الأربعاء، 1 يونيو 2011

كيف فشلت الاستخبارات الإيرانية في اختراق «الموجة الخضراء»؟

جريدة الشرق الأوسط اللندنية 23 من جمادى الآخرة 1432هـ / 26 من مايو 2011م

عالم الاستخبارات ليس جديدا، وإيران اشتهرت بتمرسها في دهاليز هذا العالم إلى درجة أن جهاز استخباراتها يعتبر الأفعل بين أجهزة الاستخبارات العالمية، ويضعه البعض في خانة جهاز «الموساد» الإسرائيلي نظرا لنسبة النجاح والاحتراف. لكن بدأت الصراعات الداخلية تعصف بهذا الجهاز، كما بدأ يحصد الفشل في حالات كثيرة. وفي حين عمل هذا الجهاز لاختراق المعارضة الإيرانية في الخارج، عبر عميل متمرس، انتهت العملية بأن كشف العميل أسماء إيرانيين بارزين في الخارج يعملون إلى جانب النظام، وتبين أن بينهم رجال أعمال بارزين، وأكاديميين وأثرياء، ومصرفيين ما لم يخطر في بال أي كان، أن يكونوا يعملون لمصلحة النظام.

في العملية الأخيرة، لم يتردد النظام الإيراني من استعمال مهدي كروبي، كطعم، للإيقاع بمؤسس حركة «الموجة الخضراء» أمير جاهنشاهي. كما أنه لم يتردد في سجن كروبي وحسين موسوي لإكمال «المسرحية» وللإيقاع بجاهنشاهي، والنجاح باختراق حركته كي يتم إلقاء القبض على المتعاونين معه في الداخل. وفشل هذه العملية أربك النظام الإيراني فأقدم على اعتقال مجموعة من رجال «الحرس الثوري»، واتهمهم وكان الاتهام خاطئا. كما أن الصراع بين الرئيس محمود أحمدي نجاد ووزير الاستخبارات حيدر مصلحي دفع «بالمتبارين» الإيرانيين إلى اعتقال 30 إيرانيا اتهموهم بالعمل لصالح وكالة الاستخبارات الأميركية (السي آي إيه) واتُّهِمَت السفارة الأميركية في دولتين غير مرض عنهما الآن إيرانيا - (الإمارات العربية المتحدة وتركيا) - الإمارات لموقفها الواضح والجريء تجاه إيران وبرنامجها النووي، وتركيا لموقفها المفاجئ تجاه سوريا بعدما صارت سوريا وإيران تصنّفان تركيا بين دول الممانعة، بأنهما جندتا الإيرانيين.

لعبة الاستخبارات الإيرانية بدأت تهتز، سقطت في البحرين، انكشفت في الكويت، فشلت فشلا ذريعا في دعم النظام السوري، واعتُقل العملاء الإيرانيون في عدة دول أفريقية، ولما وصلت إلى المعارضة الإيرانية في الخارج، وبدل أن ينجح العميل الإيراني في العودة إلى إيران ومعه لائحة بشبكات «الموجة الخضراء» ومعلومات عن نشاطها وتحركها، إذا به يعترف بأنه عميل للنظام ويسرد أسماء العملاء الإيرانيين في الخارج، وأنه كان السبب في اعتقال كروبي.

بدأت القصة عندما نجح محمود زماني (اعترف فيما بعد بأن النظام كلّفه بالاتصال بدول أجنبية وعربية، ونجح في ترتيب لقاءات مع ممثلين عن هذه الدول) نجح في نهاية شهر يونيو (حزيران) وبداية شهر يوليو (تموز) من العام الماضي بالاتصال وترتيب لقاء مع جاهنشاهي على أساس أنه يمثل آية الله مهدي كروبي. كان لقاء للتعارف والاتفاق على لقاءات تالية لـ«التنسيق»، ولوحظ أنه جاء بعدما كشف جاهنشاهي عن الدستور الذي يعمل عليه وقال لـ«الشرق الأوسط» في ذلك الوقت إن لديه خطة لزعزعة إنتاج النفط في إيران.

في منتصف شهر أغسطس (آب) من العام الماضي جاء زماني ناقلا رسالة شفهية من كروبي، بأنه يريد أن يشارك بكل قوته مع المعارضة في الخارج، لكنه يصر على أن تكون القيادة الحقيقية للمعارضة بين أيدي لاعبين في الداخل. فكان رد جاهنشاهي الحاسم، أن الخيار الوحيد هو في تغيير النظام، وبالتالي فإن القيادة لا يمكن أن تكون من الداخل. في ذلك اللقاء طالب زماني بدعم مالي لعائلات السجناء السياسيين، لكنه لم يتلق الرد الذي يرضيه.

اللقاء الثالث كان في أواخر سبتمبر (أيلول) الماضي، حيث جاء زماني ليقول إنه وكروبي درسا تفاصيل «الحكومة الانتقالية» التي وضع بنودها جاهنشاهي ولديهما تحفظات تتعلق بمستقبل «الدستور الوطني».

بين أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني) من العام الماضي جاء زماني ليقول إن كروبي لم يعد مقتنعا بأن الإصلاحات تكفي، وصار يفضل تغيير النظام وبالتالي فإنه مستعد أن يناقش على هذا الأساس، مع العلم أنه وبسبب سنه فهو ليس في وضع القادر على أن يقود حركة التغيير. ثم حاول زماني الحصول على أموال لدعم مظاهرات كانت ستخرج في «يوم عاشوراء»، لكن جاهنشاهي رفض لأن الظروف لا تساعد على مثل هذه المظاهرات.

في اللقاء الخامس، وكان في شهر ديسمبر (كانون الأول) نقل زماني رسالة من كروبي بأن هناك احتمالا باعتقاله وحسين موسوي في أي لحظة، فاقترح جاهنشاهي، إذا ما وافق كروبي، على أن ينقله إلى الخارج، لكن جاءه الجواب لاحقا عبر زماني، بأن كروبي لا يمكن أن يحقق شيئا إذا ما غادر إيران. عندها تملك جاهنشاهي انطباع وكأن كروبي يريد أن يعرف ما إذا كان مؤسس «الموجة الخضراء»، يناقش الأمور مع قوى خارجية.

في نهاية شهر شباط (فبراير) الماضي، ألقت السلطات الإيرانية بالفعل القبض على كروبي وموسوي، ونقلتهما إلى مكانين مجهولين. وفي شهر آذار (مارس) جاء زماني ليقول إن الوقت حان للتعاون والقيام بعمليات داخلية، وإن لديه ألف شخص قادرين على البدء في تنفيذ عمليات داخل إيران. قبل أن يتخذ أي قرار، جمع جاهنشاهي زماني مع فريقه من المحققين الأمنيين، ليتأكدوا من أن لا غشّ في أقواله وقدراته. وكان قد بدأ يصدقه خصوصا بعد اعتقال كروبي. لكن المحققين الأمنيين نصحوا زماني بالعودة إلى إيران وانتظار إشارة منهم.

كانت كل الاتصالات به، تجري عبر ابنته المقيمة في إحدى الدول الخليجية، وأُبلغ من قبل المجموعة الأمنية بأن يتوجه إلى إحدى الدول الآسيوية. كانت المجموعة جمعت معلومات إضافية عنه من قبل «خلاياها» داخل إيران، ولما وصل واجهته بأنه عميل للنظام الإيراني فانهار واعترف بأن جهاز الاستخبارات الإيرانية أرسله ليخترق «الموجة الخضراء». وقال إنه أجبر على التجاوب لأن السلطات الإيرانية اعتقلت ابنه وهددته باعتقال شقيقه إسماعيل الذي كان من «مجموعة المنصورين» ثم انضم إلى «مجاهدي الجمهورية الإسلامية» بقيادة بهزاد نبوي (مجموعة إصلاحية كانت نشطة في مجلس الشورى السادس). وكان إسماعيل حُكم بالسجن مدى الحياة في عهد الشاه، وأطلق سراحه مع آخرين، بينهم مسعود رجوي على يد حكومة شابور بختيار (الذي قتله رجال الخميني في باريس)، ولاحقا صار نشطا في صفوف «الحرس الثوري» مكلفا بالإشراف على مكاتب المحافظات، ومن ثم نائبا في البرلمان.

اعترف زماني بأن السلطات في إيران طلبت منه أن يقوم بعمليات داخلية معينة وهي زودته بألف رجل، «كي يكسب ثقة جاهنشاهي».

أثناء التحقيقات تبين أن النظام طلب من زماني استعمال كروبي للوصول إلى اختراق «الموجة الخضراء». وأنه أثناء لقاءاته بكروبي كان يسجل كل أحاديثهما، وبسبب أشرطة التسجيل وما ردده كروبي، تم اعتقاله.

خلال اللقاءات المتكررة، كان زماني يحاول أن يعرف من هم الذين يدعمون «الموجة الخضراء» داخل إيران. وكان يصر على تنظيم عمليات داخل إيران تقوم بها شبكته وشبكة جاهنشاهي. لكنه لم يكن يعرف أن لدى «الموجة الخضراء» شبكات كثيرة، إنما لا تعرف أي شبكة منها، من هي الشبكة الأخرى وما تقوم به وذلك لحماية أمنها. كان زماني، قبل انكشاف أمره يحاول معرفة برنامج «الموجة الخضراء»، ومتى ستطلب الحركة من الناس النزول إلى الشارع والبقاء فيه، وما هي القدرات المالية للحركة التي ستزود بها المتظاهرين واتحادات العمال. كان النظام يريد ذلك لينظم من جهته التحكم بالشارع إذا ما جرت المظاهرات.

اللافت، أن السلطات الإيرانية كانت مستعدة أن تسمح لزماني القيام بالعمليات التي تطلب «الموجة الخضراء» منه تنفيذها، كي يكسب ثقتها. وبعد الصراع على وزارة الاستخبارات، تبين أن زماني جنده الفريق المقرب من أحمدي نجاد، وليس الفريق المقرب من الوزير مصلحي القريب من خامنئي.

بعد انكشاف مخطط زماني وفشله، في طريق عودته إلى إيران، اتصل من إحدى الدول الخليجية، عارضا أن تبقى العلاقة قائمة «لأن أحدا لا يعرف كيف ستتطور الأمور».

الكاتب :- هدى الحسيني

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق