الأحد، 17 أبريل 2011

الأمن الخليجي والخيارات الإيرانية

محرر الشؤون الدبلوماسية
«ايران لا تشكل تهديداً لأي دولة في المنطقة.. ونحن مستعدون لحل كل الخلافات بالوسائل الدبلوماسية.. لنجلس معاً في حال وجود قدر من انعدام الثقة».
هذا ملخص لتصريحين صادرين عن مسؤول عسكري (نائب قائد القوة البرية العميد كيومرت حيدري)، ووزير الخارجية علي أكبر صالحي، في خضم الأحداث الدائرة في البحرين، والمواقف المتتالية من تدخل «قوة درع الجزيرة»، وانكشاف شبكة التجسس الايرانية في الكويت.
التطمينات الايرانية جاءت مترافقة مع اتهام قوى دولية (أميركا وسواها) بمحاولة تخريب علاقة طهران مع المحيط. لكنها جاءت في ظل تصاعد تدريجي في لهجة الخطاب السياسي الايراني تجاه دول المنطقة، وبخاصة تجاه المملكة العربية السعودية، وبذرائع متعددة ومتشعبة. ولا ننسى أن الجهود المكثفة التي يبذلها مجلس التعاون الخليجي لحل الأزمة في اليمن تنم عن رغبة في تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة، وتشكل رداً ضمنياً على محاولات إضعاف مجلس التعاون أو التشكيك في مصداقية دوره ومكانته في المنطقة.
حماية الاستقرار البحريني
بعض الخبراء أكدوا لنا أن وضع اليمن يختلف عما هو حاصل في البحرين، «فالخليجي» لا يسعه إرسال قوات إلى الجار اليمني، لكنه بعث بأكثر من رسالة، وقام بأكثر من مسعى، وكلها اصطدمت ضمنا بشروط الرئيس علي عبدالله صالح للتنحي، كما اصطدمت بمخاوف بعض قوى المعارضة من بقاء رموز الرئيس الحالي في سدة الحكم.. اما المبادرات الخليجية المتعلقة بالبحرين فإنها تتعاطى مع ثلاثة اعتبارات ضمنية.
1 ــ أنها تشكل تتويجا لدور «درع الجزيرة»، وربما تكون منطلقا لمناقشات لاحقة تتعلق بتطوير قدرات هذه القوة الموحدة وأدائها ومجالات تدخلها.
2 ــ أنها تشكل حماية للأمن البحريني (من دون التدخل في المجال الداخلي)، وضمانة لوضع حد لأي تدخل خارجي.. وفي هذا المجال فقد تدرجت المواقف الإيرانية بين ليونة وتصلب، وكما سيأتي بيانه.. برزت تداعيات متعددة أخذ بعضها الطابع المذهبي، وصولاً الى النداء الذي وجهه الامين العام لحزب الله حسن نصرالله وكان له ردود فعل عاجلة يدفع ثمنها اللبنانيون وغيرهم.
3 ــ إرسال «درع الجزيرة» الى البحرين جاء متزامنا مع مشاركة خليجية، معنوية في معظمها في الأزمة الليبية، بدءا بالمشاركة في تأمين الغطاء العربي لتدخل المجتمع الدولي لوقف مجازر «كتائب القذافي» غير ان دولا في المجلس في مقدمتها قطر كان لها دور مباشر في تأمين الغطاء الجوي فوق الأراضي الليبية.
اليمن ولغز «نقل السلطة»
بالطبع، فإن مصير الوضع في اليمن ينتظر تطويراً للتحرك الخليجي، ويحتاج إلى سياسة «النفَس الطويل». وعلى حد تعبير الناطق باسم أحزاب اللقاء المشترك المعارض محمد قحطان، فإن بعض البنود تحتاج الى مزيد من التدقيق، وان هناك بعض الفوارق بين ما تسلمناه (من الوفد الخليجي) وما أوردته وسائل الإعلام، مشيرا إلى ان الدستور اليمني يلحظ نقل الصلاحيات في حالتين فقط: تفويض الرئيس «بعض الصلاحيات» إلى نائبه، والاستقالة أو خلو الرئاسة (بسبب الوفاة مثلا).
أما تجمعات الشباب فقد تكون اكثر تحفظا، واكثر تشاؤما، في حال استمرار بقاء «رموز صالح» في السلطة ولو ضمن حكومة يرأسها أحد زعماء أحزاب المعارضة. وفي ظل الصراعات المتفجرة بين القوات الموالية للسلطة والجيش المنسق (بقيادة اللواء علي محسن الاحمر) فإن هناك مخاوف جدية لدى أوساط يمنية عدة، وكذلك لدى «التعاون الخليجي» من دخول اليمن في نفق مظلم، عبر حرب أهلية تتداخل فيها الاعتبارات القبلية والشخصية والمناطقية.
الكويت: البداية بالجهد الإنمائي
إذن، الخليجيون مصممون على المضي في المساعي لإنقاذ الجار اليمني وبأقل قدر من الدماء. أما الجهود المبذولة في البحرين فهي متواصلة عسكريا لكنها قد تكون في حاجة إلى جهود دبلوماسية ومساعدات إنمائية للبحرين. وللكويت دور طليعي في هذا النوع من المساعدات. وخلال القمة الاقتصادية العربية التي استضافتها الكويت، كان هناك اصرار على دور التنمية الاقتصادية في معالجة الأزمات، وفي صون استقرار الدول. ولكن من كان يتصور اندلاع مسلسل الانتفاضات والاضطرابات بعد الشرارة التونسية؟ ومن كان يتخيل ان تعتبر ايران نفسها منتصرة بفعل هذا الزلزال وحلقاته المتلاحقة، وهي الخائفة اصلا من الاحتجاجات في الداخل الإيراني، وها ان اثنين من قادة المعارضة موضوعان في غياهب السجن أو الحجر أو العزل؟! والآن، لا ندري كيف دخلت إيران على خط الخلافات أو التباينات ذات الطابع المذهبي في أنحاء من المنطقة حتى ان صحيفة «كيهان العربي» المقربة من المرشد خامنئي بادرت الى التهجم على ما اسمته «قوى الظلام السلفي في مصر» ومحاولته «هدم قبور بعض الأولياء والصالحين». وتطرقت في مقال لها الى «التحرك الطائفي الحاقد»، وان تلك الحركة «لا تعتقد بما يعتقد به المسلمون بل انهم شكلوا هذه الحركة بمباركة بريطانية»، على حد قول «كيهان العربي»، مكررة نداء مفتي مصر الى «قطع دابر الفتنة».
دعم إيران لقوى سنية ومسيحية
ولكن، هل ان «قطع دابر الفتنة» هو النمط السائد في الخطاب السياسي الإيراني، وفي التصرفات والسياسات المتبعة تجاه هذا البلد أو ذاك؟
قد يأتي من يقول ان طهران لا تساعد، فقط، قوى تنتمي الى الشيعة سواء في المنطقة أو خارجها. وقد يصل الى القول ان ايران سواء قبل الرئيس محمود أحمدي نجاد أو بعده – قدمت المساعدات الى تنظيمات ذات طابع سني، أو حتى مسيحي، في المنطقة وخارجها، مثلما ساعدت قوى معروفة بتوجهاتها الشيعية. هذا صحيح الى حد بعيد، يكفي التذكير بدعم ثوار البوسنة والهرسك، وبمساندة حركة حماس في فلسطين، والجنرال ميشال عون، وقوى مسيحية أخرى في لبنان، فضلا عن بعض التنظيمات السنية المعارضة للرئيس سعد الحريري.. الخ، لكن هذا لا يمنع – حسب قول أحد الخبراء – ان المنحى العام للمساعدة الإيرانية يصب في منحى مذهبي في بعض الحالات، وبعض الأزمات المتفجرة.
من التهدئة إلى التصعيد
يبقى ان نشير الى التدرج الذي شهدته المواقف الإيرانية تجاه دول الخليج العربية، وتجاه الوضع في البحرين وسواها، فقد استدعت طهران سفيرها في المنامة احتجاجا على ما اسمته بقمع المتظاهرين الشيعة. جاء ذلك اثر تحذيرات أطلقها أحمدي نجاد ضد «التدخل السعودي – الإماراتي في البحرين»، يأتي ذلك بعد أيام طويلة من الصمت أو التريث ازاء الأحداث الجارية، والاكتفاء بتلميحات مبطنة وانتقادات غير مباشرة لبعض الدول الخليجية، بعدها شرع أحمدي نجاد في «تسخين» اللهجة، داعيا الخليجيين الى نزع ثقتهم بالولايات المتحدة، ووصل الأمر بوزير الدفاع الى حد القول ان «التدخل الخليجي سيدمر شرعية الحكومة البحرينية بدلاً من تعزيزها»، وان ما حصل «هو خطأ استرايتجي وسياسي». ووصل الدور الى مساعد قائد الحرس الثوري الجنرال يد الله جواني ليعلن ان الحركة الاحتجاجية تهدد مصالح واشنطن التي «قد تخسر قاعدة مهمة في المنطقة»، في تلميح الى مقر الأسطول الخامس الأميركي الموجود في البحرين.
توضيحات خليجية
أحد كبار المعنيين بالأمن الخليجي عندما سألناه عن هذا الجانب من التحذيرات أفادنا بما يلي:
• أولاً: لا أحد في المنطقة العربية، سواء من المعارضين أو من ممثلي الأنظمة، قد طرح مطالب تتعلق بالولايات المتحدة، أو حتى بالسلام الشرق أوسطي.
ثانياً: مسألة «تدمير شرعية الحكومة البحرينية» ينبغي فهمها بصورة معكوسة، فمعروف من الذي كان يسعى الى تدميرها.
• ثالثاً: القاعدة العسكرية الأميركية في البحرين لم ولن تتدخل في أي نزاع داخلي، كما ان السلطات البحرينية لا تشرك الأميركيين في أي قرار تتخذه.
بالوسائل الدبلوماسية
خلاصة القول ان الوضع في الخليج وجواره، بما فيه اليمن، سيشهد مزيدا من حالات الصعود والهبوط، لا سيما في العلاقة مع قوى محلية نافذة، ومع إيران بالطبع، وانه في نهاية المطاف من الأفضل ان يضع الجانب الإيراني موضع التطبيق تصريحاته وتأكيداته القائلة بضرورة حل الخلافات مع الدول العربية بالوسائل الدبلوماسية.
 


نقلا عن القبس الكويتية
يوم 14 أبريل 2011.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق