الجمعة، 22 أبريل 2011

3 «سيناريوهات» بانتظار سورية أسوأها التقسيم على أسس طائفية!

جريدة الشرق الأوسط اللندنية 18 من جمادى الأولى 1432هـ / 21 من إبريل 2011م

كل شيء وارد وكل الاحتمالات غير مستبعدة والرد على الذين يتساءلون عن نهايات هذه «الثورة» التي باتت تجتاح سورية كلها ولم تعد محصورة في مدينة واحدة أو في مدينتين هو بالتأكيد على أنه لا مجال للعودة إلى ما كان عليه الوضع قبل أن تنطلق الشرارة من «درعا» وتتحول مع الوقت إلى ألسنة نيران متأججة تذرع البلاد طولا وعرضا من بانياس واللاذقية في الغرب إلى دير الزور والقامشلي في الشرق وأن «الجرة لن تسلم هذه المرة» فصورة النظام قد شرخت وهو قد فقد هيبته السابقة، ثم إن ما قدمه من تنازلات سيشجع على طلب المزيد من التنازلات فقوانين الصراع تقول: إنك إن تراجعت أمام خصمك خطوة فإن هذا سيشجعه لمضاعفة الضغط عليك لتتراجع عددا من الخطوات الجديدة.

كان المفترض أن يبادر الرئيس بشار الأسد، بمجرد انفجار الأحداث في تونس، إلى القيام بما وعد أن يقوم به خلال أسبوع في أول اجتماع له بحكومته الجديدة، التي يصفها المعارضون بأنها: «بلا طعم ولا لون ولا رائحة» وأنه لا فرق إطلاقا بينها وبين الحكومة السابقة، وأن يلغي حالة الطوارئ المستمرة منذ أكثر من 40 عاما ويضع حدا لسطوة الأجهزة الأمنية ويطيح برؤوس عدد من رموز الفساد، وبينهم بعض أقرب أقاربه، لكن هذا لم يحصل في الوقت المبكر المفترض فباتت عمليات الترقيع والمعالجة القاصرة، بعد أن التهبت نيران الاحتجاجات على هذا النحو وسالت الدماء بكل هذه الغزارة وللأسف، غير مقنعة بل غير كافية بالنسبة لشعب بقي ينتظر عملية التحول هذه سنوات طويلة.

لقد كان من الممكن لملمة الأمور ببعض الإجراءات التسكينية لو لم تواجه الاحتجاجات والمظاهرات فور اندلاعها في درعا بالرصاص والعنف والقبضة الحديدية ولو لم تسل الدماء بغزارة ويسقط عدد كبير من الشهداء وأيضا لو لم تكن هناك تلك الحبكة الإعلامية، غير المهنية فعلا، التي تحدثت عن أسلحة جاءت من الخارج في إطار مؤامرة على «القطر» والتي تحدثت أيضا عن عصابات مسلحة قامت بإطلاق نيران أسلحتها على رجال الأمن والمتظاهرين في الوقت نفسه وعلى سيارات الإسعاف، فهذه «فبركات» إن كان ممكن تسويقها على بعض المراقبين من الخارج فإنه غير ممكن وعلى الإطلاق لا تمريرها ولا تسويقها لا على من يصنعون هذا الحدث ولا على الذين يراقبونه عن قرب.

غير معروف كيف استطاع المحيطون بالرئيس بشار إقناعه، حتى بعد أن اتخذت أحداث تونس المنحى الذي اتخذته وبخاصة بعد هروب الرئيس زين العابدين بن علي وحتى بعد تنحي الرئيس حسني مبارك أو تنحيته، بأن سورية بعيدة عن ألسنة النيران التي بدأت في اجتياح دول المنطقة كلها دولة بعد دولة وأنها ستسلم حتما من هذا «التسونامي» السياسي المدمر ما دام أنها دولة «ممانعة» وما دام أنها تحتضن المقاومة الفلسطينية وتدعم «المقاومة اللبنانية» وطالما أنها تحتل موقعا متصادما مع الولايات المتحدة وكل قوى الاستكبار العالمي وأنها متحالفة مع «إيران الثورة»!!

لم يكن يهم المحيطون بالرئيس بشار الأسد، من منهم على رأس الهرم الإعلامي ومن منهم على رأس هرم السياسة الخارجية وعلى رأس الهرم الاستخباري والأمني، سوى أن يسلموا بجلودهم وكان المفترض أن يصارح هؤلاء رئيسهم بالحقيقة وأن يؤكدوا له أنه إذا بدأت النيران تجتاح دول المنطقة العربية فإنها ستصل إلى سورية لا محالة وأن عمليات الدفاع الإيجابي يجب أن تبدأ على الفور وأن البداية يجب أن تكون التخلص وبسرعة من الأحكام العرفية ومن حالة الطوارئ الجاثمة على صدور السوريين منذ نحو نصف قرن وأنها يجب أن تكون أيضا بفتح أبواب السجون والزنازين وإطلاق المعتقلين بتهم سياسية وإدخال البلاد في حالة من الارتياح لتصبح هناك إمكانية للمعالجة السياسية الهادئة ولحل عقدة الحريات العامة بالأصابع قبل أن تزداد تعقيدا ويصبح لا مجال لحلها إلا باللجوء إلى الأسنان.

إن هذا لم يحدث وإن ما زاد الطين بلة هو أن هؤلاء المحيطين بالرئيس السوري قد أشاروا عليه بأن يفعل بدرعا ودوما وبانياس ما فعله والده بحماة وأن يلجأ إلى أسلوب الصعقة الكهربائية وأن يضرب بكل عنف وقوة «فالعرب لا يساسون إلا بالعصا ولا ينفع معهم إلا العنف» وهذا هو ما تم حيث عمل بشار الأسد، الشاب المتفتح المنفتح الذي من المفترض أنه ابن هذه المرحلة وابن الألفية الثالثة وأنه قريب جدا من مفاهيم شباب ظاهرة الثورات المتنقلة وشباب ميدان التحرير في القاهرة وميدان التغيير في صنعاء، بما أشار عليه به رموز بطانته فواجه انتفاضة درعا السلمية بالرصاص الحي وبقسوة متناهية الشدة ظنا منه أن هذا سيمنع المدن الأخرى من الالتحاق بتجربة هذه المدينة الحدودية الحورانية الصغيرة.

والأسوأ من هذا أنه بمجرد انطلاق شرارة الثورة (الثورة العربية الجديدة) من قرية سيدي بوزيد في الجنوب التونسي، التي كان سلاحها الفضائيات والتقنيات الإعلامية المتقدمة والـ«فيس بوك» والـ«تويتر» والتي انتقلت خلال أيام قليلة إلى مصر، بادر نظام الرئيس بشار الأسد إلى صب جام غضبه على الشابة طل دوسر خالد الملوحي مواليد مدينة حمص في نوفمبر (تشرين الثاني) عام 1991 واتهمها بالتخابر مع الاستخبارات الأميركية (سي آي إيه) بواسطة الشبكة العنكبوتية (الإنترنت) والحكم عليها بالسجن لخمسة أعوام والهدف بالطبع هو إخافة شباب سورية والردع المسبق لكل من تسول له نفسه باستخدام هذا الاختراع الجهنمي لنقل ظاهرة الثورة الشبابية إلى بلد يعاني شعبه من احتقانات كثيرة.

لم يدرك ولم يعرف هؤلاء الذين أشاروا على الرئيس الأسد بضرورة استخدام القوة المفرطة المبكرة، لزرع الرعب في صدور السوريين وتحصينهم ضد انتقال عدوى ثورة تونس وثورة مصر إليهم، أنهم بدل إطفاء النيران المتأججة قد زادوها اشتعالاً وأنهم لم يدركوا أن العنف لا يولد إلا العنف وأن الرصاص الحي الذي استخدم في درعا واللاذقية ودوما وبانياس قد جعل المتظاهرين والمحتجين يستبدلون الشعارات المطلبية المتواضعة والمعقولة، والتي كان بالإمكان تلبيتها بكل هدوء ومن دون أن يحدث كل هذا الذي حدث، بهتافات إسقاط النظام التي باتت تتردد في كل الأرجاء السورية من دير الزور شرقًا وإلى اللاذقية في الغرب.

وهكذا، فقد أصبح الوضع بمثابة «فالج لا تعالج» وباتت هناك، بعد أن وصلت الأمور إلى ما وصلت إليه، 3 «سيناريوهات» أولها أن يضطر الرئيس بشار الأسد إلى فعل ما فعله زميلاه زين العابدين بن علي وحسني مبارك وأن يغادر مواقع المسؤولية ويبحث عن إقامة مريحة في دنيا الله الواسعة وحقيقة أن هذا قد يكون مستبعدًا بسبب تركيبة سورية الديموغرافية المعروفة التي تملي على الممسكين بالحكم فعلا القتال ومواصلة القتال حتى آخر رمق وحتى إن لم يبق في البلاد حجر على حجر!!

هذا هو «السيناريو» -التصور- الأول، أما التصور الثاني فهو أن يبادر بعض ضباط الطائفة العلوية بواجهة من أصحاب الرتب العالية من الطائفة السنية إلى الانقلاب على هذا النظام الذي تعتبره غالبية العلويين نظام تحالف عائلتي الأسد ومخلوف وذلك إنقاذًا لطائفتهم من مصير مجهول إن بقيت الأمور تسير في هذا المنزلق الذي تسير فيه. وحقيقة فإن هذا هو أكثر التوقعات احتمالاً وذلك بالاستناد إلى عدد من التجارب السابقة وفي مقدمتها تجربة انقضاض الرئيس حافظ الأسد الذي كان يومها وزيرًا للدفاع وعضو القيادة القومية للحزب وقائد سلاح الجو على نظام الثالث والعشرين من فبراير (شباط) الذي كان يعتبر نظام اللواء صلاح جديد الذي كان ألمع ضباط هذه الطائفة العلوية مع أنه غير طائفي.

أما «السيناريو» -التصور- الثالث فهو أن تؤدي التطورات من سيئ إلى الأكثر منه سوءًا إلى خيار التقسيم وإنشاء دويلة طائفية علوية في جبال النصيريين مقابل قيام دولة طائفة سنية على باقي ما تبقى من سورية. وحقيقة فإن هذا إن هو حصل فإنه سيكون كارثة الكوارث وإنه سيكون بداية تحقيق حلم إسرائيل القديم بتمزيق هذه المنطقة طائفيا وتحويلها إلى ما يمكن اعتباره «كومنويلث» طائفي تأخذ فيه الدولة اليهودية مكانة ووضعية بريطانيا في الـ«كومنويلث» البريطاني.


الكاتب / صالح القلاب

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق