الجمعة، 29 أبريل 2011

العلاقات الايرانية المشبوهه مع مصر

العلاقات المصرية الإيرانية :
بعد انقطاع دام حوالى ربع قرن من الزمن التقى الرئيسان المصرى و الإيرانى على هامش اجتماع القمة العالمية الأولى لمجتمع المعلومات فى جنيف فى 8/12/2003 م ، مما اعتبره البعض ايذانا ببدء تطبيع العلاقة بين البلدين ، والذى تبعه زيارة الوفد المصرى برئاسة وزير الخارجية أحمد ماهر إلى طهران فى شهر فبراير على هامش اجتماعات مؤتمر قمة الدول الثمانية ، وكان قد سبقه الدور القوى الذى لعبته مصر لإنضمام إيران إلى عضوية مجوعة الـ15ـ وهى منظمة للدول النامية الكبرى تأسست سنة 1989 لتحقيق التوازن على الساحة الدولية مع مجموعة الدول الصناعية الثمانية ـ ، كما شاركت مصر بوفد رفيع المستوى فى مؤتمر القمة لمنظمة الدول الإسلامية المنعقد فى طهران ديسمبر 1997 ، كذلك مشاركة الوفد البرلمانى الإيرانى فى لقاء البرلمانات الإسلامية فى القاهرة يوليو سنة 2000 ، كما سارعت مصر بتقديم المساعدات الإنسانية لإيران فى زلزال مدينة " بام "التاريخية مؤخرا .
وكان قد تم استئناف العلاقات بينهما سنة 1991 بعد تبادل البلدين مكتبى رعاية المصالح ، وظلت العلاقات مستمرة عن طريق الوفود والمعارض ، ويتحدث المراقبون أن سفراء البلدين قد تم تعيينهما حال عودة العلاقات رسميا حيث يتحدثون عن ترشيح "محمد شريعتي" المستشار الاعلى للرئيس خاتمي سفيرا لايران في القاهرة .

ولكن ما كاد الجو يصفو بينهما حتى عكره أخيرا نبأ قبض السلطات المصرية على الجاسوس المصرى - محمود عيد دبوس 31 عاما- واعترف بتعاونه مع - محمد رضا دست - ضابط مخابرات إيراني يعمل في مكتب رعاية المصالح الإيرانية فى القاهرة واتهم – دبوس - أنه كان يستهدف القيام بأعمال مشبوهة في مصر وأنه كان يسعى للتنسيق مع قوى شيعية وأنه حضر بعض أنشطتهم كما كلفه الضابط الإيرانى ببعض المهام الخاصة في مصر وانه أطلع جيداً على النشاط الشيعي بها .
كما اتهم بالتخطيط لأعمال عدائية ضد السعودية لأنه جمع معلومات عن أماكن عمل الأجانب في السعودية ومنها مجمع البتروكيماويات بمنطقة ينبع تمهيداً لاستهدافها بعمليات إرهابية وهذا ما حدث وحصل على مبلغ 50 ألف دولار والجانب المصري يؤكد أن«الجاسوس»الايراني تدرب في قواعد تابعة لـ«حزب الله»في جنوب لبنان!!
ولكن بعد هذا الحادث بأيام وصف أسامة الباز المستشار السياسي للرئيس المصري العلاقات بين بلاده وإيران بأنها جيدة ، واكد الباز الذي كان يتحدث لمراسل صحيفة السياسة الكويتية عدم وجود اي خلاف بين طهران والقاهرة حول القضايا الثنائية والاقليمية والدولية مشيرا الى تعاون البلدين لتعزيز العلاقات بينهما.
ويستغرب المتابع لتطور العلاقة بين البلدين فى الفترة الأخيرة للسرعة التى تم فيها التقارب بينهما ، واختزالهما لأسباب قطع العلاقات فى تسمية أحد شوارع طهران [اسم الإسلامبولى] – قاتل السادات – فهل هذا سبب تقطع به العلاقات بين دولتين من أكبر الدول فى المنطقة ؟
فما هى الأسباب الحقيقية التى أدت إلى القطيعة بينهما ؟ ومن ثم عودة المياه لمجاريها فى هذا الوقت بالذات ؟
هذا ماسوف نتعرض له فى هذا الطرح :
- تبدأ العلاقة بين البلدين سنة 539 ق.م عندما احتل الملك الفارسى قورش مصر ، وهو نفسه الملك الذى حرر اليهود من السبى البابلى ، ويرى بعض المؤرخين أنه ذو القرنين الوارد ذكره فى القرآن .
- كذلك كما أسلفنا فقد حكم الشيعة مصر أبان الدولة العبيدية فى الفترة من362هـ وحتى سقوطها على يد صلاح الدين الأيوبى سنة 567 هـ ، وبعد سقوطها انقطعت علاقة مصر والمصريين بالشيعة والتشيع .
- فى العصر الحديث بدأ التمثيل الدبلوماسى بين البلدين سنة 1856حيث افتتح مكتب لتمثيل المصالح الإيرانية فى القاهرة .
- سنة 1921 أنشئت أول سفارة ايرانية فى القاهرة .
- سنة 1928 تم التوقيع على معاهدة صدقة بين البلدين .
- سنة 1948 تمت المصاهرة بين البلدين حيث تزوج الشاه محمد رضا بهلوى ( 1919 – 1980 ) من أخت الملك فاروق "الأميرة فوزية " ، وتم الطلاق سنة 1949 ، ومن ثم بدأ الفتور فى العلاقة بين البلدين .
- زاد التراجع بين البلدين مع قيام الإنقلاب العسكرى فى مصر بقيادة عبد الناصر سنة 1952 م ، زاد فى التدهور مع إنشاء حلف بغداد ، الذى تم بين العراق وايران وتركيا بمساعدة بريطانيا وبدور أردنى ,حيث اعتبره عبد الناصر موجها ضد ثورته .
- قطعت العلاقات لأول مرة سنة 1963 والسبب الظاهر هو علاقات الشاه مع اليهود – لاحظ - .
- فى يونيو سنة 1963 اتهم الشاه محمد رضا بهلوى مصر بالوقوف وراء ثورة "خرداد" التى قام بها رئيس الوزراء محمد مصدق والتى سميت بالثورة البيضاء ، ونجحت أمريكا فى اعادته إلى الحكم مرة أخرى ، فى حين فشلت مع ثورة الخمينى فيما بعد .
- بعد هلاك عبد الناصر وبداية عصر السادات بدأت تعود العلاقات مرة أخرى بينهما ، ففى عام 1975 أسس نادى السفارى وأعضاؤه مصر وايران والسعودية وفرنسا وذلك لمحاربة المد الشيوعى فى افريقيا .
- 1979 قطعت ايران علاقتها مع مصر مع قيام الثورة الخمينية .

أسباب قطع العلاقات بينهما :
بالنسبة لإيران :
1- العلاقات المصرية الإسرائيلية واتفاقية كامب ديفيد ، حيث كانت ترفض ايران السلام – علنا - مع اليهود .
2- ايواء مصر للشاة سنة 1979 حتى وفاته ودفنه بها سنة 1980 .
3- دعم مصر للعراق أثناء حرب الخليج الأولى 1980- 1988 .
4- دعم مصر للإمارات فى نزاعها حول جزر طنب الكبرى والصغرى وأبو موسى التى تحتلتها إيران .
5- رفض ايران أن يكون لمصر أى دور فى الخليج حتى يسهل بلعه .

بالنسبة لمصر :
1- مخاوف مصر من تصدير الثورة والتى نادى بها الخمينى من أجل تشييع الدول الإسلامية .
2- تسمية أحد شوارع طهران باسم " خالد الإسلامبولى" قاتل السادات ،وقد تم تغييره أخيرا إلى شارع الدرة .
3- مخاوف مصر من العلاقات بين ايران وبعض الحركات الإسلامية المصرية مثل تنظيم الجهاد والإخوان المسلمين .
4- العلاقات السرية التى تربط ايران بإسرائيل وأمريكا ، ومزاحمة الدور المصرى فى الشرق الأوسط .
5- من أسباب التحفظ فى العلاقات ملف المصريين المعتقلين فى ايران والتى تقول مصر إنهم موالين لتنظيم القاعدة ، والتى ترفض ايران الإفراج عنهم أوتسليمهم لأحد لإستغلالهم كورقة ضغط ، وكذلك الأسرى المصريين الذين كانوا يقاتلون مع العراق أبان الحرب بينهما .

أسباب عودة العلاقات بينهما :
بعد أن ذكرنا أطماع الشيعة فى بلاد المسلمين وخاصة بلاد العرب ، وبعد أن دللنا على علاقاتهم باليهود وأمريكا ، يظهر لنا هدفهم من التقريب مع مصر بل ومع الدول العربية الأخرى ، فبعد تدمير قوة العراق أصبحت الساحة خالية لهم لابتلاع الدول العربية الواحدة بعد الأخرى ، وتكوين الحزام الشيعى الموعود فأصبحت لهم دولة فى ايران وسوريا وجنوب لبنان والعراق ، والقوة الوحيدة المؤهلة للتصدى لهذه المؤامرة هى مصر ، وعليه يلزم تحييد المصريين باقامة علاقات ومصالح تحجم مقاومة مصر لهذا المخطط ، ولا يخفى الدور الأمريكى واليهودى من وراء ذلك ، لذا نجد أن الأقليات الشيعية بدأت تنشط فى كل مكان وبدأت تعلن عن نفسها ، وخاصة فى مصر التى لايعلم معظم المصريين بوجود شيعة على أراضيهم لأن عددهم قليل للغاية ، وكلهم من المصريين المتشيعين وبعض الصوفية ، فالشيعة يحاولون إيجاد موطئ قدم لهم في مصر منذ منتصف الثمانينات وقد بدأ انتشارهم هناك عن طريق اشتراك دور نشر شيعية في معارض الكتب وبعد ذلك افتتحوا عدة فروع لجمعيات أهلية في مصر منها جماعة أهل البيت وغيرها كما قاموا باستقطاب عدد من الكتاب والصحفيين ليتولوا الدفاع عن الطائفة والدعوة إليها في أوساط العامة في مصر المعروفين بحبهم لآل البيت (5).
فأمريكا ومن ورائها اليهود لا يريدون أن توجد قوة للسنة ، حتى الأنظمة التى تقوم بدور الوكيلة لهما فى المنطقة ، انتهت فترة التعاقد وأصبح التغيير هو السمة البارزة فى المخطط الصهيو أمريكى ولو لجأت إلى استخدام القوة والبديل عن ذلك هو الإسلام المهجن - ومثاله الحكومة التركية - حيث تريد أمريكا تعميم هذا النموذج من الحكم فى الدول العربية .
والبديل الثانى الإسلام الشيعى وهو المؤهل بقوة لأن يلعب دورا قويا فى السنوات المقبلة ، لذا تأتى محاولات تطبيع العلاقات بين مصر وايران فى هذا الوقت بالذات .

كما توجد دلالات أخرى لهذا التقارب منها :
1- بعد وفاة الخمينى عام 1989 وتسلم القيادة هاشمى رفسنجانى ، حاول الأخير اخراج ايران من عزلتها ، ومحاولة ظهورها بمظهر الدولة المحبة للسلام واقامة علاقات مع دول الجوار ، وذلك عن طريق ترتيب أوراق العلاقات الخارجية للسياسة الإيرانية ، وتأجيل مبدأ تصدير الثورة ، وبدأت بالمغازلة مع مصر بإطلاق صراح الأسرى المصريين فى الحرب العراقية الإيرانية .
2- انتهاء الحرب العراقية الإيرانية (1980- 1988) ، ووقف المساعدات للعراق ، ثم حرب الخليج الثانية والموقف الموحد بين العرب وايران بخصوص الحرب .
3- وصول الإصلاحيين إلى الحكم عام 1997 بقيادة محمد خاتمى ، وهو يريد أن يغير صورة الوجه القبيح لإيران ، مع العلم أنه لا فرق بين اصلاحييين ومحافظين فى بغضهم للمسلمين .
4- بعد خروج العراق من حلبة الصراع وتدميره واحتلاله أصبح هناك خلل فى التوازن بين الدول العربية وإيران لابد من سده حتى لا تهيمن ايران على دول المنطقة .
5- خشية الدولتان من أن تطالهما المطرقة الأمريكية أحادية القوة، أو عزلهما سياسيا ودوليا كما حدث مع غيرهما.
6- محاولة ايران التعتيم على سلاحها النووى .
7- بعد حرب الخليج الثانية وبعد احتلال العراق واستسلام ليبيا وسوريا أصبحت مصر هى الدولة العربية الكبرى فى مواجهة الطاغوت الأمريكى ، وأنها المرشحة للتركيع بالقوة ان أبت ، فكان عليها أن تسعى لتكوين تكتلات – مع من ايران؟!- حتى تستطيع أن تقف فى وجه الهيمنة الأمريكية .
8- قامت ايران بتسليم "رفاعى طه " أمير الجماعة الإسلامية سابقا -إلى مصر عن طريق سوريا حيث أنه لا توجد بين البلدين اتفاقية تسليم المحتجزين .
9- اتفاق وجهات النظر بينهما فى القضية الفلسطينية ، وظهور علاقات علنية بين اليهود وايران ، وتفهمها لمسارات عملية السلام .
10- خوف ايران من ملاحقتها عالميا وأوروبيا بسبب ملف حقوق الإنسان الإيرانى حيث ممارسة التعذيب وإبادة المعارضين بأبشع الوسائل ، عندما فتح القاضى البلجيكى " دميان فندير ميرش " ملف التحقيق فى التهم الموجهة لرفسنجانى بهذا الخصوص عندما كان رئيسا للجمهورية الإيرانية .
11- الخوف من انفراد اسرائيل بالمنطقة اقتصاديا وسياسيا وعسكريا، بعد تدمير القوة العربية الكبرى العراق.
12- هناك بعد اقتصادى حيث تعتبر مصر وايران من أكبر الأسواق فى المنطقة ، كما تعتبر ايران بالنسبة لمصر معبرا لدول آسيا الوسطى ، وتطمع مصر فى جذب السياح الايرانيين الذين ينفقون ببذخ .

وبعد فهذا تحذير لمن كان له قلب وعقل ليفقه الواقع مع ربطه ببعده العقدى والتاريخى بعيدا عن السفسطة والسذاجة التى تخيم على قلوب البعض وعقولهم لا سيما وأن الأمة الإسلامية ـ أهل السنة والجماعة ـ تمر بأحلك فترات تاريخها ، وتكالبت على قصعتها الأكلة من كل حدب وصوب ليلتهموها ، الصليبيون واليهود والشيعة والشيعيون والعلمانيون والمنافقون وغيرهم .
فهل بقى وقت للتفكير نسأل الله أن ينصر الإسلام ويعز المسلمين وأن يجعل كيدهم فى نحورهم انه ولى ذلك والقادر عليه ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .


المصدر / العالم ابن مصر

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق