الاثنين، 11 أبريل 2011

من يلعب بأوراق الخليج ؟

.. انظروا كيف وُضع الخليجُ الآن على طاولةٍ خضراء للمقامرة عليه.

إنها أيادٍ تحرك شيئا ما، وأيادٍ تحرك الأيادي، ودمىً تحركها الأيادي.. ثم الذي يصير أننا نرجم بعضنا بالتهم، كلٌ يضع كل جهده على أخيه، وننسى أن العبثَ يأتي لأننا سمَحنا لأنفسنا أن نعبث بأنفسنا وبأمتنا.

كنت قد كتبت لأصدقائي في صفحتي العامة في الفيس بوك هذه الكلمة: "هل العربُ أمةٌ جاذبة لكاسحات الجو، والتوما هوك، وراجمات الجحيم؟ أم أننا منطقة شاسعة من غياب الحكمة وخوَر الرؤية"؟ وجاءت الردودُ تحاول التفاؤل، وكان التفاؤلُ وحيداً هو البطلُ بلا مساندةٍ من الداخل، ولا من أجواء الداخل، ولا من صراعات الداخل.. ولا من السحق غير العادل الذي يجري على عموم الناس.

بدأت اللعبة من زمن قصير من العراق، وتشربت بلا أن ندري أو "ندرك" في مياه الخليج، وفُتحت العراقُ ميدانا لكل مجرم وسفاح ولم يسأل أحدٌ في كل الدنيا: قبل دخول القوات الخارجية كيف كان الأمن وما معدله؟ وبعد دخول القوات، كيف صار وما معدله؟ لم يحاكم أحدٌ الجيوشَ العرمرمية التي دخلت في "زِنقة" في العراق لتحفظ السلام، فإذا السلامُ يُقتلع من أقصى جذوره.. وكأن المهمة كانت للتأكد من خروج السلام والأمان وتشييعه.. يا لِحِكـم المصرين: "يقتله ويمشي في جنازته..".

والآن اتسعت طاولة القمار وأخذت تماما شكل الخريطة العربية، انظر كيف انتفضتْ "التايم" و"النيوزويك" و"الجارديان" و"الإندبندنت" و"الواشنطن بوست" وحتى "أساهي" اليابانية قبل الزلزال ليشرحوا بإسهاب واستخدموا مقالات لأعظم وأشهر كتابهم حتى لا تنتصر صفة تشبيه ثورة الياسمين التي قام بها الشعب التونسي على مظاهرات في الصين.. كلهم ردّدوا شيئاً واحداً: الصين ليست تونس، والصين ليست العالم العربي.. حتى صوت الحزب الصيني الحاكم الواحد ــــ ضد كل أعراف الديمقراطية الغربية ــــ هفَتَ صوتُه أمام ضوضاء الغرب الديمقراطي.. يبدو أن الصين لاعب قمار يكتسح كسبَ المقامرين!

وآن لي أن أعود للوراء قليلا..

أتذكر أن عنوانا ظهر في جريدة "وول ستريت"، عدد الأربعاء 12 كانون الثاني (يناير) 2007، يفصح عن رأيي فيما زعمت آنفا. والعنوانُ جاء هكذا: "الولايات المتحدة تلعب ورقة إيران في الخليج"، واضحٌ التوجه الجديد لما سمي بالخطة الجديدة لإعادة الموازين في العراق، أو ما تسميه الدوريات السياسية المتخصصة بالفكر الجديد، وهو فكرٌ أو منهجٌ محورُهُ، تلك المرأةُ المهمة دائما، "كونداليزا رايس" والتي كانت عرّابة السياسةِ الخارجية الأمريكية آنئذ، ومحرِّكُها "روبرت جيت" والذي كان وريث تـَرِكـَةِ السيئ الشهرة "رامسفيلد" في وزارة الدفاع الأمريكية. والورقة التي ـــ كانت ــــ تلعب بها الولايات المتحدة، طبقا لما ورد في الجريدة، هي مسألة احتمال طغيان النفوذ الإيراني السياسي ـــ المذهبي ليس في العراق، ولكن ما سيبثه في المواطنين الشيعة في الخليج.

وهناك مسألتان لا ثالث لهما ستحدثان في المشهد العراقي، وعواقب محتملة لا بد من فحص جوانبها وآثارها من الآن من قبل القيادات الخليجية. الأولى، في حال فشل الخطة الجديدة كما هي طبيعة الأفكار الأمريكية السابقة في المنطقة، والثانية: نجاحها. الفشلُ يعني تدميراً عنيفاً يتسرب من العراق ليسبب شروخا عميقة في المبنى الاجتماعي في الخليج.. وسيكون النجاحُ محسوباً فقط لصالح الأمريكان وإسرائيل، وبعد رحيلهم سيبقى لكيان اليهود السؤدَدُ، ويكونون قد تركوا لنا خندقا خلافيا وعدائيا بين شعوب دولٍ والتي مشكلتـُها الكبرى وميزتها الكبرى معا، أنها شعوب متجاورة بالأكتاف، جغرافيا ودينيا وتداخلا عرقيا.. إلى الأبد.

وترون أنها ليست تهمة تلقى على الأفراد كنتيجة منطقية لما ورد، فلا أحد في الخليج يريد قوة جديدة غير عربية، والعربُ شيعة وسنة جربوا الشعوبية الفارسية شاهقة في العصر العباسي، وفي فترات نعرفها في الخليج.. ولن يريدوا إعادة المشهد التاريخي المؤلم. ولكن هذا ما يريدنا الغربُ أن نفهمه..

وللأسف هذا ما فهمناه!

نحن يا ناس كلنا عالقون في هذه المنطقة، لذا على هؤلاء العالقين في المنطقة أن يوزعوا الورقَ الطاهر، حتى لا يتركوها لورقٍ آثم يشفط منهم مقومات حياتهم ثم يرحل تاركا لهم الخراب..

جاء الوقتُ والظرف لنجلس على طاولتنا نحن الخضراء الإسلامية هذه المرة، ولا نقامر.. بل نتفاهم.. لنعيش.


الكاتب / نجيب الزامل

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق