الثلاثاء، 24 مايو 2011

أردوغان يمسك «العصا السوريّة» من الوسط

موقع الإسلام اليوم 19 من جمادى الآخرة 1432هـ / 22 من مايو 2011م

لا يزال الموقف التركي الرسمي متأرجحًا، حيال الوضع الذي تشهده سوريا، بين تأييد الرئيس بشار الأسد، ووصفه بالصديق، وبين الوقوف إلى جانب الشعب، ومطالبة نظام الأسد بالإصلاح، وحتى يُقارَب هذا الموقف التركي يَحْسُن وضعه في سياقه الدولي والإقليمي، والسوري؛ لمقاربة دوافعه، وغاياته.

لم تصل المواقف الدولية، ولا الإقليمية، وحتى المحلية في سوريا إلى مرحلة الحسم، بَعْد، على الرغم من التظاهرات السورية المتوسعة والمتواصلة، وعلى الرغم من القمع والبطش الذي يرقى إلى مستوى الجرائم الإنسانية، بعد الأخبار عن مقابر جماعية، وغيرها.

فعلى الصعيد الدولي لا تزال أمريكا تتدرج، ببطء- وبمشاركة حلفائها الأوروبيين التي تحاول احتواء تصعيدهم- في إجراءاتها العقابية ضد النظام في سوريا. وإن كانت الدول الأوربية تدفع نحو التصعيد، ومنها فرنسا التي تدفع نحو رفع الشرعية عن الأسد، وإدراجه فيمن يستحقون العقوبات. وبالطبع ليست كل دول الاتحاد الأوروبي على هذه الدرجة الفرنسية من التصعيد؛ فباريس لم تنجح في جعل موقفها هذا يحظى بالإجماع الأوروبي، وإن كانت لا تنفك تسعى إلى ذلك، وتأمل بتحقيقه.

وعلى صعيد المساعي الدولية في مجلس الأمن تعلن روسيا والصين معارضتهما لقرار دولي يتعلق بسوريا، بالإدانة، أو ما شابه.

وعلى المستوى الإقليمي، والعربي تحديدًا لا نسمع موقفًا واضحًا مندِّدًا، أو موقفًا يليق بما يجري على مستوى الجامعة العربية، والدول العربية، على نحو منفرد.

وعلى الصعيد المحلي في سوريا، وهو المؤثر في المواقف الدولية، والضاغط عليها، وفي الإقليمية كذلك لم تصل الاحتجاجات إلى درجة كاسحة، ولا تزال مدن مهمة، وعلى رأسها دمشق العاصمة، وحلب ثاني المدن السورية من حيث الكثافة السكانية والأهمية، لا تزالان غير منخرطتين بزخم واضح في هذه الاحتجاجات، بالطبع ليس المانع من ذلك، هو القناعة بالنظام بالضرورة؛ فقد يكون الخوف، إما على الأرواح، ودرجة البطش كانت عالية في المدن الثائرة، وإما على المصالح التجارية، وغيرها.

ومن المؤشرات على عدم الانخراط الشامل في هذه المطالبات بالحرية والتغيير أن دعوات المعارضة للإضراب لم تلقَ صدى في دمشق وغيرها من المدن السورية؛ فقد بقيت المحلات والمدارس مفتوحة، وسط إجراءات أمنية مشددة، وفق ما نقلته التقارير الإخبارية.

ولا يعني هذا أن المدن المهمة، ومنها دمشق وحلب لا تشهد تظاهرات، حاليًّا، أو أنها لن تتوسع قريبًا، ولكننا نحاول توصيف الوضع الحالي، على نحو تقريبي، أو كما تظهره وسائل الإعلام، والصورة التي تشكلها تلك الوسائل الإعلامية ربما كان لها تأثير على مواقف الأطراف، والناس، عمومًا، أكثر مما يجري بالفعل.

فما ظروف الموقف التركي؟

من المعلوم أن العلاقات التركية السورية شهدت تحسُّنًا نوعيًّا في الفترة الأخيرة، تُوِّجت بفتح الحدود بين البلدين، وبعلاقات تجارية خاصة بينهما، فضلاً عن دور أنقرة في التوسط بين سوريا و«إسرائيل» فيما يتعلق بالجولان المحتل، وقد حرصت حكومة العدالة والتنمية، وهي تتجه نحو المنطقة العربية، وتتبنى سياسة «تصفير الخلافات» مع جيرانها، على علاقات جيدة مع سوريا بوصفها البوابة المهمة لدخول المنطقة، ومحاولة بناء علاقات مثمرة فيها، سواء في العراق، أو لبنان، أو على صعيد القضية الفلسطينية، ولسوريا دور مهم فيها؛ بحكم علاقاتها الجيدة مع قوى فلسطينية مهمة، وعلى رأسها حماس، والجهاد الإسلامي، ولا ننسى الأكراد، وما تأمله تركيا من سوريا في هذا الشأن.

ونستذكر في هذا السياق أن العلاقات بين تركيا وسورية كانت قد تدهورت، ووصل البلدان إلى حافّة الحرب خلال عقد التسعينيّات بعد أن منحت سورية زعيم المتمرّدين الأكراد في تركيا «أوجلان» حقّ اللجوء السياسي على أراضيها.

ومن المعروف أن البلدين تركيا وسوريا من ضمن الدول التي تناهض مشروع الأكراد في دولة مستقلة؛ فهذه نقطة اتفاق، وفي حُسبان الساسة الأتراك إمكانية مشاركة أكراد سوريا المقدر عددهم بمليونين في انتفاضات، أو احتجاجات قد يقوم بها الأكراد في تركيا الذين يقدر عددهم بعشرين مليون، ولا يخفى أن استقرار سوريا مما يؤمن ذلك.

الموقف التركي المتردّد

بعد أن حذّر رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان من حماة أخرى، وندّد بقمع نظام بشار المبالغ به، ضد المتظاهرين، عاد وأكّد صداقته للرئيس بشار الأسد، وطالبه بإصلاحات، واعتبر أنه «من المبكر جدًّا» القول ما إذا كان على الرئيس السوري بشار الأسد الرحيل، وأكّد أردوغان في مقابلة بثّتها قناة «بلومبرغ» الأمريكية أن تركيا نصحت بإجراء إصلاحات في سوريا، قبل اندلاع الاحتجاجات في البلاد، واصفًا الرئيس الأسد بأنه «صديق». وقال «لقد تأخّر (في الإصلاحات). آمل أن يتخذ بسرعة تدابير مماثلة ويتّحد مع شعبه؛ لأنني في كل مرة أزور سوريا، أشهد على العاطفة الشعبية الكبيرة تجاه بشار الأسد».

هذا موقف يرضي النظام في سوريا، بالطبع، ويدعمه...
وفي الوقت نفسه تستضيف تركيا المعارضة من الإسلاميين، وتسمح لهم بعقد مؤتمرات لهم في اسطنبول.

هذا الموقف التركي، إذن، يأخذ في عين الاعتبار الواقع الراهن، من حيث قوة النظام، وفرص بقائه، شعبيًّا، ودوليًّا، وهو في نفس الوقت لا يستطيع أن يصمّ آذانه عن مجازر يرتكبها هذا الجار اللّصيق، ضد أبناء شعبه؛ فللمسألة أبعاد عاطفية، ودينية، ولهذه الوتيرة العالية من القمع انعكاسات مباشرة على تركيا، من حيث اللاجئون إليها، والهاربون من القتل والاضطرابات، ولها انعكاسات اقتصادية، أيضًا؛ فضلاً عن النظرة إلى صدقية الموقف التركي، في المنطقة، ولا سيما على مستوى الشعوب، والقوى المتعاطفة مع الشعب السوري. وكانت تركيا عدّلت موقفها من القذافي، وطالبه أردوغان، بصراحة، وحزم، بالرحيل.

وفي الوقت نفسه تطمح تركيا بأن يكون لها يد على المعارضة السورية، من خلال استضافة المعارضين على أراضيها، وتأييد مطالبهم الإصلاحية.

ولا يخفى أن المشهد شديد الحراك، وسريع التطوّر، والمساعي الدولية تتصاعد، وتضيِّق الخناق، على القيادة السورية، ولا بد، إذا ما أَنْضَجت المظاهراتُ، والتضحيات موقفًا دوليًّا أكثر «جرأة» ووصلت تلك الدول، ولا سيما أمريكا إلى اليأس من النظام في سوريا أن يكون لتركيا دور تستبقيه، أو تحوزه.

هنا قد لا يكون ثمة حاجة للتأكيد بأن الصوت الأقوى في القوى السورية المطالبة بالتغيير يرفض التدخلات الأجنبية، أو تدويل الأزمة، ولذلك أسباب ليست فقط تلك النابعة من التجربة في ليبيا مع التدخل الأجنبي.

وبالتالي، فقد تطمح تركيا، وهي الدولة المسلمة، والجار اللصيق بسوريا، والقريب من العرب، ولا سيما في عهد حكومة العدالة والتنمية، وهي أيضًا الدولة التي نجحت في بناء نموذج حداثي، غير معادٍ للإسلام، ولا مرفوض، أو محارب من الغرب، قد تطمح في رعاية انتقال سوريا إلى وضع جديد قد تحتمه المطالبات المتأصلة بالتغيير التي تهدّد -برغم القتل المنتشر- «شرعيّة النظام» وتجعله خارج الصلاحيّة.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق