيقاً لمصالحها وتخريباً لمصالح العراق.

الكاتب :- عدنان حسين

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق