الاثنين، 25 أبريل 2011

ثورة... "دوت كوم"

السياسة الكويتية 7-جمادى الأولى-1431هـ / 21-أبريل-2010م

ساهمت ثورة الاتصالات التكنولوجية إلى حد بعيد في ترجيح ميزان القوى لصالح الشعوب على حساب الأنظمة.

هل يمكن اعتبار الانترنت وسيلة الحركات الثورية الأولى في عصرنا الحالي? في الحقيقة ونتيجة لما شاهدناه في إيران قبل وخلال اندلاع ما سمي بالثورة الخضراء, يمكن اعتبار الانترنت زائد وسائل الاتصال الأخرى كالهواتف النقالة, أدوات فائقة الأهمية في دعم الستراتيجية الإعلامية للحركات الثورية. بل وأكثر من ذلك, يمكن القول بأنها وسائل دخلت قاموس الأدوات "الثورية" من الباب العريض. ليس فقط من ناحية قدرتها على قلب المعايير الإعلامية التقليدية المعتمدة, لكن أيضاً من ناحية تخطيها النوعي لوسائل التواصل الكلاسيكية, التي باتت فعاليتها مقارنة بهذه الأدوات التكنولوجية الحديثة باهتة وكأنها عائدة للتاريخ القديم.

على وجه العموم ومنذ أن طرد بن لادن ومجموعته من قواعدهم في أفغانستان, وانتشارهم عبر العالم وتركيزهم على استعمال الانترنت كطريقة للتواصل فيما بينهم وبين مناصريهم وبينهم وبين باقي العالم, وصولاً إلى تركيز فريق الرئيس الأميركي الإعلامي باراك أوباما على استعماله خلال حملة هذا الأخير الانتخابية, وشبكة الانترنت تلقى رواجاً متزايداً في الحقل السياسي.

وصولاً إلى بعض النظريات التي تقول بأن تكنولوجيا الاتصالات تفوقت خلال ثلاثة العقود الماضية على الوسائل التقليدية الورقية أو المرئية والمسموعة, أولاً بسبب عامل السرعة الذي تؤمنه لانتشار المعلومة وهي لا تزال طرية ومن مصادرها مباشرة, وثانياً بسبب انتفاء حاجة المرور بوسيط إعلامي غالبا ما يساهم في صياغة الخبر بشكل يخدم سياسة المؤسسة التي يعمل فيها أو يراعي ميول أو توجهات الحزب الذي ينتمي إليه.

وبما أن توفير انتشار المعلومة بواسطة الإعلام الالكتروني يتم عادة خارج إطار مؤسسات الدولة ومراقبتها, فالأنظمة الديكتاتورية والمتشددة تجهد في محاربته, وبشكل مركز وشرس قد يفوق في بعض الأحيان حملات الملاحقة التي طاولت في أوقات سابقة الإعلام الورقي أو المرئي والمسموع.

ولبلوغ هذا الهدف تتعمد هذه الأنظمة التدخل التخريبي على شبكات الاتصالات من أجل إحداث التباطؤ والتشويش على نظامها الالكتروني, لإعاقة فعاليتها ولشل قابليتها للتواصل السريع في نقل الخبر. يبقى أن التدخل يقف عند هذا الحد وكل ما بوسع السلطات الأمنية فعله هو هذا الإبطاء, نظراً لصعوبة ضبط كل تشعبات الشبكة, ولقابلية الشبكة على التفلت بطرق مختلفة من المراقبة الاستخباراتية. ناهيك بأنه وفي خضم الحشد الهائل للمعلومات على الشبكة وتداخلها, لا تستطيع الجهات المولجة عملية المراقبة والضبط صوغ خارطة واضحة للشبكات الاحتجاجية, وللتحركات الثورية, تؤدي حكماً للوصول إلى الرأس المدبر. وهذا الغموض الذي تؤمنه الشبكة الالكترونية يبقى أهم ميزة لوسيلة استعمال الانترنت.

وحالياً في إيران ومنذ بدء حركة الاحتجاجات على إعادة انتخاب الرئيس محمود أحمدي نجاد في يونيو, تبين أن وسائل الاتصالات الحديثة على أنواعها كالانترنت والرسائل القصيرة "sms" باتت جداً فعالة في نسج شبكة تواصل داخل صفوف التيارات المعارضة, لا يستغنى عنها في مجال إيصال المعلومات والصور حول العالم بشكل أسرع وأصدق وأكثر شفافية من الطرق التقليدية. وهي وسائل ضرورية نظراً لما تعمد إليه السلطة من ممارسات قمعية وتشدد في التعامل مع الصحافيين بشكل عام والأجانب بشكل خاص.

ولقد تبين أن السلطات الأمنية الإيرانية كانت عاجزة عن ضبط وإيقاف سيل الرسائل القصيرة أو وقف تدفق المعلومات والصور والأفلام الحية عبر تويتر ويوتيوب وغيرها من مدونات الانترنت والهواتف النقالة مع كل نزول للحركة الخضراء إلى أرض الشارع. وليس مدهشاً أن تلعب تكنولوجيا المعلومات هذا الدور في إيران اليوم, فخلال العقد الماضي تنامت نسبة استخدام الانترنت فيها أكثر من أي بلد شرق أوسطي آخر. ووفقاً لتقديرات الاتحاد الدولي للاتصالات السلكية واللاسلكية لعام 2008 يستخدم نحو 32% من الإيرانيين شبكة المعلومات الدولية ويشترك 59% تقريباً منهم في خدمات الهاتف المحمول. وثمة من يرد ذلك لتفوق عدد الشباب في تكوين الشعب الإيراني, وبالتالي انجذاب هذه الشريحة الشبابية أكثر من سواها للاندماج بالفورة التكنولوجية الحديثة. وما تجدر الإشارة إليه هو أهمية ما ينتج عن دمج هذا الانجذاب الشبابي لهذه الوسيلة الحديثة في التواصل, مع نزعة الشباب الفطرية والطبيعية للثورة والتغيير, وبحثهم الدائم عن أي وسيلة ممكنة ومتوفرة تخدم هذه الأهداف.

لا تستسيغ الأنظمة الشمولية عادة استعمال هذه الوسائل الحديثة, اللهم سوى مضطرة. وإن توسلتها فهي تستعملها بدافع الحاجة للتصدي للتحركات الثورية, أو لمواكبة رياح التغيير العاصفة عبر العالم في هذا المجال. من هنا يمكن القول بأن ثورة الاتصالات التكنولوجية ساهمت إلى حد بعيد في ترجيح ميزان القوى لصالح الشعوب وهيئات المجتمع المدني على حساب الأنظمة القائمة أياً كان شكلها, أو إيديولوجيتها أو فلسفة نظامها. لقد زعزع الانترنت مركزية وبيروقراطية الدولة من خلال تبديده لواقع احتكار المعلومات من قبل الدولة الأمنية, أو في أحسن الأحوال لواقع ضبط هذه المعلومة من قبل السلطة ومراقبتها لها.

وبشكل عام لا بد من الإشارة إلى واقع تنامي دور الانترنت, ليس فقط في نسج الشبكات الثورية بل وأيضاً في تسليطها الضوء على معاناة وعذابات الشعوب عبر العالم, إذ برهنت عن مدى قدرتها في إظهار وإبراز مواقف المتعاطفين مع القضايا الإنسانية, النابعة فقط من مبدأ مناصرة الإنسان لأخيه الإنسان. وعلى سبيل المثال نذكر أنه وخلال العام 2001, وقع ما يقارب المئة ألف شخص من مختلف أصقاع العالم ومن مختلف الأديان, وخلال أيام معدودة بواسطة الانترنت على مدونة رفعت للأمم المتحدة تطالب بمحاكمة "أرييل شارون" على جرائم الحرب التي ارتكبها العام 1982 إبان الغزو الإسرائيلي لبيروت.

"الديمقراطية عبر الانترنت". ربما استعملت مستقبلاً الانترنت للتوعية من أجل تحقيق هذا الهدف السامي, كونها الوسيلة التي تغطي وتنشر مواقف وآراء أكثرية الناس, وكونها غير مكلفة وبمتناول الغني كما الفقير.

ورغم بعض الأوجه السلبية لبعض استعمالاتها, تظل هذه الثورة التكنولوجية على الصعيد الإعلامي من أهم الوسائل الداعمة لقوى الشعب المستنيرة الهادفة للانفتاح على العالم المتحضر, والقابلة للتفاعل الإيجابي مع القوى الخيرة والديمقراطية في مختلف أنحاء العالم.



كاتبة / مهى عون

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق