السبت، 9 أبريل 2011

إذن: لم تعد حرب أفكار يا أيران !

جريدة الشرق الأوسط اللندنية 28-11-1430هـ / 16-11-2009م

قصة إيران مع العرب لم تعد مجرد حروب كلامية، بل أصبحت لها ترجمة عسكرية على أرض الواقع شهدناها في لبنان والعراق وغزة، وأخيرا في اليمن. ولكل مسرح عمليات عسكرية خصوصيته الكاشفة فيما يخص مستقبل المنطقة العربية. التكتيك الأخطر في هذا التنازع الدائر في المنطقة هو الذي تعتمده إيران، وهو الغش في طرح الأفكار، إذ يكرر الإيرانيون في كل مؤتمر لهم أن «الإسلام طائر بجناحين، جناح سني وجناح شيعي»، وأن إيران تمثل جناحا وبقية المسلمين بمن فيهم العرب يمثلون جناحا آخر.

هذا الطرح يفترض المساواة الديموغرافية، أي أن تعداد شيعة إيران يساوي بقية المليار مسلم بمن فيهم أكثر من ثلاثمائة مليون عربي. هذا التوصيف الذي تكرره إيران وتلهج به ألسنة ببغاوات إيران في الإعلام العربي فيه تضخيم لحجم إيران ودور الدولة الفارسية. الشيعة أقلية تمثل عشر تعداد السنة في الشرق الأوسط، بينما الفرس، كَعِرْق، هم أيضا أقلية حاكمة في طهران إذا ما أخذنا في الاعتبار حجم الأقليات في الدولة الفارسية. وفي هذا الجو من الغش، ظن معظم العرب أن إيران قوة مساوية لهم في الحجم والمقدار، وهذا قول مناف للحقيقة. ولكن رغم منافاة هذه الدعاية الإيرانية للحقيقة إلا أنها نجحت في تسويق إيران كمساو للعرب مجتمعين، شيء أشبه بما تفعله إسرائيل في علاقتها مع الجوار العربي. ولتضخيم الحجم والصورة هذا دلالات سياسية كلها تصب في إعطاء إيران الحق في التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية.

فلإيران اليوم حدود مع مصر عبر جماعة حماس، أو ما أسميته في مقال سابق بالتشيع السياسي، أي ما تقوم به جماعات الإخوان المسلمين وهم سنة من مساندة وقتية للمشروع الإيراني الرامي إلى تفتيت الدول العربية من الداخل. ومخطئ من يظن أن حرب غزة في العام الماضي كانت بين حماس وإسرائيل. جوهر المعركة كان افتعال أزمة تعاونت فيها إيران وإسرائيل وحماس من أجل إضعاف مصر ودورها، فمن مصلحة إسرائيل أن تكون مصر ضعيفة، ومن مصلحة إيران أن تكون القوة المنافسة لها في الإقليم ضعيفة، أما حماس والإخوان فقبلوا أن يكونوا أداة في يد إسرائيل وإيران لإضعاف الدول العربية المحورية من الداخل على أن يُكافَؤُوا بتسلم الحكم فيما بعد. قد يبدو هذا غير منطقي، ولكنها تحالفات إيران، التي خبرناها في فضيحة «الإيران ـ كونترا».

إذن الاعتداء على الحدود المصرية من قبل حماس التي اخترقت سور رفح، كان الهدف منه أن يوضح للعالم أن مصر غير قادرة على ضبط حدودها، أي أنها دولة فاقدة للهيبة وأولى علائم فقدان الهيبة للدول هي القبول بانتهاك الحدود تحت أي ذريعة حتى لو كانت نزوح فقراء غزة إلى الأراضي المصرية.

الرسالة نفسها تريد إيران إيصالها إلى العالم فيما يخص المملكة العربية السعودية وهيبة الدولة فيها، إذ استخدمت نفس سيناريو حماس مع مصر، ولكن استبدلت حماس بالحوثيين في صعدة الذين تدفقوا على الحدود السعودية، مما أدى إلى اشتباك القوات السعودية معهم. وكما أدان إخوان مصر السلوك المصري عندما أطلق البوليس المصري النار على المتسللين من غزة، تسمع اليوم من يدينون السعودية، لأنها لم تصمت حيال امتهان الحوثيين لحدودها.

مصر كانت تحت ضغط شعبي كبير فيما يخص التعامل مع أهل غزة، فعلى سبيل المثال كانت الصحف المصرية وقتها تغص بالمقالات التي تدين سلوك القيادة المصرية، ربما كانت هناك حوالي أربعة مقالات لا أكثر نشرت في مصر تؤيد حق مصر في عدم التهاون في مسألة سيادتها على حدودها. وبالفعل تراجعت القيادة تحت تأثير الضغط الشعبي، وكسب الإيرانيون الجولة على أرض مصر وفي صحف مصر وتلفزيونات مصر، أي أن إيران لم تنجح فقط في أن يكون لها وجود على حدود مصر عبر «حماس»، بل كسبت الرأي العام المصري وضمت الكثير من أهل الكلام في الفضائيات والصحف لصفها أيضا، فغدت العديد من الصحف المملوكة للدولة تتقاسمها الحكومة مع إيران، أما فيما يتعلق ببعض الصحف الخاصة التي تقبض من الأموال القادمة من طهران، ففي هذا حدث ولا حرج.

فشلت مصر في التعاطي مع الأزمة التي اختلقتها إيران على حدودها، والذين تحدثوا عن قدسية حدود الدولة في مصر لم يتعدوا وزير خارجية مصر وأربعة كتاب لا غير. أما البقية ممن أسميتهم منذ سنين بجماعة «بن لكن»، فكانوا يرون أن مقاومة المشروع الإيراني في المنطقة مهمة، ولكن مقاومة المشروع الأميركي أهم. إذن لنترك إيران تفعل بنا ما تشاء، طالما أن الدولة الفارسية ترفع شعار أنها تخرب الدول العربية الكبرى من أجل تحرير فلسطين.

ألم يقل صدام حسين من قبل إنه ذاهب إلى الكويت كي يحرر فلسطين، ولم يلق اعتبارا للجغرافيا التي تقول بأن اتجاهه كان معاكسا؟ فهل تريد إيران اليوم تحرير فلسطين عبر الحدود السعودية؟ وكما انطلى الأمر وناصر قسم كبير من الشارع العربي غزو صدام للكويت، انطلت الخديعة نفسها في موقعة امتهان حدود مصر، فهل ستنجح الألاعيب الإيرانية على الحدود السعودية اليوم؟

أمام السعودية فرصة كبيرة اليوم لاستعراض القوة وحسم الأمور، فالتهاون في مسألة الحدود مرة واحدة يجعل مسألة انتهاكها مرات أخرى واردة. يجب أن ترسل السعودية رسالة واضحة، وتلقن درسا لكل من سولت له نفسه العبث بسيادتها عبر انتهاك الحدود. إذا نجحت المملكة في إيصال هذه الرسالة القوية فالأمر قد ينتهي عند موقعة الحوثيين هذه، أما إذا لم تستغل الفرصة لتوصيل رسالتها بكل القوة التي لديها، فإن تكرار الأمر وارد، مرة من البر ومرات كثيرة من البحر.

لا يمكن، وتحت أي مسمى من المسميات، أن تطمئن السعودية لوجود إيران عند حدودها البرية عن طريق جماعة الحوثيين في اليمن. لا بد من معالجة الأمر بأقصى أدوات القوة حتى تنتهي هذه القصة وتكون عبرة للآخرين.

أمام السعوديين فرصة لاستخلاص الدروس والعبر من حرب غزة أو من القضية التي قبض فيها على خلية حزب الله في مصر. فالتغلغل الإيراني على حدود الدول الكبرى في المنطقة يأتي مترافقا مع التغلغل الثقافي عبر مشروع تصدير الثورة وعبر المال الإيراني الذي اشترى الكثير من الأقلام والعقول والمحطات في العالم العربي التي تبنت الدعاية الإيرانية القائمة على الغش أصلا. وقد يكون من بشائر الوعي أن قامت إدارتا «عرب سات» و«النايل سات»، بإسقاط قناة «العالم» من بثيهما، ولكن وقف البث الفضائي ينقصه الـ«بس» الأرضي، أي أن تقول الدول المعنية «بس خلاص» للمروجين للمشروع الإيراني على أراضيها. إذ لا يكفي في محاولة لكبح جماح الدعاية الإيرانية إسقاط قناة «العالم»، لأن العالم الذي يمثل العمود الفقري للدعاية الإيرانية ليس في إيران وإنما عندنا، ممثلا بهذا الحشد من المحللين والمفكرين والإعلاميين الذين يظهرون بشكل متكرر على شاشاتنا وصحفنا.

كتبت منذ أعوام عن اللوبي الإيراني في الإعلام العربي، وقلت يومها بأنه واضح كالشمس أن العالم العربي يقع بين مطرقة الفرس وسندان الأميركيين، وأن العالم العربي مفعول به في مشروعين أحدهما أميركي والثاني فارسي. ورغم أن كثيرا من العرب مغرمون بتحليل المشروع الأميركي الهادف إلى تقسيم العرب من الخارج، فإن كثيرا منهم يخجلون من الحديث المباشر عن المشروع الفارسي الهادف إلى تقويض العالم العربي من الداخل. كتبت هذا عندما كانت الحرب بين إيران والعرب كلامية، أما ونحن نشهد اليوم وبوضوح أن الكلام الإيراني يترجم كواقع عسكري على الأرض، فقد آن الأوان للعرب أن يفكروا بجدية في مستقبل دولهم وحدودهم.

مصر كانت تجربة الأمس في قصة غزة، والسعودية اليوم في قصة الحوثيين. فماذا سيكون غدا، هل هو ابتلاع البحرين، أم حركة شبيهة بغزو صدام للكويت؟

ملامح المشروع الإيراني تجاوزت مرحلة الأفكار والكلام، المنطقة أمام خطر داهم ومشروع مخيف.


الكاتب / مأمون فندي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق