الخميس، 28 أبريل 2011

خطة خامنئي لإقامة إمبراطورية شيعية من باكستان إلى لبنان

هل هي مجرد صدفة أم أنها فصل جديد من المسلسل الذي بات يعرف في الأوساط الدبلوماسية والاستخبارية المطلعة بالحرب السرية الدائرة بين واشنطن وطهران في العراق وحول العراق؟!
هذا السؤال طرحه خبير أمني أوروبي وهو يفاجأ بأخبار التظاهرات التي نفذها يوم الجمعة في الحادي والشعرين من مايو "أيار" مئات ألوف الشيعة في إيران ولبنان والبحرين وباكستان باسم الدفاع عن العتبات الشيعية المقدسة, في كربلاء والنجف والكوفة حيث تدور حرب طاحنة بين قوات مقتدى الصدر "جيش المهدي" وقوات الاحتلال الأمريكي والبريطاني.
ولم يكن هذا الخبير في حاجة إلى الكثير من التأمل والتحليل لفهم خلفيات وأبعاد ما وصفه بـ "انتفاضة الأممية الشيعية", فالجهاز الذي ينتمي إليه كان يملك أكثر من تقرير في هذا الصدد تتمحور كلها حول وجود مخطط إيراني متكامل لاستغلال حرب إطاحة صدام حسين وإزاحة حكم البعث والسنة لتعزيز نفوذ إيران وهيمنتها في العراق وتكريس موقعها في قيادة شيعة العالم والدفاع عنهم حتى إن أحد التقارير المتداولة تحدث عن خطة إيرانية سرية يجري تنفيذها بصمت لاختراق الدول ذات التواجد الشيعي والعمل على بناء ما وصفه بـ "إمبراطورية شيعية تمتد من باكستان إلى لبنان" وفي معلومات هذا التقرير أن مشروع استعادة الهيمنة والنفوذ الإيراني عبر الشيعة في العالم العربي أقر منذ ما قبل الغزو الأمريكي للعراق في اجتماع استراتيجي وسري جداً لمجلس الأمن القومي برئاسة المرشد علي خامنئي. وتضيف هذه المصادر أن كل معارك الكر والفر والمفاوضات السرية والعلنية بين الأمريكيين والإيرانيين وأساليب الإرهاب والترهيب والترغيب التي يمارسها الطرفان هي جزء من المخطط التنفيذي لاستراتيجية التوسع الإيراني في العراق والخليج وعلى امتداد العالم العربي.
وكشف هذا الخبير أن ما حصل يوم الجمعة 21 مايو "أيار" كان يشكل رسالة واضحة للأميركيين هي تهديد إيراني بإخراج الصراع من دائرة العراق وتعبئة العالم الشيعي ضد الأميركيين مع ما يحمل ذلك من مخاطر زعزعة استقرار وقلب معادلات في أكثر من دولة.
وفي رأي هذا الخبير أنه من الواضح أن تحديد موعد التظاهرات في يوم واحد واختيار تظاهرات الأكفان "كما حصل بالتوازي في تظاهرة حزب الله في لبنان وتظاهرة المعارضة الشيعية في البحرين"  كانا رسالة مكشوفة بأن كلمة السر جاءت من طهران وتحديداً من المرشد علي خامنئي, وثمة معلومات عن أن فحوى الخطب التي ألقيت والصور التي رفعت في التظاهرات "صورتا المرجع الشيعي العراقي السيستاني وآية الله الخميني" كانت من ضمن خطة معدة سلفاً بكل تفاصيلها. وتسائل هذا المصدر: "وإلا كيف يمكن فهم التوافق المفاجئ لشيعة إيران ولبنان والبحرين وباكستان على تحديد ذلك اليوم "الجمعة" للدفاع عن المقدسات الشيعية العراقية علماً بأن الحرب في هذه المدن بين جيش المهدي والأميركيين مندلعة منذ أكثر من شهر ونصف الشهر وأن ضحاياها الشيعية كانوا يسقطون بالعشرات يومياً وسط صمت شيعي عراقي وإيراني. والجدير بالذكر أن هذا الصمت اعتبر في بعض التقارير نتيجة "صفقة" أدت إلى مباركة مسبقة من إيران والمراجع والأحزاب الشيعية العراقية لحسم قضية مقتدى الصدر وطرده من العتبات المقدسة.
من لبنان إلى البحرين
وبالفعل أثارت التظاهرات المفاجئة لشيعة إيران في لبنان والبحرين وباكستان تساؤلات مثيرة عندما حصلت في وقت كان "أصحاب العلاقة المباشرة" أي شيعة العراق بمراجعهم الدينية والسياسية وعشائرهم ينددون بالسيد مقتدى الصدر وجماعته ويتظاهرون مطالبين بخروجهم من كربلاء والنجف والكوفة.
وهنا تكشف المصادر الأمنية أن تحولاً طرأ على الموقف الإيراني دفع بطهران إلى إعادة حساباتها على ضوء تحولات على الساحة العراقية أوحت باستبعادها أو بإسقاط استراتيجياتها وسحب الورقة العراقية الشيعية منها رغم حرص الإيرانيين على الإيحاء بتأييدهم لمرجعية السيستاني ولصفقة بيع مقتدى الصدر, وفي معلومات "الوطن العربي" أن الإيرانيين فوجئوا بتحول جذري في توجهات الإدارة الأمريكية في مرحلة نقل السلطة وخياراتها للحكومة العراقية الجديدة واعتبروا أن ما يجري منذ "حل قضية الفلوجة" يصب في خانة إعادة الاعتبار للسنة وبعض جماعات حزب البعث وبالتالي يهدد المشروع الإيراني للدفع في اتجاه تكريس الهيمنة الشيعية على الحكم الجديد في العراق أي يهدد كل الاستراتيجية الإيرانية للتحول إلى القوة الإقليمية الأكبر في المنطقة عبر تحويل الوجود الأميركي في العراق إلى ما يشبه "الرهينة" في أيدي المخططين الإيرانيين وإمساك إيران بورقة إخراج الأميركيين من العراق أو طريقة بقائهم فيه. وعلى ضوء ذلك, تؤكد المصادر أن آية الله علي خامنئي اتخذ قرار تحريك "الورقة الشيعية العربية والدولية" وتهديد الأميركيين والمنطقة بثورة شيعية تمتد من باكستان إلى البحرين ولبنان وإفهامهم أن امتلاك ورقة شيعة العراق لا تكفي وفي قناعة هذه المصادر أن طهران تعمدت أن تكون أكثر التظاهرات عدداً هي تظاهرة "حزب الله" في لبنان أكثر من 300 ألف وذلك في رسالة واضحة تذكر بقدرات هذا الحزب وتاريخه في الجهاد والمقاومة وبأنه مازال ورقة إيرانية نموذجية وجاهزة للدفاع عن العتبات المقدسة ومقاومة الاحتلال.
وإذا لم تكن الأجهزة الأمنية والجهات الدبلوماسية تشكك في استمرار قدرات طهران على تحريك "حزب الله" اللبناني إلا أنها تعاملت بجدية وقلق أكبر من تظاهرات البحرين ورصدت التحركات التي جرت على خط شيعة الكويت. والواقع أن أكثر من جهة غربية كانت ترصد منذ أشهر ما تصفه بأكبر عملية إعادة اختراق إيرانية لدول الخليج والمنطقة منذ مرحلة تصدير الثورة في الثمانينات, وحسب تقارير هذه الجهات أن الأشهر الأخيرة شهدت نشاطات إيرانية مثيرة للشبهات في أكثر من بلد عربي وإسلامي, وفي معلومات هذه المصادر أن المتشددين الإيرانيين المسيطرين على السلطة والأجهزة في إيران استغلوا اهتمام الأجهزة بخطة الاختراق الإيرانية للعراق عبر إرسال الآلاف من عناصر الحرس الثوري وقوات القدس ورجال الدين وعناصر استخباراتية أخرى وتكريس ميزانية تقدر بعشرات الملايين لاختراق كل التنظيمات الشيعية على الساحة العراقية بإشراف وحدة خاصة أنشأها مجلس الأمن القومي وتتبع مباشرة مكتب المرشد.
اختراق إيران لشيعة العالم
في موازاة ذلك, سجلت التقارير الأخيرة أن النظام الإيراني أعد ونفذ خطة اختراق لعدة دول عربية وإسلامية تعتبر نسخة طبق الأصل عن خطة تصدير الثورة. وفي هذه التقارير أن سفارات إيرانية كثيرة منها سفارات لبنان والكويت والبحرين "والعراق" قد جرى "تفعيلها" مؤخراً بسلسلة تعيينات ومناقلات, ولوحظ أن معظم "الدبلوماسيين" الجدد هم من ضباط الحرس الثوري وضباط الاستخبارات التابعين للمرشد بمن فيهم المشرفون على الملحقيات الثقافية التي تميزت بنشاط مكثف لا يتوافق مع الظروف الأمنية والسياسية التي تشهدها المنطقة.
وفي الأسبوع الماضي توقف المراقبون الذين كانوا يرصدون نشاطات وزير الخارجية الإيراني السابق علي أكبر ولاياتي بصفته مستشار المرشد للشؤون الخارجية ويعتبرونه وزير الخارجية الفعلي, توقفوا عند تطور آخر حصل في مكتب المرشد عندما تم تعيين الرئيس السابق للإذاعة والتلفزيون علي لاريجاني ممثلاً شخصياً لخامنئي في مجلس الأمن القومي وعضو المجلس الأعلى للثورة الثقافية والذي يتولى ما يمكن وصفه تفعيل تصدير الثورة والاتصال بالحركات والتنظيمات الخارجية.
وفي الإطار نفسه لاحظت بعض التقارير تزايد الوفود الإيرانية الدينية والاقتصادية, لعدد من الدول الخليجية ذات الأقلية الشيعية وبشكل خاص ارتفاع نسبة رجال الأعمال والسياح الإيرانيين الذين يقصدون دولاً مثل الكويت والبحرين والعراق ويسعون للاستقرار فيها وبعضهم يطلب جنسيتها.
ولفت تقرير أمني أوروبي وضع على خلفية تظاهرة البحرين أن تحركات المعارضة الشيعية البحرينية وتزايد الدعوات للتظاهر والنزول إلى الشارع تبدو مثيرة للشبهات, وخصوصاً في مرحلة تبدي فيها السلطات البحرينية استعداداً كبيراً للحوار وانفتاحاً على المطالب والإصلاحات وأشار التقرير إلى التناقض الصارخ بين انفتاح السلطة ولجوء المتظاهرين في كل مرة إلى إثارة أعمال شغب اعتبر أن أهدافها مثيرة للشبهات وتبدو معدة للاستفزاز وزعزعة الاستقرار وتمهيد الأجواء لاضطرابات أخطر وأكثر دموية. ولوحظ أن هذا التقرير الغربي ربط في شكل جلي بين المستجدات على الساحة العراقية وتحديداً الحسابات الإيرانية لما بعد العراق والظهور المفاجئ لمطالب وتحركات شيعية ذات أبعاد مذهبية لم تكن معروفة سابقاً لا في الكويت ولا في البحرين. واعتبر أن هذه التحركات تبدو معدة لتتجاوز أبعادها المحلية وتدخل في إطار استراتيجية إيرانية على مستوى شيعة المنطقة تهدف إلى استقطابهم لحساب فرض نفوذها وهيمنتها وتعزيز أوراقها في مواجهة الاحتلال الأميركي الذي يطوقها من أفغانستان والعراق أكثر من الدفاع الفعلي عن مصالحهم وحقوقهم.

حسابات طهران

وما حصل يوم الجمعة قبل الماضي جاء بخلفياته وأبعاده تأكيداً لحسابات إيرانية بحتة. فلم تكد الأجهزة المتابعة تنتهي من رصد مصدر "كلمة السر" للتظاهرات المفاجئة في لبنان والبحرين وباكستان وتنسبها لضباط الحرس الثوري في السفارات الإيرانية في هذه الدول حتى طرحت تساؤلاً مريباً آخر حول توقيت الحسابات الإيرانية للتهديد بتفجير "مقاومة شيعية عالمية" قبل ساعات فقط من التوصل إلى هدنة وحل لقضية الصدر والعتبات المقدسة!! فبين ظهر الجمعة تاريخ التظاهرات وصباح السبت كانت مدينة كربلاء قد أخليت من جيش المهدي واستعادت هدوءها في مقدمة واضحة للإعلان عن صفقة تسوية مع الأميركيين تنقذ العتبات المقدسة وتوحي لمقتدى الصدر بأن إيران التي سبق أن "باعته" هي التي نجحت في إنقاذه أخيراً من الاعتقال أو القتل أو الإلغاء النهائي لحساب جماعات شيعية أخرى وذلك بعدما تغيرت الحسابات الإيرانية في المعادلة العراقية الجديدة واضطرت طهران إلى التهديد بالورقة الشيعية الإقليمية و"حزب الله" لاستعادة أورقاها التفاوضية على خلفية دورها ونفوذها في عراق ما بعد 30 يونيو "حزيران".
والواقع أن شهر يونيو "حزيران" كان قد شكل موعداً حاسماً لإيران في شكل مزدوج أولاً لكون يونيو "حزيران" هو موعد الحسم مع قضية البرنامج النووي والرقابة الدولية وثانياً في شقه العراقي, حيث يقال إن خامنئي استشاط غضباً عندما بلغه خبر اجتماع الحاكم الأميركي بول بريمر مع أكثر من ثلاثين من ضباط صدام حسين في قاعدة الحبانية و"الحل البعثي" لقضية الفلوجة وما تبعه من تسريبات عن إعادة الاعتبار لبعثيين سابقين وآلاف من عناصر الجيش العراقي السابق.
وفي هذا الوقت كانت التقارير الإيرانية تحذر من مخاطر اللعب بين التيارات الشيعية العراقية وصل إلى خط أحمر ينذر بحرب شيعية – شيعية. وهي الورقة التي هدد بها مقتدى الصدر في الأيام الأخيرة عندما نسب إلى جماعته إطلاق رصاصة على قبة ضريح الإمام علي وإطلاق النار على مكتب السيستاني وعلى منزل المرجع الشيعي بشير النجفي. وتفيد معلومات "الوطن العربي" أن هذه التطورات قادت بـ "آية الله السيستاني" إلى التهديد بإصدار فتوى تكفيرية ضد مقتدى الصدر, وتخوين جماعته مما سرّع في عملية الهدنة, أما إيران فوجدت فجأة أن مشروع استراتيجية الإمبراطورية من باكستان إلى لبنان بات مهدداً في شقه العراقي علماً أنها بنت هذه الاستراتيجية – حسب بعض التقارير- على قناعة بتوافق مشروعها هذا مع مشروع المحافظين الجدد وصقور البيت الأبيض والبنتاغون الذين بنوا خطة تدمير العراق على أساس جعله مستقبلاً خط فصل وتقسيم ليس فقط على مستوى العراق, بل على مستوى دول المنطقة الإسلامية وجاءت عملية إلغاء أحمد الجلبي حليف إيران واللوبي الليكودي المتشدد الأميركي لتوجه حسب العارفين ضربة أخرى للمشروع الإيراني وتدفع طهران إلى إعادة النظر باستراتيجيتها وحساباتها والتهديد باستخدام ورقة "شيعة العالم" وفي معلومات الخبراء أن التهديد الإيراني الأول من نوعه لم يكن سوى "بروفة" ورسالة للأميركيين لكنهم يؤكدون أنه لن يكون التهديد الأخير من الآن وحتى الانتخابات الرئاسية الأميركية ولعل خطورته في أن جماعة المرشد خامنئي كشفت أن صراعها مع الأميركيين حول العراق لم يعد يقتصر على الساحة العراقية ولا الإيرانية.

الكاتب \ سعيد القيسي - لندن
المصدر :-
الوطن العربي – العدد 1422 4/6/2004

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق