الخميس، 28 أبريل 2011

ايران وسيناريو لأمتلاك السلاح النووي


عندما قامت باكستان في 18 مايو 1998 بالإعلان عن إجراء ثلاث تفجيرات نووية على سبيل التجربة ردا على تفجيرين نوويين للهند سبق ذلك بأيام، لم يشكل ذلك مفاجأة للعالم الذي كان يدرك أن باكستان في طريقها فعلا لامتلاك سلاح نووي بعد أن امتلكت جميع مقومات هذا البرنامج، ومنذ بدأت مشوارها الطويل للحصول على سلاح نووي عقب أول تفجير نووي هندي عام 1974، وحينها أعلن رئيس وزراء باكستان الراحل والفقار علي بوتو مقولته الشهيرة "سنأكل العشب ونحصل على القنبلة النووية" وبالفعل -وعلى أساس هذا القرار السياسي- تم وضع خطة البرنامج النووي الباكستاني، والثاني أشرف عليه العالم النووي عبد القدير خان، كان مفاعل كاجوتا النووي هو جوهر هذا البرنامج، وبواسطته، وباستخدام تقنية تخصيب اليورانيوم بواسطة أجهزة الطرد المركزي، أمكن لباكستان خلال خمسة عشر عاما أن تنتج كمية من اليورانيوم المخصب تُجري بها خمس تجارب نووية مختلفة القدرات تحت الأرض، بل وتصل إلى تقنين تحميل صواريخها البالستية من طراز شاهين، برؤوس نووية، وتحقق بالتالي الردع النووي المضاد في مواجهة الترسانة النووية الهندية، حيث تملك الهند 60 رأس نووية في مقابل 40 رأس نووية تملكها باكستان وطوال الخمسة عشر عاما التي قضتهم فإن في بناء برنامجها النووي، حافظت على سرية برنامجها النووي في شقه العسكري، وأعلنت أن أهداف هذا البرنامج سلمية بحتة ولا تسعى لامتلاك سلاح نووي، حتى فاجأت العالم بتجاربها النووية، وفرضت عليه الواقع النووي.
واليوم نرى إيران تسير في الأغلب على النهج الباكستاني، وإن كان بوتيرة أسرع من باكستان لتعوض ثماني سنوات ضاعت عليها أثناء الحرب العراقية - الإيرانية، التي أجهدت إيران كثيرًا سياسيًا واقتصاديا وعسكريا، وإن استخلصت من هذه الحرب دروسا إستراتيجية مهمة، أبرزها حتمية امتلاك السلاح النووي ووسائل إيصال، وبما يمكنها من ردع أعدائها على المستويين الإقليمي والدولي، فهي من الناحية الرسمية تنفي أي نوايا لحلها لامتلاك سلاح نووي لأن ذلك -طبقا لتصريحات قادة إيران السياسية والعسكرية- يتعارض مع عقيدتها الدينية، وأن برنامجها النووي ذو أهداف سلمية بحتة، وأن من حقها طبقا لاتفاقية الحد من الانتشار النووي أن تمتلك تقنية نووية للأغراض السلمية لكن كثافة البرنامج النووي الإيراني من حيث منشآته، وحجم ما تشغله وتنتجه من أجهزة طرد مركزي، وتحركها في اتجاهين كلاهما يؤدي إلى امتلاك سلاح نووي: الأول وهو تخصيب اليورانيوم 235، والثاني فصل البلوكينوم 239، وما كشفت عنه الوكالة الدولية للطاقة النووية عن جوانب سرية في البرنامج النووي الإيراني وتصميمات أسلحة نووية، وربط ذلك بالأهداف والغايات القومية والإستراتيجية الإيرانية، وممارسات إيران على الساحتين الإقليمية والدولية، أعطى قناعة للرأي العام العالمي بأن إيران في طريقها لتصبح قوة نووية إقليمية، وأن لدى زعمائها وقادتها تصميم وإصرار على تحقيق هذا الهدف، مهما كلفها ذلك من أعباء، وما فرضه المجتمع الدولي عليها من عقوبات سياسية واقتصادية.. قد تصل إلى حد تعرضها لحرب مدمرة. وأنه لن يطول الزمن حتى تفاجئ إيران العالم بما سبق أن فاجأت به باكستان العالم، بالإعلان عن حيازتها سلاح نووي.
الغايات والأهداف القومية العليا لإيران:
مثل الغاية والهدف القومي الأعلى لإيران في بسط هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط وبعض بلدان آسيا الوسطي وجنوب آسيا، خاصة المتاخمة لها، سياسيا وأمنيا واقتصاديا وأيديولوجيا، انطلاقا من مفهوم عقائدي بأنها قوة إقليمية عظمى مؤهلة حضاريا بقيادة دول المنطقة، وذلك بحكم ما تملكه من قدرات جيوبوليتيكة ضخمة (سكان 75 مليون نسمة، مساحة 1.6 كم2، ثروة نفطية فور عائدات 20 مليار دولار سنويا، حضارة فارسية قديمة).
وكان هذا الهدف واضحا إبان حكم الشاة، وإن كان البعد العرقي الفارسي آنذاك متحكما في السلوك الإيراني أكثر من البعد الديني الشيعي، ولكن بعد الثورة الإيرانية عام 1979 تحكم العبد الديني المذهبي الشيعي) في بلورة هذا الهدف، إلى جانب البعد العرقي الفارسي، وهو ما تمثل في هدف تصدير الثورة الإيرانية إلى الدول العربية والإسلامية الأخرى غداة انتصار الثورة، وما ترتب على ذلك من نشوب حرب الثماني سنوات بين إيران والعراق، والتي خلالها تعطل هدف تصدير الثورة، حيث انشغل نظام الحكم في طهران بمواجهة الصراع المسلح الذي فرضه عليه نظام حكم صدام حسين في العراق.
ولكن بعد أن أعادت إيران بناء قواها العسكرية التقليدية وفوق التقليدية، وبسيطرة المتشددين على نظام الحكم في طهران، وعلى رأسهم أحمدي نجاد، بعد سيطرتهم على آليات صنع القرار في إيران وأبرزها مجلس الشورى، أعادت إيران صياغة غاياتها وأهدافها القومية، ورسمت استراتيجيها لتحقيق هذه الأهداف، مستفيدة من المتغيرات السياسية التي وقعت في البيئتين الإقليمية والدولية، خاصة التورط الأمريكي العسكري في أفغانستان والعراق، بروز حزب الله كقوة سياسية وعسكرية طاغية في لبنان، وسيطرة حركة حماس على قطاع غزة، فقدمت إيران نفسها على الساحة الإسلامية -بشقيها السني والشيعي- باعتبارها الدولة الإسلامية الوحيدة المدافعة عن القضية الفلسطينية والمقدسات الإسلامية في وجه الاعتداءات الإسرائيلية والأمريكية، بينما تقاعست الدول الإسلامية الأخرى عن هذا الواجب، وحافظت على علاقات طبيعية مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل.
السياسة الإيرانية لتنفيذ غاياتها وأهدافها القومية.
تشديد قبضة النظام الديني الحاكم في الداخل، والقضاء على قوى المعارضة الداخلية المتمثلة في الإصلاحيين والمعارضين داخل طبقات المثقفين والطلبة، والقوى الانفصالية العرقية والطائفية في محافظات إيران الحدودية.
1- دعم وتقوية نفوذ جماهير الشيعة في البلدان العربية والإسلامية ومساعدتهم في الوصول إلى الحكم، بدءا ببلدان الخليج العربية ولبنان (وهو ما نراه دعم حزب الله في لبنان، وأحزاب الله الخليجية) ثم في باكستان.
2- تبني القضية الفلسطينية، ودعم حركة حماس في غزة باعتبارها نواة دولة إسلامية في فلسطين.
3- دعم الأحزاب أو الحركات السياسية المعارضة السنية في الدول العربية والإسلامية، خصوصا ذات التوجه  الإسلامي الأصولي (مثل الإخوان المسلمين، وحركة طالبان، والمنظمات الفلسطينية المتشددة وعلى رأسها حماس).
4- التعاون مع التنظيمات الإرهابية العالمية -وأبرزها القاعدة- بهدف ضرب المصالح الأمريكية، والدول المتعاونة مع الولايات المتحدة على الساحتين الإقليمية والدولية، إلى جانب القوى اليسارية في العالم ( كوبا وفنزويلا).
5- بناء شراكة إستراتيجية قوية مع سوريا في الشرق العربي، باعتبار تقارب المذهب الشيعي مع المذهب العلوي الحاكم في سوريا، وما تعانيه الدولتان من عزلة إقليمية، وتهديد إسرائيلي لكل من إيران وسوريا.
6- بناء مصالح اقتصادية مشتركة مع روسيا والصين ودول الاتحاد الأوروبي لمساندة إيران سياسيا وعسكريا في صراعها ضد الولايات المتحدة.
إستراتيجية العسكرية الإيرانية لتحقيق الأهداف القومية والإستراتيجية.
رسمت إيران لنفسها إستراتيجية عسكرية الأبعاد لتحقيق أهدافها وغاياتها القومية، وحددت لنفسها هدفا استراتيجيا يتمثل في الآتي: "حماية وجود إيران ونظام حكمها الديني وجهودها من أجل توسيع نفوذها في منطقة الخليج ودائرة مجالها الحيوي في منطقة وسط وغرب وجنوب آسيا، وتأمين بناء قدراتها الذاتية في جميع المجالات، وحماية تحالفاتها السياسية والإستراتيجية الخارجية، ومنع أعدائها من خلق مواقف تهدد الأمن الإيراني في الداخل والخارج، والعمل على إجهاضها مبكرا، ومع امتلاك قوة ردع عسكرية تقليدية وفوق تقليدية خاصة في البر والبحر ذات مصداقية عالية تكفل ردع أعداء إيران عن التعدي عليها، مع الاستعداد لشن ضربات وقائية استباقية داخل وخارج إيران تقضي على مصادر التهديد قبل وقوعه".
وقد حددت إيران لنفسها دائرة مجال حيوي تمتد من الهند وباكستان شرقا إلى المغرب غربا، ومن بلدان آسيا الوسطي وتركيا وحدود روسيا شمالا، إلى المحيط الهندي، وباب المندب جنوب البحر الأحمر ووسط أفريقيا جنوبا.
تحددت معالم الإستراتيجية العسكرية الإيرانية في الآتي:
1- التوسع الكمي في بناء التشكيلات المسلحة النظامية، وتسليحها بأحدث أسلحة ومعدات روسية الصنع (25 فرقة مشاة ومدرعة وميكانيكية وقوات خاصة).
2- بناء قوة الحرس الثوري لحماية النظام الحكام، موازي للقوة النظامية وله أفرع برية وبحرية ونفوذ أمني وسياسي قوي داخل وخارج إيران ومسئول عن  المشروعات الإستراتيجية والأمنية لإيران (البرنامج النووي، الدفاع الجوي، أنشطة إيران المسلحة الخارجية في بنان وغزة والخليج.. إلخ)، تبلغ قوته 200 ألف فرد، موزعين ين وحدات برية (20 فرقة)، ووحدات بحرية لديها أكثر من 150 لنش مسلح، ولنشات سريعة انتحارية، بالإضافة إلى 10.000 من عملاء فيلق القدس متواجدين في الدول العربية والإسلامية يشكلون خلايا نائمة.. وجميع أفراد الحرس الثوري من المؤهلين أيديولوجيا للدفاع عن الثورة الإيرانية وتحقيق أهدافها في الموت في سبيل ذلك.
3- بناء احتياطي قوي من شباب متطوعي  (الباسيج) صغار السن، والمؤهلين عقائديا لتنفيذ مهام قتالية داخل وخارج إيران دفاعا عن الثورة الإيرانية وتحقيق أهدافها، وعلى استعداد لتنفيذ مهام انتحارية عند اللزوم، ويبلغ تعدادهم عند استكمال التعبئة حوالي 4 مليون فرد.
4- التوسع الأفقي في القوات المسلحة النظامية والشبه عسكرية، لتعريض التخلف النوعي والكيفي الذي تعاقبه إيران في مواجهة كل من القوات الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، مع استغلال المنظمات والميليشيات التابعة لإيران في الدول العربية لتهديد المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة (حزب الله، حماس، طالبان.. إلخ).
5- الارتقاء بالبعد النوعي في مستوى الكفاءة القتالية بالحصول على أنظمة تسلح دفاعية ذات تقنية عالية من دول كبرى مثل روسيا والصين وكوريا الشمالية، مثل الصواريخ المضادة للصواريخ والطائرات والسفن والدبابات) لتحييد عناصر القوة الهجومية لدى أعداء إيران -خاصة في المجال الجوي- مع تطوير أنظمة القيادة والسيطرة.
والاتصال والاستخبارات، وتحسين قدرات ماليها من طائرات أمريكية (F-14 , F-5 , F-4) من أيام الشاه بتحديثها.
6- تعزيز إستراتيجية الردع بإدخال السلاح النووي فيها إلى جانب السلاحين الكيماوي والبيولوجي، ووسائل إيصالهم الصاروخية والجوية لمسافات تغطي دائرة المجال الحيوي الإيراني، والاعتماد على الصواريخ البالستية (عائلة شهاب) كسلاح ردع استراتيجي يعوض تخلف قواتها الجوية في مواجهة تفوق القوات الجوية  الأمريكية والإسرائيلية.
7- تحقيق اكتفاء ذاتي من الأسلحة والذخائر والمعدات العسكرية، من خلال بناء قاعدة صناعية عسكرية وطنية تغنيها عن الاعتماد على الخارج، خصوصا في حالات الخطر والحصار.
8- نشر الأهداف الإستراتيجية والعسكرية على كل مساحة إيران، وتحصينها وتعزيز الدفاع الجوي والبرى عنها، ربما يصعب قصفها وتدميرها بأعمال قتال جوية برية ومعادية.
9- الاستعداد لإدارة حرب دفاعية طويلة -داخلة إيران وفي دائرة مجالها الحيوي تستهدف استنزاف قدرات وقوى الولايات المتحدة في المنطقة، وبما يجبرها على التفاوض مع إيران طبقا لشروط الأخيرة.
السياسة الإيرانية في إدارة الأزمة النووية
لا يختلف أسلوب النظام الإيراني الحاكم في إدارة الأزمة النووية عن الأسلوب الذي اشتهر به تاجر البازار في إدارة صفقاته حتى يحصل على أفضل شروط له، وأيضا صانع السجاد الإيراني الذي يصبر سنوات في صناعة السجادة الواحدة حتى يخرجها  على النحو الذي يريده. وفي هذا الإطار يمكن رصد الملامح الآتية السياسة الإيرانية في إدارة الأزمة النووية:
1- الإصرار سياسيا وإعلاميا على أن البرنامج النووي الإيراني ذو أهداف سلمية بحتة، وليس له أهداف عسكرية أو جوانب عسكرية سرية مخفاة عن الوكالة الدولية للطاقة، وتكذيب ونفي كل ما ينشر عن  الأهداف والجوانب العسكرية لهذا البرنامج، وأن أي أهداف أو أنشطة نووية عسكرية تتعارض مع العقيدة الإسلامية التي يلتزم بها النظام الإيراني الحاكم.
2- إطالة زمن التفاوض مع المجتمع الدولي وإجهاده، وبما يمكن إيران من الحصول على الوقت اللازم لإنجاز برنامجها النووي في جانبه العسكري، ثم فرضه على العالم عند اللزوم.
3- الضغط على الولايات المتحدة وإسرائيل من خلال إثارة المشاكل الأمنية لهما من وراء الستار، خاصة في العراق وأفغانستان، ولبنان وغزة، وبما يجبرهما على التفاوض مع إيران وإدخال الملف النووي في زمرة الملفات الأخرى العالقة بين إيران والولايات المتحدة، وذلك في إطار صفقة شاملة أبرزها أن يكون لإيران دورا رئيسا في ترتيبات الأمن الإقليمية، خاصة في منطقة الخليج، إلى جانب ضرورة التشاور معها إزاء الأوضاع السياسية والأمنية والعسكرية النهائية في العراق، وبما لا يلغى النفوذ الإيراني هنالك، وأن ترفع الولايات المتحدة والدول الأوروبية كافة العقوبات المفروضة على إيران، ويسحب ملفها من مجلس الأمن، إلى جانب الإفراج عن أرصدتها المجمدة في هذه الدول، وإقامة علاقات سياسية طبيعية وعلاقات اقتصادية متميزة مع إيران، وتسليم عناصر المعارضة الإيرانية المتواجدة في العراق (مجاهدي خلق) إلى السلطات الإيرانية، والتوقف عن دعم عناصر المعارضة للنظام الإيراني داخل وخارج إيران، والأهم من ذلك إعطاء ضمانات بعدم تهديد نظام الحكم الديني في إيران، والامتناع عن الأقليات العرقية والمذهبية الكبيرة في المحافظات الحدودية ضد نظام الحكم (العرب في خوزستان في الجنوب، البوشي في بالوشستان في الشرق، الأذربيين في أذربيجان بالشمال، والأكراد في كردستان في الغرب).
مع الاعتراف بحق إيران في امتلاك برنامج نووي ذو أغراض سلمية، وحق إيران في رعاية واحتضان جماهير الشيعة على المستوى العالمي، وذلك مقابل توقف إيران عن إثارة المتاعب للولايات المتحدة في بؤر التوتر في منطقة الشرق الأوسط وآسيا الوسطي، والامتناع عن دعم ومساندة التنظيمات الإرهابية على الساحة العالمية (خاصة تنظيم القاعدة) أو إيواء عناصرها.
4- وفي إدارة الأزمات مع الولايات المتحدة وإسرائيل، تحرص إيران على الوصول إلى حافة الهاوية دون السقوط فيها، والاقتراب من الخطوط الحمراء دون اجتيازها، والتصدي للأمريكيين وحلفائهم دون إعطائهم المبرر العملي والشرعي لشن الحرب على إيران.
5- إعطاء أولوية مطلقة للمحافظة على نظام الحكم الديني في إيران، مع الاستعداد في أسوأ الأحوال لتقديم تنازلات في باقي قضايا الصراع معها، بما فيها الملف النووي، ولكن ليس على حساب سلامة وبقاء النظام الحاكم.
الضغوط الجديدة التي تتعرض لها إيران
إلى جانب العقوبات الاقتصادية والسياسية التي فرضها مجلس الأمن الدولي على إيران (أربعة قرارات) بسبب عدم توقفها  عن تخصيب اليورانيوم، تتعرض إيران لمجموعة جديدة من الضغوط السياسية والعسكرية من جانب كل من الولايات المتحدة وإسرائيل تتمثل في الآتي:
1- تكثيف الوجود العسكري البحري الأمريكي في الخليج وخليج عمان، والمتمثل في أربعين قطعة بحرية، بينها مجموعة حافلة طائرات (عليها 160 مقاتلة) و 3 غواصات و 4 مدمرات مسلحين بصواريخ كروز (توماهوك) وإجراء مناورات بحرية وجوية مكثفة في مياه الخليج، إلى جانب نوايا أمريكية بزيادة حجم القوات الأمريكية في أفغانستان بـ 40.000 جندي، إضافة إلى تكثيف الوجود العسكري الجوي الأمريكي في القواعد الجوية في بلدان آسيا الوسطي (أذربيجان، قرجيزيا، تركيا)، وتزويد القاعدة الجوية في أنجرليك بحوالي 90 قنبلة نووية تكتيكية 11-B61.
2- كما كشفت جيراوزاليم بوست الإسرائيلية النقاب عن أن سلاح الطيران الإسرائيلي يبحث شراء قنبلة ذكية جديدة وتسمح للطائرات المقاتلة بإصابة أهداف في دمشق وبيروت بدون أن تغادر المجال الجوي الإسرائيلي، وبالتالي ضرب الأهداف الإيرانية من مسافات بعيدة عن مدى صواريخ الدفاع الجوي الإيرانية. وهذه القنبلة الذكية قيد التطوير في شركة بوينج الأمريكية سلاح الطيران الأسترالي طراز "جي دي. أم. آى. آر" وهي الأكثر دقة في التوجيه عالميا، إضافة لحصول إسرائيل على 1000 قنبلة ذكية GBU_39 موجهة ذاتيا وفضائيا، وقادرة على اختراق تحصينات على عمق 30 مترا وبزنة 35 كجم مواد منفجرة.
3- تدعيم إسرائيل بسلاحها الجوي بامتلاك 75 مقاتلة أمريكية جديد و F-35 بصفقة قيمتها 15.2 مليار دولار، بالإضافة إلى 102 مقاتلة  F-I16 ليكون لدى إسرائيل في عام 2009 حوالي 600 مقاتلة حديثة ( F-15 , F-16 , F35 ) إلى جانب 250 مقاتلة احتياط ( كافير، سكاي هوك(.
4- قيام الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بنظام رادار أمريكي متطور (FBX-T) يعمل بنظام (X-Band)، يبلغ ارتفاع هوائياته (2 هوائي) 400 متر،  تم نصبه في منطقة النقب بواسطة أطقم أمريكية تتولى تشغيله، وذلك بهدف زيادة قدرة إسرائيل على رصد الصواريخ البالستية المعادية أربعة أضعاف. حيث يمكنه رصد أي هدف معادي حتى وإن كان بحجم كرة البيسبول على مسافة 4700 كجم لينقل بياناته إلى وحدات الدفاع الصاروخي الإسرائيلية (باتر وبوت باك 2،3 وحيتس / السهم) خاصة بعد تطوير الذخير، وبما يمكن من اعتراض الصواريخ الإيرانية (شهاب) بعد خمسة دقائق من انطلاقها، أي في منتصف المسافة وقبل أن تصل إلى أراضي إسرائيل، حيث يستغرق الصاروخ شهاب 15 دقيقة حتى يصل إلى إسرائيل. هذا بالإضافة لقيام إسرائيل بتطوير أنظمة أخرى مضادة للصواريخ قصيرة المدى قادرة على اعتراض الصواريخ كاتيوشا ومثيلتها التي تخلق على ارتفاعات منخفضة (مثل النظام الأمريكي سكاي جارد، ونظام القبة الحديدة) إلى جانب النظام الأمريكي ثاد، وذلك بعد أن أعلنت إسرائيل امتلاك حزب الله لحوالي 30,000 صاروخ أرض / أرض قصير ومتوسط المدى.
5- قيام حوالي 100 مقاتلة إسرائيلية طرازات (F-15 , F-16) بإجراء مناورات بعيدة المدى، حلقت فيها على مسافات طويلة وصلت إلى حدود اليونان، وجبل طارق في الغرب، بعد أن زودت إسرائيل مقاتلاتها بخزانات وقود إضافية. كما أجرت إسرائيل مناورات داخلية بالاشتراك مع الولايات المتحدة لتأمين الجبهة الداخلية، بزر فيها سرعة الإنذار بهجوم صاروخي إيراني، وذلك بعد ربط مركز الإنذار الإسرائيلي بمركز الإنذار الأمريكي في كولورادو، بحيث يتلقى المركزان الإنذار من أقمار الإنذار الأمريكية في وقت واحد. وكذلك تم التدريب على عمليات اعتراض الصواريخ البالستية المعادية بواسطة وحدات الصواريخ المضادة للصواريخ، ودور أجهزة الدفاع المدني في مواجهة آثار الهجمات الصاروخية المعادية، وأعمال الإنفاذ ويظهر الأفراد والمنشآت في حالة تلوثهم بغازات الحرب الكيماوية أو مواد بيولوجية (حيث تقدر إسرائيل أن إيران ستهاجمها بحوالي 100 صاروخ شهاب، كل مسلح برأس كيماوية قادرة على تلويث 50 هكتار، بإجمالي 5000 هكتار في المنطقتين الساحلية والوسطي المكتظتين بالسكان والأهداف الإستراتيجية).
6- إعلان إسرائيل عقد صفقة جديدة مع ألمانيا لبناء غواصتين إضافيتين طراز (دولفين) مسلحتين بصواريخ كروز نووية، ليصبح لديها خمسة غواصات من هذا الطراز هددت إسرائيل بنشرهم في مياه خليج عمان لقصف إيران نوويا في حالة تعرض إسرائيل لقصف صاروخي من قبل إيران سواء برؤوس تقليدية أو فوق تقليدية ؟
7- الضغط الأمريكي والإسرائيلي على روسيا لكي تمتنع عن تزويد إيران بصواريخ أرض جو S-300، قادرة على اعتراض طائرات مقاتلة على ارتفاع 30 كجم ويصل مداها إلى 150 كجم، والرادار الخاص بهذا النظام قادر على رصد أهداف عدة والاشتباك معها في وقت واحد، وبما يحد من الهجمات غير الأمريكية والإسرائيلية، وقد توجه رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت إلى موسكو للضغط عليها لكي يمتنع عن بيع هذا النظام لأي من إيران أو سوريا، وذلك مقابل أن تمتنع إسرائيل عن تسليح وتدريب جيش جورجيا، وتغلق قاعدتها الجوية هناك.. وقد حدثت بلبلة حول صفقة هذه الصواريخ، فبينما أعلن نائب رئيس لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية في مجلس الشورى الإيراني إسماعيل كوثرة أن "روسيا بدأت بتسليم إيران منظومات  S-300دفاعية صاروخية "نفت مصادر في قطاع تصدير الأسلحة في روسيا ما أعلنه المسئول الإيراني، وأن ما يجري حاليا هو توريد أنظمة دفاعية لإلى ومنها منظومات أرض / جو طراز Tor - MI  سبق تصديرها لإيران وسوريا. ولكن مسئول عسكري روسي أفاد أن صواريخ S-300  ستسلم إلى إيران قريبا من مخازن وزارة الدفاع الروسي.
إيران ترد بتجربة الصاروخ (سجيل)
وفي مواجهة تطوير إسرائيل لصاروخها الباليستى (أريحا -3) ليصل مداه إلى 3000 كجم، وبما يمكنه من المشاركة مع المقالات الإسرائيلية "في قصف إيران أعلنت إيران في 12 نوفمبر الماضي عن قيام الحرس الثوري بإطلاق تجربة صاروخية بواسطة صاروخ باليستى متوسط المدى أطلقت عليه إيران (سجيل) يعمل بالوقود الصلب، وذلك أثناء المناورات التي أجريت في مدينة (مروان) الحدودية الغربية والقريبة من العراق، ومناورات عسكرية أخرى في منطقة (جيرفت) بجنوب إيران، أعلن خلالها تطوير الطائرة (إيران 140) خاصة بمهام الدوريات البحرية ونقل الركاب.
ومن المعروف أن إيران في تطويرها لترسانتها من الصواريخ البالستية تنقل التقنية الروسية والكورية الشمالية، (الصاروخ سكود - ب يماثل شهاب-1) والصاروخ سكون - سي يماثل شهاب -2، والصاروخ فوذنج-A يماثل شهاب-3 والصاروخ نودونج-B يماثل شهاب -4، والصاروخ تايبودنج - يماثل شهاب -5، والصاروخ تايدونج-2 يماثل شهاب -6 )، وإن كانت إيران توقفت عمليا عند تطوير شهاب-4) وجميع هذه الصواريخ تعمل وكأنها بالوقود السائل (يتكون من خليط يضم نوع من الكيروسيتي وحامض النتيريك لتوليد الأكسجين، وكل منهم منفصل عن الآخر، وعند الإطلاق يتم خلطهم معا في الموقع من خلال شاشات إلى داخل المحرك، ولذلك يحتاج إطلاق الصاروخ إلي وقت إضافي للتجهيز قبل الإطلاق، ومن ثم وقت إضافي عند الانتقال من موقع إلى آخر، وجميع الصواريخ من عائلة شهاب المتواجدة حاليا في إيران من أصل كوري شمالي تعمل بالوقود السائل) أما الصاروخ الباليستى الجديد (سجيل) والذي قيل أنه نوع جديد من شهاب-3، فإنه يعمل بالوقود الجاف (من مواد قاذفة مركبة محيطة بالمحرك تتكون من أمونيوم بيركلوزيد + بودرة ألومنيو + نترات بوتساويوم ) وهذه تقنية جديدة لم يسبق أن دخلت في تصنيع الصواريخ شهاب، مما يدل على أنها مستوردة من روسيا وليس من كوريا الشمالية، وتستهدف زيادة دقة الإصابة مع تقليل الزمن اللازم لتشغيل وحدة الصواريخ وانتقالها ودخول صناعة الصواريخ الإيرانية مرحلة العمل بالوقود الجاف متعدد داخل المحركات. وتشير تقديرات الاستخبارات الإسرائيلية إلى أن إيران قد ضاعفت حجم ترسانتها الصاروخية من طراز (شهاب) ليصل حجمها حوالي 400 صاروخ من نوعيات مختلفة.
هل تملك إيران سلاح نووي خلال ثلاثة أشهر؟
منذ صدور تقرير الوكالة الدولية للطاقة النووية في نوفمبر الماضي والذي أشار إلى الفشل الدولي في وقف تخصيب اليورانيوم، وكشف عن نجاح إيران في إنتاج 630 كجم من اليورانيوم ضعيف التخصيب، اهتم أجهزة الاستخبارات الغربية والإسرائيلية بدراسة وبحث الإجابة على سؤال مهم حول مدى اقتراب طهران من صنع القنبلة النووية، حيث تقاطعت تقديرات هذه الأجهزة عند تقدير فترة ثلاثة أشهر (فبراير 2009) بعدها سيكون لدى إيران حجم من اليورانيوم 235 ذو نسبة تخصيب فوق 50% وبما يمكن إيران من امتلاك سلاح نووي في منتصف عام 2009.
وفي بداية شهر ديسمبر الحالي 2008 صدور تقرير برلماني فرنسي أعد بإشراف النائب الاشتراكي جان لوى بيانكو توقع لإيران أن تصنع أول قنبلة نووية بين عامي 2009، 2010، وكان لافتا أن هذا التقرير انضم أيضًا إلى استنتاجات التقارير الأخرى التي تؤكد كلها على أن هدف البرنامج النووي الإيراني عسكري، وجاء في التقرير الفرنسي أن طهران نجحت في تخصيب 1600 كجم يورانيوم بنسب مختلفة. أما أخطر ما جاء في هذا التقرير أن الإيرانيين يملكون تصميمات صنع رأس نووية صاروخية حصلوا عليها من شبكة عبد القدير خان الباكستانية، مضيفا أنهم نجحوا في تطوير برنامج قنابل مصغرة أو مدمجة، وهو ما أثار تساؤلات حول حقيقة انتقال الإيرانيين من تخصيب اليورانيوم بنسب منخفضة إلى نسب عالية ضرورة الاستخدام العسكري، وكذلك قدرتهم على إجراء تجربة نووية ناجحة وصنع سلاح نووي مصغر؟ وبعض هذه الشكوك ما زالت تظهر في تساؤلات خبراء نوويين نافذين مثل ديفيد أولبرلبت الخبير في معهد العلوم والأمن الدولي، حيث يؤكد على أن إيران لم تصل بعد إلى نقطة اللاعودة في امتلاك التكنولوجيا النووية، وأن إيران لم تخصب بعد الكميات اللازمة من اليورانيوم لصنع أول قنبلة.
وفي حسابات هؤلاء أنه بالعودة إلى رقم الكمية المنتجة الواردة في تقرير الوكالة الدولية، وإلى حقيقة أن أجهزة الطرد المركزي الإيرانية تنتج يوميا ما بين 2.5 - 2 كجم يورانيوم، فإنه يمكن القول بأن ثلاثة أشهر ستكون كافية لحصول إيران على ما يكفي لصنع أول قنبلة نووية (800 كجم)، ويمكن لهذه الفترة أن تطول إلى 3-4 أشهر أخرى، وأن هذه الحسابات مبنية على اعترافات إيرانية رسمية بكمية اليورانيوم وعدد أجهزة الطرد المركزي العاملة في مصنع ناتانز، ولكن لا تأخذ بعين الاعتبار الاحتمال الجدي بوجود مصانع أخرى لتصنيع أجهزة الطرد المركزي وإجراء عمليات تحويل اليورانيوم إلى غاز UF -6 (مثل المعلن عنه في أصفهان)، وعمليان تخصيب اليورانيوم (مثل المعلن عنه في ناتانز)، بالإضافة لمخونات بكميات أخرى من اليورانيوم المخصب بدرجات مختلفة غير مصرح بها، إذ تشير المعلومات عنه في ناتانز )، بالإضافة لمخونات بكميات أخرى من اليورانيوم المخصب بدرجات مختلفة غير مصرح بها، إذ تشير المعلومات الاستخباراتية أن إيران تملك أكثر من عشرة آلاف جهاز طرد مركزى p-1،p-2  خلاف الكميات المعلن عنها (6000 جهاز)، كما تشير التقارير إلى استمرار رفض الإيرانيين فتح منشأة (آزاك) أمام التفتيش الدولي والتي يتم فيها فصل البلوتونيوم 239 وتصنيع الماء الثقيل.
ويزيد من الشكوك حول النوايا الإيرانية ما أعلنه محمد قاناد نائب مدير منظمة الطاقة النووية الإيرانية، أن إيران تعتزم بناء خمسة مفاعلات نووية جديدة في غضون الأعوام الخمسة المقبلة، ذلك لتوفير 10% من احتياجات إيران من الطاقة، أي ما يوازى 20 ألف ميجاوات تقريبا، مشيرا إلى أن بلاده تحتل الآن المرتبة السابقة بين الدول القادرة على إنتاج غاز هيكسوفلورايد اليورانيوم UF-6  الذي يستخدم في إنتاج الوقود النووي المستخدم في المفاعلات النووية وتصنيع الأسلحة النووية.
هل تطبق إيران السيناريو النووي الباكستاني؟
مع قرب دخول الرئيس الأمريكي المنتخب باراك أوباما البيت الأبيض في يناير 2009 وإعلانه المسبق أنه وإن كان سيفتح باب التفاوض في جميع الملفات مع إيران، وتقديم حوافز جديدة لها مقابل إصراره وتصميمه على أن توقف إيران عمليات تخصيب اليورانيوم، أربك كثيرا حسابات الإيرانيين، ورهاناتهم على فتح صفحة جديدة مع الولايات المتحدة وإبرام صفقة كبرى معها. وبدأت تسود في طهران مشاعر خيبة وإحباط مع التقارير الجديدة مما يمكن أن تكون عليه إستراتيجية أوباما الشرق أوسطية، وتحديدا الإيرانية، مع تخوف حقيقي من ألا يكون الرئيس الأمريكي الجديد رئيس حوار وسلام وصفقة، بل قد يكرر مع إيران ما فعله بوش في العراق. ومع تحليل التقارير القادمة من واشنطن حول سياسة أوباما المتوقعة حيال إيران، ورصد التحركات الأمريكية والدولية المستجدة، خرج مسئولون إيرانيون باستنتاجات متناقضة مع رهاناتهم الأولية، وبدأ الكثيرون منهم يدعو إلى الاستعداد لمواجهة مرحلة صعبة وحاسمة ستنطلق مع قدوم الإدارة الأمريكية الجديدة. حيث يعتقد أصحاب التيار الراديكالي المتشدد أن كل المؤشرات توصي بأن طهران تجد نفسها أمام عصا دولية غليظة تشمل كل وسائل الضغط السياسي والاقتصادي والمالي والنفطي، وتجعل في الخيار العسكري أكثر من مجرد "فرصة أخيرة ". ولذلك يضغط أصحاب هذا التيار لإعداد سيناريو مواجهة مختلف عن سيناريو المعتدلين الذين يراهنون على الحوار ومقايضته النووي في الحد الأدنى بحد أقصى من ضمان الهيمنة والطموحات، حيث يدعوا المتشددون إلى عدم الثقة بالعروض الغربية، ومنح الأولوية للحصول على القنبلة النووية والرهان عليها لفرض الهيمنة وشروط إيران، وذلك بإجراء تجربة نووية يعلن عنها، وربط استخدام إيران للسلاح النووي بخطوط حمراء تتعلق بأنى كيان إيران ومصالحها الإقليمية. ولهذا يدعو هذا الفريق صانعي القرار في طهران أن يصبوا اهتمامهم ليس على تقديم عرض الصفقة الكبرى والتنازل في النووي، بل على مواجهة السيناريو الأسوأ واستخدام النووي كأمر واقع. وفي رأى بعض الخبراء الأوروبيين أن إيران لم تعد تنافس في كيفية خوض مفاوضات الحوار مع الإدارة الأمريكية الجديدة ن بل انتقلت في الفترة الأخيرة إلى استئناف البحث في السيناريوهات العسكرية، وفي إعداد خطة رديفة لمواجهة ما باتت تعتبره مؤامرة ضد النظام الإيراني الحاكم.
وتشير تقارير صادرة عن أجهزة الاستخبارات الغربية إلى أن طهران قد اتخذت قرار فتح مواجهة استباقية بتقليد ما حصل مع الهند وباكستان عبر فرض قدراتها النووية كأمر واقع، وفرض نفسها كقوة نووية جديدة، بحيث تسقط كل السيناريوهات المعدة لإرغامها على وقف التخصيب، والتخلي عن البرنامج النووي، وبالتالي تسقط كل احتمالات توجيه ضربة عسكرية لبلد بات يمتلك فعلا سلاحا نوويا. ولذلك أصدر مرشد الثورة على خامنئي أمره لوكالة الطاقة النووية الإيرانية والمسئولين عن البرنامج النووي السري بتسريع خطوات إنجاز امتلاك التكنولوجيا النووية العسكرية، وكشف ذلك أمام العالم بإجراء أول تجربة نووية تضع حدا لكل التساؤلات، وتحسم أمر حيازة إيران على سلاح نووي.
ولقد أصبح هذا السيناريو يشكل كابوسا للدول الغربية وروسيا أيضا، لاسيما وأن المعلومات الواردة من داخل إيران لعبت دورا في التحول المستجد في مواقف أوباما تجاه طهران، وفي التشدد المفاجئ الذي أظهرته عدة دول في التعامل مع إيران، ومنها دول معروفة بمواقف معتدلة مثل ألمانيا وإيطاليا أصبحت يؤيد فرض عقوبات دولية أكثر تشددا على إيران، بل ومطالبة أوباما بموقف أكثر حزما، وقد انعكس هذا التحول في المناقشات الأخيرة التي شهدها مجلس الأمن ومشاركة الدول الخمس الكبرى - بما فيه روسيا والصين - في العمل معا لإعداد خطة عمل لمنع دخول إيران النادي النووي عنوة. وتحاول أجهزة الاستخبارات الغربية والروسية والصينية الإجابة على سؤال مهم وهو ماذا لو أعلنت إيران فجأة حصولها على سلاح نووي، أو أجرت تجربة نووية ؟! وللإجابة على هذا السؤال تبذل، الأجهزة الاستخباراتية جهودا كبيرة لمعرفة المستوى الحقيقي الذي وصلت إليه إيران في تصيب اليورانيوم، وفي امتلاك تقنية تطوير رأس صاروخ باليستى نووي.
وستكون التجربة النووية الإيرانية - فيما لو أجريت أو أعلنت طهران امتلاكها سلاح نووي دون تجربة حية اكتفاءً بالتجارب المعملية - بمثابة الامتحان الأخطر الذي سيواجهه أوباما في الأشهر الستة الأولى من عهده، كما توقع له نائبه جوزيف بايدن، أو في الأيام الأولى كما يتوقع له بعض الخبراء الذين يتحدثون منذ الآن عن أزمة ستواجه أوباما من جانب إيران، ستكون أخطر من أزمة الصواريخ الروسية في كوبا التي واجهت الرئيس الأمريكي جون كنيدي عام 1962.
المعتدلون في إيران يحبذون سيناريو الردع بالشك الإسرائيلي
وفي مواجهة مخاطر السيناريو الباكستاني والهندي السابق، والذي قد يدفع إدارة أوباما وإسرائيل إلى توجيه ضربه عسكرية ضد إيران لوضع نهاية حاسمة لبرنامجها النووي، وإذا ما حدث ذلك فإن مثل هذه الضربة ستكون قوية وقد تستمر أياما وستؤدى بالضروري إلى خلخلة أركان نظام الحكم الديني القائم في إيران، لأنها ستؤدى بالضرورة إلى ضرب أهداف إستراتيجية وعسكرية أخرى خلاف المنشآت النووية.. مثل مناطق تمركز الحرس الثوري - خاصة قواته البحرية - ووحدات الصواريخ شهاب، منشآت تصنيعه، ومراكز القيادة والسيطرة السياسية والإستراتيجية، ووسائل الدفاع الجوى والقواعد الجوية والمطارات، والمصانع الحربية، وقد تطول العملية العسكرية المنشآت النفطية أيضا. وفي ضوء رد الفعل الإيراني ضد القوات الأمريكية في الخليج وإسرائيل عقد تلجأ الولايات المتحدة وإسرائيل إلى استخدام ما لديهم من أسلحة نووية تكتيكية ضد إيران لحسم الحرب نهائيا، وحتى لا يقعوا في مستنقع حرب الاستنزاف التي تستهدف إيران توريط الولايات المتحدة فيه على النحو الجاري في العراق وأفغانستان، وهو ما يعنى في المحصلة النهائية ليس فقط نهاية نظام الحكم الديني في إيران، ولكن - وهو الأخطر - إحداث تدمير شبه كلى لإيران يعيدها خمسين سنة إلى الوراء.
وفي مواجهة هذه المخاطر ينصح المعتدلون في نظام الحكم الإيراني، ودوائر صنع القرار المؤثرة - وهم قلة - ألا تلجأ إيران إلى السيناريو السابق، ومن المفضل أن تتبع السيناريو الإسرائيلي المنفذ حتى الآن، وهو إستراتيجية الردع النووي بالشك، أو (القنبلة في القبو). بمعنى أن إيران تمتلك حاليا المعرفة التقنية اللازمة لتصنيع سلاح نووي، وتصميمات تصنيع رأس نووي صاروخي، وجميع وسائل الإنتاج التي تمكنها من ذلك، وقادرة على تنفيذ ذلك خلال فترة زمنية محدودة، لاسيما وأنه من المعروف أن من يملك تقنية وسائل تخصيب نسبة 5% يورانيوم، قادر بالتالي إذا ما أراد أن يصل بالتخصيب إلى نسبة 90% وأعلى، ولكن على إيران أن تعلن أنها تجمد برنامجها النووي حاليا استجابة لتوعية المجتمع الدولي، وذلك حتى تنزع فتيل إشعال حرب ضدها تريد إسرائيل من خلالها تدمير والقضاء على كل ما أنجزته إيران في برنامجها النووي ووسائل الدفاع عنه عبر سنوات طويلة.
كما ينصح المعتدلون في دوائر صنع القرار المؤثرة في إيران، بألا يعول متخذ القرار في طهران كثيرا على الدعم الروسي لإيران في مواجهة المخططات الأمريكية والإسرائيلية، ذلك أن حصول إيران على السلاح النووي هو الخط الأحمر المتفق عليه بين أمريكا وروسيا وإسرائيل والدول الغربية لأخرى.
حيث لا ترغب روسيا حقيقة في امتلاك إيران التي يحكمها نظام ديني متطرف، والغربية من حدود روسيا الجنوبية، صواريخ ذات رؤوس نووية، وخاصة وأن المناطق الفاصلة بين روسيا وإيران تحوى بدل آسيا الوسطى الإسلامية، والتي كانت إلى عهد قريب جزءا من الاتحاد السوفيتي السابق قبل انهياره وتفككه في عام 1992، ولإيران في هذه الدول نفوذا بين جماهير الشيعة، وقد يشكلوا مستقبلا إذا ما تغلغل النفوذ الإيراني بينهم بعد امتلاك إيران سلاح نووي، تهديدا جديا لروسيا - ولعل زيارة هنري كيسنجر وزير الخارجية الأمريكية الأسبق لموسكو مؤخرا - وهو المعروف بمهندس السياسة والإستراتيجية الأمريكية في الإدارات الأمريكية المختلفة عبر العقود الزمنية الماضية منذ الستينيات - دليلا على التنسيق الأمريكي الروسي حول الملف النووي الإيراني، حيث سعى كسنجر إلى إغراء موسكو بالانضمام إلى ما بدأ يتبلور في شكل تحالف دولي لشن حملة استباقية ضد السلاح النووي الإيراني قبل وصل طهران إلى نقطة اللاعودة، وذلك مقابل صفقة مع إدارة أوباما الجديدة تستعيد بموجبها روسيا نفوذها في جورجيا وأوكرانيا ومناطق أخرى في القوقاز وآسيا الوسطى، وهذا ما يعنى اتفاق موسكو وواشنطن حول رفض ما تحاول إيران فرضه على المجتمع الدولي باعتبارها دولة نووية أخرى في منطقة الشرق الأوسط، وهو ما يعنى أيضا ضمنيا أن زمن الحروب الاستباقية لن ينتهي مع نهاية عهد بوش، بل ستظل مستمرة أيضا في عهد أوباما، خاصة وأن إسرائيل قد تفرضها على أمريكا ضد إيران، عندما تشكل ضربة إسرائيلية ضد إيران رأس سرية لعملية عسكرية أوسع تشارك فيها أمريكا، باعتبار مسئولية الأخير عن أمن إسرائيل في حالة رد فعل إيراني ضد إسرائيل.
رؤية تحليلية:
يعتقد البعض مخطئا أن الأزمة الاقتصادية العالمية الواقعة حاليا، وما ترتب عليها من انخفاض سعر برميل النفط من 150 دولار إلى 35 دولار خلال أقل من ثلاث أشهر، وما ترتب عيه من انخفاض عائدات النفط للدولة المنتجة له ومنها إيران، سيدفعها إلى تخفيض إنفاقها الدفاعي وضمنه برنامجها النووي وبما قد يؤدى إلى تجميده، خصوصا بعد أن انخفض احتياطي النقد الأجنبي في إيران من 143 مليار دولار في عهد الرئيس السابق محمد خاتمي إلى 7 مليار دولار فقط في عهد الرئيس الحالي أحمدي نجاد، وذلك بسبب الإنفاق الاستهلاكي والعسكري والنووي والاستخباراتي الذي تضاعف عدة مرات في عهد نجاد، مما أدى إلى إقالة محافظ البنك المركزي (مظاهري) بعد أن تفاقم العجز في الميزانية، ووصلت معدلات البطالة إلى 15%، وارتفاع نسبة التضخم إلى 26% (أرقام البنك المركزي الإيراني في أبريل 2008 قل الأزمة المالية العالمية) ووجه الخطأ في هذا الاعتقاد أن النظام الديني الحاكم في طهران على الاستعداد بكل شيء من أجل استكمال برنامجه النووي في شقه العسكري وامتلاك سلاح نووي، حتى ولو كان نصيب الفرد الإيراني من الغذاء رغيف واحد حاف في اليوم. ومن ثم فإن أي تغيير في شخصية رئيس الجمهورية القادم نتيجة انتخابات الرئاسة في مايو 2009 - حتى وإن جاء من الإصلاحيين وهو أمر غير متوقع - لن يحدث تغييرا جوهريا في عقيدة النظام الحاكم حيال المسألة النووية، لا حيال اعتمادها على أذرعها الممتدة في سوريا ولبنان وغزة وأفغانستان من العراق، بواسطة عملائها من الأحزاب والتنظيمات والميليشيات الشيعية والسنية على السواء.
وإذا كان من المعروف أن إيران ليس لديها مصادر بلا حدود، كما أن الدور الذي تلعبه في المنطقة محكوم أيضا بالموقف الدولي والعلاقات الإيرانية - الأمريكية المتوترة بصفة دائمة لتعارض الأهداف والمصالح،وهو ما يشكل قيدا كبيرا على تنفيذ السياسات الإيرانية الطموحة في المنطقة، ومن ثم يمكن تفسير كل السياسات الإيرانية في المنطقة باعتبار أن طهران تقوم بتجميع أوراق تضغط بواسطتها في القضايا الإقليمية استعدادا إما لمواجهة قادمة وحاسمة مع الولايات المتحدة، أو لإبرام صفة شاملة معها. وهذا أيضا جانب من الحسابات الخاطئة لصانع القرار الإيراني. لأن الرهان على قبول إدارة أوباما لإيران نووية في مقابل تسهيل مهمة الولايات المتحدة في العراق وأفغانستان، هو رهان خاسر. لأننا - كما ذكرنا آنفا - فإن إدارة أوباما المحكومة بضغوط من جانب اللوبي الصهيوني وإسرائيل الرافضين بشكل قطعي أو نهائي لفكرة "إيران نووية"، يشاركهم في ذلك الحلفاء الغربيين، من الممكن أن يقبلوا بتقديم حوافز أكثر لإيران وتنازلات لها في مجالات عديدة، باستثناء المسألة النووية. ومن ثم إنه من المتوقع أن تمارس إيران لعبتها المفضلة في تكرار المفاوضات تلو المفاوضات لإطالة زمنها بهدف كسب الوقت اللازم لإنهاء برنامجها النووي، والتصرف وكأن مراكز القرار متعددة لتشتيت أذهان الخصوم، والتصرف أيضا وكأن صانع القرار الإيراني غير عقلاني لإجبار الخصم على أن يكون عقلاني أكثر، مع استخدام انتشار القوة farce projection كأسلوب للتصعيد، إلى جانب الاستخدام المكثف لوسائل الإعلام في إدارة حملة الدبلوماسية العلنية.. إلى غير ذلك من الأساليب الإيرانية التي أصبحت معروفة جيدا، لن تفلح في أثناء إدارة أوباما وحلفائه في أوروبا وإسرائيل عن تحديد موعد نهائي لوضع حد للعبة المفاوضات، ومطالبة إيران برد واضح وقاطع وصريح على سؤال مهم: هل ستقبل بإيقاف تخصيب اليورانيوم بشكل نهائي وليس مؤقتا، وتخضع جميع منشآتها النووية لرقابة مستمرة من جانب الوكالة الدولية للطاقة أم لا ؟ فإذا ما كان رد إيران إيجابيا على هذا السؤال، تكون قد تجنبت ويلات حرب مدمرة تقضي على الأخضر واليابس في إيران، أما إذا فضلت " التذاكي على المجتمع الدولي، والاستمرار في ممارسة لعبة المناورات السياسية والإعلامية التي دأبت عليها منذ عام 2004، فإنها ستعرض نفسها لضربة عسكرية حتمية من جانب إسرائيل والولايات المتحدة، ولن تكون هذه الضربة محدودة، بل ستتصاعد وتيرتها حتما في ضوء الفعل ورد الفعل بين الطرفين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران من جهة أخرى، وسيزداد الأمر سوءا إذا ما أخطأت إيران الحسابات والتقديرات وأقدمت على مغامرة بحرية ضد الأسطول الأمريكي في الخليج أو قامت بضرب إسرائيل برؤوس صواريخ كيماوية، حيث سيكون الرد حتما نوويا من جانب الولايات المتحدة وإسرائيل.
ومن المتوقع أن تعطي إسرائيل فرصة زمنية ستة (6) أشهر لإدارة أوباما ليمارس مفاوضاته مع إيران لعلها تقبل بالصفقة المعروضة عليها من مجموعة الدول دائمي العضوية في مجلس الأمن وألمانيا (5+10)، ومقابل إيقاف التخصيب نهائيا والقبول بتفتيش الوكالة الدولية المستمد على منشآتها النووية، طبقا للبروتوكول الإضافي لاتفاقية الحد من الانتشار النووي، ومن التوقع أن تنتهي هذه المهلة في شهر مايو 2009 ليكون هنالك قرار إسرائيلي بالتوجه للخيار العسكري إذا ما فشلت الخيارات الأخرى. لذلك من المتوقع أن يكون شهر مايو القادم حاسما في حل المشكلة النووية الإيرانية. أما إذا ما توجهت إيران نحو تنفيذ السيناريو الباكستاني السابق إيضاحه، بفرض نفسها نوويا على المجتمع الدولي، فإنها تكون قد عجلت بلجوء إسرائيل والولايات المتحدة إلى الخيار العسكري.

الكاتب \ لواء أ. ح متقاعد / حسام سويلم
المصدر :
مجلة مختارات إيرانية
عدد المحرم 1430هـ / يناير 2009م

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق