الاثنين، 13 يونيو 2011

إنهاء التدخل الإيراني في العراق... ماذا يعني ؟

السياسة الكويتية 9-رجب-1432هـ / 11-يونيو-2011م

ضمن إطار حملات التظاهر للقوى والتيارات السياسية في العراق اليوم الرافضة حالة الشلل السلطوي و التردي الأمني و الخدماتي لحكومة نوري المالكي العاجزة عن الفعل والإنجاز خصوصا بعد انتهاء مهلة المئة يوم التي حددها هو شخصيا كموعد نهائي لتحسين الأوضاع قبل الرحيل المفترض ، طرح شعار مهم وهو "ضرورة إنهاء التدخل الإيراني في العراق" وطبعا هذا الشعار بكل ما يحمله من معان وصيغ ظاهرية أو باطنية يظل عصيا على التنفيذ لأن ترجمته على أرض الواقع الميداني والملموس تعني أساسا انتهاء العملية السياسية برمتها وتقويض كل ما بني منذ احتلال العراق عسكريا من قبل الولايات المتحدة عام 2003 وحتى اليوم، أي الشطب على مرحلة زمنية دموية مكلفة ورهيبة عمرها ثمانية أعوام عجاف عانى فيها العراق، وأستنزف بشكل لم يحدث في أي مرحلة تاريخية سابقة وتصاعد النزاع الطائفي والعشائري فيه وبلغ التخلف الحضاري والقيمي والاجتماعي أعلى مستوياته وباتت الروايات الخرافية وعمائم الدجل السياسية ونصابو الطائفية السياسية هم الرقم الصعب في عراق لم يستقر بعد على هوية سياسية معلومة، ولم يتسن لشعبه بعد الاستفادة الحقيقية من الفوائض النفطية الهائلة التي تبخرت وتلاشت وجيرت لحسابات طرزانات العملية السياسية، وأمراء الطوائف والملل و النحل العراقية، وأجيال واسعة من النصابين والمزورين الذين تمتلئ بهم زواريب و"درابين" المنطقة البغدادية الخضراء! .

الحديث عن إنهاء النفوذ الإيراني يعني أساسا الشطب بالكامل على الأحزاب و القوى السياسية والطائفية القائدة للعملية السياسية والفائزة في الانتخابات التشريعية والتي وصلت الى السلطة بأصوات العراقيين للأسف! وجميعها، كما نعلم وتعلمون أحزاب إيرانية التأسيس والهوى والولاء وحتى التمويل.

لقد كان أسلوب النظام العراقي البائد بالأيدي الأميركية في سياسته الداخلية هو منع تنامي أي نشاط سياسي وأي حزب سياسي، لا يخرج من عباءته ولا يكون نسخة من حزب البعث العربي الإشتراكي الذي تحول هو نفسه لمنظمة سلطوية تابعة للرئيس الأوحد لا علاقة له أبدا لا بالبعث ولا بأي شيء آخر وكانت الحملات الأمنية الشرسة ضد جميع القوى و التوجهات الفكرية والسياسية العراقية من قوميين أو وطنيين أو يساريين أو ليبراليين قد جعلت من الساحة العراقية تعاني فراغا سياسيا وفكريا حادا لم يستطع البعثيون بأفكارهم المتخشبة وبممارساتهم العشائرية و بأساليبهم الأمنية العنيفة والبدائية ملؤه واحتوائه .

ومع دخول العراق في مشكلات عسكرية وحروب متواصلة مع دول الجوار سواء في إيران عام 1980 أو غزو الكويت بعد عشرة أعوام عام ،1990 واشتداد الحصار الدولي الشرس الذي هدم القواعد المجتمعية العراقية ودمر الطبقة الوسطى وأشاع التخلف والظلام في العراق وبعد انكفاء سلطة البعث الصدامي في تحصين مواقعها الدفاعية عصفت بالعراق الأفكار الطائفية والتصورات الخرافية والإنعزالية لذلك فعندما جاءت دبابات الاحتلال الأميركي لتقوض وضعا قديما وتؤسس لحالة جديدة لم تكن في الساحة العراقية فكريا أو سياسيا أي قوى سياسية حداثية، بل كان البديل الجاهز هو مجموع الأحزاب الدينية والطائفية المستهلكة في مراحل الصراع العراقية السابقة، والتي ذاب بعضها في الحالة الإيرانية ك¯"المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق"(جماعة الحكيم)، فيما تشتت البعض الآخر لأقسام وتفرعات كحزب الدعوة الذي انشطر دوليا وعرضيا وتاه أفراده في عوالم اللجوء للغرب بعد أن أفلسوا فكريا و سياسيا ومنهجيا ويأسوا من اي نتائج إيجابية بعد أن تحول حزب "الدعوة" الى تنظيم هلامي هش مفلس بالكامل يتوزع قادته بين طهران ودمشق ولندن ولا يملكون من ادوات الصراع سوى اللطم وتذكر مجازر الماضي ، وكان المرجع الروحي للحزب هو آية الله اللبناني الراحل محمد حسين فضل الله مما أدخله في نزاع حاد مع "المجلس الأعلى الإيراني" الذي يقلد الخامنئي قبل أن يحول التقليد بعد العودة للعراق لصالح علي السيستاني لاعتبارات سياسية صرفة ومعلومة، ومع وجود القوى الطائفية القديمة نشأت في العراق مجاميع جديدة ابرزها "التيار الصدري" الذي كان يقلد المرحوم محمد محمد صادق الصدر الذي أغتيل عام 1999 ولكنه ترك خلفه أتباعا بسطوا سيطرتهم الميدانية بسبب انكفاء وغياب أي قوى سياسية عراقية حداثية.

بعد الاحتلال الأميركي تمكن الإيرانيون من استغلال الفرصة التاريخية وحالة الفراغ العراقي القاتلة وأعادوا إحياء أحزابهم القديمة التي أصابها الشلل كـ"المجلس الأعلى" أو"الدعوة" كما ربطوا حبال الوصل الى حد الهيمنة مع "التيار الصدري" وأسسوا جماعات وعصابات طائفية جديدة بل مارست مخابرات الحرس الثوري سطوة إستخبارية مطلقة على الساحة الطائفية العراقية وهيمنت على مفاصل القرار الأمني والستراتيجي في العراق بمجاميعهم الخاصة وبأساليبهم الخبيثة المعروفة، المهم إن الحديث عن الدور الإيراني في العراق هو حديث طويل ومعقد للغاية .

واخيرا وبعد رحيل السيد فضل الله قرر حزب "الدعوة" في العراق إعتماد مرجعية فقهية جديدة هي مرجعية السيد محمود شاهرودي ( الهاشمي سابقا)! وهذا القرار له مغزاه الكبير إذ أن الشاهرودي هو أحد أقطاب النظام الإيراني الحاكم وهو إيراني الأصل ومؤسس المجلس الأعلى للثورة الإيرانية في العراق وأول رئيس له ثم ناطق رسمي بإسمه! وهو شغل منصب رئيس الهيئة القضائية في إيران! أي أن اختيار مرجعية الدعوة كان خيارا إيرانيا صرفا، وهو ما يجسد التأثير الإيراني الكبير في العراق لذلك فإن تنفيذ شعار إنهاء الخيار الإيراني في العراق يعني حرفيا طرد الأحزاب الحاكمة في العراق اليوم، فهل من الممكن حدوث ذلك، الجواب نعم إذا قررت الولايات المتحدة، وذلك طبعا لن يحصل أبدا. و الله من وراء القصد.

الكاتب :- داود البصري

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق