السبت، 9 أبريل 2011

درع الجزيرة تواجه حصان طروادة الإيراني في البحرين

الشرق الأوسط اللندنية 26 من ربيع الآخر 1432هـ / 31 من مارس 2011م

تشبه الأحداث التي مرت بها دولة البحرين خلال الأشهر القليلة الماضية، إلى حد كبير، ما ورد في قصة حصان طروادة الأسطورية، كما جاءت في كتابات الشاعر الإغريقي هوميروس. فقد روى هوميروس قصة صراع نشب بين الإغريق في بلاد اليونان ومدينة طروادة في الأناضول، وكيف أن الإغريق عندما فشلوا في احتلال طروادة بسبب مناعة حصونها، صنعوا حصانا خشبيا كبيرا اختبأ بداخله ثلاثون من رجالهم ووضعوه أمام باب المدينة. لما شاهد أهل طروادة الحصان أدخلوه بحسن نية إلى مدينتهم، وعندما جاء المساء خرج الإغريق من الحصان وفتحوا أبواب المدينة لتدخل جيوشهم وتستولي على طروادة عن طريق الخديعة. والآن بدلا من اليونان وطروادة، نشاهد الصراع الحالي يتم بين إيران والبحرين.

ففي 14 فبراير (شباط) الماضي، خرجت عدة مظاهرات تجوب الشوارع الإيرانية، لتأييد ثوار تونس ومصر ثم تحولت بعد ذلك إلى مهاجمة حكومة أحمدي نجاد هاتفة بالموت للديكتاتور. وكعادتها، عمدت السلطات الإيرانية إلى قمع المظاهرات بالقوة وقامت قوات مكافحة الشغب باستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين، الذين اشتبكوا في معارك مع الشرطة أدت إلى مقتل متظاهر واعتقال مئات آخرين. وفي ذات اليوم 14 فبراير، خرجت جموع المحتجين في البحرين في مظاهرة وتجمعوا في دوار اللؤلؤة مطالبين بإجراء بعض الإصلاحات السياسية، وكما فعلت قوات الأمن في إيران، قامت قوات الأمن البحرينية بتفريق المتظاهرين بالقوة. والفرق بين الحالتين هو أنه بينما تصر السلطات الإيرانية على التعامل مع المحتجين بالقوة وترفض أي نقاش معهم، قرر حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البحرين، التعامل بجدية مع مطالب المتظاهرين، فأوقف رجال الأمن عن التدخل في المظاهرات وقرر سحب الجيش من الشوارع، ثم كلف ولي عهده لقاء ممثلي المعارضة والتعرف على مطالبهم حتى يتم تحقيقها. وأعلن ولي العهد سبعة مبادئ للإصلاح، تتمثل في منح مجلس النواب صلاحيات كاملة، وتشكيل حكومة تمثل إرادة الشعب، وتقسيم دوائر الانتخابات بشكل عادل، ومعالجة مشاكل التجنيس، والاحتقان الطائفي، ومحاربة الفساد الإداري والمالي، والحفاظ على أملاك الدولة، ودعا جميع الأطراف السياسية إلى الجلوس على طاولة الحوار للوصول إلى اتفاق لتنفيذها.

كادت الأزمة البحرينية أن تنتهي سلميا بعد استجابة الملك لمطالب المعارضين، لولا تدخل عناصر من إيران وحزب الله بالتحريض ومد السلاح. فقد اعتقدت السلطات الإيرانية أن فرصتها سانحة لتحويل هذه المظاهرة السلمية إلى حصان طروادة الذي يفتح الباب أمامها لدخول البحرين. عندئذ رفض بعض قادة المعارضة التفاهم مع الحكومة وأعلنوا تعليق مشاركتهم في البرلمان، وقاموا بتصعيد مطالبهم، مصرين على إسقاط النظام بالقوة عن طريق إغلاق الطرقات والشوارع العامة ومنع الناس من الذهاب إلى أعمالهم، كما أغلقوا العاصمة في المنامة وشلوا الحركة بحيث أصبح الأمن غير موجود. وكادت إيران أن تخترق حصون البحرين لولا أن وقف الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي إلى جانبها. وسرعان ما انهارت آمال السلطات الإيرانية في 14 مارس (آذار)، عندما دخلت قوات درع الجزيرة إلى البحرين لتأمين الوضع في البلاد، وحماية النظام من تهديدات حصان طروادة الإيراني. اشتد غيظ الرئيس الإيراني لضياع الفرصة من بين يديه، واعتبر دخول درع الجزيرة لمساعدة البحرين في حماية المنشآت الحيوية تدخلا لقوات أجنبية يهدف إلى قمع ما سماه الانتفاضة الشعبية هناك. وفي مساء 19 مارس الماضي، وجه حسن نصر الله، أمين عام حزب الله اللبناني، كلمة تحريضية إلى المحتجين في البحرين قال فيها: «اثبتوا في الدفاع عن حقوقكم... إن دماءكم وجراحكم ستهزم الطاغين، وما أنتم عليه اليوم يستحق الشهادة وإن طالت المدة». ثم تبين أن إيران لم تكتف بتحريض شعب البحرين للانقلاب على حكومته، بل مدت بعض خلاياها النائمة بالمال والسلاح لمهاجمتها. فقد ضبطت السلطات البحرينية محمد فضلي – القائم بأعمال السفارة الإيرانية – أثناء محاولته إخفاء بعض الأسلحة التي أوصلها للمحتجين في مستشفى السلمانية ودوار اللؤلؤة.

ولا يخفى على أحد رغبة النظام الإيراني في مد سيطرته على البحرين التي يعتبرها جزءا من الأراضي الفارسية التاريخية. فقد كتب حسين شريعمداري - رئيس تحرير صحيفة «كيهان» المقرب من المرشد الإيراني - في مقال افتتاحي بتاريخ 9 أغسطس (آب) 2007 قائلا: إن الوقت قد حان حتى تستعيد إيران سيطرتها على دولة البحرين. وأكد مداري أن البحرين تعتبر جزءا من التراب الإيراني، مستندا في ذلك إلى خرائط يونانية قديمة ترجع لعصر الإمبراطورية الفارسية.

وبالطبع، فإن هذا الكلام غير صحيح، فهناك فارق كبير بين أراضي الدولة التي تدخل في حدودها وأراضي البلدان الأخرى التي تستولي عليها هذه الدولة فتصبح ضمن إمبراطوريتها لفترة من الوقت، مهما طالت هذه الفترة. فقد قام قورش الفارسي، الذي وحد الأقوام الإيرانية عند منتصف القرن السادس قبل الميلاد، بالاستيلاء على أرض الرافدين وبعض أجزاء من الشاطئ العربي للخليج ومن بينها البحرين. وعندما وصل الرحالة اليونان خلال القرن الخامس قبل الميلاد، كانت جزيرة البحرين تخضع للإمبراطورية الفارسية الوليدة، لهذا وضعوها ضمن الأراضي التابعة لهذه الإمبراطورية. ثم خضعت البحرين بعد ذلك خلال تاريخها الطويل للسيطرة الإيرانية في فترات مختلفة، كان آخرها أيام حكم الأسرة الزندية ما بين 1601 و1783 عندما تمكن آل خليفة من طردهم من البلاد.

فدولة البحرين دولة قديمة تسبق في تكوينها دولة الفرس نفسها بأكثر من ألفي عام، وتنتمي إلى حضارة دلمون الخليجية التي ظهرت منذ أكثر من أربعة آلاف عام مضت. كانت البحرين تعرف في البداية باسم «أول»، وسماها السومريون أرض الفردوس، بينما سمتها المصادر اليونانية «تايلوس»، وتشير الأدلة الأثرية إلى أن الأقوام التي سكنت هذه المنطقة كانت عربية سامية تنتمي إلى جزيرة العرب، ولم تأت من بلاد فارس.


الكاتب / احمد عثمان

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق