الأحد، 17 أبريل 2011

الشبح الإيراني والخبير الإستراتيجي الإسرائيلي


رصد الخبير الصهيوني في سياق دراسته الأهداف التي تضعها طهران نصب عينيها في تعاملها مع دول الخليج العربي والتي تحققها أهدافها لبسط سيطرتها ونفوذها في المنطقة:
1. تحجيم أو منع قدرات دول الخليج العربي كي لا يمكن أن تستخدم كقواعد لمهاجمة إيران.
2. حماية السواحل الإيرانية ومنشآتها النفطية وقطعها البحرية المنتشرة في مياه الخليج.
3. السعي لتخريب محاولات الولايات المتحدة لزيادة تأثيرها على دول منطقة الخليج العربي.
4. العمل وبقوة على توصيل رسالة لدول الخليج مفادها أن الثمن الذي ستدفعه في حالة موافقتها على السماح لأمريكا بتوجيه ضربة عسكرية لإيران من داخل أراضيها سيكون باهظاً .
5. تأكيد النظام الإيراني على أن الرد سيتمثل في توجيه ضربات تضر بحركة الملاحة في مياه الخليج العربي وبصادرات النفط الخليجية لدول العالم وكذلك تأكيده على قدرة القيام بالإضرار بدول الخليج ذاتها وكل ذلك بهدف بزيادة التأثير عليها.

وفى محاولة لتضخيم إيران وتصويرها على أنها الشبح الجديد للعرب في منطقة الخليج زعم الخبير الإسرائيلي أن إيران في الوقت الحاضر تمتلك قدراتها تجعلها أكثر تفوقاً من دول الخليج العربي ، نظراً لامتلاكها صواريخ أرض – أرض وغيرها من القدرات التي تمنحها التفوق خاصة في مجال القوة البحرية وهو الأمر الذي يمنحها كذلك القدرة على الإمساك بزمام أكثر المناطق حيوية في منطقة الخليج.

بعد ذلك تطرق الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي يوئيل جوزنيسكي في سياق دراسته للحديث عن التواجد العسكري الأمريكي في منطقة الخليج العربي باعتباره الطرف الآخر في معادلة ميزان القوة العسكرية بمنطقة الخليج ، زاعماً أن أمن منطقة الخليج ظل مرتبطاً ارتباطا وثيق بأمريكا، ووجدت دول المنطقة نفسها مرتبطة بها من خلال اتفاقيات للدفاع المشترك وذلك بهدف الحفاظ على مصالحها الاقتصادية.

وأشار الخبير الإسرائيلي إلى أن التواجد العسكري الأمريكي ليس في منطقة الخليج العربي فحسب، لكنه يمتد لسائر دول منطقة الشرق الأوسط ، حيث تعتبر أمريكا من الدول الرائدة في مجال تزويد دول منطقة الشرق الأوسط بالسلاح. مشيراً إلى تبني إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما لذات التوجه الذي سبق وأن تبنته الإدارات الأمريكية المتعاقبة إذ حث مراراً دول الخليج العربي وغيرها من الدول العربية على التوسع في عمليات شراء الأسلحة الدفاعية ودعم جيوشها بهدف مواجهة التهديدات الخارجية خاصة من قبل إيران، وطلب منها السعي من أجل الحصول على المزيد من العتاد العسكري الذي تصنعه الولايات المتحدة.

وعن التهديدات الأمنية التي تواجه دول الخليج العربي حالياً زعمت الدراسة الإسرائيلية أنه وخلال السنوات الأخيرة تغير أسلوب ونوع التهديدات التي تواجه تلك الدول ، التي وجدت نفسها مضطرة للتعامل معها ، خاصة التهديدات من قبل إيران ، وعلى هذا الأساس قامت دول المنطقة بالحصول على العديد من المنظومات العسكرية التي تلبي لها الحاجة من أجل الدفاع عن أراضيها والتعامل مع نوعيات السلاح التي يمتلكها الخصم الآخر ، كما عملت على زيادة معدلات تدريب قواتها وعملت علي تحسين قدراتهم في العديد من المجالات.

ثم تحدث الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي يوئيل جوزنيسكي عن سعي دول منطقة الخليج العربي مؤخراً للحصول على المزيد من بطاريات الدفاع الجوي والطائرات المقاتلة والقطع البحرية الحديثة وجاء هذا في المقام الأول بهدف الدفاع عن مواطن الضعف التي كانت تعاني منها فيما مضي. وقال أن دول الخليج وجدت الفرصة مواتية لها بعد الحصول على هذه النوعيات لحماية العديد من المنشآت الحيوية .

المشتريات العسكرية لدول الخليج:

وعن مشتريات الأسلحة لدول الخليج العربي فى السنوات الأخيرة ذكرت الدراسة الإسرائيلية وفى إطار سعيها لمعرفة مدى القوة العسكرية لتلك الدول أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة أنفقتا الكثير من الأموال بهدف شراء المزيد من العتاد العسكري ، مشيرة إلي أن السعودية على سبيل المثال شهدت في الفترة بين عامي 2001 و2009 زيادة في الإنفاق وصل لنحو 24 مليار دولار بارتفاع بلغ مقداره نحو 65 %. وأن الإنفاق العسكري في دولة الإمارات العربية المتحدة ارتفع بنسبة 700% حيث زاد من 1،9 مليار دولار إلي 15،4 مليار دولار، فيما ارتفع حجم الإنفاق العسكري في دولتي الكويت والبحرين بنسبة 35%. وزعم معد الدراسة أن كافة التقديرات تشير إلي أن المملكة العربية السعودية ستقوم بزيادة حجم إنفاقها العسكري خلال الخمس سنوات المقبلة لنحو خمس مليار دولار وذلك لشراء المزيد من العتاد العسكري المتقدم ، فيما ستقوم دولة الإمارات بإنفاق نحو 35مليار دولار ويأتي في أعقابها الكويت وسلطنة عمان وقال أن التوقعات تشير إلي أنهما سيزيدا من حجم إنفاقهما العسكري بنحو 13 مليار دولار.

وذكر الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي في دراسته أن تنامي القدرات النووية الإيرانية وزيادة وطأة المخاوف من قيام إيران بتوجيه ضربات صاروخية لدول الخليج العربي ، يعدا المحرك الأساسي لدول الخليج العربي لزيادة قوتها العسكرية ، وأن الأمر الملاحظ هو أن حجم الإنفاق العسكري لهذه الدول لم يقل في أعقاب الأزمة المالية العالمية وانخفاض أسعار النفط ، بل أبدت دول المنطقة الرغبة في حصولها على المزيد من الأسلحة المتقدمة خاصة فيما يتعلق بأنظمة الردع العسكري وأنظمة الدفاع الجوي والحصول على وجه الخصوص على بطاريات صواريخ الأمريكية الصنع من طراز ( Patriot (PAC-3 وكذلك السفن الحربية من طراز Aegis.

ونوهت الدراسة الإسرائيلية إلى موافقة الكونجرس الأمريكي العام الماضي على صفقة تقوم الولايات المتحدة بموجبها بتزويد دولة الإمارات العربية المتحدة بمنظومة دفاع جوي متقدمة من نوع (THAAD )، كما أبدت الإمارات الرغبة في حصولها على طائرات من نوع F-35 التي تعد الأكثر تطوراً في العالم . وشددت الدراسة على نقطة خطيرة للغاية وهى ملاحظتها لسعي دول منطقة الخليج لامتلاك أنظمة عسكرية حديثة تتعدى مسألة الحصول على أنظمة دفاعية ، ووصل إلي حد الرغبة في الحصول على أنظمة هجومية، الأمر الذي تتخوف منه بشدة تل أبيب مستقبلاً في أن توجه تلك الأسلحة ضدها في حال اندلاع حرب شاملة بين العرب وإسرائيل.

وهنا رصدت الدراسة قيام المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة بشراء قنابل لطائراتها المقاتلة، بل وحصلتا على قنابل من نوع JDAM التي يتم توجيها بالأقمار الصناعية GPS ، كما أشارت إلي قيام دولة الإمارات والكويت بمحاولات لشراء زوارق حربية سريعة .

مصادر السلاح:

تناولت الدراسة الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي الإسرائيلي سبل حصول دول الخليج العربي على الأسلحة ، مشيرة إلى أن بعض دول منطقة الخليج سعت مؤخراً للحصول على السلاح من أكثر من مصدر، فدولة الإمارات على سبيل المثال تحصل علي طائرات من أمريكا وفرنسا وكذلك السعودية تحصل على طائرات من أمريكا وبريطانيا، والتي تسعى مؤخراً للحصول على منظومة الصواريخ الدفاعية من طراز ( S-300 ) من روسيا وذلك بهدف منع إيران من الحصول عليها ، كما أن دول منطقة الخليج سعت في الفترة الأخيرة لزيادة حجم التعاون مع قوات حلف الناتو، فى إطار حرصها على تنوع مصادر التعاون العسكري، بحيث لا يكون قاصراً فقط على التعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية كما يروج له الإعلام الصهيوني.

وفى ختام دراسته عن سباق التسلح التقليدي في منطقة الخليج العربي زعم الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي يوئيل جوزنيسكي أنه برغم سعي دول الخليج العربي لشراء المزيد من الأسلحة، إلا أن هناك فارق نوعي في المقارنة بين جيوش الدول الخليجية والجيش الإيراني يتمثل في مسألة قدرة الجيوش الخليجية على إدارة حرب حديثة في مواجهة إيران وذلك لجملة من الأسباب أجملها في النقاط التالية وهي:

الضعف العام: تحدث الخبير الصهيوني عن مسألة عدم وجود العمق الإستراتيجي لدول الخليج وقلة عدد السكان مقارنة بإيران البالغ تعداد سكانها نحو سبعين مليون نسمة ، فضلاً عن وجود معظم مصادر النفط في دول الخليج العربي والتي تصل لنحو 24 % من مصادر النفط العالمي الأمر الذي يدفع هذه الدول للاعتماد على القوي الخارجية لحمايتها.

كما زعمت الدراسة الإسرائيلية وجود خلافات بين دول المنطقة في الاتفاق على أن إيران تشكل تهديداً حقيقياً على المنطقة وأمنها مشيرة إلي أن البعض يرى أن القوي الخارجية تحاول الوقيعة بين إيران وبينها.

البعد الطائفي: أثار الخبير الإسرائيلي كذلك مسألة البعد الطائفي داخل دول الخليج العربي، مشيراً إلي أن الشيعة لا يخدمون في صفوف الجيوش الخليجية، وقال أنهم حتى لو شارك بعضهم فأنهم يتعرضون للتعامل السيئ ويمنعون من التدرج في المناصب العسكرية.

التعلق بالأجانب: تحدث جوزنيسكي في هذا الصدد عن مسألة قلة عدد سكان دول الخليج العربي ، الأمر يدفع هذه الدول للاستعانة بالعمالة الأجنبية في كافة مجالات وقطاعات الحياة ، كذلك في قطاع الأمن والدفاع ، مشيراً إلي أنه وفي الكثير من الأحيان ترتفع تكاليف الصفقات التي تبرمها دول الخليج بسبب ارتفاع تكاليف بند الصيانة والتي تتضمن تشغيل عمال أجانب في صيانة المعدات العسكرية التي تحصل عليها هذه الدول ، وتقوم دول الخليج بالاتفاق على تشغيل عمال يتم إرسالهم خصيصاً لهذا الغرض.كما يتم الاستعانة بهم في عمليات التدريب والصيانة الدورية في كافة المراحل بما فيها عمليات صيانة قطع الغيار وتركيبها وتطوير منظومات السلاح بمختلف نوعياتها.وفى هذا الصدد زعم الخبير الإسرائيلي أن دول الخليج قد تجد نفسها مضطرة مستقبلاً في حالة الدخول في مواجهة عسكرية في حاجة للاستعانة بعناصر مرتزقة لكي تواجه قلة العنصر البشر فيها.

أخيراً نؤكد أن الدراسات والتقارير الصادرة عن مثل هذه المراكز البحثية والمخابراتية الإسرائيلية المشبوهة، تحمل بين سطورها وكلماتها الكثير من الأهداف والمخططات السرية، التي يمكن استقرائها بسهولة، وأن الهدف من نشر هذه النوعية من الدراسات هو من قبيل دس السم في العسل، فإسرائيل لا تهمها علاقات علنية جيدة بينها وبين إيران بقدر أن يتم تحقيق مصالحهما معاً حتى ولو بدت للجميع متضاربة، فغرضهما واحد، ألا وهو إضعاف قوة العرب في بقعة غالية من أمتنا، وهى منطقة الخليج العربي، وصرف اهتمام قادتها بالقضية الفلسطينية ، قضية العرب الأولى، وتوريطهم في صراعات ونزاعات لا طائل منها، تحقق أغراض إيران في بسط هيمنتها على منطقة الخليج وجعله فارسياً اسماً وفعلاً من جهة، ومن جهة أخرى يستطيع الكيان الصهيوني الاستفراد بالفلسطينيين، وتكريس الاحتلال على أرض أولى القبلتين. فستظل إيران خلال الفترة القادمة ورقة إسرائيل الرابحة في لعبتها ضد العرب لترهيبهم بها ومساومتهم عليها بهدف الحصول على أعلى المكاسب الممكنة.



الكاتب /د. سـامح عبـاس
كاتب مصري وخبير في الشئون الإسرائيلية

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق