الثلاثاء، 19 أبريل 2011

-3- التحالف الإيراني الأمريكي: حقيـقتـه؟ أبعـاده؟ نتائجـه؟

[43] ليس بعيدا عن العلاقة مع يهود! لأنه كما أسلفنا يتبع لإيران ولا يستطيع الخروج عن رؤيتها.. وهي تمثل له المرجع الديني والدعم السياسي والسند المادي والمالي! لهذا نفهم مقولة البروفيسور "إيال زيسر": إن هناك وضعا ما يكون فيه مع حزب الله المفتاح إلى إحلال السلام والهدوء في منطقة الشرق الأوسط![44] ومقولة بنيامين بن أليعازر -وزير الدفاع السابق: إن حزب الله قد أصبح العامل الاستراتيجي في الشرق الأوسط![45]
ولتطمين إسرائيل وتسويق حزب الله دوليا أجرى الحزب تعديلا على صياغة شعاره على علم التنظيم من (الثورة الإسلامية في لبنان)، الذي يعكس طبيعة الرؤية الاستراتيجية للتنظيم، إلى (المقاومة الإسلامية في لبنان)!
لذا فـ"في كل الأحوال ستنتهي تلك الحرب بنتيجة يعرفها الإسرائيليون أولاً قبل حسن نصر الله ورجاله، وهي أن أقصى النتائج التي يمكن تحقيقها هو إضعاف حزب الله، أما مسألة القضاء عليه نهائيًا فهذا لن يحدث. بل ربما يُشكل إضعاف حزب الله إعادة بنائه مرة أخرى بصورة أكثر تنظيمًا بمساعدة إيران وسوريا"![46]
وهكذا فإن علاقة حزب الله بـ (يهود) قائمة في الخفاء ومتبرأ منها في العلن! لأن علاقة كهذه ستفقد إيران وحزب الله سمعتهما في العالمين العربي والإسلامي!
ومن المؤسف حقا أن يقع الصادقون من أبناء الطائفتين السنة والشيعة معا في الاعتقاد بأن مشروع جمهورية إيران الإسلامية أو حزب الله، وقبله حركة أمل، هو مقاومة الاستعمار الغربي الصليبي أو منازلة العدوان الإسرائيلي! بعد مرور أكثر من ربع قرن على إعلان مثل هذه الشعارات من طهران ومن بيروت!
يقول صبحي الطفيلي[47] وهو يتألم حسرة من تعاون إيران مع الاحتلال الأمريكي: "إن الأمريكي لم يأت للمنطقة لا للديمقراطية ولا لحقوق الإنسان ولا للعدالة ولا للإنصاف ولا لمحاربة إرهاب! جاء محتلا غازيا مستبيحا آكلا لكل شيء، أنت الإيراني تقول لهذا أن تعالى نتعاون! ما هو دورك؟ منسق تتوسل بالغازي تعالى أصير في خدمتك، هذا الدور لا يمكن لعاقل أن يقبل به ولا بأي وجه من الوجوه"!
ويضيف –وهو من أبناء الطائفة الشيعية: "يجب على المسلمين جميعا أن يواجهوا الغزو الأمريكي في العراق وفي خارج العراق، من يستطيع أن يدخل العراق عليه أن يدخل، ومن يستطيع أن يواجه بالكلمة عليه أن يواجه بالكلمة، من يستطيع أن يواجه بالموقف كذلك، هنا حرب تحتاج إلى كل الإمكانيات، تحتاج إلى كل الوظائف عسكرية وأمنية وإعلامية وثقافية، وإلى النهاية وعلى الجميع من المُعمم في محرابه إلى المقاتل في معركته على الجميع أن يقوم بمهمته لتحرير العالم الإسلامي من الغزو الأمريكي"!
ويذكر الطفيلي الشيعة بموقفهم من الاحتلال الإسرائيلي من لبنان فيقول: "الشارع الشيعي في العراق، مثل أي شارع آخر، تتحكم به عوامل كثيرة قبل أن يتحكم به عقله، القرى والمدن الشيعية في جنوب لبنان استقبلت الإسرائيلي بالورود والأرز جراء بعض الممارسات التي قامت بها فصائل فلسطينية، لكن هذه القرى نفسها بعد سنتين كانت في طليعة المقاومة! ولهذا اعتقد أن الوضع في الساحة الشيعية سيتحول بعد أمد غير طويل! لكن المشكلة في السياسيين، ذلك أن معظم التيارات الدينية السياسية منضوية تحت راية التيار الإيراني المتواطئ مع الأمريكيين. وهو الذي يأمر القيادات السياسية الشيعية بقبول مجلس الحكم وأن تكون أعضاء فيه"! و"الأمريكي حتى لو عين شيعياً فهذا الشيعي سيكون خادماً له ولا يخدم الإسلام"![48]
يذكر شارون في مذكراته ص635 أنه فهم من حبيب (مبعوث الولايات المتحدة الأمريكية لحل أزمة لبنان) أن الولايات المتحدة الأمريكية لديها تصور عن لبنان يرتكز على استخدامه "كوسيلة لحل مشاكل الشرق الأوسط الأخرى"!! وأنه سوف يستخدم "لبنان لحمل الفلسطينيين إلى طاولة المفاوضات"!!
ويقول شارون: "أما إسرائيل فلم تضع يوما نصب عينيها هدفا يقوم على إرساء حكم ودي في لبنان، ولكنها تبدي اهتماما بالغا حيال شكل الحكومة التي ستقود مصير البلاد"، وبالتالي سعت لتشكيل تحالفات وإقامة اتصالات مع قوى لبنانية مختلفة، يقول ص558: "فإذا كانت إسرائيل قد رأت أنه من مصلحتها مساعدة الأكراد الذين يشنون المعارك على مسافة ألف كيلومتر من حدودنا، والأثيوبيين الذين يتحاربون على بعد ألف وخمسمائة كيلومتر، فإن ضرورة دعم المسيحيين الذين يقاومون منظمة التحرير الفلسطينية المتمركزة أمام بابنا، دفاعا عن أرواحهم (!!) أصبحت حقيقة لا تقبل الشك"، وهو هنا يتحدث عن سياسة إسرائيل في لبنان عقب وصول حزب الليكود لسدة الحكم عام 1977م.
المسيحيون الذين يتحدث عنهم شارون كانوا حلفاء لأمل ضد الفلسطينيين واللبنانيين السنة! ولكن من خلال تواصله مع المسيحيين فهم شارون أن "هؤلاء الحلفاء لن يكونوا فاعلين في حرب طويلة المدى ضد منظمة التحرير الفلسطينية"، ص626، لأنهم حسب وصفه "كانوا يكتفون على ما يبدو بالتزام الحياد والانتظار حتى نتعب ونشقى من أجل مصلحتهم"، ص626، وعليه غيرت إسرائيل تحالفها لتحتضن الشيعة "الذين رفعوا السلاح ضد الجيش الإسرائيلي مكرهين"!! "فقد رحب العديد منهم بالإسرائيليين واعتبروهم مخلصين أو على الأقل أعطوا موافقتهم الصامتة على الغزو"!![49] و"كتب فؤاد عجمي، وهو أفضل من أرخ لهذه الطائفة: بقضائها على القوة الفلسطينية في صيف 1982م تكون إسرائيل قد فعلت للشيعة ما لم يكونوا قادرين على فعله"!![50]
 حتى حزب الله، الذي خرج منتصرا –كما يقال- عام 2000م، تعاون "مع المسيحيين في الانتخابات البرلمانية في سبتمبر 2000م"، ووافق على ضم قواته إلى الجناح الأيمن المسيحي بزعامة إيلي حبيقة، الذي تعاون مع القوات الإسرائيلية أثناء غزوها للبنان عام 1982م، وألقيت على عاتقه مسئولية مجازر مخيمات اللاجئين في صبرا وشاتيلا! وبهذا "يتضح أن حزب الله قد قبل المساومة على مبادئه وأيديولوجيته وتعاون مع شخص ذي علاقات مفضوحة مع إسرائيل"![51]
إن حزب الله يتلاعب بورقة المقاومة ما بين الدعاية والممارسة، ففي حين يعلن "رئيس كتلة حزب الله البرلمانية محمد رعد بأن النشاط الفلسطيني من جنوب لبنان يتطلب تنسيقا استراتيجيا وتدقيقا في الموضوع مع حزب الله"![52] وهو ما يوهم بنوع من التنسيق! يعترف الحزب بأنه ساعد في إحباط عدة عمليات كونها "أعمالا محظورة"![53]
هذا التناقض دفع العميد سلطان أبو العينين، أمين سر حركة فتح في لبنان، للاعتراف في 5/4/2004م[54]  بأن حزب الله اللبناني أحبط في الأسبوع الأخير أربع عمليات كانت المقاومة الفلسطينية قد خططت لتنفيذها ضد إسرائيل من الجنوب اللبناني انطلاقا إلى الحدود الشمالية مع الدولة العبرية. وأضاف أبو العينين أن عناصر حزب الله قامت باعتقال المقاومين الفلسطينيين وتقديمهم للمحاكمة! مضيفا: "حزب الله قال سنكون إلى جانبكم عند المحن، ولكننا منذ ثلاثة أعوام نعيش الشدائد ولم نعد نقبل شعارات مزيفة من أحد!"! مؤكدا بأن "كافة الحدود الفلسطينية عليها حمايات عربية ومغلقة أمام أي مقاوم فلسطيني"! "بما فيها اللبنانية ضمن ترتيبات أمنية غير معلنة"!
وأضاف أبو العينين في تصريحات نشرتها صحيفة "كل العرب" بأن الانسحاب الإسرائيلي من الجنوب اللبناني في مايو تم ضمن ترتيبات أمنية واتفاق أمني بألا تطلق طلقة واحدة على شمال فلسطين من جنوب لبنان، وهذا الاتفاق يطبق منذ الانسحاب الإسرائيلي، فلم يتمكن أي مقاوم من اختراق الحدود الشمالية وجرت أكثر من محاولة من جميع الفصائل الفلسطينية وجميعها ضبطت من حزب الله وقدمت إلى المحكمة! موضحا بأن "حزب الله يريد المقاومة كوكالة حصرية له"! و"أن سيطرة حزب الله على المقاومة في الجنوب اللبناني نابعة من اتفاقيات وترتيبات أمنية"!
ودعا أبو العينين الشعب الفلسطيني إلى ألا يعول لا على حزب الله "لأن لحزب الله أولوياته ومواقفه السياسية"! وطالب من حزب الله إيضاح موقفه من منظمة التحرير الفلسطينية! المنظمة التي كانت حسب رأي شارون في مذكراته متمكنة في جنوب لبنان، وكانت بحسب تعبيره قاب قوسين أو أدنى من تحقيق أهدافها.. فكانت إرادة إسرائيل من حروبها ضد لبنان "أن يعتلي سدة الحكم حكومة قادرة على تأمين الاستقرار والحؤول دون عودة منظمة التحرير الفلسطينية إلى لبنان"، وبالتأكيد دون عودة أي مقاومة إسلامية جهادية!![55] ولربما تكون هذه الحكومة هي حكومة حزب الله القادمة!
لقد حقق حزب الله من عملياته أن يكون الممثل والمفاوض الرسمي عن المقاومة اللبنانية! ليكون فيما بعد جزءا من معادلة السلام في المنطقة! كما هو حاصل مع بقية الأنظمة! ولنتابع ما قاله صبحي الطفيلي –أول أمين عام لحزب الله في حوار مع قناة الجزيرة في برنامج "زيارة خاصة".
يرى الطفيلي أن الإسرائيليين استطاعوا بتفاهم نيسان[56] مع حزب الله! تحييد الحزب ليكون بمنأى عن ضرب الأهداف اليهودية في فلسطين! وأن يكون "مقاومة لبنانية! داخل الأرض اللبنانية!"، وأنه لا يحق له "أن يقاتل داخل فلسطين!" يعني "موضوع تحرير فلسطين وما شابه ذلك موضوع شطب من الخريطة! وهنا كانت المصيبة!"، وأن هذا ما كانت تطرحه إسرائيل "بطرق معينة بالثمانينات ورفضناه"!
ويضيف الطفيلي: اليوم باستثناء مزارع شبعا الحدود اللبنانية الإسرائيلية "منطقة محروسة آمنة! أكثر من الحدود الفلسطينية المصرية! والحدود الأردنية الفلسطينية! والحدود السورية الفلسطينية! وهذا ما يشكر عليه الأمريكيون حزب الله"! ويضيف بأن حزب الله "يلعب دورا مخزيا" كونه "يشكل عمليا حماية للعدو الإسرائيلي"! وأنه سبق له أن طلب منهم مررا أن يبتعدوا عن الحدود "ليحرس الحدود غيركم"!
"هذا التفاهم يمنع على حزب الله أن يضرب في الأرض الفلسطينية! ما معنى هذا؟! هل هناك فلسفة معينة لإخراج الأمور من دائرتها الطبيعية؟! متجهة نحو حماية الحدود الشمالية لفلسطين!" يعني "أنا أو أنت أو إنسان يحمل البندقية ويريد أن يقاتل العدو الإسرائيلي اليوم يذهب إلى الحدود.. من يمسكه؟ من يعتقله؟ أليس شبابنا الطيبون الطاهرون المساكين"! ويقدم حقيقة معبرة فيقول: "بالمناسبة لو أن غير شباب حزب الله هم الذين على الحدود لكان الأمر مختلفا! كان كثير من الناس يستطيعون اختراق الحدود والقيام بعمليات ضد العدو الإسرائيلي! لكن الحزب بما لديه من كفاءة ومن إمكانيات وسمعة.... هو الأقدر على الحماية! هنا المصيبة! وهنا الكارثة!"[57].
وفي حوار آخر مع صبحي الطفيلي يقول: "لقد بدأت نهاية هذه المقاومة مذ دخلت قيادتها في صفقات كتفاهم يوليو 1994م وتفاهم أبريل 1996م الذي أسبغ حماية على المستوطنات الإسرائيلية وذلك بموافقة وزير خارجية إيران[58]. لكن هذا التفاهم اعتبر انتصاراً للبنان لأنه حيد المدنيين اللبنانيين أيضاً واعترف بشرعية المقاومة! مع أن عمليات للمقاومة تحصل في مزارع شبعا بين الحين والآخر، هذا التفاهم الهدف الأساسي منه تحييد المقاومة وإدخالها في اتفاقات مع الإسرائيليين، كما أن العمليات الفلوكلورية التي تحصل بين حين وآخر لا جدوى منها لأن الإسرائيلي مرتاح، وهل هناك فرق بين الإسرائيلي في مزارع شبعا والإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة؟ هذا اعتراف بالاحتلال! أنا أرى أن الخيام -بلدة حدودية لبنانية- هي مثل عكا وحيفا. وما يؤلمني أن المقاومة التي عاهدني شبابها على الموت في سبيل تحرير الأراضي العربية المحتلة، تقف الآن حارس حدود للمستوطنات الإسرائيلية، ومن يحاول القيام بأي عمل ضد الإسرائيليين يلقون القبض عليه ويسام أنواع التعذيب في السجون"!!
و"أنا أوجه كلامي إلى أبنائي في المقاومة لأقول لهم إن ما تفعلونه حرام وخدمة للعدو وخيانة للقضية! ألقوا سلاحكم وارحلوا أو تمردوا وأطلقوا النار على عدوكم ولا تجعلوا أحداً يخدعكم تحت عنوان أي فتوى أو ولاية فقيه، فلا فقيه في الدنيا يأمرني بأن أخدم عدوي! أنا آسف كيف أن المقاومة التي صنعناها بدماء شهدائنا تختطف وتحول إلى خدمة أعدائنا"!!
ويربط الطفيلي بين إيران وهذا التحول فيقول: "رغم كل ما حصل معي، كنت حريصاً على إبعاد وضعي الشخصي عن الوضع العام، كما لم أتناول إيران وشخصياتها القيادية رغم كل الأحداث الماضية والحالة الشخصية. كنت حريصاً على ألا أدخل أي قضية عامة في إطار وضعي الشخصي. لكن بعد التحول الذي حصل في الموقف من المقاومة وتحول إيران إلى منسق للشؤون الأمريكية في المنطقة رأيت أن أخرج عن صمتي!!"[59].
هذه حقيقة قديمة! وقد نفى صبحي الطفيلي علاقة حزب الله بالعملية التي استهدفت المارينز والمظليين الفرنسيين في بيروت، وكان في حينها أمين عام الحزب، كما في مقابلته مع قناة الجزيرة الفضائية في 23/7/2004م، واعتبر أن ذلك شرفا لم يحققه حزب الله وإنما سبقهم إليه غيرهم! "لسنا مسؤولين عن هذا الفعل –تفجير مقر المارينز الأمريكي والمظليين الفرنسيين- لم نأمر أحدا بتنفيذ هذه العملية، لو أمرنا كنت لأفتخر أمامك وقلنا نحن ضربنا.. عملنا.. لأنه يومها كانت القاصمة للأمريكيين"!! كما نفى الديراني مسئولية الحزب عن عملية السفارة الأمريكية في بيروت!
و"حتى لا نخدع أنفسنا، أقول لا شك في أن هناك حواراً أمريكياً- إيرانياً بدأ قبل غزو العراق. وأن وفداً من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية المؤيد لإيران زار واشنطن لهذه الغاية. والتيارات الإيرانية في العراق هي جزء من التركيبة التي تضعها الولايات المتحدة في العراق. حتى أن أحد كبار خطباء الجمعة في العاصمة الإيرانية قال في خطبة صلاة الجمعة أنه لولا إيران لغرقت أمريكا في وحل أفغانستان!! فالإيرانيون سهلوا للأمريكيين دخول أفغانستان! ويسهلون بقاءهم الآن! أما القول عن اعتقال سفير سابق هنا أو حديث عن سلاح نووي هناك فهو يدخل من باب السعي الأمريكي لتحسين شروط التعاون الإيراني. التشيع يستخدم الآن في إيران لدعم المشروع الأمريكي في أفغانستان. ومن هنا أقول لكل الشيعة في العالم أن ما يجري باسمهم لا علاقة له بهم. وهذه أعمالٌ المتضررُ الأكبرُ منها الإسلام والتشيع!".[60]
وهنا أقف مع مقابلة أجراها مدير مكتب قناة الجزيرة مع حسن نصر الله سأله فيها: هل من الوارد توسيع دائرة مقاومتكم إلى فلسطين، إلى العراق، إلى غيرهما؟ فأجاب نصر الله بعيدا عن محور السؤال –كعادته: "نحن هنا في لبنان، قاتلنا على الساحة اللبنانية، على الأرض اللبنانية، أعلنا بوضوح أننا ندعم الانتفاضة في فلسطين والمقاومة في فلسطين، وهذا أمر معلن وواضح، ولنا شرف قبول هذه التهمة من قبل الأمريكيين والإسرائيليين، ومعركتنا الحالية مازالت قائمة مع العدو الصهيوني الذي يحتل أرضنا، ويواجه المنطقة كلها بالتهديد"! وما أسهل هذا الكلام الذي ردده من قبل زعماء العرب![61]
لكن مذيع القناة عاد ليسأل نصر الله: هل أنتم في وارد دعم أي بذور مقاومة في العراق، أم لا؟ فقال نصر الله: "هذا الأمر أولاً يرتبط بإرادة الشعب العراقي، يعني خلينا نشوف نبحث عن مقاومة عراقية في الأول، وبعدين نسأل عن القوى الأخرى والشعوب والحكومات والحواضن، من هو حاضن ولديه استعداد أن يدعم وأن يقف، وأن يساند، وما شاكل، وإن كنت أنا طبعاً قلت نحن نحترم خيارات الشعب العراقي، ونعرف أنه عاش ظروفا صعبة خلال 30 عاماً، والآن هو خرج من مرحلة قاسية، وهو الذي بإمكانه أن يحسم خياره ويتخذ قراره، وأنا لا أستطيع أن آخذ قرارا بالنيابة عن الشعب العراقي، وإن كانت سنن التاريخ وطبيعة الأمور تقول: أن الشعوب التي تحتل أرضها مآلها إلى المقاومة"!! وأضاف: "بكل وضوح العراق تحت الاحتلال، ما حصل في العراق هو احتلال أمريكي عسكري غير مشروع على الإطلاق، وبكل المعايير والموازين هو غير قانوني وغير شرعي، ويتعاطى معه كاحتلال"! "بعض العراقيين مازال يصدق بأن الأمريكيين جاءوا فعلاً لإنقاذه ولتحريره، وأنهم سيرحلون بعد شهر، أو ستة أشهر، أو سنة، أنا أعتقد أن الوقت والظروف والأطماع الأمريكية، والسياسات الأمريكية، والأخطار الأمريكية، سوف تضع الشعب العراقي أمام حقيقة واضحة أن ما جرى هو احتلال وسيطرة وهيمنة على نفطه، وخيراته، ومصيره، ومستقبله، وستتهاوى أحلام الديمقراطية ووعود الحرية، و احترام إرادة الشعب العراقي، وهذا الشعب سوف يلجأ عاجلاً أم آجلاً إلى خيار المقاومة"!![62]
ويواصل حديثه: "ما حصل "هو عدوان، في أفغانستان نفس الشيء، نحن لم نكن مع حركة طالبان، نحن لدينا ملاحظات كبيرة جداً على أداء حركة طالبان، وعلى نموذج طالبان، ولكن كنا ضد الحرب الأمريكية على أفغانستان وصنفناها بأنها عدوان، أمريكا لم تأتِ لتحرير الشعب العراقي، أمريكا جاءت لاحتلال العراق والسيطرة على نفط العراق وإعادة رسم خريطة المنطقة تمهيداً للسيطرة على العالم، وبالتالي هنا لا تستطيع أن تكون مؤيداً لهذه الحرب، أو ساكتاً عنها، في الحد الأدنى يجب أن تكون ضد هذه الحرب"![63]
في الحقيقة نصر الله يعطي إجابات حمالة، ذات أوجه، حتى لا يأخذ عليه العقلاء كلمة تدينه في لبنان، لذا فهو يتحدث عن وضع العراق بالقول: "العراق نموذج يجب أن نتوقف عندهدائما ويجب أن تبقى رسالتنا لشعبنا في العراق الصبر والهدوء والحكمة والتواصل وعدمالوقوع في الفتنة وعدم الرهان على العدو"![64] فهل هذه دعوة إلى الجهاد والمقاومة أم لمساندة الاحتلال على أبناء العراق!
إن حسن نصر الله لا يجرؤ على مخالفة المرجعيات الشيعية في العراق ليجيز مقاومة العدو المحتل! كما أنه حريص على الإشارة إلى "الدولة الحاضنة"! ولا ندري من يقصد بها دولة "ولاية الفقيه" أم دولة "البعث النصيري"!!
إننا ينبغي ألا ننكر أن حزب الله يقوم بعمليات عسكرية ضد إسرائيل بين وقت وآخر، كما ذكر صبحي الطفيلي، لكنه لا تمثل أيديولوجية قتالية ضد اليهود لإخراجهم من فلسطين وإلا كيف نفسر اجتياح إسرائيل للبنان لتصفية المقاومة الفلسطينية خلال الثمانينات وارتكابها المجازر بحق الفلسطينيين بينما هي في حالة "حزب الله" ومن قبل حركة أمل! نجدها كدولة ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية والمجتمع الدولي عاجزة عن نزع سلاح حزب الله! السلاح الذي يعلن حسن نصر الله، وهو الذي يصور نفسه منتصرا على إسرائيل نصرا تاريخيا استراتيجيا، أنه لا توجد قوة في العالم تستطيع نزع سلاح حزب الله!!! ألا يتناسب هذا مع تصريح وزيرة الخارجية الإسرائيلية ليفني بأنه لا توجد قوة في هذا العالم تستطيع نزع سلاح حزب الله!!
إذن وماذا كانت تفعل الولايات المتحدة في العراق وفي أفغانستان وفي البوسنة!! ألم تعمل على نزع أسلحة دول بأكملها! وميليشيات!
ألا يجعلنا هذا الوضع نتساءل عن صدقية مقاومة حزب الله، و"حزب الله بالمناسبة، هو المليشيا المسلحة الوحيدة في العالم المسموح لها بعرض عضلاتها، وتملك أسلحة وصواريخ وعلاقات دولية، وموازنة تقدر بمائتي مليون دولار، وكل مؤهلات الدولة، في حين غير مسموح لوجود مثل هذه المليشيات في أية دولة على سطح كوكبنا، وحين تتهم أية مقاومة سنية أو مقاوم سني بشبهة يتم على الفور قتله أو توجيه صواريخ كروز إلى موقعه كما حصل في بغداد وخوست الأفغانية والخرطوم وغيرها"![65]
ألم يقل حسن نصر الله "إن وجود هذا السلاح هو نتيجة لسبب! إذا زال السبب زالت النتيجة! ونحن لا ننوي الاحتفاظ بهذا السلاح إلى الأبد"! فما هو السبب الفعلي وراء امتلاك حزب الله للسلاح وقد رضي بعد المواجهة الأخيرة بالقرار رقم 1701 الذي يطالب "بنشر قوات لبنانية في الجنوب بالتزامن مع الانسحاب الإسرائيلي، وبالتعاون مع قوات الأمم المتحدة المؤقتة (اليونيفيل) التي سيرتفع عددها إلى 15 ألفا"!! ويدعو كلا من "إسرائيل ولبنان إلى دعم وقف دائم لإطلاق النار وحل بعيد المدى"!
إن بقاء سلاح حزب الله وتزايد عدد قوات الأمم المتحدة في أرض الشام، في حين تتحدث تقارير إعلامية وصحفية واستخباراتية عن تنام كبير لشعبية الجهاد والمقاومة في أرض العراق والشام، مع ما أكدته التقارير الأخيرة من العراق والتي تفيد بأن أغلب المجاهدين العرب في العراق هم من سوريا والبعض من لبنان! كل ذلك يضع علامة استفهام عن الدور المستجد لسلاح حزب الله في ظل استحقاقات النصر الداخلية!
ختاماً:
نخلص مما سبق أن التحالف الإيراني الأمريكي حقيقة لا مراء فيها، تؤكدها الحقائق الواقعية، وأنها تأتي في نسق العداء العقدي مع جمهور الأمة من السنة والعرب، ومن ثمَّ فهي امتداد طبيعي للتاريخ التآمري للشيعة مما يذكره المؤرخون وأهل العلم.

ويغذي التوجه نحو هذا التحالف (المعتقد الديني) الذي يرى في اليهود والنصارى كفارا أصليين وفي المسلمين السنة كفارا مرتدون، و(التعصب الطائفي) الذي ربى عليه عموم الشيعة وقامت دولهم على أساسه، و(الانتماء القومي) لحضارة مغايرة للحضارة الإسلامية العربية، و(المصالح السياسية) التي تريد إيران اقتناصها في زمن الهجوم على المكون (السني) للأمة من قبل اليهود والنصارى، فإيران تعمل بالمبدأ: "ليس في السياسة أعداء دائمون، أو أصدقاء دائمون, إنما مصالح دائمة فحسب"!
وهكذا يلتقي الديني بالطائفي والقومي والسياسي في رؤية ووعي ومواقف مرجعيات الشيعة الإثنى عشرية بقيادة إيران تجاه المسلمين السنة والعرب عموما!
وهذا التحالف مع الولايات المتحدة وإسرائيل يأخذ أبعاده السياسية والدينية والاقتصادية والعسكرية المشتركة، فمن حيث السياسة يلتقي الطرفان في إسقاط بعض الأنظمة السنية أو إضعافها، وتغيير خارطة المنطقة. ودينيا تريد الولايات المتحدة القضاء على الإرهاب (السني) ولا مانع لديها من مساندة المذهب (الشيعي) الثائر كذبا! إلا على الحكومات السنية والعربية. واقتصاديا يرغب كل من الطرفين الوصول إلى ثروات العراق والخليج. وعسكريا إضعاف الدول الإسلامية والعربية عموما لصالح أمن إسرائيل وتأمين مصالح الغرب!
ومن نتائج هذا التحالف ما شاهدناه في أفغانستان والعراق ولبنان واليمن.. والدور قادم على دول أخرى.
يقول مؤلف كتاب (الغزو الفارسي للعالم العربي) عبد الله عبد الله السعيد -عام 1404هـ- عن الحرب الإيرانية العراقية: "العالم كله يتحرك ويتوسط إلا أن إيران ترفض إلا أن تُفتَحَ العراقَ ليصعد الشيعة فيها إلى سدة الحكم، وليقيموا المشانق لنحو 65% من شعب العراق السني. ويا له من يوم كيوم القيامة يوم تفتح يأجوج ومأجوج على السنة في العراق والخليج، ولا أحد–إلا الله- يعلم كم من ملايين السنة سوف تباد في ذلك اليوم المنحوس".[66]


------
[43] ديلي ستار اللبنانية، 28/10/2002م.
[44] فصلية الشرق الأوسط، خريف 2002م.
[45] إذاعة إسرائيل، 23/12/2002م.
[46] موت نصر الله في الميزان الصهيوني، تحليل مترجم من صحيفة هآرتس الإسرائيلية، المفكرة، في 26/7/2006م. وإن كانت الحقيقة أبعد مما يطرحه الكاتب!
[47] حوار مع صبحي الطفيلي، الجزيرة، في 23و30/7/2004م.
[48] حوار مع صبحي الطفيلي، الشرق الأوسط، عدد 9067، في 25/9/2003م.
[49] راجع: الحروب السرية للاستخبارات الإسرائيلية، إيان بلاك- بني موريس، ترجمة إلياس فرحات، دار الحرف العربي، بيروت، 1998م، ص338.
[50] المرجع قبل السابق، نفس الصفحة!
[51] راجع: قواعد جديدة للعبة: إسرائيل وحزب الله بعد الانسحاب من لبنان، دانييل سوبلمان، مركز جافي للدراسات الإستراتيجية، ترجمة د. عماد فوزي شعيبي، مركز المعطيات والدراسات الإستراتيجية، الدار العربية للعلوم، بيروت، ط1 2004م، ص50.
[52] قناة المنار، 28/1/2001م.
[53] صحيفة الحياة، 10/4/2002م.
[54] القدس العربي، 5/4/2004م.
[55] راجع: مذكرات شارون، ص657، ص661!
[56] نص تفاهم نيسان، 27/6/1996م، الذي حظي بدعم إقليمي ودولي واسع، على أن حكومتي إسرائيل ولبنان يكفلان التالي: أن يتوقف حزب الله والمنظمات المسلحة عن استهداف إسرائيل بالصواريخ مقابل توقف إسرائيل والمتعاونين معها عن استهداف المدنيين اللبنانيين، وأنه بدون خرق هذا التفاهم لا يوجد مانع لأي طرف من ممارسة حق الدفاع عن النفس، وأن يتم تشكيل مجموعة مراقبة دولية من الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا وسوريا ولبنان وإسرائيل، وأن التفاهم لحل الأزمة بين البلدين ليس بديلا عن حل دائم.
[57] حوار مع الشيخ صبحي الطفيلي، الأمين العام الأول لحزب الله، الجزيرة، في 23و30/7/2004م.
[58] هذا يؤكد دور إيران في توجيه مسار حزب الله سياسيا وعسكريا! بشأن الداخل وإسرائيل!
[59]حوار مع صبحي الطفيلي، الشرق الأوسط عدد 9067، في 25/9/2003م.
[60]حوار مع صبحي الطفيلي، الشرق الأوسط عدد 9067، في 25/9/2003م.
[61] يقول مؤلف (قواعد جديدة للعبة.. إسرائيل وحزب الله)، ص36: "إن المنظمات الفلسطينية نفسها ربما تكون قد بالغت في تخمين حريتها ونشاطها في لبنان بعد الانسحاب الإسرائيلي منه –أي عام 2000م، وكما سنفصل فيما يلي، فقد تم بعد الانسحاب مباشرة منع منظمة جبريل –وهي تابعة للجبهة الشعبية الفلسطينية، ولها روابط بسوريا وحزب الله- من تحريك الدبابات باتجاه إسرائيل وكذلك أيضا تمت معاقبتها من قبل عدة عناصر في لبنان بما فيهم حزب الله بعد مقتل عضوين من الجبهة الشعبية بنيران قوات الدفاع الإسرائيلي في قطاع مزارع شبعا أثناء ما اتضح أنه كان عملية ضد إسرائيل"! هذا في الوقت الذي رأى العرب في حزب الله مشروع المقاومة الوطنية التي استطاعت طرد إسرائيل وإخراجها بالقوة!!
[62] ورغم هذا الكلام المعسول لم يثن حسن نصر الله على موقف التيارات السنية التي رفضت الاحتلال منذ الأيام الأولى له، ولا فصائل المقاومة العراقية المجاهدة!!!
[63] حوار مع حسن نصرالله في برنامج لقاء خاص، الجزيرة، 8/5/2003م.
[64] خطاب حسن نصر الله في حشد من أنصاره في 22/9/2006م.
[65] جيش المهدي حزب الله.. ومقتدى الصدر نصر الله، أحمد موفق زيدان، على صفحته الخاصة في موقع مكتوب www.maktoobblog.com/ahmedzaidan، في 24/7/2006م.
[66] الغزو الفارسي للعالم العربي، عبد الله عبد الله السعيد، ط1- 1404هـ.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق