الاثنين، 9 مايو 2011

إيران.. والترويج للمظلومية الوهمية !

د. عدنان بن عبد الله الشيحة
المشهد في منطقة الخليج العربي أصبح واضحا جدا لا يحتمل التفسير ولا يدع مجالا للتأويل، ولكنه أيضا محير جدا يكتنفه كثير من التناقضات! فالمعطيات من الناحية النظرية تشير إلى إمكانية التعايش السلمي على جانبي ضفتيه فالمشتركات كثيرة أهمها الدين والجوار والمصالح الاقتصادية ومواجهة عدو مشترك. لكن ما يجري على الأرض عكس ذلك تماما. وهنا يقفز إلى الأذهان تساؤل تطرحه شعوب المنطقة في الجانبين العربي والفارسي سنة وشيعة على القيادة السياسية والمرجعية الدينية في إيران، لماذا هذا التجني والعداء الصارخ والسعي لزعزعة الأمن والتدخل في شئون دول الخليج التي تمد يد التعاون والتآخي وتفتح ذراعيها للإيرانيين؟ إيران الإسلامية التي استبشر المسلمون بها خيرا في أن تكون دولة سلام ومحبة مع جيرانها وراحوا يعقدون الآمال الكبيرة عليها في أن تكون عونا وداعما لتحرير بيت المقدس وإذا بها تفاجئ الجميع وفي ليلة ظلماء تغرز خنجرها المسموم في خاصرة الخليج العربي وتحتل الجزر الإماراتية. ومع ذلك لم يفقد العرب أملهم في أن تفيق إيران من غيبوبتها السياسية وترى مصالحها بعين الموضوعية والعدل والاستدامة والأخوة الإسلامية، لا بعين القوة والتكبر والتعالي والحقد والتدخل في شئونهم وفرض أجندتها التوسعية عليهم. لم يستوعب أحد أو في الحقيقة لم يرغب أحد في الجانب العربي أن يفهم أن نزعة الدولة الإيرانية مذهبية صرفة في سياستها الداخلية والخارجية فمنذ اليوم الأول لتولي الخميني زمام الحكم في إيران أعلنها واضحة صريحة تصديره للثورة التي هي مذهبية الشكل والجوهر، فالمادة الثانية عشرة من الدستور الإيراني تنص على أن ''المذهب الجعفري الاثني عشري يبقى إلى الأبد المذهب الرسمي لإيران وغير قابل للتغير'' وبذلك يتجاوز المذهب كافة الأديان والمذاهب الأخرى وهذا ما تؤكده المادة (121) التي تحدد طريقة أداء رئيس الجمهورية اليمين الدستورية حيث توجب عليه القول: ''أقسم بالله وفي حضرة القرآن الكريم أن أكون حاميا للمذهب الرسمي للبلاد''. وعلى أن هذا يبدو في ظاهر الأمر شأنا إيرانيا داخليا إلا أنه في الواقع يثير الفتنة الطائفية من جهتين، الأولى أن المذهب الصفوي الفارسي يروج لمفاهيم خاطئة وقصص مختلقة تثير النعرات الطائفية وتعزف على وتر الانتقام وتحرض على الكراهية وتؤصل للاختلاف حتى إنه لا يستنكف من النيل من رموز وشخصيات إسلامية بالسب والشتم دون احترام أو تقدير لمشاعر الأغلبية العظمى من المسلمين، كيف ذاك وهذا السب والشتم واللعن جزء أساس من هذه العقيدة النتنة التي تدور في ظلام دامس من الأوهام والخزعبلات التي تنافي الفطرة السليمة والعقول المستنيرة. أما الجانب الثاني فإيران المذهبية لم تبق ذلك ضمن حدودها الجغرافية فراحت تحرض المواطنين الشيعة في الدول الخليجية العربية وتوغر صدورهم بشعارات الثارات وتوظف أحداثا مأساوية في التاريخ الإسلامي بطريقة سمجة تزيد من الشقاق وتوهم الفرد الشيعي السوي العاقل المسالم أن عدوه اللدود هم أهل السنة، مع أن صفحات التاريخ تحكي أن الظلم وقع على أهل السنة أكثر من غيرهم فهذا أحمد بن حنبل إمام أهل السنة يقتاد مكبلا لأنه لم يقل بخلق القرآن ومن قبله عبد الله بن الزبير بن العوام يقف في وجه الحجاج ليقتل ويصلب أمام أمه أسماء بنت أبي بكر، وابن تيمية يسجن ويعذب سنوات ومن قبلهم ومن بعدهم كثيرون. وعلى آن ما أصاب أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو أشد وطأ وأعظم مصيبة على جميع المسلمين دون استثناء إلا أن استشهادهم هو شرف لهم في الدنيا ودراجات عليا في الآخرة فلم يكونوا طلاب دنيا، ولذا كان حريا تعظيم مواقفهم والفرح لهم وليس إقامة المأتم واللطم والسب والشتم حتى لأولئك الصحابة الكبار، الذين لم يشهدوا هذه الأحداث لتستمر موجة الكراهية تتوارثها الأجيال جيلا من بعد جيل لتشمل أناسا جاؤوا من بعدهم بـ 1400 سنة.

إن توليد الإحساس بالظلم والإيهام به هو أشد من الظلم نفسه! لأن الظلم يمكن مواجهته والتصدي له ولكن الإحساس والتوهم به خفي يسيطر على نفس وعقل الشخص لا ينفك عنه ولا يستطيع إزالته لأنه أساسا غير موجود إلا في مخيلته. هذا الباب الذي أرادت إيران أن تلج منه على الشيعة العرب وتؤلبهم على دولهم وهم الذين يعيشون مكرمين معززين منهم رجال الأعمال الأثرياء ومنهم المتعلمون وأساتذة الجامعات ومنهم المهنيون والموظفون يعاملون كغيرهم في المجتمع بالعدل والمساواة. فضلا عن الصداقات والعلاقات الأخوية والأسرية والروابط الاجتماعية القوية التي تجمع السنة والشيعة في المجتمعات الخليجية العربية، ولا يمكن تصور أن يكون حالهم بهذا المستوى المعيشي الراقي لو كانوا يعيشون في إيران، فالشيعة أنفسهم في إيران يعانون الأمرين من الاضطهاد وكبت الحريات وتعسف قوات الأمن. ولذا كان من الغريب والمضحك المبكي أن تدعي إيران الظالمة مظلومية إخواننا الشيعة في دولهم الخليجية العربية وهي تمارس أبشع أنواع القمع وإرهاب الدولة ضد مواطنيها. فما أشبه ادعاءهم المظلومية بمحرقة اليهود التي يتحججون بها لتمنحهم رخصة القتل والإفساد في الأرض من أجل البقاء وباسم الحماية وضمان عدم تكرار وقوع الظلم عليهم مرة أخرى!

لقد سقطت الأقنعة وبانت الأمور على حقيقتها وتأكدت خطط إيران التخريبية بإثارتها المذهبية المقيتة فما حدث في مملكة البحرين من غوغائية لا يكاد يصدق، فتلك المملكة الوادعة الآمنة ذات التاريخ الناصع والمثال الحي في احتواء جميع الثقافات والجنسيات والتعايش السلمي شاء الله أن تخوض تلك المحنة لتتحول إلى منحة تكشف من خلالها النيات الخبيثة والاصطفاف الطائفي الذي تحفزه إيران وتغذيه بشعور المظلومية التاريخية الوهمية لتحجب عن عقول بعض الشيعة المغرر بهم رؤية الأشياء على حقيقتها وتوغر صدورهم بالكراهية وتصم آذانهم عن سماع الحق فشعارات وتصرفات المحتجين لم تكن أبدا للإصلاح داخل البيت البحريني والحرص على الحوار وإبداء وجهات النظر وإنما صدى للنعيق القادم من الخارج يؤجج الصراع المذهبي ويقود إلى تعد صارخ على الأفراد وتخريب للممتلكات. لقد نجحت إيران في اختراق الصف البحريني بعزفها على وتر الطائفية والتغني بالمظلومية المزعومة. ولذا حان الوقت لأن يدرك المواطن الخليجي أين كان انتماؤه المذهبي والفكري أن للوطن حقا وحرمة والحفاظ عليه أمانة ومسؤولية كبيرة والسعي في الإصلاح والتطوير يكون من خلال الثوابت الوطنية مصدر هويتنا وكينونتنا فـ ''بلادي وإنْ جارت عليّ عزيزة وأهلي وإنْ ضنّوا عليّ كرامُ ''

إن إيقاف إيران عند حدها لن يحدث إلا بالمواطنة الصادقة وإعمال العقل وتغليب المصلحة الوطنية على العاطفة المذهبية.

الكاتب :- د. عدنان بن عبد الله الشيحة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق