الثلاثاء، 26 أبريل 2011

خلايا إيرانية لم تعد نائمة

ينظر إلى التجسس بفروعه المختلفة على أنه واحد من بين أهم الوسائل التي تتسلل فيها الدول عبر وسائل خفية للوصول إلى مركز التفكير والتخطيط الاستراتيجي لدولة أو دول أخرى ، هذا في جانبه الفني أو كما تنظر إليه المؤسسات المعنية المتخصصة بهذا النوع من النشاط ، أما النظرة الأخلاقية العامة إلى التجسس في جانبيه السلبي والإيجابي ، فنظرة احتقار واشمئزاز لأنه سطو منظم ودون استئذان على خصوصيات الآخرين وأسرارهم واختراق للجانب الآخر ومعرفة خططه وكيف يفكر ، وهذا ما يترك البلد الضحية مكشوفا أمام الغير ، وقوانين الدول تجمع على تجريم التجسس وإيقاع العقوبات القاسية على الجواسيس الذين عادة ما يحملون جنسية البلد الذي قام بتجنيدهم في الخارج ، وتكون العقوبة أشد على من يتعامل معهم من المواطنين والذين يمكن أن يتعرضوا لعقوبة الإعدام وهؤلاء لا يعتبرون جواسيس بل عملاء لبلد أجنبي ، وحتى الدول التي لديها أكبر عدد من الجواسيس في العالم وهي الولايات المتحدة تفرض مثل هذه العقوبات على من تكتشف أنه يتجسس عليها من رعاياها فتصدر بحقهم أحكاما مختلفة يمكن أن تصل إلى حد الإعدام ، أو بأحكام ثقيلة على الأجانب في حال كون هؤلاء لا يحملون الحصانة الدبلوماسية .
وقد أكدت التجارب السابقة لشبكات التجسس التي تم الكشف عنها منذ عقد الخمسينات من القرن الماضي أنه لا يشترط وجود حالة عداء بين البلد الذي يمارس التجسس والبلد الضحية له ولا حتى حالة من التأزم في العلاقة بينهما وإن كان العداء يعد من العوامل المساعدة على تكثيف عمليات التجسس ، ولكن التجسس عادة ما يأخذ طابعا نشطا وقويا بين الدول الكبرى والتي تمتلك ترسانة حربية كبيرة وبينهما تنافس حاد على أدوار الزعامة والهيمنة العالمية وتوسيع مناطق النفوذ والمصالح الاقتصادية ، وبالتالي فكل منهما تسعى للإطاحة بما تمتلكه القوة الأخرى من أدوات ولوضع الخطط الكفيلة بتقليص الفجوة في القدرة العسكرية والخطط الموضوعة لتحريك القوات .
فلماذا تنشط الدول في زرع شبكات التجسس في الدول الأخرى بحيث يمكن أن تعرض حياة مواطنيها لأخطار فادحة ؟ وهل تمعنت الدولة التي أقدمت على هذه الخطوة أنها يمكن أن تعرض علاقاتها ومصالحها مع الدولة أو الدول التي قررت التجسس عليها لخطر التعثر والتوتر ؟
والتجسس على أنواع شتى ولكن أهمه التجسس الأمني أي الذي يرتبط بعنصر القوة العسكرية والخطط التي يعتمدها المقابل والنوعيات الحديثة من الأسلحة وكمياتها وسير التدريب والقدرة على استيعاب الأسلحة الجديدة من جانب الجيش في البلد ، لكن هذا الجانب بدأ يفقد الكثير من أهميته بسبب إلغاء السرية في صفقات السلاح في العالم ، وبرز عنصر مهم جدا للتجسس وهو التجسس العلمي ويهدف هذا النوع من التجسس إلى معرفة آخر الحلقات والمكتشفات العلمية والاختراعات والبحوث التي تتم وراء جدران مغلقة في البلدان التي تمتلك تطورا تكنولوجيا عاليا إذ يحرص كل منها على أن يبقى في المقدمة سواء بمراقبة جهود الآخرين أو بوضع الرقابة الصارمة على مبتكراته وإنجازاته العلمية ، ويمكن أن تذهب إلى هذا الخيار أيضا الدول المتخلفة في مجال التقنيات الحديثة نتيجة القيود المفروضة على توطين التكنولوجيا من قبل الدول الأكثر تطورا في العالم على الدول المتخلفة فيه ، فتحاول السطو على جهود غيرها لتقليص الانفاق على برامج البحث العلمي ، وهناك أيضا التجسس الاقتصادي والسياسي .
حسنا هذه دوافع التجسس وأسبابه ، فهل ينطبق شرط واحد منها على الكويت لكي تتجسس عليها إيران ؟
ما نعرفه مؤكدا بأن الكويت ليست قوة عسكرية كبيرة ولا تمتلك أسلحة متطورة تشكل خطرا على دول المنطقة ويمكن أن تغري إيران بالتجسس عليها حماية لنفسها من نوايا كويتية عدوانية أو توسعية تجاه إيران بشكل خاص ، والكويت كما هو معروف عنها لا تمتلك مختبرات للبحث العلمي يمكن أن تدفع أي بلد بما فيها إيران لدس شبكات تجسس عليها لمعرفة أين وصلت بحوثها العلمية وقدرتها على تحويلها إلى مجال التطبيقات الميدانية ، وينبغي ألا يفهم هذا على أنه محاولة لإصدار حكم بالبراءة على دور إيران في الكويت وسائر دول الخليج العربي ، بل هي محاولة لإعادة توصيف ما تبذله إيران من مساع مستميتة للتوسع في نفوذها في الدول العربية كمرحلة أولى لتحويل النفوذ من هيئته العاطفية السائبة إلى صيغة سياسية مؤطرة بقواعد قانونية تستند على موروث قديم تتداوله مراكز القوى على صورة أفكار مبهمة من أجل التعتيم المقصود على الهدف النهائي لإيران الكبرى التي تمتد من أفغانستان إلى فلسطين كما عبر عن ذلك أحد المراجع الدينيين الإيرانيين وهو باقر خرازي ، وهو بالتأكيد كان يريد توجيه رسائل تطمين مرحلية لما بعد فلسطين غربا من دول إسلامية ولما بعد أفغانستان شرقا من دول إسلامية أخرى إلى أن تتحقق المرحلة الأولى من دولة ولاية الفقيه ثم لتوظف طاقات هذا الوسط الكبير من حيث الثروات والسكان والموقع الجغرافي في تنفيذ صفحات التوسع الأخرى .
إيران تستند على أساطير لا تختلف كثيرا عما تستند عليه الحركة الصهيونية بشأن حدود ( دولة إسرائيل ) فالخميني كان يجادل بحق إيران بضم العراق بوجود إيوان كسرى في المدائن دليلا على الحدود المادية للإمبراطورية الفارسية ، وبالتالي لتنطلق حدود المجال الحيوي إلى ما وراء ذلك بكثير ، ولأن الإعلان عن كل الأطماع دفعة واحدة يمكن أن يترك ردود فعل مضادة وقوية قبل استكمال استعداداتها لمواجهة الآثار المادية لها ، فقد اتفقت المؤسستان الدينية والحكومية في طهران وقم على تبادل الأدوار بينهما ، بحيث يتم طرح بعض الأفكار من قبل معممين من قلب المؤسسة الحاكمة في إيران ثم تتولى وزارة الخارجية الإعلان عن أن تلك المواقف لا تعبر عن حقيقة الموقف الرسمي الإيراني ، وتتلقف تلك التصريحات الأوساط الرسمية العربية وخاصة في منطقة الخليج العربي بكثير من النشوة الفارغة ، على الرغم من أنها تعي جيدا حجم الغاطس من النوايا الإيرانية ولكنها تتصرف كما ينسب للنعامة حينما تدفن رأسها في الرمل ، وتبيت على أمل أن تنزع إيران سلاح النوايا الشريرة وترتدي لباس الوداعة وتتعامل معها دولة إلى دولة على قدم المساواة ، ولكنها تتجاهل أن تاريخ إيران مترابط في العمل على تحقيق قفزات جغرافية لتحدث تغييرات سياسية ، وما حصل مع دولة الإمارات العربية واحتلال جزرها الثلاث طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى وتجاهل منطق الاستجداء العربي لانسحابها من هذه الجزر وخاصة بعد هذه السنين الطويلة منذ احتلالها وتكرار البيانات الرسمية التي تصدر على استحياء ولم تستطع حشد قوة مادية لطرد إيران منها ، لهو الدليل القاطع على أن إيران لا يمكن أن تفهم غير منطق القوة التي تعيدها إلى حجمها الحقيقي ، وما جرى في البحرين مؤخرا هو الآخر يعد دليلا قاطعا على منطق الوصاية التي تريد طهران فرضه على دول مجلس التعاون الخليجي والتي هبت لتقديم النجدة للبحرين لمواجهة مؤامرة إيرانية تريد ضم هذا البلد العربي الذي ظل يحتل أعلى صوت في إعلان الأطماع الإيرانية فيه ومن مختلف المسؤولين في المرجعيات الدينية والحكومة ، فالكل يؤكد أن البحرين هي المحافظة 14 في إيران ، وحينما نفذ أعضاء مجلس التعاون الخليجي التزاماتهم على وفق اتفاقيات تأسيس المجلس وأرسل قطعات عسكرية لحماية البحرين من أطماع خرجت من جوف الأقبية المظلمة إلى ميدان اللؤلؤة استشاطت إيران غضبا واعتبرت ذلك احتلال أجنبيا ، ولا تنظر طهران إلى مواقفها على أنها مجرد ضجة يراد منها تمهيد الأرضية لاحتلال بلد عربي آخر وليكون رأس جسر جديد لها تقفز منه على بقية الأجزاء ، حتى يحقق الولي الفقيه حلم أبي الشاه السابق رضا بهلوي الذي جاء في وصيته لولده محمد رضا حينما قال له بأن واجبه هو تطهير الضفة الغربية للخليج العربي من العرب ليكون بحيرة فارسية خالصة .
ما يحصل الآن في الخليج العربي من جهود إيرانية لإسقاطه في أحضان الولي الفقيه ، ما كان ليتم وبهذه الصورة المفزعة لولا احتلال العراق الذي أزاح من طريق إيران جدارا كان شاهقا وحصينا وقادرا على كسر الرياح الصفراء عند الحدود الشرقية للوطن العربي ، ولكن الاحتلال الذي ما كان له أن يحصل لولا دور بعض دول الخليج العربي نفسها التي تئن من وقع المارشات العسكرية الإيرانية ، أضعف العرب جميعا فكان العرب كمن طعن نفسه وقطع ذراعه ونزع سلاحه وبالتالي ليعيش تحت هاجس الخطر القادم من الجانب الآخر من الخليج الذي كان ذات يوم عربيا أيضا .
إن الكويت التي أعلنت أنها اكتشفت مؤخرا شبكة إيرانية للتجسس تبقى أرضا عربية ومهما كانت مواقفها مثيرة للمواجع في الجسد والضمير العراقيين ، وهي شأنها شأن البحرين والإمارات العربية جديرة بأن نقف معها ولا نسأل عن ألم الجرح القديم نقف معها بلا حدود ولا تحفظ ضد الأطماع الإيرانية بكل قوة ووضوح ويجب على جميع دول الخليج العربي أن ترفع صوتها عاليا بوجه كل الاصطفافات الحاقدة التي تريد نزع هويتها وعروبتها ، فالإيرانيون لا يفهمون منطق استجداء الرضا ، وحرب الثماني سنوات هي الدرس الوحيد الذي سيبقى مفهوما عندهم دون عسر دون مترجم ، على الرغم من اختلاف اللغة .

الكاتب / نزار السامرائي

(كاتب عراقي)

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق