الخميس، 14 أبريل 2011

البحرين والمؤامرة الإيرانية (1) أبعاد المخطط.. وحسابات إيران

أخبار الخليج البحرينية 8-جمادى الأولى-1432هـ / 12-أبريل-2011م

بعد ان اعادت «اخبار الخليج» نشر المقالين اللذين سبق ونشرتهما قبل عامين تحت عنوان «ايران والعرب والعامل الشيعي»، طلب منى الكثيرون من القراء الاعزاء ان اكتب عن الدور الايراني في الاحداث الاخيرة التي شهدتها البحرين، على ضوء تحليلاتي السابقة عن المشروع الايراني في المنطقة عموما، ومخططاتها تجاه البحرين خصوصا. وبداية، عنوان هذا التحليل «البحرين والمؤامرة الإيرانية» بحاجة الى توضيح سريع. كما نعلم جميعا، السلطات المسئولة في البحرين وعلى اعلى المستويات، اعلنت ان هناك مخططا ايرانيا وراء الاحداث الاخيرة في البحرين، وعن دور مباشر لايران والقوى التابعة لها في المنطقة في هذه الاحداث . واعلنت انها سوف تعلن تفاصيل ذلك في الوقت المناسب.
وبطبيعة الحال، لم يكن للسطات في البحرين ان تعلن هذا لولا ان لديها من الادلة والبراهين ما يؤكد ذلك.
اذن، ابعاد المخطط التآمري الايراني الفعلي في الاحداث الاخيرة هو امر متروك للسلطات البحرينية لتعلن تفاصيله في الوقت الذي تراه مناسبا.
الذي اتحدث عنه هنا هو المؤامرة السياسية الايرانية على البحرين، بشكل عام، وكما تجسدت في الاحداث الاخيرة بوجه خاص.
بعبارة اخرى، أريد هنا أن أتحدث عن المخطط السياسي الايراني الذي استهدف البحرين، على ضوء المخططات الايرانية تجاه المنطقة، وعلى ضوء ما شهدته البحرين من احداث. وهنا، نطرح عددا من الاسئلة المهمة، وسنحاول الاجابة عنها:
ــ ما هو المخطط السياسي الايراني الذي استهدف البحرين؟
ــ ما هي الحسابات التي راهنت عليها ايران، وتصورت انها كفيلة بانجاح مخططاتها في الوقت الحالي بالذات؟
ــ لماذا فشلت هذه الحسابات في النهاية؟
ــ ما الذي يترتب على كل هذا، وخصوصا من زاوية مستقبل العلاقات بين دول مجلس التعاون وايران؟
***
المخطط .. المؤامرة
إذا أردنا ان نحدد باختصار شديد المخطط الايراني الذي استهدف البحرين، وان نضعه في اطار استراتيجية ايران تجاه منطقة الخليج والعالم العربي عموما، وهي قضايا سبق لي ان عالجتها في تحليلات مطولة في السنوات الماضية، فالأمر يتلخص في الجوانب التالية:
1 ــ ايران لديها منذ سنوات طويلة استراتيجية واضحة محددة المعالم للسعي للهيمنة على مقدرات منطقة الخليج العربي . بمعنى استراتيجية لأن تصبح هي القوة المهيمنة في المنطقة التي تستطيع ان تقرر شئونها ومقاديرها وان تفرض فيها ما تشاء.
2 ــ اعتبرت ايران ان نجاحها في فرض هيمنتها في العراق في ظل الاحتلال الامريكي، ووجود قاعدة من الاحزاب والقوى الطائفية التابعة لها في العراق، او بالاصح العميلة لها التي تأتمر بأمرها وعلى حساب أي مصلحة عراقية او عربية.. اعتبرت ذلك خطوة كبرى نحو تحقيق استراتيجيتها، واعتبرت العراق نقطة انطلاق نحو تنفيذ مشروعها الاقليمي.
3 ــ تعتبر ايران ان وجود الشيعة في المنطقة، هو احد اكبر مرتكزات القوة بالنسبة اليها، واحد اكبر العوامل التي تراهن عليها لنجاح مشروعها الاقليمي.
وايران هنا تعتبر ان الشيعة من الممكن ان يكونوا ادوات لتحقيق مشروعها، وبغض النظر عن مصالحهم هم في اوطانهم.
ذلك ان استراتيجية ايران مبنية في جوهرها ليس على اعتبارات دينية، وانما على اعتبارات فارسية عنصرية.
4 ــ في الحسابات الاستراتيجية الايرانية، كان يتم النظر دوما الى البحرين على اعتبار انها مؤهلة لأن تكون المحطة التالية بعد العراق كنقطة الانطلاق الثانية الكبرى نحو تحقيق اطماعها الاقليمية في الهيمنة على مقدرات المنطقة.
سبب ذلك كما هو مفهوم، وجود عدد كبير من الشيعة في البحرين، بالإضافة طبعا الى اطماعها ودعاواها المعروفة في البحرين.
5 ــ وفي الحسابات الاستراتيجية الايرانية، انه لو نجح مخططها في البحرين، فسوف يصبح الطريق مفتوحا تماما امامها لتنفيذ مشروعها الاقليمي والمضي قدما في هذا السبيل . اذن، في هذا الاطار العام نستطيع ان نضع المخطط الايراني في البحرين.
لكن، ما هو هذا المخطط اصلا؟.. ما الذي ارادت ايران تحقيقه في البحرين بالضبط؟ الجواب بسيط ومحدد وواضح، وقد تم الافصاح عنه بشكل سافر في الاحداث الاخيرة التي شهدتها البحرين.
المخطط باختصار شديد وفي جملة واحدة، كان، اسقاط نظم الحكم في البحرين، وان يأتي نظام موال وتابع وعميل لايران، بالضبط، كما هو حال النظام في العراق. بعبارة اخرى، كان المخطط الايراني يقوم على ان تصبح البحرين هي العراق الثاني من هذه الزاوية تحديدا، أي ان تصبح خاضعة للسيطرة الايرانية المباشرة كما هو حادث في العراق.
لم يكن مخططا في الاصل ان يتم الشروع في تنفيذ هذا المخطط، او الدفع باتجاهه، في الوقت الحاضر، او حتى في المستقبل القريب.
لكن الذي حدث ان التطورات المتسارعة والمفاجئة التي شهدتها المنطقة، عجلت بالسعي لتنفيذ المخطط، وقدرت الحسابات الايرانية ان الوقت اصبح مواتيا تماما لذلك.
وهذا ما سوف نشرحه بعد قليل.
***
تخطيط مسبق
اذن، ما هي الحسابات التي على اساسها ارتأت ايران ان الظروف اصبحت مواتية للتعجيل بمخططها والشروع في تنفيذه؟.
قبل ان نجيب عن السؤال، وكما ذكرت في البداية، فاننا بانتظار التفاصيل التي ستسفر عنها التحقيقات الرسمية في الاحداث، وما سوف تكشف عنه من دور ايراني، او دور قوى مرتبطة مباشرة بايران في الاحداث.
من المهم مثلا ان نعرف، كيف بدأت هذه الاحتجاجات، وهل كان لايران دور مباشر في الاعداد لها مسبقا، ام انها سعت لاستغلالها بعد اندلاعها.
المعلومات بهذا الخصوص متروكة للسلطات، وان كان تطور الاحداث، وتطور الموقف الايراني منها، يرجح بالنسبة لأي مراقب سياسي، وجود دور ايراني مباشر في التحريض على هذه الاحتجاجات مسبقا.
ولنا ان نلاحظ هنا من متابعة تطورات الموقف الايراني ما يلي:
في بدء الاحداث، حرصت السلطات الايرانية الرسمية على الا تدلي بتصريحات يفهم منها تأييدها السافر للأحداث . هذا بالطبع، كي لا تترك المجال لاتهامها بالوقوف وراء اندلاع الاحتجاجات.
لكن في نفس الوقت، كان ملفتا جدا انه منذ اللحظة الاولى لاندلاع الاحتجاجات، وحتى قبل ان ندرك نحن في البحرين ابعاد ما يجري بالضبط وحدوده، كانت اجهزة الاعلام الايرانية قد شرعت فورا في حربها الاعلامية على البحرين في تغطيتها للأحداث.
أي متابع لهذه الحرب الاعلامية الايرانية منذ بدايتها، وحتى لو لم يكن متخصصا في شئون الاعلام، يدرك انها حملة لا يمكن ان تكون وليدة اللحظة، ولا مجرد تفاعل مع الاحداث. هي حملة من الواضح انها كانت مخططة سلفا ومدروسة بعناية شديدة.
وعلى اية حال بمجرد ان اتت قوات «درع الجزيرة» الى البحرين، وهو ما مثل صدمة كبرى بالنسبة الى ايران كما سنرى لاحقا، لم يعد الامر مقصورا على الحرب الاعلامية الايرانية، وانما اسفر المسئولون الايرانيون جميعا عن وجههم السافر على النحو الذي تابعناه. اصدروا التصريحات التي تتحدث عن «الاحتلال الاجنبي» في البحرين، ووجهو االرسائل الصفيقة الى الامم المتحدة ومنظمات اخرى تدعو الى حماية شعب البحرين .. الخ. وفي نفس الوقت، اعطوا التعليمات الى القوى الطائفية التابعة لهم في العراق ولبنان والكويت ايضا، كي يسفروا بدورهم عن وجوههم، ويرددوا نفس المواقف الايرانية. نريد ان نقول ان هذا الموقف الايراني السافر الذي تم الافصاح عنه لم يكن له من معنى سوى انهم متورطون تماما في المخطط الذي استهدف البحرين، ولم تكن المسألة مسألة مجرد تسجيل موقف عام وحسب.
***
الحسابات الإيرانية
عودة الى السؤال عن الحسابات الايرانية التي على اساسها ارتأت ايران ان الظروف الحالية مناسبة لتنفيذ مخططها.
الأمر هنا باختصار شديد ان ايران تصورت ان اندلاع الثورة في تونس، ثم في مصر، ونجاح الثورتين، وما احاط بذلك من روح احتجاجية عامة في الدول العربية ومن تعاطف دولي معها، مثل ظرفا مناسبا تماما للشروع في تنفيذ مخططها، وللرهان على نجاحه.
كيف ؟ ومن اي زوايا بالضبط؟
يمكن القول ان ايران بنت حساباتها هنا على الاعتبارات التالية:
اولا: اعتبرت ايران ان الثورات التي تجتاح العالم العربي، وخصوصا بعد ثورتي تونس ومصر، سوف تجعل من اندلاع احتجاجات شيعية في البحرين تطورا يبدو طبيعيا تماما ولا يثير أي غرابة.
بعبارة اخرى، بنت ايران حساباتها على ان هذه الاحتجاجات حين تندلع في البحرين، فسوف تبدو بالنسبة للعالم كله، مجرد موجة اخرى من الموجات الاحتجاجية التي تجتاح الدول العربية. واعتبرت ان العالم كله سوف ينظر لها ويتعاطف معها على هذا الاساس باعتبارها حركة احتجاج سلمية كما سبق وحدث في تونس وفي مصر.
بعبارة ثانية، بنت ايران حساباتها على ان اندلاع الاحتجاجات في البحرين في ظل هذا الظرف، سوف يصرف الانظار في العالم العربي وفي العالم عموما، عن أي دور ايراني محتمل وراءها.
ثانيا: وبنت ايران حساباتها على اساس ان هذه «الظروف الثورية» في العالم العربي، سوف تصرف الانظار عن الطابع الطائفي للاحتجاجات في البحرين.
بعبارة اخرى، تصورت ايران ان الاحتجاجات في البحرين في هذا الظرف، سوف تجعل العالم ينظر اليها على اعتبار انها حركة احتجاجات شعبية بحرينية عامة، و على الاعتبار ان المطالب التي تعبر عنها هي مطالب عامة للشعب البحرين، ولن يلتفت احد الى طابعها الطائفي، ولا الى ان هذه المطالب طائفية لا تعبر عن كل شعب البحرين.
ولهذا السبب تحديدا، لاحظنا ان الخطاب الاعلامي الايراني طوال فترة الاحداث، كان يلح الحاحا شديدا على استخدام تعبيرات مثل «شعب البحرين» و«مطالب شعب البحرين» او «المسلمون في البحرين».. وهكذا.
وايضا، نلاحظ انه كان هناك الحاح شديد على المقارنة بين ما يجري في البحرين وبين ما جرى في تونس ومصر.
ثالثا: وبنت ايران حساباتها على ان نجاح مخططها في البحرين، وانتصار الاحتجاجات الطائفية، هو امر ممكن جدا في الظروف الحالية، وايضا استنادا الى ما جرى في تونس وفي مصر.
وفي تونس وفي مصر، انتصرت الثورة تحت شعار «الشعب يريد اسقاط النظام» في ظل تعاطف دولي كبير مع الثورتين.
وتصورت ايران ان تحقيق نفس الهدف، والذي رفعه المحتجون منذ اليوم الأول في الدوار، هو ممكن في البحرين. وهذا هو جوهر مخططها كما قلنا، أي اسقاط النظام. وبمقدورنا ان نجزم من واقع قراءة الاحداث التي جرت في البحرين وتطورها على النحو الذي تابعناه جميعا وتطور الموقف الايراني، ان جوهر ما راهنت عليه ايران هنا ان استمرار الاحتجاجات وتصعيدها مرحلة بعد مرحلة، وفي نفس الوقت رفض تقديم أي «تنازلات» من جانب المعارضة، ورفض أي حلول تطرح، كفيل بحد ذاته بنجاح المخطط في نهاية المطاف.
كانت هذه هي القراءة الايرانية بناء على تجربتي مصر وتونس، وحيث انتصرت الثورة في النهاية في اسقاط النظام، بعد ان رفض الثوار تقديم التنازلات.
وفي هذا الاطار بالضبط نستطيع ان نفهم في تقديري، لماذا اصرت جماعات المعارضة على رفض مبادرة الحوار الوطني، وبشكل بدا غريبا ومحيرا.
كما نعلم، كان قبول مبادرة الحوار كفيلا بأن يعطي لهذه الجماعات مكاسب هائلة، لم تكن لتحلم بها في يوم من الايام . ومع هذا، اصرت على رفضها وعلى وضع شروط تعجيزية لا يمكن ان تكون مقبولة.
لماذا فعلت هذا؟
من الواضح ان السبب المباشر في هذا، بناء على التحليل السياسي ، هو ايران. أعني ان ايران هي التي طلبت، وعبر القوى البحرينية المعروفة الموالية لها بشكل او بآخر، رفض الحوار، وعلى اعتبار ان هذا الرفض في حد ذاته كما قلت سيكون عاملا اساسيا في تحقيق الهدف الاساسي للمخطط الايراني، أي اسقاط النظام.
اذن، كان هذا هو المخطط الايراني واهدافه. وكانت هذه هي الحسابات الايرانية التي راهنت عليها ايران لنجاح مخططها في هذه الظروف بالذات.
لكن، ولله الحمد، ثبت ان كل هذه الحسابات فاشلة. وتجمعت عدة عوامل ادت في النهاية الى فشل المخطط.
قبل ان اتطرق الى هذا تفصيلا، اريد ان اشيرالى انه رغم كل الجهود التي بذلتها ايران لاخفاء مخططها، فانها لم تنطل على الكثيرين من المحللين والكتاب في العالم.
***
محاولة انقلاب ايرانية
كما ذكرت، بذلت ايران جهدا علاميا كبيرا لتصوير الاحتجاجات الطائفية في البحرين للعالم على اعتبار انها ثورة شعبية عامة كما هو الحال في تونس وفي ومصر، وبذلت جهدا كبيرا للتستر على دورها ومخططها.
وفي بداية الاحداث لم يستطع الكثيرون في العالم، وبحكم عدم معرفتهم الدقيقة بالاوضاع الخاصة للبحرين، ان يميزوا بين ما يجري في البحرين وما جرى في مصر وتونس . وكثيرون كتبوا بالفعل عن الاحداث كما لو كانت ثورة شعبية بحرينية عامة.
لكن، سرعان ما اتضحت الحقيقة بالنسبة للكثيرين، ووجدنا كثيرا من التحليلات الغربية، تضع الاحداث في اطارها الصحيح.
لا يتسع المجال هنا لتقديم نماذج كثيرة لهذه الكتابات . لكن، من المهم ان اشير خصوصا الى تحليل في غاية الاهمية، كتبه هاجاي كارمون، وهو قاض ومدع عام دولي، ونشرته صحيفة «هافنتجتون بوست» الامريكية، بتاريخ 21 فبراير.
كتب يقول: «لقد وجهت حكومة البحرين اصابع الاتهام الى ايران، واشارت الى ان الاضرابات التي شهدتها البلاد تندرج في اطار مخطط ايراني .. وهذا الاتهام حقيقي، وله ما يبرره تماما. في البداية، ظن البعض ان الاضطرابات في البحرين هي «قطعة دومينو» اخرى في الشرق الاوسط، وتندرج في اطار المطالبات الشعبية بالحرية والخبز. ولكن ليس هذا هو الحال بالنسبة للبحرين».
ويمضي الكاتب قائلا:«البحرين ليست مصر ولا تونس، حيث ادى الفقر والقهر والاضطهاد في البلدين الى خروج الناس الى الشوارع. البحرين هي اكثر بلد ليبرالي في الخليج، ومن اعلى دول العالم من حيث معدلات الدخل. ويعتبر المراقبون السياسيون والعسكريون ان المخطط للاضطرابات الحالية في البحرين هي ايران.. واجندة ايران السرية هنا معروفة، وتقوم على السعي الى الاطاحة بالنظام السني في البحرين، واحلال نظام شيعي موال لايران محله . وتصورت ان الظروف الحالية مواتية لتنفيذ اجندتها. وتعتبر ايران انها لو نجحت في ذلك، فسوف تنجح في تنفيذ باقي اجندتها في المنطقة».
اذن، هذا القاضي والمدعي العام الدولي يعتبر ان ما حدث في البحرين، لم يكن ثورة، وانما محاولة انقلاب ايرانية.
ونفس التقدير تقريبا ذهب اليه الكسندر اجناتنكو، رئيس معهد الدين والسياسة في امريكا، الذي كتب يقول: «الاضطرابات الشيعية في البحرين تندرج في اطار لعبة سياسية لعبتها ايران، وهي في جانب منها رد ايراني على محاولات الولايات المتحدة تشجيع المعارضة الايرانية».
***
في المقال القادم باذن الله، سوف اشرح تفصيلا اسباب وعوامل فشل الحسابات الايرانية، والمخطط الايراني، وسوف اتحدث عن مستقبل العلاقات مع ايران على ضوء ما جرى.

الكاتب / السيد زهرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق