الاثنين، 13 يونيو 2011

تأميم غرفة التجارة والصناعة

ما قل ودل: مشروع قانون تأميم غرفة التجارة... مخالفات دستورية


الكويت دولة اقتصادها حر


فيما أعلم والله أعلم، أن اقتصاد الكويت اقتصاد حر، وأن حرية العمل وحرية النشاط التجاري والمهني، هما من السمات الأساسية في المجتمع الكويتي. وأنه في دول الاقتصاد الحر، تكفل الدساتير للأفراد إنشاء مؤسساتهم الخاصة وجمعياتهم المهنية ومنظمات المجتمع المدني، وفقاً للقانون.


وأن دستور الكويت حرص على أن يقرر هذه المبادئ الدستورية الراسخة في ضمير الجماعة في المواد (16) و(20) و(41) و(43)، حيث نصت المادة (16) على أن الملكية ورأس المال والعمل مقومات أساسية لكيان الدولة الاجتماعي وللثروة الوطنية، مع الحرص على بيان أنها حقوق فردية ذات وظيفة اجتماعية ينظمها القانون، كما نصت المادة (20) على أن الاقتصاد الوطني قوامه التعاون العادل بين النشاط العام والنشاط الخاص.


وتكفل المادة (41) حرية العمل، وتكفل المادة (43) حرية تكوين الجمعيات والنقابات.


التزام قانون جمعيات النفع العام بمبادئ الدستور


وقد كان قانون جمعيات النفع العام، رقم (24) لسنة 1962، هو أحد القوانين التي أقرها المجلس التأسيسي، قبل أن ينتهي من إقرار الدستور، فالتزم المجلس التأسيسي في إقراره لهذا القانون، بالمبادئ الدستورية التي تقدم ذكرها، والتي جسدها المجلس بعد ذلك في نصوص مواد الدستور سالفة الذكر، فاعترف هذا القانون للأفراد بحرية تكوين الجمعيات، ولم يعط هذا القانون لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل سوى دور محدود هو تسجيل الجمعيات والنقابات والاتحادات وشهر قيامها في الجريدة الرسمية، ورقابة محدودة تمارسها الوزارة على هذه الجمعيات، في حال خروجها على أغراضها أو ممارستها لعمل غير مشروع.


التزام قانون العمل بالدستور


وكان التزام قانون العمل في القطاع الأهلي رقم (38) لسنة 1964 بالمبادئ الدستورية ذاتها طبيعياً، وقد صدر بعد إقرار الدستور لها، فاعترف في المادة (69) بحق تكوين اتحادات أصحاب الأعمال وحق التنظيم النقابي للعمال، وقرر في المادة (85) أن لأصحاب الأعمال الحق في تكوين اتحادات غايتها تنظيم مصالحهم والدفاع عنهم، وسرى عليها في المادة (87) أحكام المواد الخاصة بتنظيم نقابات واتحادات العمال، والتي تسير في أعمالها طبقاً لنظامها الأساسي الذي وضعه أربابها.


وعندما صدر القانون رقم (6) لسنة 2010 في شأن العمل في القطاع الأهلي، الذي حل محل القانون رقم (38) لسنة 1964 حرص القانون الجديد على التأكيد في المادة (99) على مبدأ حرية تكوين النقابات والاتحادات، ولم يعط لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل سوى دور محدود في الرقابة على هذه النقابات والاتحادات لضمان عدم خروجها على نظامها الأساسي الذي وضعه أربابها.


مشروع قانون الغرفة طائر خارج سربه:


وهي مبادئ فطن إليها قانون الغرفة لسنة 1959، قبل صدور الدستور لرسوخها في ضمير الجماعة وقتها، ولكن مشروع قانون الغرفة لم يلتفت إليها، وهو ما سند إليه فيما يلي:


فقانون الغرفة سنة 1959، لم ينشئ الغرفة، بل نص في مادتها الأولى على أن 'يكون إنشاؤها بناء على طلب ما لا يقل عن ثلاثين عضواً من أرباب التجارة والصناعة'.


كما نص في المادة (14) على أن تقوم الغرفة بوضع نظام داخلي لها، يحدد فئات المنتسبين لها والشروط المطلوبة منهم، ونظام الانتخاب، والقواعد التي تتبع في إدارتها لإيرادتها ورسومها وكيفية جبايتها والتصرف فيها... إلخ ما تنص عليه هذه المادة.
لذلك فقد بدا لي مشروع قانون الغرفة الذي أقرته لجنة الشؤون المالية والاقتصادية بمجلس الأمة، طائراً يغرد خارج سرب النظام الدستوري والقانوني في الكويت، فقد قرر مشروع القانون إنشاء غرفة تجارة وصناعة الكويت، كمؤسسة خاصة وفقاً لتعريفه للغرقة الوارد في المادة الثانية، دون اعتبار لإرادة أرباب هذه المهن والحرف، بعد أن تجاهل وجود الغرفة الحالي، امتداداً لتجاهله لقانونها، الصادر سنة 1959، بما أورده من أحكام انتقالية خاصة بانتخاب مجلس الإدارة الأول، متجاهلاً أن لهذه الغرفة مجالس إدارة على مدى نصف قرن.


بل بدا لي حرص المشروع على ألا يترك صغيرة أو كبيرة ينظمها أرباب هذه المهن في نظام أساسي يضعونه بأنفسهم، أو في لائحة داخلية يقررونها مثلما هو متاح للجمعية العامة للغرفة في قانون سنة 1959.


فقد أغلق المشروع الباب أمام الجمعية العامة للغرفة أو مجلس إدارتها في وضع أي شاردة أو واردة في إدارة أعمال الغرفة وأنشطتها المختلفة، عندما نص في المادة الستين على أن 'يصدر وزير التجارة والصناعة اللائحة التنفيذية لهذا القانون'.


أليس ذلك خروجاًَ صريحاً على نص المادة (43) من الدستور الذي يكفل حرية تكوين الجمعيات والنقابات، وعلى دور المشرع في التدخل في تنظيم الأنشطة الخاصة، والذي يجد حدوده في مبادئ الاقتصاد الحر المنصوص عليها في المواد (16) و(20 و(41) من الدستور.


مشروع قانون تأميم الغرفة


ولا أجد ما أقوله أمام هذه المخالفات الدستورية في مشروع قانون الغرفة، سوى أن أستميح اللجنة المالية والاقتصادية بمجلس الأمة الموقرة عذراً في أن أضع لهذا المشروع عنواناًَ آخر هو، مشروع قانون تأميم الغرفة.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.


أنهيت مقالي المنشور أول من أمس تحت العنوان ذاته، بأنني أستميح اللجنة المالية والاقتصادية الموقرة عذراً في أن أطلق على مشروع قانون الغرفة الذي أقرته، مشروع قانون تأميم غرفة التجارة، بعد أن بينت كيف خرج مشروع قانون الغرفة، خارج سرب النظام الدستوري والقانوني في الكويت بحرمان أصحابها من حقهم الطبيعي في تكوينها وتنظيمها، بما ينطوي على مخالفة أحكام المواد (16) و(20) و(41) و(43) من الدستور، التي تضمنت المبادئ الدستورية التي يقوم عليها نظام الاقتصاد الحر في تدخل الدولة المحدود في النشاط الخاص، وحرية تكوين الجمعيات والنقابات واتحادات أصحاب الأعمال.


وأتناول في هذا المقال مخالفات دستورية أخرى هي:


إشراف وزير التجارة على الغرفة


وفيما أعلم، والله أعلم، أن دستور الكويت وغيره من دساتير دول العالم التي تأخذ بنظام الاقتصاد الحر، لم تأخذ بإشراف الوزراء على المؤسسات الخاصة، وأن دستور الكويت في تحديده لمسؤوليات الوزير وصلاحياته، قد نصّ في المادة (130) على أن 'يتولى كل وزير الإشراف على شؤون وزارته ويقوم بتنفيذ السياسة العامة للحكومة فيها، كما يرسم اتجاهات الوزارة ويشرف على تنفيذها'.
كما حظرت المادة (131) على الوزير أن يزاول في أثناء توليه الوزارة، مهنة أو عملاً صناعياً أو تجارياً أو مالياً.
ولذلك فقد بدت لي المادة الثانية من مشروع قانون الغرفة فضلاً عن مخالفتها لأحكام المواد (16) و(20) و(41) و(43) من الدستور التي تحدد سمات النظام الاقتصادي في الكويت، منطوية كذلك على مخالفة للمادتين (130) و(131) من الدستور، في ما تنص عليه من إشراف الوزير على غرفة التجارة والصناعة، بالرغم من اعتراف هذه المادة بأنها مؤسسة خاصة، لما ينطوي عليه ذلك من مد إشراف الوزير المنصوص عليه في المادة (130) من الدستور إلى المؤسسات الخاصة، واستثناء الغرفة من مجال تطبيق الحظر المنصوص عليه في المادة (131) من الدستور، والذي جاء الحظر فيها عاماً ومطلقاً، فيسري على أي مؤسسة خاصة ولو كانت منشأه بقانون، لا يملك إنشاءها أصلا، أو كان الغرض من إنشائها هو النفع العام، بما ينطوي ذلك أيضاً على مخالفة لأحكام المادتين (130) و(131) من الدستور.


هل أصبحت الغرفة مؤسسة عامة؟


يقول الأصوليون 'إن العبرة بالمعاني لا بالألفاظ والمباني'، لذلك فقد بدا مشروع قانون الغرفة بإنشائه للغرفة، على أشلاء غرفة لا يعترف بوجودها الشرعي والقانوني، منكراً لهذا الوجود أصلاً وامتداداً لإنكاره لقانونها الصادر سنة 1959، في الوقت الذي لم يلتزم بأحكام الدستور، بأن يكون إنشاء هذه الغرفة، بإرادة أصحابها، وبما أورده المشروع من تنظيم كامل لهياكل الغرفة، وكيفية تشكيلها وعدد أعضائها، والصلاحيات والحقوق والواجبات التي قررها لهذه الهياكل، وغير ذلك من تفصيلات يضيق المقام عن سردها، وحرمان جمعيتها العامة من حق وضع ولو لائحة داخلية لها، عندما فّوض المشروع وزير التجارة والصناعة في وضع لائحة تنفيذية لهذا القانون، ثم بتقرير إشراف وزير التجارة والصناعة على الغرفة، قد بدا لي من كل ذلك أن المشروع يستهدف إنشاء مؤسسة عامة، خانه التعبير عنها فنصّ على أنها مؤسسة خاصة ذات نفع عام.


ولا يقلل من هاجس تحول غرفة التجارة إلى مؤسسة عامة، أن يكون تشكيل مجلس إدارتها بالانتخاب، لأن الانتخاب يعرفه أشخاص القانون العام أيضاً، فالانتخاب مقرر في المجالس المحلية في الدول التي تأخذ باللامركزية المحلية، وهي مجالس تعتبر من أشخاص القانون العام، وليست مؤسسات خاصة، ويُختار رجال القضاء في بعض الدول بطريق الانتخاب.
بل إن الغرفة، تصبح بإشراف وزير التجارة والصناعة عليها في وضع أقل استقلالاً من المؤسسات العامة، لأن الدستور لم يمنح الوزراء اختصاصاً بالإشراف على المؤسسات العامة، التي ألزم الدستور المشرع في المادة (133) بأن يكفل استقلالها في ظل توجيه الدولة ورقابتها. والتوجيه والرقابة يختلفان عن الإشراف، لأن الإشراف هو تدخل في الإدارة الفعلية لهذه المؤسسات العامة التي يحرص الدستور على استقلالها، أما التوجيه والرقابة فيمارسهما الوزراء من خلال رئاستهم لمجالس إدارات الهيئات والمؤسسات العامة التي تقرر السياسات العامة لها، ومتابعة تنفيذ هذه السياسات.


هل يلغي المشروع نصاً في الدستور؟


سؤال يطرحه مشروع قانون الغرفة في ما نص عليه في المادة (60) من أن 'يلغى كل نص في قانون عام أو في قانون خاص يتعارض مع أحكام هذا القانون'، وذلك للخروج من المأزق التشريعي الذي أوقع المشروع نفسه فيه، بإنكار وجود قانون الغرفة لسنة 1959، وإغفال ذكره في ديباجة المشروع التي حفلت بخمسة عشر قانوناً لعله أهمها، فوقع المشروع في مأزق دستوري هو إلغاء أي نص دستوري يتعارض مع أحكام المشروع، لأن الدستور هو فرع من القانون العام، وأي نص فيه هو نص في قانون عام.


وما كان أغناه المشروع عن إيراد هذا التقسيم الفقهي لمقررات الدراسة بكليات الحقوق للقانون إلى عام وخاص، لأن هذا التقسيم لا يعرفه الدستور، وليس من طبيعة عمل المشرع، الذي يجب أن ينأى بنفسه عن تقسيمات فقهية توقعه في الحرج، خصوصاً أن مشروع قانون الغرفة يشوبه شبهة التعارض وأحكام المادة (43) من الدستور التي تقرر حرية تكوين الجمعيات والنقابات، وكأن المشروع أراد بذلك إلغاء النص الدستوري، وهو ما لا نعتقد أنه القصد من نص المادة (60) من المشروع، وإن كان قد وقع المحظور.
وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.




الكاتب :- المستشار شفيق إمام
http://www.kt.com.kw/ba/chamber.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق