السبت، 9 أبريل 2011

التمدد الإيراني والسكون الخليجي

جريدة الشرق الأوسط اللندنية 2 من جمادى الأولى 1432هـ / 5 من إبريل 2011م

بعد الإعلان عن إدانة قضائية في الكويت لعدد من حالات التجسس الإيرانية، وبعد التدخل السافر في البحرين، تظهر الحالة الإيرانية في الخليج مجددا وكأنها حالة شراهة للتمدد خارج الجغرافيا للولوج إلى التأثير في المنطقة لتحقيق مصالح استراتيجية. ولا تفعل السلطات في إيران هذا الأمر تاريخيا – أي محاولات التمدد – إلا نتيجة أزمة داخلية، ترى بعض دوائرها أن ذلك قد يخفف الاحتقان الداخلي، ويصرف النظر عن صراع داخلي بانشغال يسوق على أنه «وطني» في الجوار.

حدث هذا مرارا إبان تطور الدولة الإيرانية الحديثة، منذ بداية القرن الماضي وحتى اليوم، وهو يلبس لبوسا مختلفة ويتغطى بأغطية آيديولوجية، تراها قومية حينا وأخرى إسلامية، إلا أنه في نهاية المطاف يتوخى النتيجة نفسها.

اليوم إيران ليست في أفضل حالاتها، فمنذ نصف عقد، على الأقل، وهي تشهد صراعا حادا ومحتدما في داخلها على أكثر من وجه، الأول الخلاف المستحكم حول نتائج الانتخابات الرئاسية الأخيرة، والتي هي بدورها كانت نتيجة احتقان في البحث عن ديمقراطية مؤطرة بتحكم رجال الدين، والثاني الوضع الاقتصادي الصعب الذي يطوقها جراء المقاطعة الدولية، أما الثالث فهو الخلاف مع دول بقية العالم، خاصة الصناعية، حول برنامجها النووي الذي لا يبدو أن له نهاية قريبة، والشكوك التي تحيط به مع استفحالها بعد كارثة اليابان الأخيرة، التي وضعت الاستخدام النووي، حتى السلمي، في نطاق الشك الحقيقي والهلع من أخطاره الكارثية.

تلك مجموعة من العناصر المستجدة التي تتحكم في المشروع الإيراني، والتي يدفعها للتنفيس إلى الخارج، إلا أن هناك عاملا قديما جديدا، خلف معضلة النظام الإيراني منذ بدأ، وهو الأفق المسدود تقريبا لحكم أصولي شيعي لم تتطور أدواته لتعايش العالم الحاضر، مع طموح الإيرانيين بسوادهم، إلى التقدم الحديث، أي أن هناك تناقضا حادا بين طموح القومية الآرية وحكم رجال الدين، وهو ما يشكل معضلة يرى بعض الساسة الإيرانيين أن حلها هو فيما يمكن تسميته بـ«أرينة» الإسلام، أي بدمج عناصر القومية الآرية والإسلام السياسي.

هذه الأرينة تجيب على السؤال لماذا التمدد الإيراني باتجاه العرب؟ الإجابة قد تبدو منطقية، وهو ما يربط بين العرب والإسلام. فأنت لا تستطيع أن تكون مسلمًا إلا بمعرفة بالعربية لغة الإسلام. من هنا فإن الصراع الخفي بين الملالي (ذوي العمائم البيضاء) من الإيرانيين، والسادة (ذوي العمائم السوداء)، التي تجعلهم من أصول عربية بالضرورة كأحفاد للنبي العربي، هو ما يفسر الاندفاع نحو الخاصرة العربية، وهي هنا العراق والخليج وما يتبعهما في لبنان، من أجل إقناع الطموح الآري القديم. إن أسلمة إيران قد يأتي معها أيضا إمبراطورية جديدة تحت تلك الراية!

في المقابل فإن منطقة الخليج العربي أو ما يعرف اليوم بمجلس التعاون يأخذ وضعية السكون، أو محاولة دفع الشر عن طريق عدم الحراك الإيجابي، وهذه الوضعية لا يمكن أن تستمر لفترة طويلة، والمسار المرتبك الذي اتخذته ردة الفعل لمجلس التعاون تجاه الأحداث الأخيرة لا ينبئ بأن هناك استراتيجية حقيقية، خلاف الكلام والتصريحات، لمواجهة الطموح الإيراني الذي لا يخفى. يرى الاستراتيجيون في إيران أن قرب الخروج الأميركي من العراق يسقط العراق، كثمرة يانعة في استراتيجية إيرانية، كما أنه يحكم الطوق الثلاثي القائم على اندفاع الثورة الإيرانية، وحالة عدم الرضا العارم الذي يجتاح الثقل السكاني العربي من مصر إلى اليمن، والذي يغذي طموحات بعض الشرائح الداخلية في الخليج للاستقواء بإيران وهي فرصتها التاريخية للتمدد. هكذا من الواجب قراءة ما يحدث اليوم في الخليج.

يتوفر في إيران اليوم قرابة 80 مليون نسمة، وكل الخليج، الذي تضاعف عدد سكانه في الـ30 عامًا الأخيرة 3 مرات، لا يزيد كثيرا عن ربع ذلك العدد، كما أن المسار المرتبك الذي اتخذته آليات التقارب مثل توحيد العملة وتوحيد السوق الاقتصادية قد أوصل إلى منطقة مجزأة ومتضادة في بعض قراراتها الاستراتيجية، وهو ما يسهل الاختراق الإيراني بكل طموحه، وبكل المبالغ المالية المرصودة لهذا الاختراق عربيًّا من أجل هدف «أرينة الإسلام».

وضعية السكون الخليجي تحتاج إلى حراك، وهو حراك يتخطى التفكير الاقتصادي الذي ساد حتى الآن إلى تفكير استراتيجي، هو الحفاظ على الهوية، ليس للجيل الحالي فقط بل والأجيال القادمة. التفكير ما بعد الاقتصادي هو رفع العين عن العملة والسوق والسيادة المحلية إلى آفاق أرحب، إلى وفاق استراتيجي متكامل، تتخطى فيه الأنا إلى الكل يتوجه إلى إصلاحات بنيوية في العلاقات بعيدًا عن المجاملات التي تصلح ربما لأحداث النصف الأول من القرن العشرين ولكنها لا تتوافق مع أحداث الربع الأول من القرن الحادي والعشرين.

الحديث عن الخليج ككيان وجب طرحه اليوم والعمل على تحديد آلياته. لم يعد الخليج العربي بعيدًا عن طموح الجيران ولم يعد أيضًا بعيدا عن الانخراط النشط فيما يجري بعيدًا عنه. المثال هو اشتراك دولتين منه بشكل مباشر في الأحداث الليبية، وهي خطوة كبرى، قد يضطر آخرون إلى خطوها آجلاً أو عاجلاً في الجوار أو في المحيط.

الاختلالات العربية المشاهدة أو تلك التي تنبعث اليوم في أكثر من مكان قد تغير المواقف السياسية التقليدية، وهي بالضرورة سوف تفعل. فموقف دول الخليج فرادى يعرضها إلى تحمل أعباء خارج قدرتها الفردية ولكنها داخل قدرتها الكلية.

لم يعد الأمر إذن تحقيق مكاسب تكتيكية أو الحصول على دخول اقتصادية، لقد أصبح الأمر مصيرًا وطنيًّا وحفاظًا على هوية مهددة في الواقع.


الكاتب / محمد الرميحي

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق