الأحد، 24 أبريل 2011

قوات من «الباسيج» الإيراني ترفض إطلاق النار على المتظاهرين !

جريدة الشرق الأوسط اللندنية 18 من جمادى الأولى 1432هـ / 21 من إبريل 2011م

الأشهر المقبلة حاسمة بالنسبة إلى النظام الإيراني، هو يريد ألا يتشتت تركيزه حول الهدف الأبعد: الانسحاب الأميركي من العراق الذي يتيح له بسط نفوذه على هذا البلد العربي ومنه، حسب اعتقاده، يتحكم في المنطقة الخليجية كلها. لكن، ما يجري في الداخل وضمن أعمدة الأجهزة الأمنية، أو أجهزة القمع، بدأ يمتص الكثير من التركيز، ويدعو إلى قلق القيادة الإيرانية.

يراقب النظام الإيراني عن كثب ما يجري في سورية. الأسبوع الماضي تم اتخاذ أشد العقوبات بحق جنود سوريين رفضوا إطلاق النار على المتظاهرين في بانياس، وحاليا تناقش القيادة الإيرانية كيفية التعامل مع ضباط عسكريين رفضوا تنفيذ الأوامر بإطلاق النار على المتظاهرين. هذه «الظاهرة» سببت ذعرا على مستوى النخبة السياسية والحرس الثوري.

في الأيام الماضية، تم فصل سبعة عناصر من قوات «الباسيج» لرفضهم تنفيذ أوامر قادتهم. كانوا ضمن مجموعة من العسكريين الذين انشقوا عن الطاعة بعدما أمرهم قادتهم بإطلاق النار على المتظاهرين في شوارع طهران في الأول من شهر مارس (آذار) الماضي.

الذين رفضوا تنفيذ الأوامر زج بهم في سجن «أيفين» في طهران، وتعرضوا للتعذيب. وحسب مصادر موثوقة، فإنهم، أثناء التحقيق معهم في العنبر رقم 209، (المشهور عند السجناء السياسيين، لسوء المعاملة التي يتعرضون لها داخله)، طولبوا من قبل المحققين بالكشف عن أسماء «قادتهم» (أي الذين حثوهم على التمرد)، وإعطاء المعلومات عن آخرين «خانوا أوامر الباسيج».

انضم إلى المحققين، ضباط كبار من «الحرس الثوري»، الذي لديه السيطرة العملاتية على «الباسيج». أرادوا أن يعرفوا ما إذا كان رفضهم تنفيذ الأوامر له علاقة بالرسالة التي وجهها مجموعة من ضباط الحرس في فبراير (شباط) الماضي، إلى قائد «الحرس الثوري» الجنرال محمد علي جعفري. (الرسالة تم تداولها مؤخرا على مواقع الإنترنت الفارسية، وفيها يعلن الضباط رفضهم استعمال العنف ضد المتظاهرين).

في السجن، نفى أعضاء «الباسيج» أي علم لهم بالرسالة، فتمت إقالتهم من مناصبهم.

الآن، يدرس القادة العسكريون الإيرانيون إجراءات أكثر صرامة. هناك نقاش بين مسؤولين من أعلى المراتب حول كيفية التعامل مع المنشقين. ضرورة حل مثل هذا السلوك، أصبحت أكثر أهمية، خصوصا إذا تكرر، بسبب ما تضمنته رسالة ضباط «الحرس الثوري» حول رفض الانصياع لأوامر إطلاق النار على الإيرانيين العزل.

وبسبب هذا الحدث، والخوف من أن يتكرر وينتشر، دعا الأسبوع الماضي الجنرال جعفري إلى اجتماع لقادة الحرس لتقرير ما يجب عمله. أشار إلى ضرورة طرد الأفراد الذين لا ينفذون الأوامر، لكن بعض مساعديه رأوا ضرورة تصفية المتمردين، كعقاب لهم أولا، وثانيا لتوجيه رسالة إلى كل الرتب العسكرية، من أن هذا النوع من السلوك، لن يتم التسامح معه.

خلال الاجتماع طرح قائد «الباسيج» محمد ناجدي خيار إلقاء القبض على زوجات وأولاد (فوق الثانية عشرة من العمر) الذين قد يتمردون في المستقبل كوسيلة ردع، لكن بقية الضباط المجتمعين رأوا أنه يجب الاكتفاء بتوبيخ مقاتلي «الباسيج»، وذلك تجنبا لجذب الانتباه إليهم، وكي لا تتاح للمعارضة فرصة أن تحتشد حول قضيتهم وتحولهم إلى رموز «معارضة الجمهورية الإسلامية».

في الاجتماع، كان الجنرال جعفري حازما، بأن رفض الانصياع للأوامر يشكل خرقا غير مقبول لأحد أبرز المبادئ المقدسة في نظره، التي يتمثل دورها في حماية الجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأضاف، أن ما حدث في الأول من مارس الماضي في طهران، جرى أمام حشد من المتظاهرين، فإنه يشعر بأن عليه توجيه رسالة بأن عدم الإخلاص لا يمكن التسامح به.

إضافة إلى هذا، ومع إذن من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي أمر جعفري، «قوات القدس»، بتشكيل وحدة خاصة للتعامل مع المنشقين. والهدف الرئيسي لهذه الوحدة التسلل سرا إلى فرق «الحرس الثوري» وفروع «الباسيج» عبر إيران كلها، من أجل اقتلاع جذور الانشقاق، وتوفير «التقارير الميدانية» عن الخونة، بحيث يمكن القبض عليهم ومحاكمتهم فورا.

قبل كل شيء، يرى جعفري وآخرون في القيادة الإيرانية منع أي إيحاء عن تمرد داخل صفوف الجيش، يمكن أن ينتشر ويصبح خارج السيطرة.

وحسب المصادر الموثوقة، فإن جعفري، عَـبَّرَ سِرًّا لخامنئي عن مخاوفه من تأثير «الدومينو»، حيث الأحداث في المنطقة قد تحفز عناصر تحت إمرته، ليقاوموا النظام.

وفي هذا السياق، أشار إلى أن بعضًا من قادة الجيش الليبي تخلوا عن العقيد معمر القذافي. كيف؟ وقال إنه يتخوف في حال تسرب خبر المتمردين في «الباسيج»، أن يؤدي إلى انشقاقات داخل الجيش و«الحرس الثوري».

هذا الخوف، تأكد فعلا، بسبب ما جرى منذ نشر الرسالة التي وقعها ضباط من «الحرس الثوري»، وفيها يعلنون تعهدهم بعدم إطلاق الرصاص على المتظاهرين. وقال الضباط بالتحديد: «إننا نَعِدُ شعبنا بأننا لن نقتل أو نضرب إخوتنا». ويبدو أنهم استوحوا ذلك من الجيش المصري، قبيل سقوط الرئيس السابق حسني مبارك، وقد ذكروا هذا صراحة.

وكانت الرسالة التي وزعت في فبراير (شباط) الماضي، وقعها ضباط من شُعبة «رسول الله» في طهران، وبعض ضباط المقر الرئيسي لقيادة الحرس في طهران، وضباط من أصفهان، وقم، وتبريز وسنندج.

أساس الذعر لدى النظام الإيراني الآن، يعود إلى احتمال العصيان على نطاق واسع، مما قد يؤدي إلى ثورات داخلية تنبع من زوايا عسكرية مختلفة، بطريقة قد لا يمكن السيطرة عليها.

إن القلق المتصاعد بين صفوف القيادة الإيرانية، أدى في الأسابيع الأخيرة إلى الرد على المظاهرات في طهران، وأصفهان وشيراز، بنشر الآلاف من رجال الأمن، بطريقة ظاهرة ومخفية. كما سمحت القيادة للمولجين بالحفاظ على الأمن، بالاعتقال الفوري واللجوء إلى استعمال القوة من دون تردد، كما عمدت القيادة الإيرانية إلى القطع والتعتيم على الاتصالات من أجل تعطيل أنشطة المعارضة.

في ظل هذه التطورات، فإن إمكانية التمرد داخل القوات المسلحة (من جيش، وحرس ثوري وباسيج)، تمثل تهديدًا واضحًا لاستقرار النظام الإيراني، الذي يحاول المستحيل للظهور بأنه من أقوى الأنظمة في المنطقة، وأن جذوره الممتدة على طول 32 عامًا لا يمكن زعزعتها. لكن النظام المصري قضى، وكان له من العمر 30 عامًا، وأطاح به الجيش. والنظام السوري يهتز، وكذلك النظام الليبي، والنظامان بلغا من التسلط الفردي أربعين عامًا وما يزيد.

وقد تتزامن تطورات الأحداث الداخلية في إيران، مع عودة العمليات الإرهابية إلى العراق وتحرك في كردستان على الحزبين الحاكمين هناك، (بدأت المظاهرات يوم الاثنين الماضي)، حليفي النظام الإيراني، تمامًا كنوري المالكي.

ومن هنا محاولة إيران فك اللغز السعودي، عبر التهديد الإيراني الغريب بغزو المملكة، إذ أبلغ الجنرال يحيى رحيم صفوي يوم الاثنين الماضي الصحافيين، بأن وجود السعودية في البحرين سابقة غير صحيحة، وقد تتكرر في المستقبل، وقال إن السعودية نفسها قد تتعرض لغزو للسبب نفسه الذي دخلت به البحرين!

هذا التهديد يكشف النيات المبيتة لدى القيادة الإيرانية، رغم أنه «تهديد دخاني»، كما أنه يكشف أن الخطوة السعودية الجريئة وضعت إيران في موقف صعب.

الكاتب / هدى الحسيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق