الأحد، 8 مايو 2011

الفوضى الإقليمية في أجندة أمريكا وإيران و سوريا

الإسلام اليوم/ 6-6-1428هـ

تتسارع الأحداث بوتيرة عالية في منطقة الشرق الأوسط مؤخراً في إطار نزاع المصالح لبسط النفوذ، و تبادل المكتسبات و المواقع، و تبدّل الأدوار و اللاعبين، و التحرك باتجاه ملء الفراغ الجيو-إستراتيجي, و الأمني و السياسي الذي تركه سقوط النظامين في أفغانستان و العراق.

السمة المشتركة في هذه الأحداث وجود:

1- ثلاث دول بدون نظام سياسي مركزي يصاحبه شلل في إدارة البلاد أو عدم القدرة على إدارتها مطلقاً, و هي: العراق, لبنان و فلسطين.

2- وجود نفوذ قوي جداً لثلاث دول إقليمية و دولية في هذه البلدان بطريقة مباشرة أو غير مباشرة و هي: أمريكا, إيران و سوريا, و استخدام هذه الدول لساحات العراق و لبنان و فلسطين كأوراق تفاوض و مساومة في النزاع الدائر على بسط النفوذ.

3- تضارب مصالح الدول الإقليمية و الدولية هذه في ثنائية "تثبيت الاستقرار أو نشر الفوضى" في العراق, لبنان و فلسطين تبعاً للمتغيرات و المصالح.

4- وجود نزاع داخلي في هذه البلدان بدرجات متفاوتة, متداخل و متشابك و معقّد في العراق, ثنائي واضح في فلسطين, و ضدّ فريق واحد و أحادي في لبنان.

أزعم أنّه لا يمكن لأحد أن يلاحق التفجيرات التي تجري هنا و هناك في هذا البلد أو ذاك ليصل إلى نتيجة قاطعة بأن المحرّك واحد، و أن الهدف واحد لانعدام الأدلة الحسيّة, لكن و لكي نرى الصورة بشكل أوضح و بطريقة أقرب إلى الحقيقة منها إلى التخيلات و الفرضيات علينا أن نربط التطورات بسؤال جوهري هو: من الذي يدفع باتجاه الفوضى في كل بلد من هذه البلدان؟ و لماذا؟

ليس صحيحاً أن الفوضى حكر على أجندة الولايات المتّحدة من خلال ما يُعرف باسم "نظرية الفوضى الخلاّقة" التي مازال المحللون يعتمدون عليها في تسويق و تسويغ نظرياتهم من أن أمريكا تقف وراء كل الفوضى الحاصلة في المنطقة.

هذا التنظير كان صحيحاً عندما بدأت الولايات المتّحدة الإطاحة بالنظامين في أفغانستان و العراق, فالفوضى في ذلك التوقيت تخدم المشروع الأمريكي، و تضعف من السلطة المركزية في هذه البلدان، و تتيح للأمريكي بسط نفوذه بطريقة أسهل. لكنّ الأمر انقلب تماماً بعد صعود المقاومة الأفغانية و العراقية, و إخفاق الولايات المتّحدة في تحقيق أي تقدم على صعيد بناء دولة و سلطة سياسية في هذين البلدين.

 و قد انقلب الهدف الأمريكي في ذلك الوقت من الدفع باتجاه الفوضى إلى تحقيق الاستقرار، و ذلك لأنها بحاجة إلى تقديم إنجاز إلى المجتمع الدولي و للداخل الأمريكي، و التسويق بأن حربهم لم تفشل، و أنهم نجحوا في بناء عراق ديموقراطي مستقر و ذي سلطة سياسية منتخبة.

في هذه اللحظة بالذات كان النفوذ السوري و الإيراني في العراق يهدف إلى الإبقاء على الفوضى بل و زيادتها و تغذيتها، خاصة في دعم إيران لفرق الموت و عصابات الصدر، في مقابل دعم سوريا للتفجيرات العشوائية و المتنقلة، و التي لا تستهدف أي أمريكيين مطلقاً و إنما هدفها نشر الفوضى.

و قد بقيت كل من إيران و سوريا لاعباً أساسياً في الإبقاء على الفوضى في العراق لدفع الولايات المتحدة إلى التفاوض معهما على الثمن الذي ستقبضانه مقابل المساعدة على تحقيق الاستقرار. لكنّ الاتفاق بين الحكومة السورية و العراقية مؤخراً أنهى النفوذ السوري هذا، أو قلّل منه بحيث أصبح الموضوع بين الإيرانيين و الأمريكيين.

إيران تمتلك ورقة الفوضى في العراق و ترميها في وجه الأمريكيين بهدف دفعهم إلى التفاوض، و الحصول على مكتسبات مقابل المساعدة في تحقيق الأمن و الاستقرار, و يبدو أن الطرفين توصلا مؤخراً إلى رؤية مفادها أن المقاومة العراقية تشكّل عائقاً للاثنين، و أنّه لا بد من الاتفاق أولاً على إيجاد وسيلة للقضاء عليها قبل استكمال النزاع بين الطرفين.

في فلسطين يبدو المشهد مختلفاً, فالمصلحة الأمريكية تقتضي ألاّ يكون هناك استقرار لصالح حماس في السلطة, و من شأن ذلك أن يخفّف الضغط على إسرائيل، و أن يشغل الفلسطينيين ببعضهم البعض، كما و أنّه يمنع كلاً من سوريا و إيران من استخدام حماس كورقة تفاوض إقليمية سواء في المباحثات السريّة الإسرائيلية-السورية, أو من خلال العروض الإيرانية السريّة.

نعود لثنائية الفوضى و الاستقرار في المشهد اللبناني هذه المرّة. هناك مصلحة أمريكية واضحة في الوقت الحالي في جعل هذا البلد مستقراً و قوياً, و يشكّل لبنان مفترقاً مفصلياً في النزاع بين الأطراف الثلاثة، و سقوطه في النفوذ الإيراني و السوري يعني استكمال الهلال الشيعي الذي تحدّث عنه الخميني في الثمانينيات، إذ تسقط كل من العراق, سوريا, لبنان و فلسطين في هذا النفوذ و يتكون الشق الأول من هذا الهلال.

لكن حرب تموز العام 2006 الأخيرة و تداعياتها أدّت إلى تحجيم النفوذ الإيراني إلى درجة كبيرة من خلال لجم حزب الله و تكبيله, و بالتالي تعطّل دور الحزب على الحدود، و الذي كان يتم استخدامه كرافعة أو ورقة ضغط في يد إيران, يتم التلويح بها و تحريكها بشكل موسمي كلما كان هناك مساومات ممكنة.

في المقابل بقي النفوذ السوري قوياً و فاعلاً, و بعد الحد منه في العراق لم يبق لسوريا سوى الورقة اللبنانية لتفاوض الأمريكيين عليها. السوريون يعملون على ضرب الاستقرار و نشر الفوضى المركّزة من خلال استهداف فريق سياسي واحد، و من خلال تفجير مناطق ذات دلالة سياسية و مذهبية واحدة, لإظهار العجز، و بالتالي إفشال التركيبة هذه، و الرجوع إلى التركيبة السورية التي كانت قائمة سابقاً خلال العقود الماضية.

بمعنى آخر, السوريون يقولون للأمريكيين: "إذا أردتم استقراراً في لبنان فعليكم بالرجوع إلينا و التفاوض معنا و مع حلفائنا في لبنان", و طالما أنّ السوريين لم يحصلوا على شيء بعد, فمن المتوقع أن يظل لبنان في أتون الفوضى و الاغتيال السياسي إلى حين انقلاب المعادلة أو تبدّل الأوضاع.

النفوذ الكلي لأمريكا, إيران و سوريا, في الدول التي نتحدّث عنها تمّت إعادة توزيعه في الآونة الأخيرة كما رأينا, و يمكن تلخيصه بالشكل التالي:

1- العراق: الفوضى المستحدثة من صنع إيران و ضدّ المصلحة الأمريكية, و النفوذ السوري تقلّص إلى أدنى درجة حالياً.

2- فلسطين: الفوضى المستحدثة من مصلحة أمريكا, و النفوذ السوري و الإيراني مازال موجوداً بقوّة.

3- لبنان: الفوضى المستحدثة من صنع سوريا و ضدّ المصلحة الأمريكية, و النفوذ الإيراني تقلّص بعد إغلاق الحدود الدولية، و انحصر في المسائل الداخلية لصالح السوريين.

لا يعني ذلك أنّه لا يوجد تشابك أو تداخل من قبل أطراف خارجية في خارطة توزيع الأدوار, لكنّ دور الأطراف الخارجية إذا افترضنا وجوده فهو ضعيف جداً و غير مؤثر على مجرى الأحداث في ظل وجود نفوذ قوي لهذه البلدان الثلاثة. فعلى سبيل المثال, لقد كان للقاعدة في مرحلة من المراحل مصلحة في وجود فوضى إقليمية, لكنّ الأمر لم يعد كما كان عليها, و القاعدة لا تملك أيضاً القدرة الكافية لا على إشعال هذه الفوضى، و لا على التحكّم بمجرياتها أو توظيفها على عكس أمريكا و سوريا و إيران. كما أن هناك بعض الأنظمة قد استحدثت "قواعد" خاصّة بها، و راحت تنفّذ عملياتها و أجندتها تحت واجهة أن القاعدة هي من يقوم بذلك, و هذا طبعاً للتمويه و لإبعاد الشبهات، و للتنصل من المسؤوليات أيضاً, و هذه الصورة واضحة بشكل قوي في المشهد اللبناني عبر سوريا.

إذاً المسألة ليست كما يحاول البعض تصويرها و اختصارها بالدور الأمريكي فقط؛ لأننا في صراع معه حالياً في العراق و أفغانستان. سوريا و إيران أيضاً تتحملان نفس المسؤولية و تلعبان نفس الدور السلبي، و تتاجران بشعوب و مصير هذه الدول, و عليه فالتعاطي مع هؤلاء الفرقاء يجب أن يكون على وتيرة واحدة، و ليس من منطلق الاجتزاء أو الانتقائية في التعامل مع الأحداث و التطورات.

الكاتب :- علي حسين باكير

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق