الأحد، 24 يوليو 2011

الإمبريالية الإيرانية !

موقع لجينيات 19-شعبان-1432هـ / 20-يوليو-2011م

عندما تنتقد إيران سياسة التدخل التي تنتهجها أميركا ودول الاتحاد الأوروبي تجاه دول العالم الثاني أو الثالث، فمن البدهي أن يعكس هذا الانتقاد احترام إيران لسيادة الدول وأنها لا تتدخل في شئون أي دولة، ولكن الواقع يقول غير ذلك تماماً، فإيران التي تلعن وتطعن في هذا التوجه، لم تحترم يوماً سيادة دولةٍ ما بما فيها الدول الصديقة لها، وتدخلاتها في شئون بعض الدول باتت ترى بالعين المجردة ولا تحتاج إلى مجهرٍ تحليلي، ولم أعد أبدي غرابةً في أن أسمع الرئيس الإيراني ينتقد الإمبريالية الغربية في أحد خطاباته، ويتحدث عن شأنٍ داخلي لدولةٍ ما في ذات الخطاب. فإيران تكرس مبدأ الإمبريالية عملاً وتنتقده قولاً، ومن أوجه ذلك التدخل ما تضطلع به قناة " العالم " الانتقائية والمسيسة التي تبث مواد إعلامية تتناول حالة حقوق الإنسان في دول الخليج، في حين أن العالم أجمع يعلم بأن إيران هي موطن الانتهاكات النمطية لحقوق الإنسان.

لست بالمحيط المدرك لجميع تفاصيل التوجه الإيراني، ولكنني أرى فيه تناقضات عجيبة تتنافى وأبجديات السياسة الحكيمة، فعندما يحاول الساسة الإيرانيون أن يُظهروا طهران وكأنها " يوتيوبيا " المدينة الفاضلة، فعليهم الاعتناء جيداً بخطاباتهم الثورية البرّاقة المليئة بالتناقضات.

ما إن دخلت قوات درع الجزيرة لمملكة البحرين لحمايتها من أي عدوان خارجي زاد من احتمالية وقوعه انكشاف دوافع المظاهرات التي قامت في البحرين ، وجهت إيران شجبها واستنكارها على العلن لهذا الإجراء الذي اعتبرته احتلالاً في حين أنه إجراء مشروع وقانوني، وتخلت عن من كانوا يعولون عليها في الداخل بعد انكشاف أمرهم وبدا أن حكومة البحرين كانت أشد رأفةً بهم من إيران التي والوها وعملوا في الخفاء لخدمتها. لا أعتقد أن هناك أحداً يجهل المخططات الإيرانية ودوافعها، ولكن طالما أن هذا التوجه أصبح جلياً فلماذا كل هذه المراوغة ولماذا يحاول الإيرانيون تحسين صورة إيران باختلاق بعض المواقف التي يبرز منها النزاع الذي لا أساس له بين رئيس الجمهورية والمرشد الأعلى، والسفينة الإسرائيلية التي رست على الموانئ الإيرانية والتي ألبت الرأي العام الإسرائيلي على السلطة بعكس ما حدث في إيران ! ثم لماذا يخرج وزير الدفاع الإيراني ليتباهى بقوة إيران ويقول أن السعودية بالتحديد ليست في مستوانا العسكري.

كل هذه الأسئلة تدل على أن السياسة الإيرانية تشهد ارتباكاً غير مسبوق، وأعتقد أن هناك ثمة عوامل نحت بالسياسة الإيرانية إلى هذا المنحى وأهم تلك العوامل : تأزم علاقاتها ودول مجلس التعاون الخليجي – إن صح التعبير – لأن أفضل مستوى وصلت إليه علاقة إيران بالدول الخليجية كان بمثابة الهدنة، ومن تلك العوامل أيضاً : الوضع القائم في سورية، فبسقوط النظام السوري – فيما لو ظفرت الثورة بذلك – تكون إيران قد خسرت حليفاً قوياً ومؤثراً.

وكذلك عدم إحكام قبضتها على تحركات بعض الأحزاب المناوئة لإيران كالتيار الصدري في العراق والذي من أهم مبادئه تعريب المذهب الشيعي، وغيرها من الدوافع التي جعلت التناقضات في السياسة الإيرانية تطفو على السطح، وحسبما أرى فإن طهران لم يعد أمامها خيارات كثيرة تجعلها في موقفٍ قوي, واحتواءها لجماعة الأخوان المسلمين في مصر ومنظمة حماس، والشيعة العرب في العراق ولبنان واليمن كان يدل على أنها تسعى لوضع دول الخليج في الكماشة ، ولكن الحراك الخليجي كان ذكياً بقدر ما يضمن عدم اكتمال محيط الدائرة التي تسعى إيران وضع دول الخليج بداخلها، وليس ببعيد أن تسعى إيران أن تستغل النزاع الأزلي بين الجارتين المغرب والجزائر على الصحراء الكبرى، ومن المحتمل أيضاً أن تستميت لكسب مصر من خلال دعم الإخوان المسلمين الذين بدأت أصواتهم تتعالى بالقرب من سدة الرئاسة المصرية. ولعل الأيام القادمة حُبلى بمنعطفات جديدة في مسار العلاقة الإيرانية – الغربية، فالدول الغربية وعلى رأسها أميركا لن تقتنع بصدق النوايا الإيرانية إلا إذا أقدمت طهران على خطوة انهزامية جريئة تتمثل في إيقاف مشروعها النووي، والتعاون وآليات الأمم المتحدة المختلفة، والبدء في إصلاحات فعلية داخلية تشمل جميع مجالات الحياة لتضع حداً للمطالبات الداخلية بالإصلاح والتي تجد أصداءً على المستوى الشعبي في الدول الغربية.

أعتقد أن إيران لم يعد في متناولها الكثير من الخيارات بل هي أمام واقع لا بد أن تقدم تنازلات كبيرة للتكيف معه ومواكبته وبالتالي إعادة المياه لمجاريها وتحقيق هدفها الذي يتخلص في بسط نفوذها في المنطقة ، وهذا ما يبرر سعيها الجاد في هذه الأيام لتحسين علاقتها بأميركا وإسرائيل ودول الاتحاد الأوروبي، ولم تكن حادثة السفينة الإسرائيلية إلا إجراء تمهيدي للنية الإيرانية المستقبلية، وقد تستغل إسرائيل إيران كوسيلة ضغط على دول المنطقة لانتزاع الاعتراف بها كدولة سيادية، بدليل إن هناك محاولات إسرائيلية لتعطيل سعي الإدارة الأميركية لوضع حد للنزاع الأزلي بين دول المنطقة وإسرائيل، فإسرائيل تحاول أن تحصل على هذا الاعتراف دون تقديم أي تنازلات، وهي تعتقد بأنها ستحصل عليه من خلال إرباك الموقف الخليجي الثابت تجاه القضية الفلسطينية من خلال إيران، وهنا يأتي دور الدهاء السياسي لإغلاق هذا الباب الذي لن يتم إغلاقه إلا بتقديم الكثير من التنازلات إذا ما تم فتحه على مصراعيه. فالعبرة ليست في إغلاقه وإنما في الاستماتة في عدم فتحه.

الكاتب :- نايف معلا

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق